النوال... (109) (قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (109)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الصافات": (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)
القول الصحيح أن الذبيح هو إسماعيل.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في ذلك.
اختلف أهل العلم في تعيين الذبيح, هل هو إسحاق أم إسماعيل على قولين:

القول الأول: أنه إسحاق (رجحه ابن جرير*, والقرطبي*)
القول الثاني: أنه إسماعيل (رجحه ابن كثير*, والشنقيطي*, وابن عاشور*, وصاحب الظلال*)
(وذكر القولين البغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*)

والقول بأنه إسماعيل هو الصواب بلا ريب وهو قول جمهور أهل العلم من السلف والخلف, ومن تأمل القرآن عرف ذلك بكل وضوح, وذلك من وجوه كثيرة منها:

أن الله تبارك وتعالى قال في سورة "الصافات": (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ), ثم ذكر قصة الابتلاء بالذبح, ثم عقبها بقوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}, وهذا ظاهر جداً في أن المبشر به هنا غير المبشر به في الموضع الأول، فيبعد جداً أن يكون المعنى: فبشرناه بإسحاق، ثم بعد انتهاء قصة ذبحه يقول أيضاً: وبشرناه بإسحاق، فهو تكرار لا فائدة فيه ينزه عنه كلام الله كما قال بعض العلماء.

ولا يصح أن يقال: إن البشارة في الموضع الثاني كانت بالنبوة, وأن الله جازى إبراهيم وإسحاق على صبرهما فجعله نبياً.
فإن الآية صريح بالبشارة بذات إسحاق وبكونه نبياً, فوقعت البشارة بمجموعهما ذاته ووجوده، وكونه نبياً.

ومنها: أن الله تعالى بشر إبراهيم وامرأته بإسحاق ومن ورائه يعقوب, فقال: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}
فكيف يمتحنه ويأمره بذبحه وهو قد بشره به وبابنه يعقوب من ورائه, فلو كان الأمر كذلك لم يكن ثم ابتلاء, لعلم إبراهيم أنه لن يتم أمر الذبح, فإن الله قد أخبره أنه يكبر ويولد له يعقوب, فأين الابتلاء إذاً.

ومنها: أن الله تعالى ذكر عن إبراهيم أنه قال: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ثم طلب من الله تعالى ولداً فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ), وهذا السؤال إنما يحسن قبل أن يحصل له الولد، فثبت أن هذا السؤال إنما وقع حال طلب الولد الأول، ومن المعلوم والمجمع عليه أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحاق، فتبين أن المطلوب بهذا الدعاء إنما هو إسماعيل، ثم إن الله تعالى ذكر عقيبه قصة الذبيح, فيلزم من هذا أن يكون الذبيح هو إسماعيل.

ومنها: أن إسماعيل كان هو الولد الوحيد البكر.
قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)
والعادة أن بكر الأولاد أحب إلى الوالدين ممن بعده، فقوة الامتحان والاختبار إنما تحصل بالمولود الأول, ولم يكن ليحصل في المولود الآخر دون الأول.

ومنها: أن الله وصف إسماعيل بالصبر في قوله تعالى (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) وإسماعيل هو الذي قد صبر على هذا الابتلاء العظيم.
ووصفه بأنه صادق الوعد في قوله: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) وإسماعيل هو الذي وفى بوعده حين وعد فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) فوفى عليه السلام في وعده, كما قال تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ).

ومنها: أن الذبيح كان بمكة، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمه.
وذكر أن الأصمعي سأل أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال: يا أصمعي أين عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة, وإنما كان إسماعيل بمكة, وهو الذي بنى البيت مع أبيه, والمنحر بمكة.

وذكر بعضهم أنه يشكل على القول بأن الذبيح إسماعيل أن إبراهيم ترك إسماعيل وأمه في مكة وذهب ولم يأت إلا بعد أن كبر إسماعيل وتزوج.

والجواب على هذا أنه ليس هناك ما ينفي أن إبراهيم كان يأتي إلى ابنه في مكة قبل ذلك, وأنه أثناء ذلك جرت لهما حادثة الابتلاء, فعدم الذكر ليس ذكراً للعدم, وعدم العلم ليس علماً بالعدم.

وقد أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنه موقوفاً عليه قال: (إن إبراهيم لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات، وثم تله للجبين, وعلى إسماعيل قميص أبيض، وقال: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه...) الخ.

قال ابن تيمية كما في "الفتاوى" (4/31): "الذي يجب القطع به أنه إسماعيل, وهذا الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة, وهو الذي تدل عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب... لكن أهل الكتاب حرفوا فزادوا إسحاق فتلقى ذلك عنهم من تلقاه وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق, وأصله من تحريف أهل الكتاب..." الخ.

وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/71): "إسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهاً، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم..." الخ.

وهذا القول الصحيح هو قول جماعة من العلماء المحققين, ولهم في بيان هذه المسألة كلام محكم مفصل ماتع تجده عند شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (4/331), وابن القيم في "زاد المعاد" (1/71), وفي "إغاثة اللهفان" (2/355), وابن كثير في "البداية والنهاية" (1/158-160) وفي "تفسيره", والرازي في "تفسيره", والشنقيطي في "تفسيره", وابن عاشور في "تفسيره"
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
 
عودة
أعلى