النوال... (230) (كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (230)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
(كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ)
(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)
أقرب الأقوال والله أعلم في قوله: (سِجِّينٍ) أنه كتاب جامع وهو ديوان الشر. فالمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان.
وفي قوله: (عِلِّيِّينَ) أنه ديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عمله صلحاء الثقلين. (وهذا قول الزمخشري كما سياتي)

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (كِتَابٌ مَرْقُومٌ) أي: مكتوب فيه أعمالهم مثبتة عليهم كالرقم في الثوب.
و(سِجِّينٍ) "فعيل" من السجن، كما يقال: رجل سِكِّير من السكر، وفِسيق من الفسق.
و(عِلِّيُّونَ) من العلو والسمو والارتفاع.

وقوله: (كِتَابٌ مَرْقُومٌ) هل هو تفسير لسجين وعليين أم بيان لكتاب الفجار وكتاب الابرار؟
اختلف في ذلك على قولين:
فقيل: ليس تفسيراً لسجين بل هو بيان للكتاب المذكور في قوله: (إن كتاب الفجار) أي: هو كتاب مرقوم.
وتقدير الآية: إن كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين, وكتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين.
(وهذا قول الماتريدي*, والبغوي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)

وقيل: بل هو تفسير لسجين وعليين كما هو ظاهر الآية (وهو قول الزمخشري*, والرازي*) (وذكر القولين القرطبي*, وابن عطية*)
وهذا هو الأقرب والمتبادر.

ويقويه أنه يأتي كثيراً في القران (وَمَا أَدْرَاكَ) ويكون ما بعدها بيان.
كقوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ)
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ)
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ)
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ)
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ)
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ)

واختلف المفسرون في المراد بقوله: (لَفِي سِجِّينٍ) على أربعة أقوال:
القول الأول: أن سجين الأرض السابعة السفلى. (رجحه ابن جرير*, وابن كثير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)

قال ابن كثير: "والصحيح أن "سجيناً" مأخوذ من السجن، وهو الضيق، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق، حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة".

القول الثاني: أنه جبّ في جهنم (ذكره ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*)
(وضعفه ابن كثير*) فقال: "روى ابن جرير في ذلك حديثاً غريباً منكراً لا يصح"

قال الماتريدي: "وجائز أن يكون السجين الموضع الذي أعد للكافر في الآخرة للعذاب"

القول الثالث: أن المراد بقوله: (سِجِّينٍ) الخسار والضلال. (ذكره البغوي*, والقرطبي*, وابن عطية*)

قال الماتريدي*: "منهم من قال: هو على التمثيل ليس على تحقيق المكان في العليين، وذلك لأن السجن هو مكان أهل الخبث في الدنيا، فمثلت أعمالهم بذلك لخبثها وقبحها، ومثلت أعمال الأبرار بما ذكر من العليين، وذلك مكان أهل الشرف وأولي القدر، فيكون ذلك كناية عن طيب أعمالهم".

قال القرطبي: "قيل: هو ضرب مثل وإشارة إلى أن الله تعالى يرد أعمالهم التي ظنوا أنها تنفعهم".

ونحوه قول من قال: في حبس وضيق شديد. (ذكره البغوي*, والقرطبي*)
قال القرطبي: "والمعنى: كتابهم في حبس، جعل ذلك دليلاً على خساسة منزلتهم"

وقال الرازي: "قد ذكرنا أن الله تعالى أجرى أموراً مع عباده على ما تعارفوه من التعامل فيما بينهم وبين عظمائهم. فالجنة موصوفة بالعلو والصفاء والفسحة وحضور الملائكة المقربين، والسجين موصوف بالتسفل والظلمة والضيق وحضور الشياطين الملعونين، ولا شك أن العلو والصفاء والفسحة وحضور الملائكة المقربين كل ذلك من صفات الكمال والعزة، وأضدادها من صفات النقص والذلة، فلما أريد وصف الكفرة وكتابهم بالذلة والحقارة قيل: إنه في موضع التسفل والظلمة والضيق وحضور الشياطين، ولما وصف كتاب الأبرار بالعزة قيل: إنه {لَفِي عِلِّيِّينَ} و{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}".

القول الرابع: أنه كتاب جامع وهو ديوان الشر.
فالمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان (وهذا قول الزمخشري*)
قال الزمخشري: "وكتاب الفجار: ما يكتب من أعمالهم.
فإن قلت: قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه في سجين، وفسر سجيناً بكتاب مرقوم، فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم، فما معناه؟
قلت: سجين كتاب جامع هو ديوان الشر: دوّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والانس، وهو كتاب مرقوم مسطور بيّن الكتابة. فالمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان، وسمى سجيناً: فعيلاً من السجن، وهو الحبس والتضييق، لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح كما روي تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم".
وقول الزمخشري هذا هو أقرب الأقوال والله أعلم.
وقد يؤيده ظاهر حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه (فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين)
وفي الفاجر يقول الله عز وجل: (اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى)

واختلفوا في قوله: (إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) على أربعة أقوال أيضاً.
القول الأول: أنه السماء السابعة. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)

القول الثاني: أنه الجنة. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*)

القول الثالث: أنه كناية عن طيب أعمالهم وأنهم أهل الشرف وأولوا القدر وصفاتهم صفات الكمال والعزة
وتوضيح ذلك مر في القول الثالث في بيان قوله (سجين)
كما في قول الما تريدي والرازي والقرطبي.

قال البغوي: "قال بعض أهل المعاني: علو بعد علو وشرف بعد شرف"

القول الرابع: أنه ديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عمله صلحاء الثقلين (وهذا قول الزمخشري*)

قال الزمخشري: "وعليون: علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين، من العلو كسجين من السجن، سمى بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون، تكريماً له وتعظيماً".
وقول الزمخشري هذا هو أقرب الأقوال والله أعلم.

وقوله: (يشهده المقربون) أي: الملائكة المقربون يشهدون هذا الكتاب ويحضرونه ويرونه تشريفاً له وإكراماً.
قال صاحب الظلال: "ويضاف إليه هنا أن الملائكة المقربين يشهدون هذا الكتاب ويرونه. وتقرير هذه الحقيقة هنا يلقي ظلاً كريماً طاهراً رفيعاً على كتاب الأبرار. فهو موضع مشاهدة المقربين من الملائكة، ومتعتهم بما فيه من كرائم الأفعال والصفات. وهذا ظل كريم شفيف، يذكر بقصد التكريم".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى