النوال... (232) (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (232)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الواقعة": (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ)

القول الأقرب في الآية أن قوله: {وما نحن بمسبوقين} متعلق بما بعده.
والمراد: نحن قدرنا الموت على الإنسان في الدنيا, ولسنا بعاجزين على تبديله وإعادته وخلقه مرة ثانية بأبدان جديدة وصفات وأحوال ونشأة مختلفة, وهي النشأة الآخرة التي لا تعلمون كيفيتها وكنهها.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي: ما نحن بمغلوبين ولا عاجزين.
فإن من سُبِق إلى الشيء فقد غُلِب وعجز عن إدراكه.
قال الزمخشري: "سبقته على الشيء: إذا أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه".
فالمعنى أننا قادرون على ذلك لا يغلبنا أحد عليه ولا يعجزنا.

وقوله: (أمثالكم) جمع مِثْل بكسر الميم وسكون الثاء, وهو النظير، أي: نبدل بكم أمثالكم, فنخلق ذوات مماثلة لذواتكم التي كانت في الدنيا.

وقد اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن قوله: {وما نحن بمسبوقين} متعلق بما بعده.
والمعنى: نحن قدرنا الموت على الإنسان في الدنيا, ولسنا بعاجزين على تبديله وإعادته وخلقه مرة ثانية بأبدان جديدة وصفات وأحوال ونشأة مختلفة, وهي النشأة الآخرة التي لا تعلمون كيفيتها وكنهها. (ذكره الرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*) (واقتصر عليه ابن كثير*)
وهذا القول هو الأقرب.

قال ابن كثير: "نغير خلقكم يوم القيامة، {وننشئكم في ما لا تعلمون} أي: من الصفات والأحوال".

قال القرطبي: "قيل: المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا...، وقيل: المعنى ننشئكم في عالم لا تعلمون، وفي مكان لا تعلمون".

وقال الرازي: "وما نحن بمغلوبين عاجزين عن خلق أمثالكم وإعادتكم بعد تفرق أوصالكم"

وقال ابن عاشور: "أي نخلق ذوات مماثلة لذواتكم التي كانت في الدنيا ونودع فيها أرواحكم... فتبديل أمثالهم خلق أجساد أخرى تودع فيها الأرواح، وأما إنشاؤهم فهو نفخ الأرواح في الأجساد الميتة الكاملة وفي الأجساد البالية بعد إعادتها بجمع متفرقها أو بإنشاء أمثالها من ذواتها"

(واقتصر عليه صاحب الظلال*) لكنه ذكر هذا التفسير لقوله: (وننشئكم...) أما قوله: (نبدل أمثالكم) ففسره على أن المراد إيجاد بدلكم من الناس لعمارة الأرض والخلافة فيها بعدكم.
وهذا نص قوله: "«عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ» لعمارة الأرض والخلافة فيها بعدكم. والله الذي قدر الموت هو الذي قدر الحياة. قدر الموت على أن ينشئ أمثال من يموتون، حتى يأتي الأجل المضروب لهذه الحياة الدنيا.. فإذا انتهت عند الأجل الذي سماه كانت النشأة الأخرى: «وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ»"

القول الثاني: أن قوله: {وما نحن بمسبوقين} متعلق بما بعده كالقول السابق.
ولكن المعنى: وما نحن بمسبوقين ولا عاجزين عن إبدالكم بأمثالكم.
يعني نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم، وننشئكم في ما لا تعلمون من الصور، قال مجاهد: في أي خلق شئنا. (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن عاشور*) (واقتصر عليه الزمخشري*)

ويدخل في هذا القول قول من قال: ننشئكم فيما لا تعلمون من صور ذميمة قبيحة, كالقردة والخنازير، ونحوها. (ذكره الماتريدي* وأشار إلى ضعفه) (وذكره البغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, والشنقيطي*)

القول الثالث: أن قوله: {وما نحن بمسبوقين} متعلق بما قبله.
والمعنى: (وما نحن بمسبوقين) في تقدير الموت وتحديد آجالكم.
(على أن نبدل منكم أمثالكم) بعد مهلككم فنجيء بآخرين من جنسكم.
وقوله: (وننشئكم فيما لا تعلمون) نبدلكم فيما لا تعلمون من الصور. (اقتصر عليه ابن جرير*) (وذكره والرازي*, والقرطبي*, والشنقيطي*)

فائدة:
قال ابن عاشور: "في كلمة ( بينكم) معنى آخر، وهو أن الموت يأتي على آحادهم تداولاً وتناوباً، فلا يفلت واحد منهم ولا يتعين لحلوله صنف ولا عمر فآذن ظرف (بين) بأن الموت كالشيء الموضوع للتوزيع لا يدري أحد متى يصيبه قسطه منه، فالناس كمن دعوا إلى قسمة مال أو ثمر أو نعم لا يدري أحد متى ينادى عليه ليأخذ قسمه، أو متى يطير إليه قطه ولكنه يوقن بأنه نائله لا محالة.
وبهذا كان في قوله: بينكم الموت استعارة مكنية إذ شبه الموت بمقسوم ورمز إلى المشبه به بكلمة بينكم الشائع استعمالها في القسمة، قال تعالى: (أن الماء قسمة بينهم)".

قال صاحب الظلال:
"«وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ» في ذلك العالم المغيب المجهول، الذي لا يدري عنه البشر إلا ما يخبرهم به اللّه. وعندئذ تبلغ النشأة تمامها، وتصل القافلة إلى مقرها.
هذه هي النشأة الآخرة .. «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ!» .. فهي قريب من قريب. وليس فيها من غريب.
بهذه البساطة وبهذه السهولة يعرض القرآن قصة النشأة الأولى والنشأة الآخرة.
وبهذه البساطة وهذه السهولة يقف الفطرة أمام المنطق الذي تعرفه، ولا تملك أن تجادل فيه. لأنه مأخوذ من بديهياتها هي، ومن مشاهدات البشر في حياتهم القريبة. بلا تعقيد. ولا تجريد. ولا فلسفة تكد الأذهان، ولا تبلغ إلى الوجدان ..
إنها طريقة اللّه. مبدع الكون، وخالق الإنسان، ومنزل القرآن ..".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى