النوال... (241) (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (241)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الحجر": (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ)
وقال في "الشعراء": (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)

القول الراجح في قوله: (نسلكه) أنه يعود إلى الكفر والاستهزاء.
والمعنى: كما سلكنا الكفر والاستهزاء في شيع الأولين كذلك نسلكه في قلوب المشركين من قومك.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (نسلكه) أي: ندخله.
يقال: سلكت الخيط في الإبرة إذا أدخلته فيها.
قال تعالى: (ما سلككم في سقر) أي: ما أدخلكم فيها.

وقد اختلف المفسرون في الضمير في قوله: (نسلكه) هل يعود إلى الكفر والاستهزاء, أم إلى القرآن على قولين:

القول الأول: أنه يعود إلى الكفر والاستهزاء.
والمعنى: كما سلكنا الكفر والاستهزاء في شيع الأولين كذلك نسلكه في قلوب المشركين من قومك. (اقتصر عليه ابن جرير*, والبغوي*, وابن كثير*) (ورجحه الرازي*)
وهذا هو القول الراجح.
وليس هذا القول بغريب فهو كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)
وقوله: (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)
وقوله: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ)

القول الثاني: أنه يعود إلى الذكر الذي هو القرآن.
والمعنى: هكذا ندخل الذكر في قلوب المجرمين, ندخله حال كونه مكذباً مستهزأ به, ولا يستقر في عقولهم استقرار تصديق به. (اقتصر عليه الزمخشري*, وابن عاشور*) (ورجحه الشنقيطي* عند تفسير آية الشعراء) (وضعفه الرازي*)
(وذكر القولين الماتريدي*, وابن عطية*, والقرطبي*) (ودمج صاحب الظلال* بين القولين)

قال الزمخشري: "نسلك الذكر في قلوب المجرمين على معنى أنه يلقيه في قلوبهم مكذباً مستهزآ به غير مقبول، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت: كذلك أنزلها باللئام، تعنى مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية".

وقال ابن عاشور: "أي مثل السلك الذي سنصفه نسلك الذكر في قلوب المجرمين، أي: هكذا نولج القرآن في عقول المشركين، فإنهم يسمعونه ويفهمونه إذ هو من كلامهم ويدركون خصائصه, ولكنه لا يستقر في عقولهم استقرار تصديق به بل هم مكذبون به وبهذا السلوك تقوم الحجة عليهم بتبليغ القرآن إليهم ويعاد إسماعهم إياه المرة بعد المرة لتقوم الحجة.
فضمير {نَسْلُكُهُ} و{بِهِ} عائدان إلى {الذِّكْرَ} الذكر في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} أي القرآن".

قال الرازي: "لا يجوز أن يكون الضمير في قوله: (نسلكه) عائداً على الذكر، ويدل عليه وجوه:
الوجه الأول: أن قوله: (كذلك نسلكه) مذكور بحرف النون، والمراد منه إظهار نهاية التعظيم والجلالة، ومثل هذا التعظيم إنما يحسن ذكره إذا فعل فعلا يظهر له أثر قوي كامل بحيث صار المنازع والمدافع له مغلوباً مقهوراً. فأما إذا فعل فعلاً ولم يظهر له أثر البتة، صار المنازع والمدافع غالبا قاهراً، فإن ذكر اللفظ المشعر بنهاية العظمة والجلالة يكون مستقبحاً في هذا المقام، والأمر هاهنا كذلك لأنه تعالى سلك إسماع القرآن وتحفيظه وتعليمه في قلب الكافر لأجل أن يؤمن به، ثم إنه لم يلتفت إليه ولم يؤمن به فصار فعل الله تعالى كالهدر الضائع، وصار الكافر والشيطان كالغالب الدافع، وإذا كان كذلك كان ذكر النون المشعر بالعظمة والجلالة في قوله: (نسلكه) غير لائق بهذا المقام، فثبت بهذا التأويل الذي ذكروه فاسد.
والوجه الثاني: أنه لو كان المراد ما ذكروه لوجب أن يقال: (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) ولا يؤمنون به، أي: ومع هذا السعي العظيم في تحصيل إيمانهم لا يؤمنون أما لم يذكر الواو فعلمنا أن قوله: (لا يؤمنون به) كالتفسير والبيان لقوله: (نسلكه في قلوب المجرمين) وهذا إنما يصح إذا كان المراد أنا نسلك الكفر والضلال في قلوبهم.
والوجه الثالث: أن قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر) بعيد، وقوله: (يَسْتَهْزِءُونَ) قريب، وعود الضمير إلى أقرب المذكورات هو الواجب".

وقوله: (لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ) تفسير وبيان لقوله: (نسلكه في قلوب المجرمين) أي: سلكنا الكفر والاستهزاء في شيع الأولين وفي قلوب المشركين فلا يمكن حينئذ أن يؤمنوا.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى