النوال... (123) (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناسِ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
12
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (123)

اكتب في (قوقل) (النوال. وكلمة من الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال تعالى في سورة "الروم": (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

القول الراجح أن المراد بالفساد الجدب, والقحط, وقلة النبات, وكثرة الآفات, وقلة البركة في كل شيء ونحو ذلك.
وأن المراد بالبر هو البر المعروف وهو ظهر الأرض، وما فيه من الأمصار وغيرها. والبحر: البحر المعروف.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (ظهر الفساد) وفي المراد بقوله: (في البر والبحر)
فاختلفوا في المراد بقوله (ظهر الفساد) على قولين:

القول الأول: أن المراد بالفساد المعاصي والكفر والشر (اقتصر عليه ابن جرير*)
والمعنى على هذا القول: أن ظهور الشرور والفساد بسببهم, وذلك لفشو المعاصي والظلم, فكأنهم إنما ظهر منهم الفساد والشر لكثرة المعاصي والظلم في الأرض.

قال الزمخشري: "على معنى أن ظهور الشرور بسببهم مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم إرادة الرجوع، فكأنهم إنما أفسدوا وتسببوا لفشو المعاصي في الأرض لأجل ذلك"

قال الماتريدي: "(بما كسبت أيدي الناس) من الأمور التي كانوا يتعاطون من قطع الطريق، والسرقة، والظلم، وأنواع أعمال السوء التي يتعاطونها، ذلك هو سبب شركهم وكفرهم بالله، وبذلك كان شركهم وكفرهم ذلك كان يغطي قلوبهم, حتى لا تتجلى قلوبهم للإيمان, كقوله: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)"

القول الثاني: أن المراد بالفساد الجدب, والقحط, وقلة النبات, وكثرة الآفات, وقلة البركة في كل شيء ونحو ذلك. (اقتصر عليه البغوي*, والرازي*)
(واقتصر عليه ابن كثير* لكنه أشار في الأخير إلى القول الأول وضعفه)
(وذكر القولين الماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن عاشور*)
وهذا القول هو الراجح.

قال الزمخشري: "الفساد في البر والبحر نحو: الجدب، والقحط، وقلة الريع في الزراعات والربح في التجارات، ووقوع الموتان في الناس والدواب، وكثرة الحرق والغرق، وإخفاق الصيادين والغاصة، ومحق البركات من كل شيء، وقلة المنافع في الجملة وكثرة المضار"

قال ابن كثير: "ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية وهو تركها فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج قيل للأرض: أخرجي بركاتك. فيأكل من الرمانة الفئام من الناس، ويستظلون بقحفها، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس. وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير.
ولهذا ثبت في الصحيح (إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب)".

واختلف المفسرون في المراد بالبر والبحر على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالبر هو البر المعروف وهو ظهر الأرض، وما فيه من الأمصار وغيرها. والبحر: البحر المعروف. (رجحه ابن جرير*, وابن عطية*) (وذكره البغوي*)
وهو القول الراجح.

القول الثاني: أن البر: الفيافي وأهل الصحاري والبوادي، والبحر: المدن والقرى والأمصار. (ذكره الماتريدي*) (وذكر القولين الزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
(وذكر القولين ابن عاشور* وقال عن الثاني: فيه بعد)

قال الرازي: "فإن العرب تسمي المدائن بحوراً لكون مبنى عمارتها على الماء".

قلت: ثبت عن أبي سعيد الخدري (أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة. فقال: ويحك إن شأن الهجرة لشديد فهل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فهل تؤتي صدقتها؟ قال: نعم. قال: فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئاً)
قال ابن حجر: "أي من وراء القرى, والقرية يقال لها البحرة لاتساعها".

وفيه قول ثالث: أن المراد بالبحر: الأمصار والمدن التي على ضفة البحار والأنهار الكبار (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*)

فائدة:
قال ابن عاشور: "وقد تحمل صيغة الماضي على معنى توقع حصول الفساد والإنذار به فكأنه قد وقع على طريقة (أتى أمر الله)"
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى