النوال... (204) (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (204)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "المدثر": (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا)
قوله: (سَأُرْهِقُهُ) أي: سأكلفه مشقة وعسراً.
والإرهاق: الإتعاب وتحميل ما لا يطاق.

القول الراجح في قوله: (صَعُودًا) أن المراد سأكلفه مشقة من العذاب الذي لا يطاق فقوله: (صَعُودًا) تمثيل لما يلقى من العذاب الشاق فكأنه قال: عقبة شاقة المصعد لا تطاق.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (صَعُودًا) على قولين:

القول الأول: أنه جبل في النار يكلَّفُ أهل النار صعوده. (اقتصر عليه البغوي*, وابن عطية*)

وروي في ذلك حديثان لكنهما ضعيفان:
فقد أخرج الترمذي وغيره من طريق: دراج, عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي كذلك منه أبداً).
ودراج أبو السمح ضعفه أكثر الأئمة, فقد ضعفه أبو حاتم، وأحمد, والنسائي, والدارقطني, وغيرهم.
فهو ضعيف, لا سيما في روايته عن أبي الهيثم, كما ذكر أحمد, وأبو داود.
قال ابن كثير: "وفيه غرابة ونكارة".

وأخرج البزار والطبراني وغيرهما من طريق: شريك, عن عمار الدهني, عن عطية, عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) قال: (هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت، فإذا رفعها عادت، فإذا وضع رجله ذابت، وإذا رفعها عادت).
وعطية العوفي ضعيف, ومشهور بالتدليس.
وشريك بن عبد الله سيء الحفظ كثير الغلط.
قال الطبراني: لم يرفع هذا الحديث عن عمار الدهني إلا شريك.

القول الثاني: أن المراد سأكلفه مشقة من العذاب الشاق الذي لا يطاق فقوله: (صَعُودًا) تمثيل لما يلقى من العذاب الشاق فكأنه قال: عقبة شاقة المصعد لا تطاق (اقتصر عليه صاحب الظلال*) (وذكر القولين ابن جرير*, والماتريدي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)
وهذا القول هو الراجح.

قال الماتريدي: "جائز أن يكون على التمثيل، وذلك لأن الصعود في الشاهد مما يشق على المرء، ففيه أنه يصيبه في الآخرة مما يشتد ويشق على نفسه تحمل ذلك".

وقال الزمخشري: "سأغشيه عقبة شاقة المصعد: وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعد الذي لا يطاق".

وقال الرازي: "مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق مثل قوله: (يسلكه عذاباً صعداً) وصعود من قولهم: عقبة صعود وكدود شاقة المصعد"

ويرى ابن عاشور أن المراد أن حاله سينقلب إلى حالة سوأى في الدنيا ثم إلى العذاب في الآخرة.

قال ابن عاشور: "تمثيل لضد الحالة المجملة في قوله: (ومهدت له تمهيدا)، أي: سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة، وكل ذلك إرهاق له".

ويرى صاحب الظلال أن المراد في الدنيا يمضي في طريق وعر شاق مبتوت ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق.

قال صاحب الظلال: "ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبدل اليسر عسراً، والتمهيد مشقة! «سأرهقه صعودا» .. وهو تعبير مصور لحركة المشقة. فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقاً. فإذا كان دفعاً من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقاً. وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة. فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود، يندب في طريق وعر شاق مبتوت ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق، كأنما يصعد في السماء، أو يصعد في وعر صلد لا ري فيه ولا زاد، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق!"
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى