صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (216)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "هود": (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)
وقال تعالى في سورة "الحجر": (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ)
وقال تعالى في سورة "الفيل": (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)
القول الراجح في قوله: (مِنْ سِجِّيلٍ) أن المراد حجارة من طين.
فهو طين صلب شديد متحجر.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (مِنْ سِجِّيلٍ) على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد من طين (رجحه ابن جرير*, وابن عطية*) (ورجحه الشنقيطي*, واقتصر عليه) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
فهو طين صلب شديد متحجر.
وهذا القول هو الراجح.
لقوله في آية "الذاريات": (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ)
وقيل: سجيل كلمة فارسية معربة أصلها (سنك كل) أو (سنك جل)
قال القرطبي: "أصلها سنج وجيل. ويقال: سنك وكيل، بالكاف موضع الجيم، وهما بالفارسية حجر وطين عربتهما العرب فجعلتهما اسماً واحداً".
وقال الرازي: "فارسي معرب وأصله سنگ گل وأنه شيء مركب من الحجر والطين بشرط أن يكون في غاية الصلابة.
قال الأزهري: لما عربته العرب صار عربياً وقد عربت حروفاً كثيرة كالديباج والديوان والإستبرق".
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه قال: كان أصل الحجارة طيناً فشُدِّدت.
قال ابن عطية: "لأن الآجر وما جرى مجراه يمكن أن يقال فيه: حجر وطين، لأنه قد أخذ من كل واحد منهما بحظه. هي طين من حيث هو أصلها. وحجر من حيث صلبت".
القول الثاني: أن "السجيل" هو الصلب الشديد. (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (وذكره الماتريدي* عند تفسير آية "الفيل") (وذكره الزمخشري* عند تفسير آية "الفيل" بقوله: وقيل: من شديد عذابه)
قال القرطبي: "لو كان على قوله لكان حجارة سجيلاً، لأنه لا يقال: حجارة من شديد، لأن شديداً نعت".
القول الثالث: أن المعنى مرسلة عليهم هو "فِعّيل"، من قول القائل: "أسجلته" أي: أرسلته (ذكره ابن جرير*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عطية*)
القول الرابع: أن السجل هو الكتاب أي: هي من أمر كتب عليهم في الأزل أن يعذبهم بها.
(ذكره الزمخشري*, والقرطبي*) (وذكره الرازي* عند تفسير آية "الفيل") (وضعفه ابن عطية*)
قال الزمخشري: "قيل: مما كتب الله أن يعذب به من السجل"
وقال عند تفسير آية "الحجر": "عليه كتاب من السجل. ودليله قوله تعالى: (حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ أي: معلمة بكتاب)"
وقال عند تفسير آية "الفيل": "وسجيل: كأنه علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، كما أن سجينا علم لديوان أعمالهم، كأنه قيل: بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن"
وقال الرازي "وهو من السجل وهو الكتاب تقديره: من مكتوب في الأزل أي: كتب الله أن يعذبهم بها"
وفي المراد بسجيل أقوال أخرى ضعيفة.
فقيل: هو من "سجلت له سجلاً" من العطاء، فكأنه قيل: مُتِحوا ذلك البلاء فأعطوه (ذكره ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*)
وقيل: هو من "السِّجِلّ"، لأنه كان فيها عَلَمٌ كالكتاب. (ذكره ابن جرير*)
وقيل: سجيل: السماء الدنيا. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والرازي*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عطية*)
قال ابن جرير عند تفسير آية "الفيل": "وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجهاً في خبر ولا عقل ولا لغة"
وقيل: سجيل: اسم المكان الذي منه رفع الحجر الذي أمطر. (ذكره الماتريدي*, والرازي*)
وقيل: سجيل: جبال في السماء (ذكره البغوي*, والقرطبي*)
وقيل: سجيل: جهنم (ذكره ابن عطية*, والرازي*) (وذكره القرطبي* عند تفسير آية "الفيل")
(وذكره ابن عاشور* لكن أتى بقول غريب).
فقال: "والسجيل: فسر بواد نار في جهنم، وهو تشبيه بليغ، أي: بحجارة كأنها من سجيل جهنم.
وقد جاء في التوراة: أن الله أرسل عليهم كبريتاً وناراً من السماء. ولعل الخسف فجر من الأرض براكين قذفت عليهم حجارة معادن محرقة كالكبريت، أو لعل بركاناً كان قريباً من مدنهم انفجر باضطرابات أرضية"
قلت: رحم الله ابن عاشور ما كان به حاجة إلى هذا التكلف.
والأعجب من هذا أنه جزم بذلك عند تفسير آية "الذاريات" فقال:
"ومعنى كون الحجارة من طين أن أصلها طين تحجر بصهر النار، وهي حجارة بركانية من كبريت قذفتها الأرض من الجهة التي صارت بحيرة تدعى اليوم بحيرة لوط، وأصعدها ناموس إلهي بضغط جعله الله يرفع الخارج من البركان إلى الجو فنزلت على قرى قوم لوط فأهلكتهم، وذلك بأمر التكوين بواسطة القوى الملكية".
ومثله قول صاحب الظلال عند تفسير آية الذاريات: "وهذه الحجارة الطينية لا يمتنع أن تكون حجارة بركان ثائر يقذف بالحمم الطيني من جوف الأرض. فهي «عند ربك» بهذا الاعتبار مسلطة- وفق إرادته ونواميسه- على من يريد من المسرفين. مقدرة بزمانها ومكانها وفق علمه وتدبيره"
واختلف المفسرون في المراد بقوله: (مَنْضُودٍ) على قولين:
القول الأول: أن المراد نضد بعضه على بعض في السماء نضداً معدّاً للعذاب. (رجحه ابن جرير*) (واقتصر عليه الماتريدي*)
قال ابن جرير: "وذلك أن قوله: (منضود) من نعت "سجيل"، لا من نعت "الحجارة"، وإنما أمطر القوم حجارة من طين، صفة ذلك الطين أنه نُضِد بعضه إلى بعض، فصُيِّر حجارة"
قال الرازي: "كل حجر فإن ما فيه من الأجزاء منضود بعضها ببعض، وملتصق بعضها ببعض".
القول الثاني: أن المراد متتابع في نزوله بعضه في أثر بعض.
من النضد، وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض. (اقتصر عليه البغوي*, وابن عاشور*, وصاحب الظلال*) (وذكر القولين الزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
و"منضود" نعت سجيل. و"مسومة" نعت حجارة.
ويرى ابن عاشور أن منضود نعت للحجارة.
فيقول: "والمراد وصف الحجارة بذلك إلا أن الحجارة لما جعلت من سجيل، أجري الوصف على سجيل وهو يفضي إلى وصف الحجارة لأنها منه".
وقوله (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) وفي "الذاريات" (مسومة عند ربك للمسرفين)
أي: معلمة عند الله للعذاب.
قيل: عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض لا تشاكل حجارة الأرض.
فقيل: كانت معلمة ببياض وحمرة.
وقيل: عليها سيما خطوط.
وقيل: على كل واحد منها اسم من يهلك به.
ويرى ابن عاشور أن قوله (مُسَوَّمَةً) كناية عن كونها معدة مهيئة فيقول: "وهو هنا مكنى به عن المعدة المهيئة لأن الإعداد من لوازم التوسيم بقرينة قوله: (عند ربك) لأن تسويمها عند الله هو تقديره إياها لهم".
ولكنه وافق الجمهور عند تفسير آية "الذاريات" فقال: "والمسومة: التي عليها السومة أي: العلامة، أي: عليها علامات من ألوان تدل على أنها ليست من الحجارة المتعارفة.
ومعنى (عند ربك) أن علاماتها بخلق الله وتكوينه"
وانفرد صاحب الظلال فرأى أنه كناية عن الإعداد والتكثير والتنمية:
فيقول: "هذه الحجارة.. «مسومة عند ربك» .. كما تسوم الماشية أي تربى وتطلق بكثرة. فكأنما هذه الحجارة مرباة! ومطلقة لتنمو وتتكاثر! لوقت الحاجة.. وهو تصوير عجيب يلقي ظله في الحس، ولا يفصح عنه التفسير، كما يفصح عنه هذا الظل الذي يلقيه.. "
قلت هذا قول بعيد.
وقال ابن عطية: "ويحتمل أن تكون (مُسَوَّمَةً) هاهنا بمعنى: مرسلة، وسومها من الهبوط".
ومثله قال الرازي عند تفسير آية "الذاريات": "مرسلة للمجرمين لأن الإرسال يقال في السوائم يقال: أرسلها لترعى فيجوز أن يقول: سومها بمعنى أرسلها"
وقال ابن عطية عند تفسير آية "الذاريات": "ويحتمل أن يكون المعنى: أنها بجملتها معلومة عند ربك لهذا المعنى معلمة له. لا أن كل واحد منها له علامة خاصة به".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "هود": (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)
وقال تعالى في سورة "الحجر": (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ)
وقال تعالى في سورة "الفيل": (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)
القول الراجح في قوله: (مِنْ سِجِّيلٍ) أن المراد حجارة من طين.
فهو طين صلب شديد متحجر.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (مِنْ سِجِّيلٍ) على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد من طين (رجحه ابن جرير*, وابن عطية*) (ورجحه الشنقيطي*, واقتصر عليه) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
فهو طين صلب شديد متحجر.
وهذا القول هو الراجح.
لقوله في آية "الذاريات": (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ)
وقيل: سجيل كلمة فارسية معربة أصلها (سنك كل) أو (سنك جل)
قال القرطبي: "أصلها سنج وجيل. ويقال: سنك وكيل، بالكاف موضع الجيم، وهما بالفارسية حجر وطين عربتهما العرب فجعلتهما اسماً واحداً".
وقال الرازي: "فارسي معرب وأصله سنگ گل وأنه شيء مركب من الحجر والطين بشرط أن يكون في غاية الصلابة.
قال الأزهري: لما عربته العرب صار عربياً وقد عربت حروفاً كثيرة كالديباج والديوان والإستبرق".
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه قال: كان أصل الحجارة طيناً فشُدِّدت.
قال ابن عطية: "لأن الآجر وما جرى مجراه يمكن أن يقال فيه: حجر وطين، لأنه قد أخذ من كل واحد منهما بحظه. هي طين من حيث هو أصلها. وحجر من حيث صلبت".
القول الثاني: أن "السجيل" هو الصلب الشديد. (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (وذكره الماتريدي* عند تفسير آية "الفيل") (وذكره الزمخشري* عند تفسير آية "الفيل" بقوله: وقيل: من شديد عذابه)
قال القرطبي: "لو كان على قوله لكان حجارة سجيلاً، لأنه لا يقال: حجارة من شديد، لأن شديداً نعت".
القول الثالث: أن المعنى مرسلة عليهم هو "فِعّيل"، من قول القائل: "أسجلته" أي: أرسلته (ذكره ابن جرير*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عطية*)
القول الرابع: أن السجل هو الكتاب أي: هي من أمر كتب عليهم في الأزل أن يعذبهم بها.
(ذكره الزمخشري*, والقرطبي*) (وذكره الرازي* عند تفسير آية "الفيل") (وضعفه ابن عطية*)
قال الزمخشري: "قيل: مما كتب الله أن يعذب به من السجل"
وقال عند تفسير آية "الحجر": "عليه كتاب من السجل. ودليله قوله تعالى: (حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ أي: معلمة بكتاب)"
وقال عند تفسير آية "الفيل": "وسجيل: كأنه علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، كما أن سجينا علم لديوان أعمالهم، كأنه قيل: بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن"
وقال الرازي "وهو من السجل وهو الكتاب تقديره: من مكتوب في الأزل أي: كتب الله أن يعذبهم بها"
وفي المراد بسجيل أقوال أخرى ضعيفة.
فقيل: هو من "سجلت له سجلاً" من العطاء، فكأنه قيل: مُتِحوا ذلك البلاء فأعطوه (ذكره ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*)
وقيل: هو من "السِّجِلّ"، لأنه كان فيها عَلَمٌ كالكتاب. (ذكره ابن جرير*)
وقيل: سجيل: السماء الدنيا. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والرازي*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عطية*)
قال ابن جرير عند تفسير آية "الفيل": "وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجهاً في خبر ولا عقل ولا لغة"
وقيل: سجيل: اسم المكان الذي منه رفع الحجر الذي أمطر. (ذكره الماتريدي*, والرازي*)
وقيل: سجيل: جبال في السماء (ذكره البغوي*, والقرطبي*)
وقيل: سجيل: جهنم (ذكره ابن عطية*, والرازي*) (وذكره القرطبي* عند تفسير آية "الفيل")
(وذكره ابن عاشور* لكن أتى بقول غريب).
فقال: "والسجيل: فسر بواد نار في جهنم، وهو تشبيه بليغ، أي: بحجارة كأنها من سجيل جهنم.
وقد جاء في التوراة: أن الله أرسل عليهم كبريتاً وناراً من السماء. ولعل الخسف فجر من الأرض براكين قذفت عليهم حجارة معادن محرقة كالكبريت، أو لعل بركاناً كان قريباً من مدنهم انفجر باضطرابات أرضية"
قلت: رحم الله ابن عاشور ما كان به حاجة إلى هذا التكلف.
والأعجب من هذا أنه جزم بذلك عند تفسير آية "الذاريات" فقال:
"ومعنى كون الحجارة من طين أن أصلها طين تحجر بصهر النار، وهي حجارة بركانية من كبريت قذفتها الأرض من الجهة التي صارت بحيرة تدعى اليوم بحيرة لوط، وأصعدها ناموس إلهي بضغط جعله الله يرفع الخارج من البركان إلى الجو فنزلت على قرى قوم لوط فأهلكتهم، وذلك بأمر التكوين بواسطة القوى الملكية".
ومثله قول صاحب الظلال عند تفسير آية الذاريات: "وهذه الحجارة الطينية لا يمتنع أن تكون حجارة بركان ثائر يقذف بالحمم الطيني من جوف الأرض. فهي «عند ربك» بهذا الاعتبار مسلطة- وفق إرادته ونواميسه- على من يريد من المسرفين. مقدرة بزمانها ومكانها وفق علمه وتدبيره"
واختلف المفسرون في المراد بقوله: (مَنْضُودٍ) على قولين:
القول الأول: أن المراد نضد بعضه على بعض في السماء نضداً معدّاً للعذاب. (رجحه ابن جرير*) (واقتصر عليه الماتريدي*)
قال ابن جرير: "وذلك أن قوله: (منضود) من نعت "سجيل"، لا من نعت "الحجارة"، وإنما أمطر القوم حجارة من طين، صفة ذلك الطين أنه نُضِد بعضه إلى بعض، فصُيِّر حجارة"
قال الرازي: "كل حجر فإن ما فيه من الأجزاء منضود بعضها ببعض، وملتصق بعضها ببعض".
القول الثاني: أن المراد متتابع في نزوله بعضه في أثر بعض.
من النضد، وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض. (اقتصر عليه البغوي*, وابن عاشور*, وصاحب الظلال*) (وذكر القولين الزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
و"منضود" نعت سجيل. و"مسومة" نعت حجارة.
ويرى ابن عاشور أن منضود نعت للحجارة.
فيقول: "والمراد وصف الحجارة بذلك إلا أن الحجارة لما جعلت من سجيل، أجري الوصف على سجيل وهو يفضي إلى وصف الحجارة لأنها منه".
وقوله (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) وفي "الذاريات" (مسومة عند ربك للمسرفين)
أي: معلمة عند الله للعذاب.
قيل: عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض لا تشاكل حجارة الأرض.
فقيل: كانت معلمة ببياض وحمرة.
وقيل: عليها سيما خطوط.
وقيل: على كل واحد منها اسم من يهلك به.
ويرى ابن عاشور أن قوله (مُسَوَّمَةً) كناية عن كونها معدة مهيئة فيقول: "وهو هنا مكنى به عن المعدة المهيئة لأن الإعداد من لوازم التوسيم بقرينة قوله: (عند ربك) لأن تسويمها عند الله هو تقديره إياها لهم".
ولكنه وافق الجمهور عند تفسير آية "الذاريات" فقال: "والمسومة: التي عليها السومة أي: العلامة، أي: عليها علامات من ألوان تدل على أنها ليست من الحجارة المتعارفة.
ومعنى (عند ربك) أن علاماتها بخلق الله وتكوينه"
وانفرد صاحب الظلال فرأى أنه كناية عن الإعداد والتكثير والتنمية:
فيقول: "هذه الحجارة.. «مسومة عند ربك» .. كما تسوم الماشية أي تربى وتطلق بكثرة. فكأنما هذه الحجارة مرباة! ومطلقة لتنمو وتتكاثر! لوقت الحاجة.. وهو تصوير عجيب يلقي ظله في الحس، ولا يفصح عنه التفسير، كما يفصح عنه هذا الظل الذي يلقيه.. "
قلت هذا قول بعيد.
وقال ابن عطية: "ويحتمل أن تكون (مُسَوَّمَةً) هاهنا بمعنى: مرسلة، وسومها من الهبوط".
ومثله قال الرازي عند تفسير آية "الذاريات": "مرسلة للمجرمين لأن الإرسال يقال في السوائم يقال: أرسلها لترعى فيجوز أن يقول: سومها بمعنى أرسلها"
وقال ابن عطية عند تفسير آية "الذاريات": "ويحتمل أن يكون المعنى: أنها بجملتها معلومة عند ربك لهذا المعنى معلمة له. لا أن كل واحد منها له علامة خاصة به".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/