صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (210)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الزخرف": (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ)
قال تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
قوله: (وَقِيلِهِ) أي: قوله. والضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولماذا هي مجرورة؟
قالوا: معطوف على (الساعة) من قوله: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي: عنده علم الساعة، وعلم قيله. (كلهم ذكر هذا القول إلا صاحب الظلال* فقد اقتصر على ما ذهب اليه الزمخشري كما سيأتي) (وضعفه الزمخشري* كما سيأتي)
وذكر الرازي عن المبرد قوله: "العطف على المنصوب حسن وإن تباعد المعطوف من المعطوف عليه لأنه يجوز أن يفصل بين المنصوب وعامله, والمجرور يجوز ذلك فيه على قبح"
وقرأه أكثر القراء (وقيله) بفتح اللام وضم الهاء.
واختُلف في إعرابه على قراءة النصب على أربعة أقوال:
القول الأول: أنه معطوف على قوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) أي: ونسمع قيله. (اقتصر عليه الماتريدي*) (وكلهم ذكر هذا القول) (وضعفه الزمخشري* كما سيأتي)
القول الثاني: أنه معطوف على محل لفظ (الساعة)، لأن محلها النصب بالمفعولية فقوله: (وعنده علم الساعة) معناه أنه عَلِمَ الساعة والتقدير: عَلِمَ الساعة وقيله, كما تقول: عجبت من ضرب زيد وعمراً (ذكره ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, والشنقيطي*) (وضعفه الزمخشري*)
قال الشنقيطي: "لأن قوله تعالى: (وعنده علم الساعة) مصدر مضاف إلى مفعوله.
فلفظ الساعة مجرور لفظاً بالإضافة، منصوب محلاً بالمفعولية، وما كان كذلك جاز في تابعه النصب نظراً إلى المحل، والخفض نظراً إلى اللفظ.
كما قال في الخلاصة:
وجر ما يتبع ما جر ومن... راعى في الاتباع المحل فحسن"
القول الثالث: أنه منصوب على أنه مفعول مطلق والتقدير: وقال قوله: (يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*, وابن عاشور*) (وضعفه الزمخشري*)
القول الرابع: أنه منصوب بفعل محذوف أي: ويعلم قيله (ذكره الشنقيطي*, وابن عاشور*)
وضعف الزمخشري الأقوال السابقة ورأى أن (قيله) مجرورة ومنصوبة بالقسم أي: يقسم الله بقيله (وجوزه ابن عاشور* على قراءة الجر) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
(وضعفه الرازي*, والشنقيطي*)
قال الزمخشري بعد أن ذكر الأقوال: "والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضاً، ومع تنافر النظم".
ثم قال: "وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، ويكون قوله: (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) جواب القسم، كأنه قيل: وأقسم بقيله يا رب (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ)، وإقسام الله بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه".
وقال صاحب الظلال: "وفي ختام السورة يعظم من أمر اتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم لربه، يشكو إليه كفرهم وعدم إيمانهم.
فيبرزه ويقسم به: «وقيله. يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون» ..
وهو تعبير خاص ذو دلالة وإيحاء بمدى عمق هذا القول، ومدى الاستماع له، والعناية به، والرعاية من الله سبحانه والاحتفال".
وقال ابن عاشور: "ويجوز أن تكون الواو للقسم ويكون جواب القسم جملة (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) على أن الله أقسم بقول الرسول: يا رب تعظيماً للرسول ولقيله الذي هو تفويض للرب وثقة به.
ومقول (قيله) هو (يا رب) فقط، أي: أقسم بنداء الرسول ربه نداء مضطر.
وقد حذف بعد النداء ما نودي لأجله مما دل عليه مقام من أعيته الحيلة فيهم ففوض أمره إلى ربه فأقسم الله بتلك الكلمة على أنهم لا يؤمنون ولكن الله سينتقم منهم فلذلك قال: (فسوف تعلمون)"
قال الرازي: "وأقول: هذا الذي ذكره صاحب «الكشاف» متكلف أيضاً وهاهنا إضمار امتلأ القرآن منه وهو إضمار اذكر، والتقدير واذكر قيله يا رب، وأما القراءة بالجر، فالتقدير واذكر وقت قيله يا رب، وإذا وجب التزام الإضمار فلأن يضمر شيئاً جرت العادة في القرآن بالتزام إضمار أولى من غيره"
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الزخرف": (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ)
قال تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
قوله: (وَقِيلِهِ) أي: قوله. والضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولماذا هي مجرورة؟
قالوا: معطوف على (الساعة) من قوله: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي: عنده علم الساعة، وعلم قيله. (كلهم ذكر هذا القول إلا صاحب الظلال* فقد اقتصر على ما ذهب اليه الزمخشري كما سيأتي) (وضعفه الزمخشري* كما سيأتي)
وذكر الرازي عن المبرد قوله: "العطف على المنصوب حسن وإن تباعد المعطوف من المعطوف عليه لأنه يجوز أن يفصل بين المنصوب وعامله, والمجرور يجوز ذلك فيه على قبح"
وقرأه أكثر القراء (وقيله) بفتح اللام وضم الهاء.
واختُلف في إعرابه على قراءة النصب على أربعة أقوال:
القول الأول: أنه معطوف على قوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) أي: ونسمع قيله. (اقتصر عليه الماتريدي*) (وكلهم ذكر هذا القول) (وضعفه الزمخشري* كما سيأتي)
القول الثاني: أنه معطوف على محل لفظ (الساعة)، لأن محلها النصب بالمفعولية فقوله: (وعنده علم الساعة) معناه أنه عَلِمَ الساعة والتقدير: عَلِمَ الساعة وقيله, كما تقول: عجبت من ضرب زيد وعمراً (ذكره ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, والشنقيطي*) (وضعفه الزمخشري*)
قال الشنقيطي: "لأن قوله تعالى: (وعنده علم الساعة) مصدر مضاف إلى مفعوله.
فلفظ الساعة مجرور لفظاً بالإضافة، منصوب محلاً بالمفعولية، وما كان كذلك جاز في تابعه النصب نظراً إلى المحل، والخفض نظراً إلى اللفظ.
كما قال في الخلاصة:
وجر ما يتبع ما جر ومن... راعى في الاتباع المحل فحسن"
القول الثالث: أنه منصوب على أنه مفعول مطلق والتقدير: وقال قوله: (يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*, وابن عاشور*) (وضعفه الزمخشري*)
القول الرابع: أنه منصوب بفعل محذوف أي: ويعلم قيله (ذكره الشنقيطي*, وابن عاشور*)
وضعف الزمخشري الأقوال السابقة ورأى أن (قيله) مجرورة ومنصوبة بالقسم أي: يقسم الله بقيله (وجوزه ابن عاشور* على قراءة الجر) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
(وضعفه الرازي*, والشنقيطي*)
قال الزمخشري بعد أن ذكر الأقوال: "والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضاً، ومع تنافر النظم".
ثم قال: "وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، ويكون قوله: (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) جواب القسم، كأنه قيل: وأقسم بقيله يا رب (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ)، وإقسام الله بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه".
وقال صاحب الظلال: "وفي ختام السورة يعظم من أمر اتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم لربه، يشكو إليه كفرهم وعدم إيمانهم.
فيبرزه ويقسم به: «وقيله. يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون» ..
وهو تعبير خاص ذو دلالة وإيحاء بمدى عمق هذا القول، ومدى الاستماع له، والعناية به، والرعاية من الله سبحانه والاحتفال".
وقال ابن عاشور: "ويجوز أن تكون الواو للقسم ويكون جواب القسم جملة (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) على أن الله أقسم بقول الرسول: يا رب تعظيماً للرسول ولقيله الذي هو تفويض للرب وثقة به.
ومقول (قيله) هو (يا رب) فقط، أي: أقسم بنداء الرسول ربه نداء مضطر.
وقد حذف بعد النداء ما نودي لأجله مما دل عليه مقام من أعيته الحيلة فيهم ففوض أمره إلى ربه فأقسم الله بتلك الكلمة على أنهم لا يؤمنون ولكن الله سينتقم منهم فلذلك قال: (فسوف تعلمون)"
قال الرازي: "وأقول: هذا الذي ذكره صاحب «الكشاف» متكلف أيضاً وهاهنا إضمار امتلأ القرآن منه وهو إضمار اذكر، والتقدير واذكر قيله يا رب، وأما القراءة بالجر، فالتقدير واذكر وقت قيله يا رب، وإذا وجب التزام الإضمار فلأن يضمر شيئاً جرت العادة في القرآن بالتزام إضمار أولى من غيره"
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/