النوال... (181) (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (181)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الحجر": (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)

الأقرب أنهم يتمنون أنهم مسلمون في أحوال متعددة عند الموت إذا عاينوا الحقيقة وعند البعث وعند الأحوال المختلفة التي يواجهونها في الحشر.

ولماذا ورد بلفظ التقليل والظن (ربما)؟
الأقرب أنه ليس المراد به التقليل, ولكنه أسلوب عربي كما سيأتي.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في وقت تمني الذين كفروا الإسلام على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه عند الموت.

القول الثاني: أنه يوم القيامة.
كما في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا)
وقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}

وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
(ذكر القولين ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (وضعف ابن عطية* الأول) (والرازي لم يذكر القول الثاني, لكنه قال: وقيل: إن هذه الحالة تحصل إذا اسودت وجوههم)

القول الثالث: إذا رأوا المؤمنين يخرجون من النار (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
(وضعفه الماتريدي*)
قال الماتريدي: "هذا بعيد ألا يتمنوا إلا في النار بعد ما أخرج أولئك وقد أصيبوا بالشدائد والبلايا من قبل أن يأتوا النار"

والأقرب أنهم يتمنون أنهم مسلمون في ذلك كله. (رجحه الرازي*, والشنقيطي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)

قال الرازي: "الأصح ما قاله الزجاج فإنه قال: الكافر كلما رأى حالاً من أحوال العذاب ورأى حالاً من أحوال المسلم ود لو كان مسلماً".

وقال الشنقيطي: "أقوال العلماء في هذه الآية راجعة إلى شيء واحد, كل ذلك راجع إلى أن الكفار إذا عاينوا الحقيقة ندموا على الكفر وتمنوا أنهم كانوا مسلمين".

(وذكر الماتريدي*) قولاً رابعاً أنه في الدنيا.
فقال: "ربما يتمنى الآحاد من الكفرة ويودون لو كانوا مسلمين في أحوال وأوقات يظهر لهم الحق، وقد بان لهم الحق, لكن الذي يمنعهم عن الإسلام فوت شيء من الدنيا"
قلت: لكن ظاهر قوله (لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) أن تمنيهم يكون بعد مضي وقت التمكن.

ولهذا قال ابن عاشور: "والإتيان بفعل الكون الماضي للدلالة على أنهم يودون الإسلام بعد مضي وقت التمكن من إيقاعه"
والغريب أن ابن عاشور بعدما قرر هذه الفائدة عاد فقال: "وقد ود المشركون ذلك غير مرة في الحياة الدنيا حين شاهدوا نصر المسلمين".

واختلف المفسرون في سبب ورود لفظ التقليل والظن (ربما) مع أن الكفار لا ريب أنهم سيتمنون الإسلام وسيكثر تمنيهم له.

اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن (ربما) قد تستعمل للتكثير (ذكره البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*, والشنقيطي*)
وهذا ضعيف.

قال الزجاج: "من قال: إن رب يعني بها الكثرة فهو ضد ما يعرفه أهل اللغة".

القول الثاني: أن شغلهم بالعذاب لا يفرغهم للندامة إنما يخطر ذلك ببالهم أحياناً (ذكره البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, والشنقيطي*)

وعبارة الزمخشري: "تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا".
وهذا القول ضعيف أيضاً.

القول الثالث: أنه ليس المراد به التقليل, ولكنه أسلوب عربي لغرض معين. (ذكره الزمخشري*, والرازي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
وهذا هو الأقرب.

قال الزمخشري: "هو وارد على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك، وربما ندم الإنسان على ما فعل، ولا يشكون في تندمه، ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا: لو كان الندم مشكوكاً فيه أو كان قليلاً لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل، لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون كما يتحرزون من المتيقن، ومن القليل منه كما من الكثير".

وقال الرازي: "قيل: إن من عادة العرب أنهم إذا أرادوا التكثير ذكروا لفظاً وضع للتقليل، وإذا أرادوا اليقين ذكروا لفظاً وضع للشك، والمقصود منه: إظهار التوقع والاستغناء عن التصريح بالغرض...".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى