النوال... (195) (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (195)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "القصص": (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)
القول بأن المراد بقوله: (إلى معاد) يوم المعاد والقيامة كأنه أقرب والله أعلم.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (فرض عليك القرآن) أي: أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه.
والمعاد: اسم مكان العود, وهو الموضع الذي يعاد إليه.

قال ابن عاشور: "{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}
ابتداء كلام للتنويه بشأن محمد صلى الله عليه وسلم وتثبيت فؤاده ووعده بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وإن إنكار أهل الضلال رسالته لا يضيره...
وأن الذي أعطاك القرآن ما كان إلا مقدراً نصرك وكرامتك, لأن إعطاء القرآن شيء لا نظير له فهو دليل على كمال عناية الله بالمعطى...".

واختلف المفسرون في المراد بقوله: (إلى معاد) على قولين:
القول الأول: أن المراد القيامة ويوم المعاد والبعث بعد الموت.
وقيل: الجنة.
وقيل: الموت.

قال ابن عطية: "وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري وغيرهما: (المعاد) الجنة, وقال ابن عباس أيضاً وجماعة: (المعاد) الموت".

قال الماتريدي: "قال بعضهم: المعاد: الجنة، ويقال: الموت, وكله البعث، والمعاد هو البعث في الظاهر".

(مال إلى هذا القول الأول ابن جرير*) (ومال إليه أيضاً ابن كثير كما يفهم من سياق كلامه وإن كان ذكر القولين دون ترجيح صريح)
وهذا القول كأنه أقرب والله أعلم خاصة أن السورة مكية.

قال ابن عطية: "قال جمهور المتأولين: أراد إلى الآخرة، أي: باعثك بعد الموت... والمعاد الموضع الذي يعاد إليه وقد اشتهر به يوم القيامة لأنه معاد الكل".

قال الماتريدي: "إن كان المعاد هو البعث فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: على البشارة, كأنه يقول: إن الذي فرض عليك القرآن يردك ويبعثك بمن كذبك وبمن صدقك، فينتقم من مكذبيك جزاء التكذيب، ويجزي من يصدقك جزاء التصديق.
والثاني: يذكره ويخاطبه وانما يريد به قومه، أي: سيبعثون وسيعودون إليها، فيكون كالآيات التي يخاطب بها رسوله والمراد بها: قومه، فهو يخرج على الوعيد لهم، ألا ترى أنه قال: (ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين)"

القول الثاني: أن المراد لرادك إلى بلدك مكة.
(رجحه الرازي*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
(وذكر القولين دون ترجيح الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والزمخشري*, والقرطبي*)
(وقال ابن عاشور*: وكلا الوجهين يصح أن يكون مراداً".

قال ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن": معاد الرجل بلده، لأنه يتصرف في البلاد ويضرب في الأرض ثم يعود إلى بلده يقال: رد فلان إلى معاده، أي: رد إلى بلده... وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة إلى المدينة اغتم بمفارقة مكة، لأنها مولده وموطنه ومنشؤه، وبها أهله وعشيرته، واستوحش. فأخبره الله سبحانه في طريقه أنه سيرده إلى مكة، وبشره بالظهور والغلبة.

قال الزمخشري: ووجهه أن يراد رده إليها يوم الفتح: ووجه تنكيره أنها كانت في ذلك اليوم معاداً له شأن، ومرجعاً له اعتداد، لغلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وقهره لأهلها، ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه. والسورة مكية، فكأن الله وعده وهو بمكة في أذى وغلبة من أهلها أنه يهاجر به منها، ويعيده إليها ظاهراً ظافراً. وقيل: نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم.

قال الماتريدي: "وجائز أن تسمى مكة معاداً لما يعود الناس إليها مرة بعد مرة، كما تسمى مثابة, لما يثوب الناس إليها مرة بعد مرة.
لكن من يقول بأن المعاد هو مكة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالهجرة إلى المدينة فهاجر إليها اشتاق إلى بلده ومولده ومولد آبائه، فنزل جبريل عليه بهذه الآية بشارة في العود إليها ظاهراً عليهم قاهراً فاتحاً له مكة, هذا تأويل من يقول بأن المعاد هو مكة.

(قال): وجائز أن يكون على غير هذا، وهو يخرج على وجهين:
أحدهما: كأنه حزن على الفراق منهم إشفاقاً على هلاكهم لإخراجهم الرسول من بين أظهرهم, لأن الأمم السالفة إذا خرج من بينهم الرسل نزل بهم العذاب, فخاف أنهم لما أخرجوا من بين أظهرهم وأبوا إجابته أن يهلكوا أو يعذبوا فبشر بهذا أن ترد إليها وستعود إليهم، فيتبعونك ويؤمنون بك، وهم لا يهلكون إهلاك استئصال وتعذيب كسائر الأمم.

والثاني: يذكر على الامتنان عليه, يقول: إن الذي أنزل عليك القرآن وألقاه عليك بعد ما لم تكن ترجو إلقاءه عليك وإنزاله، ولكن برحمته ومنته ألقاه إليك وأنزله عليك فعلى ذلك يردك إلى مكة بعد ما لم تكن ترجو ردك وعودك إليها".

قال صاحب الظلال: "«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ».
فما هو بتاركك للمشركين، وقد فرض عليك القرآن وكلفك الدعوة. ما هو بتاركك للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك، ويستبدون بك وبدعوتك، ويفتنون المؤمنين من حولك. إنما فرض عليك القرآن لينصرك به في الموعد الذي قدره، وفي الوقت الذي فرضه وإنك اليوم لمخرج منه مطارد، ولكنك غداً منصور إليه عائد".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى