صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (229)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الأعراف": (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)
القول الأقرب في قوله: (أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) أن المراد نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المراد حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ من العذاب في الآخرة. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (ورجحه ابن عاشور* كما سيأتي)
القول الثاني: أن المراد نصيبهم مما كتب عليهم من الأعمال والشقاء والسعادة. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والماتريدي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
القول الثالث: أن المراد نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل. (رجحه ابن جرير*) (ومال إليه الرازي*, وابن كثير*) (واقتصر عليه الزمخشري*) (وذكره البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*)
(وضعفه ابن عاشور* كما سيأتي)
وهذا القول هو الأقرب.
(واقتصر عليه صاحب الظلال*) وقال: "نالوا نصيبهم من متاع الدنيا الذي كتب لهم، ومن فترة الابتلاء التي قدرها الله، كما نالوا نصيبهم من آيات الله التي أرسل بها رسله"
قال الرازي: "قال بعض المحققين: حمله على العمر والرزق أولى لأنه تعالى بين أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم إلا أن ذلك ليس بمانع من أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفصلاً من الله تعالى لكي يصلحوا ويتوبوا.
وأيضاً فقوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} يدل على أن مجيء الرسل للتوفي كالغاية لحصول ذلك النصيب فوجب أن يكون حصول ذلك النصيب متقدماً على حصول الوفاة والمتقدم على حصول الوفاة ليس إلا العمر والرزق".
وقال ابن كثير: "وهذا القول قوي في المعنى، والسياق يدل عليه، وهو قوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم}
ويصير المعنى في هذه الآية كما في قوله تعالى: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون}
وقوله: {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ}"
قال ابن جرير: "وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله)، فأبان بإتباعه ذلك أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضياً عليهم في الدنيا أن ينالهم، لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسله لتقبض أرواحهم".
وضعف ابن عاشور هذا القول الثالث فقال: "وحمل كثير من المفسرين النصيب على ما ينالهم من الرزق والإمهال في الدنيا قبل نزول العذاب بهم وهو بعيد من معنى الفاء في قوله: (فمن أظلم) ولا أحسب الحادي لهم على ذلك إلا ليكون نوال النصيب حاصلاً في مدة ممتدة ليكون مجيء الملائكة لتوفيهم غاية لانتهاء ذلك النصيب، استبقاء لمعنى الغاية الحقيقية في (حتى).
وذلك غير ملتزم، فإن حتى الابتدائية لا تفيد من الغاية ما تفيده العاطفة كما سنذكره".
وذكر أن المراد أحد معنيين أحدهما هو القول الأول.
فقال: "الكتاب الذي قضاه الله وقدره أي: الكتاب الثابت في علم الله من إحقاق كلمة العذاب عليهم، فنصيبهم منه هو ما أخبر الله بأنه قدره لهم من الخلود في العذاب، وأنه لا يغفر لهم...
والمعنى: إما أن كل واحد من المشركين سيصيبه ما توعدهم الله به من الوعيد على قدر عتوه في تكذيبه وإعراضه، فنصيبه هو ما يناسب حاله عند الله من مقدار عذابه.
وإما أن مجموع المشركين سيصيبهم ما قدر لأمثالهم من الأمم المكذبين للرسل المعرضين عن الآيات من عذاب الدنيا، فلا يغرنهم تأخير ذلك لأنه مصيبهم لا محالة عند حلول أجله، فنصيبهم هو صفة عذابهم من بين صفات العذاب التي عذبت بها الأمم".
وقال: "إن كان الكتاب مستعملاً حقيقة فهو القرآن، ونصيبهم منه هو نصيبهم من وعيده"
قال ابن عاشور: "وجملة (حتى إذا جاءتهم رسلنا) تفصيل لمضمون جملة (ينالهم نصيبهم من الكتاب) فالوقت الذي أفاده قوله: (إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم) هو مبدأ وصف نصيبهم من الكتاب حين ينقطع عنهم الإمهال الذي لقوه في الدنيا.
و(حتى) ابتدائية لأن الواقع بعدها جملة فتفيد السببية، فالمعنى: فـ(إذا جاءتهم رسلنا) إلخ"
قلت: قول الجمهور أوجه وأقوى من قول ابن عاشور.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الأعراف": (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)
القول الأقرب في قوله: (أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) أن المراد نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المراد حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ من العذاب في الآخرة. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (ورجحه ابن عاشور* كما سيأتي)
القول الثاني: أن المراد نصيبهم مما كتب عليهم من الأعمال والشقاء والسعادة. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والماتريدي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
القول الثالث: أن المراد نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل. (رجحه ابن جرير*) (ومال إليه الرازي*, وابن كثير*) (واقتصر عليه الزمخشري*) (وذكره البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*)
(وضعفه ابن عاشور* كما سيأتي)
وهذا القول هو الأقرب.
(واقتصر عليه صاحب الظلال*) وقال: "نالوا نصيبهم من متاع الدنيا الذي كتب لهم، ومن فترة الابتلاء التي قدرها الله، كما نالوا نصيبهم من آيات الله التي أرسل بها رسله"
قال الرازي: "قال بعض المحققين: حمله على العمر والرزق أولى لأنه تعالى بين أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم إلا أن ذلك ليس بمانع من أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفصلاً من الله تعالى لكي يصلحوا ويتوبوا.
وأيضاً فقوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} يدل على أن مجيء الرسل للتوفي كالغاية لحصول ذلك النصيب فوجب أن يكون حصول ذلك النصيب متقدماً على حصول الوفاة والمتقدم على حصول الوفاة ليس إلا العمر والرزق".
وقال ابن كثير: "وهذا القول قوي في المعنى، والسياق يدل عليه، وهو قوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم}
ويصير المعنى في هذه الآية كما في قوله تعالى: {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون}
وقوله: {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ}"
قال ابن جرير: "وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله)، فأبان بإتباعه ذلك أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضياً عليهم في الدنيا أن ينالهم، لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسله لتقبض أرواحهم".
وضعف ابن عاشور هذا القول الثالث فقال: "وحمل كثير من المفسرين النصيب على ما ينالهم من الرزق والإمهال في الدنيا قبل نزول العذاب بهم وهو بعيد من معنى الفاء في قوله: (فمن أظلم) ولا أحسب الحادي لهم على ذلك إلا ليكون نوال النصيب حاصلاً في مدة ممتدة ليكون مجيء الملائكة لتوفيهم غاية لانتهاء ذلك النصيب، استبقاء لمعنى الغاية الحقيقية في (حتى).
وذلك غير ملتزم، فإن حتى الابتدائية لا تفيد من الغاية ما تفيده العاطفة كما سنذكره".
وذكر أن المراد أحد معنيين أحدهما هو القول الأول.
فقال: "الكتاب الذي قضاه الله وقدره أي: الكتاب الثابت في علم الله من إحقاق كلمة العذاب عليهم، فنصيبهم منه هو ما أخبر الله بأنه قدره لهم من الخلود في العذاب، وأنه لا يغفر لهم...
والمعنى: إما أن كل واحد من المشركين سيصيبه ما توعدهم الله به من الوعيد على قدر عتوه في تكذيبه وإعراضه، فنصيبه هو ما يناسب حاله عند الله من مقدار عذابه.
وإما أن مجموع المشركين سيصيبهم ما قدر لأمثالهم من الأمم المكذبين للرسل المعرضين عن الآيات من عذاب الدنيا، فلا يغرنهم تأخير ذلك لأنه مصيبهم لا محالة عند حلول أجله، فنصيبهم هو صفة عذابهم من بين صفات العذاب التي عذبت بها الأمم".
وقال: "إن كان الكتاب مستعملاً حقيقة فهو القرآن، ونصيبهم منه هو نصيبهم من وعيده"
قال ابن عاشور: "وجملة (حتى إذا جاءتهم رسلنا) تفصيل لمضمون جملة (ينالهم نصيبهم من الكتاب) فالوقت الذي أفاده قوله: (إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم) هو مبدأ وصف نصيبهم من الكتاب حين ينقطع عنهم الإمهال الذي لقوه في الدنيا.
و(حتى) ابتدائية لأن الواقع بعدها جملة فتفيد السببية، فالمعنى: فـ(إذا جاءتهم رسلنا) إلخ"
قلت: قول الجمهور أوجه وأقوى من قول ابن عاشور.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/