صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (189)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يونس": (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)
القول الأقرب أن المراد بالآية الأمر بالانفصال بالمساكن عن فرعون وقومه ويكون ذلك الانفصال من جهة القبلة.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالبيوت المساكن.
والمعنى اتخذوا بيوتاً ومساكن واجعلوها (قِبْلَةً) أي: مساجد تصلون فيها (رجحه ابن جرير*, وابن عطية*) (وذكره الماتريدي*, والرازي*, والقرطبي*,) (وضعفه ابن عاشور*)
قيل لهم ذلك حين كانوا لا يقدرون على الصلاة في أماكن العبادة خوفاً من فرعون وجنوده.
وقيل: (قِبْلَةً) أي: متوجهة إلى القبلة.
(اقتصر عليه البغوي*) (وذكره ابن عطية*, وابن كثير*)
القول الثاني: أن المراد بالبيوت بيوت العبادة.
والمعنى: اتخذوا مساجد واجعلوا مساجدكم قِبَل القبلة. (ذكره ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*) (واقتصر عليه الزمخشري*) (وضعفه الماتريدي*, وابن عاشور*)
قال الزمخشري: "والمعنى اجعلا بمصر بيوتاً من بيوته مباءة لقومكما ومرجعاً يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه واجعلوها قبلة أي: مساجد متوجهة نحو القبلة"
قال الماتريدي: "قال بعضهم: وجهوا بيوتكم ومساجدكم نحو القبلة. لكن هذا بعيد, لأنه لا يكون بيتاً إلا ويكون جهة من جهاته إلى القبلة، فلا معنى له".
وقال ابن عاشور: "واضطرب المفسرون في المراد من هذه البيوت وذكروا روايات غير ملائمة لحالة القوم يومئذ. فقيل: أريد بالبيوت بيوت العبادة أي: مساجد يصلون فيها، وربما حمل على هذا التفسير من تأوله وقوع قوله: (وأقيموا الصلاة) عقبه. وهذا بعيد لأن الله علم أن بني إسرائيل مفارقون مصر قريباً بإذنه".
القول الثالث: أن المراد اتخذوا بيوتاً ومساكن واجعلوها يقابل بعضها بعضاً. (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (وضعفه ابن عاشور*)
قال الرازي: "والمقصود منه حصول الجمعية واعتضاد البعض بالبعض".
القول الرابع: أن المراد الأمر بالانفصال بالمساكن عن فرعون وقومه ويكون ذلك الانفصال من جهة القبلة.
وهذا القول هو الأقرب.
(ذكره الماتريدي*) (ورجحه ابن عاشور*) (واقصر عليه صاحب الظلال* وجمع بين هذا القول والقول الأول)
قال الماتريدي: "الأمر بالانفصال من فرعون وقومه حتى إذا أرادوا الخروج من عندهم قدروا على ذلك ولا يكون المرور عليهم وكان ذلك الانفصال إنما كان من جهة القبلة".
وقال ابن عاشور: "وإذ قد كان لبني إسرائيل ديار في مصر من قبل، إذ لا يكونون قاطنين مصر بدون مساكن، وقد كانوا ساكنين أرض (جاسان) قرب مدينة (منفيس) قاعدة المملكة يومئذ في جنوب البلاد المصرية، كما بيناه في سورة البقرة، لا جرم أن تكون البيوت المأمور بتبوئها غير البيوت التي كانوا ساكنيها".
قال ابن عاشور: "ويجوز أن يكون موسى قد عبر بما يفيد معنى الجنوب فحكيت عبارته في القرآن باللفظ المرادف له الشائع في التعبير عن الجنوب عند العرب وهو كلمة قبلة".
قال صاحب الظلال: "وعقب هذا التميز وفي فترة الانتظار بعد الجولة الأولى وإيمان من آمن بموسى، أوحى الله إليه وإلى هارون أن يتخذا لبني إسرائيل بيوتاً خاصة بهم، وذلك لفرزهم وتنظيمهم استعداداً للرحيل من مصر في الوقت المختار وكلفهم تطهير بيوتهم، وتزكية نفوسهم، والاستبشار بنصر الله:
«وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا، واجعلوا بيوتكم قبلة، وأقيموا الصلاة، وبشر المؤمنين» ..
وتلك هي التعبئة الروحية إلى جوار التعبئة النظامية. وهما معا ضروريتان للأفراد والجماعات، وبخاصة قبيل المعارك والمشقات...
وهنا يرشدهم الله إلى أمور:
اعتزال الجاهلية بنتنها وفسادها وشرها- ما أمكن في ذلك- وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها، لتطهرها وتزكيها، وتدربها وتنظمها، حتى يأتي وعد الله لها.
اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد. تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي، وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح وتزاول بالعبادة ذاتها نوعا من التنظيم في جو العبادة الطهور".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يونس": (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)
القول الأقرب أن المراد بالآية الأمر بالانفصال بالمساكن عن فرعون وقومه ويكون ذلك الانفصال من جهة القبلة.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالبيوت المساكن.
والمعنى اتخذوا بيوتاً ومساكن واجعلوها (قِبْلَةً) أي: مساجد تصلون فيها (رجحه ابن جرير*, وابن عطية*) (وذكره الماتريدي*, والرازي*, والقرطبي*,) (وضعفه ابن عاشور*)
قيل لهم ذلك حين كانوا لا يقدرون على الصلاة في أماكن العبادة خوفاً من فرعون وجنوده.
وقيل: (قِبْلَةً) أي: متوجهة إلى القبلة.
(اقتصر عليه البغوي*) (وذكره ابن عطية*, وابن كثير*)
القول الثاني: أن المراد بالبيوت بيوت العبادة.
والمعنى: اتخذوا مساجد واجعلوا مساجدكم قِبَل القبلة. (ذكره ابن جرير*, والرازي*, والقرطبي*) (واقتصر عليه الزمخشري*) (وضعفه الماتريدي*, وابن عاشور*)
قال الزمخشري: "والمعنى اجعلا بمصر بيوتاً من بيوته مباءة لقومكما ومرجعاً يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه واجعلوها قبلة أي: مساجد متوجهة نحو القبلة"
قال الماتريدي: "قال بعضهم: وجهوا بيوتكم ومساجدكم نحو القبلة. لكن هذا بعيد, لأنه لا يكون بيتاً إلا ويكون جهة من جهاته إلى القبلة، فلا معنى له".
وقال ابن عاشور: "واضطرب المفسرون في المراد من هذه البيوت وذكروا روايات غير ملائمة لحالة القوم يومئذ. فقيل: أريد بالبيوت بيوت العبادة أي: مساجد يصلون فيها، وربما حمل على هذا التفسير من تأوله وقوع قوله: (وأقيموا الصلاة) عقبه. وهذا بعيد لأن الله علم أن بني إسرائيل مفارقون مصر قريباً بإذنه".
القول الثالث: أن المراد اتخذوا بيوتاً ومساكن واجعلوها يقابل بعضها بعضاً. (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (وضعفه ابن عاشور*)
قال الرازي: "والمقصود منه حصول الجمعية واعتضاد البعض بالبعض".
القول الرابع: أن المراد الأمر بالانفصال بالمساكن عن فرعون وقومه ويكون ذلك الانفصال من جهة القبلة.
وهذا القول هو الأقرب.
(ذكره الماتريدي*) (ورجحه ابن عاشور*) (واقصر عليه صاحب الظلال* وجمع بين هذا القول والقول الأول)
قال الماتريدي: "الأمر بالانفصال من فرعون وقومه حتى إذا أرادوا الخروج من عندهم قدروا على ذلك ولا يكون المرور عليهم وكان ذلك الانفصال إنما كان من جهة القبلة".
وقال ابن عاشور: "وإذ قد كان لبني إسرائيل ديار في مصر من قبل، إذ لا يكونون قاطنين مصر بدون مساكن، وقد كانوا ساكنين أرض (جاسان) قرب مدينة (منفيس) قاعدة المملكة يومئذ في جنوب البلاد المصرية، كما بيناه في سورة البقرة، لا جرم أن تكون البيوت المأمور بتبوئها غير البيوت التي كانوا ساكنيها".
قال ابن عاشور: "ويجوز أن يكون موسى قد عبر بما يفيد معنى الجنوب فحكيت عبارته في القرآن باللفظ المرادف له الشائع في التعبير عن الجنوب عند العرب وهو كلمة قبلة".
قال صاحب الظلال: "وعقب هذا التميز وفي فترة الانتظار بعد الجولة الأولى وإيمان من آمن بموسى، أوحى الله إليه وإلى هارون أن يتخذا لبني إسرائيل بيوتاً خاصة بهم، وذلك لفرزهم وتنظيمهم استعداداً للرحيل من مصر في الوقت المختار وكلفهم تطهير بيوتهم، وتزكية نفوسهم، والاستبشار بنصر الله:
«وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا، واجعلوا بيوتكم قبلة، وأقيموا الصلاة، وبشر المؤمنين» ..
وتلك هي التعبئة الروحية إلى جوار التعبئة النظامية. وهما معا ضروريتان للأفراد والجماعات، وبخاصة قبيل المعارك والمشقات...
وهنا يرشدهم الله إلى أمور:
اعتزال الجاهلية بنتنها وفسادها وشرها- ما أمكن في ذلك- وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها، لتطهرها وتزكيها، وتدربها وتنظمها، حتى يأتي وعد الله لها.
اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد. تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي، وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح وتزاول بالعبادة ذاتها نوعا من التنظيم في جو العبادة الطهور".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/