صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (164)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الأنبياء": (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)
القول الأقرب في قوله: (لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) أنه استهزاء وسخرية بهم, والمعنى: لعله يسألكم الناس ومن تملكون أمره من العبيد وغيره يسألونكم المعروف والاستشارة وغير ذلك مما تقدمونه لهم.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ) أي: فلما عاينوا شدة عذابنا قد حلّ بهم إذا هم يهربون سراعاً عَجْلَى يَعْدُون.
وقوله: (مِنْهَا) أي: من القرية, ويحتمل أن المراد من هذه البطشة والعقوبة.
قال ابن جرير: "إذا هم مما أحسوا بأسنا النازل بهم يهربون".
وقال ابن عاشور: "حرف (من) في قوله: (منها يركضون) يجوز أن يكون للابتداء، أي: خارجين منها، ويجوز أن يكون للتعليل، أي: من البأس الذي أحسوا به".
والركض: الضرب بالرجل. يقال: ركض فرسه: إذا ضربه برجله ليسرع.
ومنه قوله تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) أي: اضرب برجلك الأرض.
فالفار والجاري راكض لأنه يضرب بأقدامه الأرض.
واختلف المفسرون في قوله: (لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) على أقوال أهمها أربعة:
القول الأول: أنه استهزاء وسخرية بهم, والمعنى: لعله يسألكم الناس ومن تملكون أمره من العبيد وغيره يسألونكم المعروف والاستشارة وغير ذلك مما تقدمونه لهم.
وهذا القول هو الأقرب.
(اقتصر على هذا القول البغوي*) (وذكره الماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
(واقتصر عليه ابن جرير* لكنه ذكر أيضاً قولاً لمجاهد أن المراد: تفقهون)
القول الثاني: أن المراد لعلكم تسألون عما جرى عليكم فتخبرون به (ذكره الزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*)
القول الثالث: أن المعنى أنهم كانوا باغترارهم يرون أنه لو جاءهم عذاب لم ينزل بهم حتى يسألوا عن وجه تكذيبهم، فنادتهم الملائكة على وجه الهزء بهم لا تركضوا وارجعوا لعلكم تسالون كما كنتم تطمعون بسفه آرائكم (ذكره ابن عطية*)
(وذكر الماتريدي* والقرطبي*) نحوه حيث قالا: "وقيل: المعنى (لعلكم تسئلون) أي: تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول البأس بكم، قيل لهم ذلك استهزاء وتقريعاً وتوبيخاً".
القول الرابع: أن المراد لعلكم تسألون عما كنتم فيه من أداء شكر النعمة, وفيم أنفقتموها (اقتصر عليه ابن كثير*, وصاحب الظلال*).
وذكر بعض المفسرين أن الآية نزلت في قوم معينين قتلوا نبيهم فسلط الله عليهم بختنصر، حتى قتلهم وسباهم، فلما استحر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا فقالت الملائكة لهم استهزاء: لا تركضوا وارجعوا.. الخ.
وهذا كله فيه نظر, فليس المراد قوماً معينين, بل الآية تحكي حال كل المعذبين.
قال ابن عطية: "ويحتمل أن لا يريد بالآية قرية بعينها وأنه واصف حال كل قرية من القرى المعذبة".
وقال الزمخشري: "وظاهر الآية على الكثرة".
ومن القائل لهم: (لا تركضوا)؟
ذكر المفسرون أقوالاً منها: أن القائل هم الملائكة, أو بعض المؤمنين, أو أنه قول الله لهم.
والأقرب هو ما ذكره الزمخشري في أحد الاحتمالات التي ذكرها حيث قال: "أو يجعلوا خُلَقَاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يُقَلْ".
قال ابن عاشور لما ذكر قول بعض المفسرين بأنهم سمعوه من الملائكة أو غيرهم: "هذا ما فسر به المفسرون ويبعده استبعادُ أن يكون ذلك واقعاً عند كل عذاب أصيبت به كل قرية".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الأنبياء": (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)
القول الأقرب في قوله: (لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) أنه استهزاء وسخرية بهم, والمعنى: لعله يسألكم الناس ومن تملكون أمره من العبيد وغيره يسألونكم المعروف والاستشارة وغير ذلك مما تقدمونه لهم.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ) أي: فلما عاينوا شدة عذابنا قد حلّ بهم إذا هم يهربون سراعاً عَجْلَى يَعْدُون.
وقوله: (مِنْهَا) أي: من القرية, ويحتمل أن المراد من هذه البطشة والعقوبة.
قال ابن جرير: "إذا هم مما أحسوا بأسنا النازل بهم يهربون".
وقال ابن عاشور: "حرف (من) في قوله: (منها يركضون) يجوز أن يكون للابتداء، أي: خارجين منها، ويجوز أن يكون للتعليل، أي: من البأس الذي أحسوا به".
والركض: الضرب بالرجل. يقال: ركض فرسه: إذا ضربه برجله ليسرع.
ومنه قوله تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) أي: اضرب برجلك الأرض.
فالفار والجاري راكض لأنه يضرب بأقدامه الأرض.
واختلف المفسرون في قوله: (لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) على أقوال أهمها أربعة:
القول الأول: أنه استهزاء وسخرية بهم, والمعنى: لعله يسألكم الناس ومن تملكون أمره من العبيد وغيره يسألونكم المعروف والاستشارة وغير ذلك مما تقدمونه لهم.
وهذا القول هو الأقرب.
(اقتصر على هذا القول البغوي*) (وذكره الماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
(واقتصر عليه ابن جرير* لكنه ذكر أيضاً قولاً لمجاهد أن المراد: تفقهون)
القول الثاني: أن المراد لعلكم تسألون عما جرى عليكم فتخبرون به (ذكره الزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*)
القول الثالث: أن المعنى أنهم كانوا باغترارهم يرون أنه لو جاءهم عذاب لم ينزل بهم حتى يسألوا عن وجه تكذيبهم، فنادتهم الملائكة على وجه الهزء بهم لا تركضوا وارجعوا لعلكم تسالون كما كنتم تطمعون بسفه آرائكم (ذكره ابن عطية*)
(وذكر الماتريدي* والقرطبي*) نحوه حيث قالا: "وقيل: المعنى (لعلكم تسئلون) أي: تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول البأس بكم، قيل لهم ذلك استهزاء وتقريعاً وتوبيخاً".
القول الرابع: أن المراد لعلكم تسألون عما كنتم فيه من أداء شكر النعمة, وفيم أنفقتموها (اقتصر عليه ابن كثير*, وصاحب الظلال*).
وذكر بعض المفسرين أن الآية نزلت في قوم معينين قتلوا نبيهم فسلط الله عليهم بختنصر، حتى قتلهم وسباهم، فلما استحر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا فقالت الملائكة لهم استهزاء: لا تركضوا وارجعوا.. الخ.
وهذا كله فيه نظر, فليس المراد قوماً معينين, بل الآية تحكي حال كل المعذبين.
قال ابن عطية: "ويحتمل أن لا يريد بالآية قرية بعينها وأنه واصف حال كل قرية من القرى المعذبة".
وقال الزمخشري: "وظاهر الآية على الكثرة".
ومن القائل لهم: (لا تركضوا)؟
ذكر المفسرون أقوالاً منها: أن القائل هم الملائكة, أو بعض المؤمنين, أو أنه قول الله لهم.
والأقرب هو ما ذكره الزمخشري في أحد الاحتمالات التي ذكرها حيث قال: "أو يجعلوا خُلَقَاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يُقَلْ".
قال ابن عاشور لما ذكر قول بعض المفسرين بأنهم سمعوه من الملائكة أو غيرهم: "هذا ما فسر به المفسرون ويبعده استبعادُ أن يكون ذلك واقعاً عند كل عذاب أصيبت به كل قرية".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/