صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (156)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "القيامة" (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ)
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
القول الأول: أن المراد التفت الشدة بالشدة فهو آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فتلتقي شدة كرب الموت بشدة هول المطلع وشدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة.
قال ابن جرير: "والعرب تقول لكل أمر اشتد: قد شمر عن ساقه، وكشف عن ساقه"
قال ابن عطية: "استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها لأنه بين الحالين قد اختلطا له"
القول الثاني: أن المراد التفاف ساقي الميت عند الموت.
ونحوه قول من قال: التفت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن.
قال قتادة: "(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شيء، فقد كان عليهما جوّالا".
(كلهم ذكر القولين ورجح ابن جرير* الأول, واقتصر صاحب الظلال* على الثاني)
قال صاحب الظلال: "من تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها هذه السورة في مواجهة القلب البشري، وتضرب بها عليه حصاراً لا مهرب منه.. حقيقة الموت القاسية الرهيبة التي تواجه كل حي، فلا يملك لها رداً، ولا يملك لها أحد ممن حوله دفعاً. وهي تتكرر في كل لحظة، ويواجهها الكبار والصغار، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعاف، ويقف الجميع منها موقفاً واحداً.. لا حيلة. ولا وسيلة. ولا قوة. ولا شفاعة. ولا دفع. ولا تأجيل.. مما يوحي بأنها قادمة من جهة عليا لا يملك البشر معها شيئاً".
وقال:
"السورة بعد عرض تلك المشاهد تقرب وتقرب حتى تلمس حس المخاطبين بمشهد آخر حاضر واقع مكرور، لا تمر لحظة حتى يواجههم في هذه الأرض بقوته ووضوحه ووزنه الثقيل! إنه مشهد الموت. الموت الذي ينتهي إليه كل حي، والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره حي. الموت الذي يفرق الأحبة، ويمضي في طريقه لا يتوقف، ولا يتلفت، ولا يستجيب لصرخة ملهوف، ولا لحسرة مفارق، ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف! الموت الذي يصرع الجبابرة بنفس السهولة التي يصرع بها الأقزام، ويقهر بها المتسلطين كما يقهر المستضعفين سواء! الموت الذي لا حيلة للبشر فيه وهم مع هذا لا يتدبرون القوة القاهرة التي تجريه:
«كلا! إذا بلغت التراقي، وقيل من راق وظن أنه الفراق، والتفت الساق بالساق. إلى ربك يومئذ المساق» ..
إنه مشهد الاحتضار، يواجههم به النص القرآني كأنه حاضر، وكأنه يخرج من ثنايا الألفاظ ويتحرك كما تخرج ملامح الصورة من خلال لمسات الريشة! «كلا إذا بلغت التراقي» .. وحين تبلغ الروح التراقي يكون النزع الأخير، وتكون السكرات المذهلة، ويكون الكرب الذي تزوغ منه الأبصار.. ويتلفت الحاضرون حول المحتضر يتلمسون حيلة أو وسيلة لاستنقاذ الروح المكروب: «وقيل: من راق؟»
لعل رقية تفيد! .. وتلوى المكروب من السكرات والنزع.. «والتفت الساق بالساق» .. وبطلت كل حيلة، وعجزت كل وسيلة، وتبين الطريق الواحد الذي يساق إليه كل حي في نهاية المطاف: «إلى ربك يومئذ المساق» .. "
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "القيامة" (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ)
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
القول الأول: أن المراد التفت الشدة بالشدة فهو آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فتلتقي شدة كرب الموت بشدة هول المطلع وشدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة.
قال ابن جرير: "والعرب تقول لكل أمر اشتد: قد شمر عن ساقه، وكشف عن ساقه"
قال ابن عطية: "استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها لأنه بين الحالين قد اختلطا له"
القول الثاني: أن المراد التفاف ساقي الميت عند الموت.
ونحوه قول من قال: التفت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن.
قال قتادة: "(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شيء، فقد كان عليهما جوّالا".
(كلهم ذكر القولين ورجح ابن جرير* الأول, واقتصر صاحب الظلال* على الثاني)
قال صاحب الظلال: "من تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها هذه السورة في مواجهة القلب البشري، وتضرب بها عليه حصاراً لا مهرب منه.. حقيقة الموت القاسية الرهيبة التي تواجه كل حي، فلا يملك لها رداً، ولا يملك لها أحد ممن حوله دفعاً. وهي تتكرر في كل لحظة، ويواجهها الكبار والصغار، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعاف، ويقف الجميع منها موقفاً واحداً.. لا حيلة. ولا وسيلة. ولا قوة. ولا شفاعة. ولا دفع. ولا تأجيل.. مما يوحي بأنها قادمة من جهة عليا لا يملك البشر معها شيئاً".
وقال:
"السورة بعد عرض تلك المشاهد تقرب وتقرب حتى تلمس حس المخاطبين بمشهد آخر حاضر واقع مكرور، لا تمر لحظة حتى يواجههم في هذه الأرض بقوته ووضوحه ووزنه الثقيل! إنه مشهد الموت. الموت الذي ينتهي إليه كل حي، والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره حي. الموت الذي يفرق الأحبة، ويمضي في طريقه لا يتوقف، ولا يتلفت، ولا يستجيب لصرخة ملهوف، ولا لحسرة مفارق، ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف! الموت الذي يصرع الجبابرة بنفس السهولة التي يصرع بها الأقزام، ويقهر بها المتسلطين كما يقهر المستضعفين سواء! الموت الذي لا حيلة للبشر فيه وهم مع هذا لا يتدبرون القوة القاهرة التي تجريه:
«كلا! إذا بلغت التراقي، وقيل من راق وظن أنه الفراق، والتفت الساق بالساق. إلى ربك يومئذ المساق» ..
إنه مشهد الاحتضار، يواجههم به النص القرآني كأنه حاضر، وكأنه يخرج من ثنايا الألفاظ ويتحرك كما تخرج ملامح الصورة من خلال لمسات الريشة! «كلا إذا بلغت التراقي» .. وحين تبلغ الروح التراقي يكون النزع الأخير، وتكون السكرات المذهلة، ويكون الكرب الذي تزوغ منه الأبصار.. ويتلفت الحاضرون حول المحتضر يتلمسون حيلة أو وسيلة لاستنقاذ الروح المكروب: «وقيل: من راق؟»
لعل رقية تفيد! .. وتلوى المكروب من السكرات والنزع.. «والتفت الساق بالساق» .. وبطلت كل حيلة، وعجزت كل وسيلة، وتبين الطريق الواحد الذي يساق إليه كل حي في نهاية المطاف: «إلى ربك يومئذ المساق» .. "
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/