صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (193)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "القصص": (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ)
قال تعالى: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)
القول بأن ذلك حقيقة وليس مجازاً كأنه أقرب والله أعلم.
فأمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (اسْلُكْ) أي: أدخل.
وقوله: (جَنَاحَكَ) إن كان المراد بالآية الحقيقة فالجناح هي اليد، لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر.
وإن كان المراد بالآية المجاز ـ وهو القول الثاني في الآية ـ فليس المراد بالجناح اليد, وإنما هو استعارة من فعل الطائر، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن ضمهما.
وقوله: (مِنَ الرَّهْبِ) من الرعب والفزع.
و(من) للتعليل أي: من أجل الرهب الذي حصل لك.
وقوله: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ) أي: تحول العصا حية، وإخراج يده بيضاء.
واختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
القول الأول: أن ذلك حقيقة وليس مجازاً.
فأمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه (اقتصر على هذا القول ابن جرير*, والماتريدي*, وابن كثير*, وصاحب الظلال*) (وذكره البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عاشور*)
وهذا القول كأنه أقرب والله أعلم.
وتنوعت عبارات المفسرين القائلين بذلك في تصويره وسببه والغاية منه.
فمن قائل: أمر بضم يده ليذهب عنه الخوف عند معاينة الحية. (وهذا قول ابن جرير*) (وذكره البغوي*, والقرطبي*)
ومن قائل: أمر بإدخال يده في جيبه حين هاله بياض يده لتعود إلى حالتها الأولى. (وهذا قول البغوي*, وذكره القرطبي*)
ومن قائل: أمر بإدخال يده تحت عضده لتخرج بيضاء. (وهذا قول الزمخشري*)
ومن قائل: أمر إذا خاف من أي شيء أن يضم إليه يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف, فهو عام في كل ما يخافه موسى. (وهذا قول ابن كثير*)
ومن قائل: أمر بضم يديه إلى نفسه, ليكون بين يدي ربه أهيب وأخوف ما يكون، وأعظم ما يجب له من التعظيم. (وهذا القول ذكره الماتريدي*)
(وعلى القول بأنه حقيقة فالقول الأول أقرب الأقوال).
والآن أذكر نصوص أقوالهم كما هي:
قال البغوي: "قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله بضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
وقال مجاهد: كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع وما يجد من الخوف".
وقال البغوي والقرطبي: "إذا هالَك أمر يدك وما ترى من شعاها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى".
وقال الزمخشري: "موسى عليه السلام لما قلب الله العصا حية فزع واضطرب، فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له: إن اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء. فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران: اجتناب ما هو غضاضة عليك، وإظهار معجزة أخرى".
وقال ابن كثير: "والظاهر أن المراد عام، وهو أنه أمر عليه السلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب، وهي يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف.
وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يديه على فؤاده فإنه يزول عنه ما يجد أو يخف إن شاء الله وبه الثقة".
وقال الماتريدي: "قال بعضهم: أمره أن يضم يديه إلى نفسه, لأن ذلك أخوف وأهيب وأعظم من إرسالهما، وذلك معروف أيضاً في الناس أنهم إذا دخلوا على ملك من الملوك ضموا أيديهم وجناحيهم إلى أنفسهم, تعظيماً لهم وتبجيلاً، أو خوفاً منهم.
فعلى ذلك جائز أن يأمره بضم يديه إلى نفسه ليكون بين يدي ربه أهيب وأخوف ما يكون، وأعظم ما يجب له، وهو ما قال له: (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى)".
وقال صاحب الظلال: "وأدرَكَت موسى طبيعته. فإذا هو يرتجف من رهبة الموقف وخوارقه المتتابعة. ومرة أخرى تدركه الرعاية الحانية بتوجيه يرده إلى السكينة. ذلك أن يضم يده على قلبه، فتخفض من دقاته، وتطامن من خفقاته: «وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ».
وكأنما يده جناح يقبضه على صدره، كما يطمئن الطائر فيطبق جناحه. والرفرفة أشبه بالخفقان، والقبض أشبه بالاطمئنان. والتعبير يرسم هذه الصورة على طريقة القرآن".
القول الثاني: أن ذلك مجاز.
والمراد تجلد واضبط نفسك وسكن روعك فلا ترهب (ذكره البغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*) (ورجحه ابن عاشور*)
قال الزمخشري: استعارة من فعل الطائر، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما.
تنبيه:
ابن عطية والقرطبي وابن عاشور ذكروا أن الأمر بالتجلد وعدم الرهبة مراد به العزم على أمر الرسالة وتبليغها وعدم التخوف من ذلك.
أما البغوي والزمخشري فذكرا أن المراد عدم الرهبة والخوف من انقلاب العصا حية.
قال ابن عاشور: "الوجه أن قوله: (واضمم إليك جناحك) تمثيل بحال الطائر إذا سكن عن الطيران أو عن الدفاع, جعل كناية عن سكون اضطراب الخوف. ويكون (من) هنا للبدلية، أي: اسكن سكون الطائر بدلاً من أن تطير خوفاً.
والمعنى: انكفف عن التخوف من أمر الرسالة".
فابن عاشور يرى أن (من) للبدل وليست للتعليل أي: اسكن واطمئن بدلاً من الخوف والرهبة.
قال الزمخشري: "ومعنى (واضمم إليك جناحك) وقوله: (اسلك يدك في جيبك) على أحد التفسيرين واحد. ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء".
واعترض ابن عاشور على قول الزمخشري فقال: "ادعاء أن يكون التكرير لاختلاف الغرض من الأول والثاني كما في (الكشاف) بعيد".
قلت: نعم الأقرب أن قول الزمخشري فيه بعد والله أعلم.
(أما الرازي*) فلم يذكر في هذه الآية شيئاً إلا أنه نقل كلام الزمخشري واستحسنه.
فقال: أما قوله: واضمم إليك جناحك من الرهب فأحسن الناس كلاماً فيه ما قاله صاحب «الكشاف»
ثم نقله وقال: وهو في نهاية الحسن.
فائدة:
في سورة القصص قال: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ)
وفي طه قال: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ)
ولا اختلاف بين الآيتين فإحداهما توضح الأخرى.
فأمر بأن يدخل يده في جيبه وهو بذلك يكون قد ضم يده إلى جناحه الأيسر.
فالجيب هو ما يدخل منه الرأس عند لبس القميص وهو الذي توضع فيه الأزرار.
قال الماتريدي: قوله عز وجل: (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء) وقال في آية أخرى: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء)، كأن في هذا تفسير الأول.
وقال الرازي: واعلم أن معنى ضم اليد إلى الجناح ما قال في آية أخرى: (وأدخل يدك في جيبك) لأنه إذا أدخل يده في جيبه كان قد ضم يده إلى جناحه والله أعلم.
وقال ابن كثير: أمره أن يدخل يده في جيبه، كما صرح به في الآية الأخرى، وهاهنا عبر عن ذلك بقوله: {واضمم يدك إلى جناحك}
وقال ابن عاشور: "كيفية إلصاقها بجناحه أن تباشر جلد جناحه بأن يدخلها في جيب قميصه حتى تماس بشرة جنبه، كما في الآية الأخرى: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء)".
فائدة أخرى:
قال الزمخشري: "فإن قلت: قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموماً وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله: (واضمم إليك جناحك) وقوله: (واضمم يدك إلى جناحك) فما التوفيق بينهما؟
قلت: المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه اليد اليسرى وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما: جناح".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "القصص": (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ)
قال تعالى: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)
القول بأن ذلك حقيقة وليس مجازاً كأنه أقرب والله أعلم.
فأمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (اسْلُكْ) أي: أدخل.
وقوله: (جَنَاحَكَ) إن كان المراد بالآية الحقيقة فالجناح هي اليد، لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر.
وإن كان المراد بالآية المجاز ـ وهو القول الثاني في الآية ـ فليس المراد بالجناح اليد, وإنما هو استعارة من فعل الطائر، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن ضمهما.
وقوله: (مِنَ الرَّهْبِ) من الرعب والفزع.
و(من) للتعليل أي: من أجل الرهب الذي حصل لك.
وقوله: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ) أي: تحول العصا حية، وإخراج يده بيضاء.
واختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
القول الأول: أن ذلك حقيقة وليس مجازاً.
فأمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه (اقتصر على هذا القول ابن جرير*, والماتريدي*, وابن كثير*, وصاحب الظلال*) (وذكره البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عاشور*)
وهذا القول كأنه أقرب والله أعلم.
وتنوعت عبارات المفسرين القائلين بذلك في تصويره وسببه والغاية منه.
فمن قائل: أمر بضم يده ليذهب عنه الخوف عند معاينة الحية. (وهذا قول ابن جرير*) (وذكره البغوي*, والقرطبي*)
ومن قائل: أمر بإدخال يده في جيبه حين هاله بياض يده لتعود إلى حالتها الأولى. (وهذا قول البغوي*, وذكره القرطبي*)
ومن قائل: أمر بإدخال يده تحت عضده لتخرج بيضاء. (وهذا قول الزمخشري*)
ومن قائل: أمر إذا خاف من أي شيء أن يضم إليه يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف, فهو عام في كل ما يخافه موسى. (وهذا قول ابن كثير*)
ومن قائل: أمر بضم يديه إلى نفسه, ليكون بين يدي ربه أهيب وأخوف ما يكون، وأعظم ما يجب له من التعظيم. (وهذا القول ذكره الماتريدي*)
(وعلى القول بأنه حقيقة فالقول الأول أقرب الأقوال).
والآن أذكر نصوص أقوالهم كما هي:
قال البغوي: "قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله بضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
وقال مجاهد: كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع وما يجد من الخوف".
وقال البغوي والقرطبي: "إذا هالَك أمر يدك وما ترى من شعاها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى".
وقال الزمخشري: "موسى عليه السلام لما قلب الله العصا حية فزع واضطرب، فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له: إن اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء. فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران: اجتناب ما هو غضاضة عليك، وإظهار معجزة أخرى".
وقال ابن كثير: "والظاهر أن المراد عام، وهو أنه أمر عليه السلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب، وهي يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف.
وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يديه على فؤاده فإنه يزول عنه ما يجد أو يخف إن شاء الله وبه الثقة".
وقال الماتريدي: "قال بعضهم: أمره أن يضم يديه إلى نفسه, لأن ذلك أخوف وأهيب وأعظم من إرسالهما، وذلك معروف أيضاً في الناس أنهم إذا دخلوا على ملك من الملوك ضموا أيديهم وجناحيهم إلى أنفسهم, تعظيماً لهم وتبجيلاً، أو خوفاً منهم.
فعلى ذلك جائز أن يأمره بضم يديه إلى نفسه ليكون بين يدي ربه أهيب وأخوف ما يكون، وأعظم ما يجب له، وهو ما قال له: (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى)".
وقال صاحب الظلال: "وأدرَكَت موسى طبيعته. فإذا هو يرتجف من رهبة الموقف وخوارقه المتتابعة. ومرة أخرى تدركه الرعاية الحانية بتوجيه يرده إلى السكينة. ذلك أن يضم يده على قلبه، فتخفض من دقاته، وتطامن من خفقاته: «وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ».
وكأنما يده جناح يقبضه على صدره، كما يطمئن الطائر فيطبق جناحه. والرفرفة أشبه بالخفقان، والقبض أشبه بالاطمئنان. والتعبير يرسم هذه الصورة على طريقة القرآن".
القول الثاني: أن ذلك مجاز.
والمراد تجلد واضبط نفسك وسكن روعك فلا ترهب (ذكره البغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*) (ورجحه ابن عاشور*)
قال الزمخشري: استعارة من فعل الطائر، لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما.
تنبيه:
ابن عطية والقرطبي وابن عاشور ذكروا أن الأمر بالتجلد وعدم الرهبة مراد به العزم على أمر الرسالة وتبليغها وعدم التخوف من ذلك.
أما البغوي والزمخشري فذكرا أن المراد عدم الرهبة والخوف من انقلاب العصا حية.
قال ابن عاشور: "الوجه أن قوله: (واضمم إليك جناحك) تمثيل بحال الطائر إذا سكن عن الطيران أو عن الدفاع, جعل كناية عن سكون اضطراب الخوف. ويكون (من) هنا للبدلية، أي: اسكن سكون الطائر بدلاً من أن تطير خوفاً.
والمعنى: انكفف عن التخوف من أمر الرسالة".
فابن عاشور يرى أن (من) للبدل وليست للتعليل أي: اسكن واطمئن بدلاً من الخوف والرهبة.
قال الزمخشري: "ومعنى (واضمم إليك جناحك) وقوله: (اسلك يدك في جيبك) على أحد التفسيرين واحد. ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء".
واعترض ابن عاشور على قول الزمخشري فقال: "ادعاء أن يكون التكرير لاختلاف الغرض من الأول والثاني كما في (الكشاف) بعيد".
قلت: نعم الأقرب أن قول الزمخشري فيه بعد والله أعلم.
(أما الرازي*) فلم يذكر في هذه الآية شيئاً إلا أنه نقل كلام الزمخشري واستحسنه.
فقال: أما قوله: واضمم إليك جناحك من الرهب فأحسن الناس كلاماً فيه ما قاله صاحب «الكشاف»
ثم نقله وقال: وهو في نهاية الحسن.
فائدة:
في سورة القصص قال: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ)
وفي طه قال: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ)
ولا اختلاف بين الآيتين فإحداهما توضح الأخرى.
فأمر بأن يدخل يده في جيبه وهو بذلك يكون قد ضم يده إلى جناحه الأيسر.
فالجيب هو ما يدخل منه الرأس عند لبس القميص وهو الذي توضع فيه الأزرار.
قال الماتريدي: قوله عز وجل: (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء) وقال في آية أخرى: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء)، كأن في هذا تفسير الأول.
وقال الرازي: واعلم أن معنى ضم اليد إلى الجناح ما قال في آية أخرى: (وأدخل يدك في جيبك) لأنه إذا أدخل يده في جيبه كان قد ضم يده إلى جناحه والله أعلم.
وقال ابن كثير: أمره أن يدخل يده في جيبه، كما صرح به في الآية الأخرى، وهاهنا عبر عن ذلك بقوله: {واضمم يدك إلى جناحك}
وقال ابن عاشور: "كيفية إلصاقها بجناحه أن تباشر جلد جناحه بأن يدخلها في جيب قميصه حتى تماس بشرة جنبه، كما في الآية الأخرى: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء)".
فائدة أخرى:
قال الزمخشري: "فإن قلت: قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموماً وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله: (واضمم إليك جناحك) وقوله: (واضمم يدك إلى جناحك) فما التوفيق بينهما؟
قلت: المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه اليد اليسرى وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما: جناح".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/