صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (153)
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يوسف": (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا)
القول الراجح في الشاهد أنه رجل أو امرأة من أهلها.
ولماذا سماه شاهداً مع أنه لم يشهد؟
الذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذا الشاهد كان على علم واطلاع بما يدور وما كان يصدر من المرأة من قبل, فشهد لكنه لم يرد أن تكون شهادته صريحة, بل بطريقة ذكرها تدل على المعلومة, ومن هنا سمي شاهداً لأنه في الحقيقة شاهد لكن لم يصرح.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في هذا الشاهد على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه صبي في المهد أنطقه الله (رجحه ابن جرير*, والشنقيطي*) (وضعفه ابن عطية*, والقرطبي*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن كثير*)
(وذكره الرازي*, ونقل عن الجبائي ـ كالمؤيد له ـ تضعيفه من وجوه)
وهذا القول ضعيف كما سيأتي.
القول الثاني: أنه رجل من أهلها (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, وابن كثير*, والشنقيطي*) (ورجحه القرطبي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*, وصاحب الظلال*)
وهذا القول هو الراجح, وأنه بعض أهلها, وقد يكون رجلاً وقد يكون امرأة.
القول الثالث: أنه القميص المقدود نفسه, فكون قميصه مشقوق من دبر فتلك الشهادة (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (وضعفوه جميعاً سوى الماتريدي)
وهذا القول ضعيف ركيك.
قال ابن جرير: "لا معنى له, لأن الله تعالى أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة، ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة".
ومثل ذلك قال ابن عطية, والقرطبي.
وقال الرازي: "وهذا في غاية الضعف لأن القميص لا يوصف بهذا ولا ينسب إلى الأهل".
أما القول بأنه صبي في المهد فضعيف.
نقل القرطبي عن النحاس قوله: "ولو كان طفلاً لكانت شهادته ليوسف تغني عن أن يأتي بدليل من العادة، لأن كلام الطفل آية معجزة".
وقال ابن عطية: "الصبي لو تكلم لكان الدليل نفس كلامه دون أن يحتاج إلى الاستدلال بالقميص".
وقال الرازي: "قال الجبائي: لو نطق الطفل لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافياً وبرهاناً قاطعاً، لأنه من البراهين القاطعة القاهرة، والاستدلال بتمزيق القميص من قبل ومن دبر دليل ظني ضعيف، والعدول عن الحجة القاطعة حال حضورها وحصولها إلى الدلالة الظنية لا يجوز"
وقال ابن عطية: "ومما يضعف هذا أن في صحيح البخاري ومسلم لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وابن السوداء الذي تمنت له أن يكون كالفاجر الجبار".
قلت: أما حديث (تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم)
فهو حديث ضعيف.
فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط، واضطرب فيه فرواه موقوفاً ورواه مرفوعاً والموقوف هو الصواب.
وحتى الموقوف لا يصح لأن مداره على ابن السائب، وقد اختلط.
ومما يدل على ضعفه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة...)
وقوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ)
لماذا سماه شاهداً مع أنه لم يشهد وإنما (دل على الشاهد)؟
قال بعض المفسرين: معناه حكم حاكم, كما قال ابن جرير, والبغوي, والقرطبي.
قال القرطبي: "لأنه حكم منه وليس بشهادة".
وقال الزمخشري: "لما أدّى مؤدّى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها سمى شهادة"
وقال ابن عطية: "سمي المتكلم شاهداً من حيث دل على الشاهد".
وقال ابن عاشور: "وسمي قوله شهادة لأنه يؤول إلى إظهار الحق"
وقال صاحب الظلال: "سميت فتواه هذه شهادة، لأنها تساعد على تحقيق النزاع والوصول إلى الحق فيه"
والذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذا الشاهد الذي هو من أهلها كان على معرفة بالأمر, ولهذا سمي شاهداً, فكان على علم واطلاع بما يدور وما كان يصدر من المرأة من قبل, ولم تكن المراودة وليدة تلك اللحظة بل لا شك أنه كان لها مقدمات وكان ذلك الشاهد على علم واضح بالأمر فشهد لكنه لم يرد أن تكون شهادته صريحة, بل بطريقة ذكرها تدل على المعلومة وهي دلالة القميص, ومن هنا سمي شاهداً لأنه في الحقيقة شاهد لكن لم يصرح.
ولهذا قال الزمخشري: "يجوز أن يكون بعض أهلها كان في الدار فبصر بها من حيث لا تشعر، فأغضبه الله ليوسف بالشهادة له والقيام بالحق".
ونقل الرازي عن الجبائي قوله: "لفظ الشاهد لا يقع في العرف إلا على من تقدمت له معرفة بالواقعة وإحاطة بها".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "يوسف": (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا)
القول الراجح في الشاهد أنه رجل أو امرأة من أهلها.
ولماذا سماه شاهداً مع أنه لم يشهد؟
الذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذا الشاهد كان على علم واطلاع بما يدور وما كان يصدر من المرأة من قبل, فشهد لكنه لم يرد أن تكون شهادته صريحة, بل بطريقة ذكرها تدل على المعلومة, ومن هنا سمي شاهداً لأنه في الحقيقة شاهد لكن لم يصرح.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في هذا الشاهد على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه صبي في المهد أنطقه الله (رجحه ابن جرير*, والشنقيطي*) (وضعفه ابن عطية*, والقرطبي*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن كثير*)
(وذكره الرازي*, ونقل عن الجبائي ـ كالمؤيد له ـ تضعيفه من وجوه)
وهذا القول ضعيف كما سيأتي.
القول الثاني: أنه رجل من أهلها (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, وابن كثير*, والشنقيطي*) (ورجحه القرطبي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*, وصاحب الظلال*)
وهذا القول هو الراجح, وأنه بعض أهلها, وقد يكون رجلاً وقد يكون امرأة.
القول الثالث: أنه القميص المقدود نفسه, فكون قميصه مشقوق من دبر فتلك الشهادة (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (وضعفوه جميعاً سوى الماتريدي)
وهذا القول ضعيف ركيك.
قال ابن جرير: "لا معنى له, لأن الله تعالى أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة، ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة".
ومثل ذلك قال ابن عطية, والقرطبي.
وقال الرازي: "وهذا في غاية الضعف لأن القميص لا يوصف بهذا ولا ينسب إلى الأهل".
أما القول بأنه صبي في المهد فضعيف.
نقل القرطبي عن النحاس قوله: "ولو كان طفلاً لكانت شهادته ليوسف تغني عن أن يأتي بدليل من العادة، لأن كلام الطفل آية معجزة".
وقال ابن عطية: "الصبي لو تكلم لكان الدليل نفس كلامه دون أن يحتاج إلى الاستدلال بالقميص".
وقال الرازي: "قال الجبائي: لو نطق الطفل لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافياً وبرهاناً قاطعاً، لأنه من البراهين القاطعة القاهرة، والاستدلال بتمزيق القميص من قبل ومن دبر دليل ظني ضعيف، والعدول عن الحجة القاطعة حال حضورها وحصولها إلى الدلالة الظنية لا يجوز"
وقال ابن عطية: "ومما يضعف هذا أن في صحيح البخاري ومسلم لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وابن السوداء الذي تمنت له أن يكون كالفاجر الجبار".
قلت: أما حديث (تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم)
فهو حديث ضعيف.
فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط، واضطرب فيه فرواه موقوفاً ورواه مرفوعاً والموقوف هو الصواب.
وحتى الموقوف لا يصح لأن مداره على ابن السائب، وقد اختلط.
ومما يدل على ضعفه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة...)
وقوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ)
لماذا سماه شاهداً مع أنه لم يشهد وإنما (دل على الشاهد)؟
قال بعض المفسرين: معناه حكم حاكم, كما قال ابن جرير, والبغوي, والقرطبي.
قال القرطبي: "لأنه حكم منه وليس بشهادة".
وقال الزمخشري: "لما أدّى مؤدّى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها سمى شهادة"
وقال ابن عطية: "سمي المتكلم شاهداً من حيث دل على الشاهد".
وقال ابن عاشور: "وسمي قوله شهادة لأنه يؤول إلى إظهار الحق"
وقال صاحب الظلال: "سميت فتواه هذه شهادة، لأنها تساعد على تحقيق النزاع والوصول إلى الحق فيه"
والذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذا الشاهد الذي هو من أهلها كان على معرفة بالأمر, ولهذا سمي شاهداً, فكان على علم واطلاع بما يدور وما كان يصدر من المرأة من قبل, ولم تكن المراودة وليدة تلك اللحظة بل لا شك أنه كان لها مقدمات وكان ذلك الشاهد على علم واضح بالأمر فشهد لكنه لم يرد أن تكون شهادته صريحة, بل بطريقة ذكرها تدل على المعلومة وهي دلالة القميص, ومن هنا سمي شاهداً لأنه في الحقيقة شاهد لكن لم يصرح.
ولهذا قال الزمخشري: "يجوز أن يكون بعض أهلها كان في الدار فبصر بها من حيث لا تشعر، فأغضبه الله ليوسف بالشهادة له والقيام بالحق".
ونقل الرازي عن الجبائي قوله: "لفظ الشاهد لا يقع في العرف إلا على من تقدمت له معرفة بالواقعة وإحاطة بها".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/