النوال... (182) (الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ) (عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (182)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "التوبة": (الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ)
وقال في سورة "التحريم": (عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ)
القول الأقرب والله أعلم أن المراد بالسائحين المتفكرون في خلق الله وقدرته وملكوته وآياته.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (السَّائِحُونَ) وفي المراد بقوله: (سَائِحَاتٍ)
فاختلفوا في المراد بقوله: (السَّائِحُونَ) على أربعة أقوال:
القول الأول: أنهم الصائمون (اقتصر عليه ابن جرير*, والماتريدي*) (ورجحه ابن كثير*) (وذكره البغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وصاحب الظلال*)

قال الزمخشري: "شبهوا بذوي السياحة في الأرض في امتناعهم من شهواتهم".

وقال البغوي: "قال سفيان بن عيينة: إنما سمي الصائم سائحاً لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح"

وقال ابن عطية عند تفسير قوله: (سَائِحَاتٍ): "وشبه الصائم بالسائح من حيث ينهمل السائح ولا ينظر في زاد ولا مطعم، وكذلك الصائم يمسك عن ذلك فيستوي هو والسائح في الامتناع وشظف العيش لفقد الطعام"

وقال الرازي عند تفسير قوله: (سَائِحَاتٍ): "وقيل للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه، فلا يزال ممسكاً إلى أن يجد من يطعمه فشبه بالصائم الذي يمسك إلى أن يجيء وقت إفطاره"

قال الرازي عند تفسير قوله: (السَّائِحُونَ): "وعندي فيه وجه آخر، وهو أن الإنسان إذا امتنع من الأكل والشرب والوقاع وسد على نفسه أبواب الشهوات انفتحت عليه أبواب الحكمة، وتجلت له أنوار عالم الجلال.
فيصير من السائحين في عالم جلال الله المنتقلين من مقام إلى مقام، ومن درجة إلى درجة، فيحصل له سياحة في عالم الروحانيات".

القول الثاني: أنهم المجاهدون وقيل: المهاجرون (ذكره الرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وصاحب الظلال*) (واقتصر عليه ابن عاشور*) (وذكره البغوي* لكن لم يذكر القول بأنهم المهاجرون)

وروي في ذلك حديث لكنه لا يصح.
وهو حديث أبي أمامة (أن رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله).

أخرجه أبو داود وغيره وفيه القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة, وهو متكلم فيه ومختلف فيه, وفي حديث الضعفاء عنه مناكير واضطراب كما قال البخاري, وقال أبو حاتم: حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به, وإنما ينكر عنه الضعفاء.
وكان أحمد يرى أن البلاء من القاسم نفسه.
وفيه العلاء بن الحارث وقد اختلط.

القول الثالث: أنهم طلبة العلم يسيحون في طلبه (ذكره البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وصاحب الظلال*)

القول الرابع: أنهم المتفكرون في خلق الله وقدرته وملكوته وآياته وسننه (استحسنه ابن عطية*) (وذكره القرطبي*) (ورجحه صاحب الظلال*)
وهذا أقرب الأقوال والله أعلم.

قال ابن عطية: "هم الجائلون بأفكارهم في قدرة الله وملكوته، وهذا قول حسن وهي من أفضل العبادات"

قلت: وفي آيات كثيرة امتدح الله المتذكرين والمتفكرين والذاكرين وأمر بالسير في الأرض للتـأمل والتفكر.

كقوله: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)
وقوله: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)
وقوله: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)

وأما ما روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن "السائحين" فقال: هم الصائمون).
فهو حديث لا يصح كما في السلسلة الضعيفة للألباني.

قال صاحب الظلال: "ونحن نميل إلى اعتبارهم المتفكرين في خلق الله وسننه، ممن قيل في أمثالهم في موضع آخر: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ» ..
فهذه الصفة أليق هنا بالجو بعد التوبة والعبادة والحمد. فمع التوبة والعبادة والحمد يكون التدبر في ملكوت الله على هذا النحو الذي ينتهي بالإنابة إلى الله، وإدراك حكمته في خلقه، وإدراك الحق الذي يقوم عليه الخلق".

وفي قوله تعالى: (عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ)
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (سَائِحَاتٍ) على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد صائمات (رجحه ابن جرير*, وابن كثير*) (واقتصر عليه الماتريدي*) (وذكره البغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
قال ابن كثير: "أي: صائمات، قاله أبو هريرة، وعائشة، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو مالك، وإبراهيم النخعي، والحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس، والسدي، وغيرهم".

القول الثاني: أن المراد مهاجرات. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)

القول الثالث: أن المراد ذاهبات في طاعة الله (ذكره ابن عطية*, والقرطبي*)

القول الرابع: أن المراد متأملات متفكرات سائحات بالقلب في ملكوته. (انفرد به صاحب الظلال* واقتصر عليه)

قال صاحب الظلال: "التأمل والتدبر وللتفكر في إبداع الله والسياحة بالقلب في ملكوته"

قلت: وكما في الآية السابقة فهذا أقرب الأقوال والله تعالى أعلم.
والحقيقة أنه لم ينفرد به صاحب الظلال بل ذكره ابن عطية واستحسنه, وذكره القرطبي كما في سبق في تفسير قوله: (السَّائِحُونَ)

واذا تأملت الأوصاف التي ذكرها الله تبارك وتعالى في قوله: (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ) تجدها صفات قلبية وأوصاف عامة ليست خاصة بعبادات عملية معينة كالصوم أو الهجرة أو غيرها.
بل الإسلام والإيمان والقنوت والتوبة والعبادة والتفكر.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى