صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (112)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "فصلت": (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
القول الأقرب أن المراد لا يؤدون زكاة أموالهم والله أعلم.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
القول الأول: أن المراد زكاة النفس بطاعة الله التي تطهرهم وتزكيهم. (رجح هذا القول ابن عطية*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)
فتكون هذه الآية كقوله تعالى: (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى)
وقوله: (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ)
وقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)
وقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)
وقوله: (وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى)
وقوله: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا)
وقوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)
القول الثاني: أن المراد لا يؤدون زكاة أموالهم. (رجحه ابن جرير*) (ومال اليه الزمخشري*) (واقتصر عليه ابن عاشور*) (وذكره القولين الرازي*, وابن كثير*, والشنقيطي*, وصاحب الظلال*)
وهذا القول أقرب والله أعلم.
وقيل: المراد الذين لا يقرون بالزكاة ولا يرون إيتاءها واجباً (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
قال الماتريدي: "وخصهم بذكر جحود الزكاة والآخرة لما كان سبب كفرهم مختلفاً:
فمنهم من كان سبب كفره بخله في المال وشحه، حمله ذلك على إنكار الزكاة والامتناع عن الإيتاء..."
قال الزمخشري: "فإن قلت: لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة؟
قلت: لأن أحب شيء إلى الإنسان ما له وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته.
وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا فقرّت عصبيتهم ولانت شكيمتهم وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحرب، وجوهدوا"
وقال الرازي: "وإذا كان التوحيد أعلى المراتب وأشرفها كان ضده وهو الشرك أخس المراتب وأرذلها، ولما كان أفضل أنواع المعاملة مع الخلق هو إظهار الشفقة عليهم كان الامتناع من الزكاة أخس الأعمال، لأنه ضد الشفقة على خلق الله، إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى أثبت الويل لمن كان موصوفاً بصفات ثلاثة:
أولها: أن يكون مشركاً وهو ضد التوحيد، وإليه الإشارة بقوله: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)
وثانيها: كونه ممتنعاً من الزكاة وهو ضد الشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله: (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
وثالثها: كونه منكراً للقيامة مستغرقاً في طلب الدنيا ولذاتها، وإليه الإشارة بقوله: (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)"
قال ابن عاشور: "وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجباً للويل فذلك لأنه حمل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام، فذكر ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة، أي: إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشح بالمال، وكفى بذلك تشويهاً في حكم الأخلاق وحكم العرف فيهم، لأنهم يتعيرون باللؤم، ولكنهم يبذلون المال في غير وجهه ويحرمون منه مستحقيه.
قال ابن عاشور: "ولم تكن يومئذ زكاة مفروضة في الإسلام غير الصدقة دون تعيين نصب ولا أصناف الأرزاق المزكاة، وكانت الصدقة مفروضة على الجملة"
وقال ابن كثير: "لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأموراً به في ابتداء البعثة، كقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة، كما أن أصل الصلاة كان واجباً قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "فصلت": (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
القول الأقرب أن المراد لا يؤدون زكاة أموالهم والله أعلم.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
القول الأول: أن المراد زكاة النفس بطاعة الله التي تطهرهم وتزكيهم. (رجح هذا القول ابن عطية*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*)
فتكون هذه الآية كقوله تعالى: (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى)
وقوله: (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ)
وقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)
وقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)
وقوله: (وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى)
وقوله: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا)
وقوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)
القول الثاني: أن المراد لا يؤدون زكاة أموالهم. (رجحه ابن جرير*) (ومال اليه الزمخشري*) (واقتصر عليه ابن عاشور*) (وذكره القولين الرازي*, وابن كثير*, والشنقيطي*, وصاحب الظلال*)
وهذا القول أقرب والله أعلم.
وقيل: المراد الذين لا يقرون بالزكاة ولا يرون إيتاءها واجباً (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
قال الماتريدي: "وخصهم بذكر جحود الزكاة والآخرة لما كان سبب كفرهم مختلفاً:
فمنهم من كان سبب كفره بخله في المال وشحه، حمله ذلك على إنكار الزكاة والامتناع عن الإيتاء..."
قال الزمخشري: "فإن قلت: لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة؟
قلت: لأن أحب شيء إلى الإنسان ما له وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته.
وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا فقرّت عصبيتهم ولانت شكيمتهم وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحرب، وجوهدوا"
وقال الرازي: "وإذا كان التوحيد أعلى المراتب وأشرفها كان ضده وهو الشرك أخس المراتب وأرذلها، ولما كان أفضل أنواع المعاملة مع الخلق هو إظهار الشفقة عليهم كان الامتناع من الزكاة أخس الأعمال، لأنه ضد الشفقة على خلق الله، إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى أثبت الويل لمن كان موصوفاً بصفات ثلاثة:
أولها: أن يكون مشركاً وهو ضد التوحيد، وإليه الإشارة بقوله: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)
وثانيها: كونه ممتنعاً من الزكاة وهو ضد الشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله: (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
وثالثها: كونه منكراً للقيامة مستغرقاً في طلب الدنيا ولذاتها، وإليه الإشارة بقوله: (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)"
قال ابن عاشور: "وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجباً للويل فذلك لأنه حمل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام، فذكر ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة، أي: إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشح بالمال، وكفى بذلك تشويهاً في حكم الأخلاق وحكم العرف فيهم، لأنهم يتعيرون باللؤم، ولكنهم يبذلون المال في غير وجهه ويحرمون منه مستحقيه.
قال ابن عاشور: "ولم تكن يومئذ زكاة مفروضة في الإسلام غير الصدقة دون تعيين نصب ولا أصناف الأرزاق المزكاة، وكانت الصدقة مفروضة على الجملة"
وقال ابن كثير: "لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأموراً به في ابتداء البعثة، كقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة، كما أن أصل الصلاة كان واجباً قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك".
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/