النوال... (192) (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (192)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "طه": (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)
القول الراجح في قوله: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) أن المراد أعطى كل شيء صورته، وهي خلقه الذي خلقه به وشكله المختص به.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) على خمسة أقوال:
القول الأول: أن المراد أعطى كل شيء صورته، وهي خلقه الذي خلقه به وشكله المختص به (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*, وابن عاشور*) (ورجحه ابن عطية*) (واقتصر عليه صاحب الظلال*)
وهذا القول هو الراجح في المعنى المراد.

قال ابن عطية: "وهذا القول أشرف معنى وأعم في الموجودات".
ويدخل فيه قول بعضهم: أعطى كل شيء ما يصلحه، ثم هداه له. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والقرطبي*)

القول الثاني: أن المراد أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة والهيئة كالذكور من بني آدم أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجاً، وكذلك البهائم وسائر الدواب (رجحه ابن جرير*) (وذكره البغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*)

القول الثالث: أن المراد أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان.
(ذكره البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, والشنقيطي*)
وهذا القول بعيد.

القول الرابع: أن خلقه هو المفعول الأول لأعطى، أي: أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به. (ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, والشنقيطي*, وابن عاشور*)
وهذا القول ضعيف.

القول الخامس: أن المراد أن الله قدر الأقدار وجبل الخليقة على المضي فيها لا يحيدون عنها (انفرد به ابن كثير* فذكره عن بعض المفسرين)

قال ابن كثير: "وقال بعض المفسرين: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} كقوله تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} أي: قدر قدراً وهدى الخلائق إليه، أي: كَتَب الأعمال والآجال والأرزاق، ثم الخلائق ماشون على ذلك، لا يحيدون عنه، ولا يقدر أحد على الخروج منه. يقول: ربنا الذي خلق الخلق وقدر القَدر، وجبل الخليقة على ما أراد".
وهذا القول ضعيف أيضاً.

ولما ذكر الشنقيطي بعض الأقوال في الآية قال: ولا مانع من شمول الآية الكريمة لجميع الأقوال المذكورة.
قال الشنقيطي: "ولا مانع من شمول الآية الكريمة لجميع الأقوال المذكورة. لأنه لا شك أن الله أعطى الخلائق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به. ولا شك أنه أعطى كل صنف شكله وصورته المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشكل المناسب له من جنسه في المناكحة، والألفة، والاجتماع. وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به فسبحانه جل وعلا! ما أعظم شأنه وأكمل قدرته!"

قال ابن عاشور: "وجيء بفعل الإعطاء للتنبيه على أن الخلق والتكوين نعمة، فهو استدلال على الربوبية وتذكير بالنعمة معاً".

وقوله: (ثُمَّ هَدَى) أي: هدى هذه المخلوقات والكائنات لكل ما يصلحها من طرق التناسل والمعيشة وسائر المنافع, وهدى كل شيء إلى وظيفته التي خلقه لها, وأودع ذلك في فطرتها صنع الله الذي أتقن كل شيء.

(وانفرد ابن عاشور*) فذكر أن من معنى قوله: (ثم هدى) هداهم إلى الحق بعد أن خلقهم.
قلت: في هذا نظر, فإن الله ذكر أنه أعطى كل المخلوقات خلقها ثم هداها, فليس المراد بها الهداية إلى الحق.

قال الزمخشري: "ولله در هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه، وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالباً للحق".

قال صاحب الظلال: "وهذا الوصف يلخص أكمل آثار الألوهية الخالقة المدبرة لهذا الوجود: هبة الوجود لكل موجود .. وهبة خلقه على الصورة التي خلق بها. وهبة هدايته للوظيفة التي خلق لها .. وحين يجول الإنسان ببصره وبصيرته - في حدود ما يطيق - في جنبات هذا الوجود الكبير تتجلى له آثار تلك القدرة المبدعة المدبرة في كل كائن صغير أو كبير..
هذا الوجود الكبير المؤلف مما لا يحصى من الذرات والخلايا، والخلائق والأحياء وكل ذرة فيه تنبض، وكل خلية فيه تحيا، وكل حي فيه يتحرك، وكل كائن فيه يتفاعل أو يتعامل مع الكائنات الأخرى .. وكلها تعمل منفردة ومجتمعة داخل اطار. النواميس المودعة في فطرتها وتكوينها بلا تعارض ولا خلل ولا فتور في لحظة من اللحظات! وكل كائن بمفرده كون وحده وعالم بذاته، تعمل في داخله ذراته وخلاياه وأعضاؤه وأجهزته وفق الفطرة التي فطرت عليها، داخل حدود الناموس العام، في توافق وانتظام...".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى