النوال... (231) (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ ومستودع)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (231)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الأنعام" (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ)
وقال تعالى في سورة "هود": (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)

أقرب الأقوال والعلم عند الله في قوله: (فمستقر ومستودع) أن المراد بالمستقر هو الاستقرار في الدنيا, كما قال تعالى: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)، والمستودع حيث ينتقل بالموت.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في قوله: (فمستقر ومستودع) اختلافاً كثيراً, واضطربت فيه الأقوال:
فقيل: المستقر في الأرحام، والمستودع في أصلاب الآباء. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*) (ورجحه ابن كثير*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)

وقيل: (العكس) أي: المستقر في الأصلاب، والمستودع في الأرحام. (ذكره البغوي*, والرازي*, وابن كثير*) (وذكره الماتريدي*, وابن عطية* عند آية "هود")

وقيل: المستقر فوق الأرض، والمستودع في الأصلاب (ذكره ابن جرير*, والقرطبي*)

وقيل: المستقر في الرحم, والمستودع فوق الأرض. (ذكره البغوي*)

وقيل: (العكس) أي: المستقر في الأرض, والمستودع في الرحم. (ذكره ابن عطية*) (واقتصر عليه ابن عاشور* عند آية "هود")

وقيل: المستقر في الرحم، والمستودع حيث يموت. (ذكره ابن جرير*, والقرطبي*) (وذكره البغوي* عند آية "هود")

وقيل: المستقر في الرحم، والمستودع في القبر. (ذكره البغوي*)

وقيل: المستقر في القبر، والمستودع في الدنيا. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*)

وقيل: المستقر في الآخرة, والمستودع في الدنيا. (ذكره الماتريدي*)

وقيل: المستقر في الآخرة, والمستودع في الأصلاب. (ذكره ابن عطية*)

وقيل: المستقر في الجنة والنار, والمستودع في القبر. (ذكره البغوي*) (وذكره القرطبي* عند آية "هود")

وقيل: المستقر استقراره وتقلبه في الحياة، والمستودع حيث ينتقل بالموت (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (وذكره الماتريدي*, عند آية "هود")
وهذا أقرب الأقوال والعلم عند الله.
فالمراد بالمستقر هو الاستقرار في الدنيا, كما قال تعالى: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين).
والمستودع هو الانتقال إلى ما بعد ذلك الاستقرار.
وجاء اللفظ المفيد للاستيداع إشارة إلى الانتقال بعد الاستقرار في الدنيا.
لأن لفظ الوديعة يفيد معنى الانتقال.

وهذا القول يدخل فيه كثير من الأقوال المذكورة, فالمراد والله أعلم بيان شمول علم الله الذي لا يخفى عليه شيء من مخلوقاته.
كقوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

قال ابن عاشور: "والأظهر أن لا يقيد الاستيداع بالقبور بل هو استيداع من وقت الإنشاء، لأن المقصود التذكير بالحياة الثانية، ولأن الأظهر أن الواو ليست للتقسيم بل الأحسن أن تكون للجمع، أي: أنشأكم فشأنكم استقرار واستيداع فأنتم في حال استقراركم في الأرض ودائع فيها ومرجعكم إلى خالقكم كما ترجع الوديعة إلى مودعها. وإيثار التعبير بهذين المصدرين ما كان إلا لإرادة توفير هذه الجملة"اهـ

ومثل ذلك قوله تعالى في سورة "هود": (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
فالمراد كل ما دب وتحرك على الأرض من إنسان وحيوان وزاحفة وهامة فالله عالم به في حال الحياة, وحال نهايته وانتقاله إلى ما بعد الحياة.

والمفسرون ذكروا بعض الأقوال التي ذكرت في آية "الأنعام", لكن زادوا هنا بعض الأقوال:
فقيل: (مستقرها) أيام حياتها (ومستودعها) حيث تموت. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والقرطبي*)
وهذا هو الأقرب كما سبق.

وقيل: (مستقرها) حيث تستقر فيه وتأوي إليه (ومستودعها) الموضع الذي تدفن فيه إذا ماتت. (رجحه ابن جرير*) (وذكره البغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)

وقيل: (مستقرها) منتهى سيرها في الأرض، (ومستودعها) الذي تأوي إليه من وكرها. (ذكره ابن كثير*, وصاحب الظلال*)

وقيل: (مستقرها) مكانها من الأرض ومسكنها، (ومستودعها) حيث كان مودعاً قبل الاستقرار، من صلب، أو رحم أو بيضة (ذكره الزمخشري*, والرازي*)
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى