صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (106)
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "النمل": (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ)
القول الأقرب في المراد بقوله: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) تتابع علمهم في أمر الآخرة على عدم الإيمان بها, وغاب عنهم العلم بها.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (ادَّارَكَ) أصله تدارك، فأدغمت التاء في الدال كما في قوله: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ) أي: تثاقلتم.
والمعنى: تلاحق وتتابع وتكامل, كقوله تعالى: (حتى إذا اداركوا فيها جميعاً)
واختلف المفسرون في المراد بالآية على قولين:
القول الأول: أن المعنى: تتابع وتكامل علمهم في الآخرة بأنها حقيقة كائنة فقد حصل ووقع وعاينوها بأنفسهم (ذكره البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (ورجحه الشنقيطي* واقتصر عليه)
فقوله {في الآخرة} على هذا التأويل ظرف كما قال ابن عطية.
أي: لما وقعت القيامة وعاينوها تكامل علمهم بها وأيقنوا.
القول الثاني: أن المعنى: تتابع علمهم في أمر الآخرة على عدم الإيمان بها, وغاب عنهم العلم بها.
(رجحه ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية* والقرطبي*, وابن كثير*)
وهذا القول هو الأقرب والله أعلم.
قال ابن جرير: "غاب علمهم عن أمر الآخرة، وضل فلم يبلغوه ولم يدركوه".
وقال في موضع آخر: "تدارك علمهم أي: تتابع علمهم بالآخرة هل هي كائنة أم لا".
وقال ابن عطية: "قد تتابع وتناهى علمهم بالآخرة إلى أن لا يعرفوا لها مقداراً فيؤمنوا, وإنما لهم ظنون كاذبة أو إلى أن لا يعرفوا لها وقتاً".
وقال القرطبي: "والقول الآخر أن المعنى: بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة، فقالوا: لا تكون".
(وذكره ابن عاشور*) (لكن جعل المعنى: تداركت علومهم مع علوم أسلافهم في أمر الآخرة، فتتابعوا على إنكار البعث)
قال: "ويشعر لذلك قوله تعالى عقبه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} . وقريب من هذا قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ}.
وذكره ابن كثير* في موضع آخر بعبارة: "انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها". (فجعل الجهل مقتصراً على معرفة وقتها) وهذا غريب.
(وذكره صاحب الظلال* واقتصر عليه) بعبارة: "يتحدث في موقفهم من الآخرة, ومدى علمهم بحقيقتها.
«بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ» فانتهى إلى حدوده، وقصر عن الوصول إليها، ووقف دونها لا يبلغها".
وفي الآية قولان آخران فيهما بعد:
القول الأول: أن المعنى: استحكمت أسباب العلم وتكاملت بأن القيامة كائنة لا ريب فيها, وقد حصلت لهم ومكنوا من معرفتها وهم مع ذلك شاكون جاهلون (انفرد به الزمخشري*) (وذكره الرازي* بنصه نقلاً عن الزمخشري)
وعلى هذا تكون في بمعنى الباء.
القول الثاني: أن المعنى: اختلطت واضطربت أقوالهم في أمر الآخرة, فهم ينفون البعث ثم يزعمون أن الأصنام شفعاؤهم. (انفرد به ابن عاشور*)
قال ابن عاشور: "الوجه الثاني: أنهم لم يرسوا على أمر واختلفت أقوالهم اختلافاً يؤذن بتناقضها، فهم ينفون البعث ثم يزعمون أن الأصنام شفعاؤهم عند الله من العذاب، وهذا يقتضي إثبات البعث ولكنهم لا يعذبون, ثم يتزودون تارة للآخرة ببعض أعمالهم التي منها: أنهم كانوا يحبسون الراحة على قبر صاحبها ويتركونها لا تأكل ولا تشرب حتى تموت فيزعمون أن صاحبها يركبها ويسمونها البلية فلذلك من اضطراب أمرهم في الآخرة".
وقرئت (أدرك) بسكون الدال بدون تشديد وبدون ألف.
أي: بلغ ولحق واكتمل.
واختلف في المعنى على هذه القراءة على قولين:
(وبعض المفسرين كالزمخشري وابن عطية وغيرهما يفهم من أقوالهم أنه لا فرق في المعنى بين القراءتين), وهو الأقرب.
القول الأول: أن المعنى أدرك علمهم في الآخرة, فأيقنوا بها إذ عاينوها. (رجحه ابن جرير*) (واقتصر عليه البغوي*) (وذكره القرطبي*)
وهذا هو القول الأول نفسه على القراءة الأولى.
القول الثاني: غاب علمهم في الآخرة وانتهى وفني, فليس لهم بها علم. (ذكره الزمخشري*, والقرطبي*, والرازي*,) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
من قولك: أدركت الثمرة، لأن تلك غايتها التي عندها تعدم.
أي: أنه ليس في قلوبهم عن الآخرة شيء ولا علم ولا إيمان.
وهذا هو معنى القول الثاني على القراءة الأولى.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/
اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "النمل": (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ)
القول الأقرب في المراد بقوله: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) تتابع علمهم في أمر الآخرة على عدم الإيمان بها, وغاب عنهم العلم بها.
والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
قوله: (ادَّارَكَ) أصله تدارك، فأدغمت التاء في الدال كما في قوله: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ) أي: تثاقلتم.
والمعنى: تلاحق وتتابع وتكامل, كقوله تعالى: (حتى إذا اداركوا فيها جميعاً)
واختلف المفسرون في المراد بالآية على قولين:
القول الأول: أن المعنى: تتابع وتكامل علمهم في الآخرة بأنها حقيقة كائنة فقد حصل ووقع وعاينوها بأنفسهم (ذكره البغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*) (ورجحه الشنقيطي* واقتصر عليه)
فقوله {في الآخرة} على هذا التأويل ظرف كما قال ابن عطية.
أي: لما وقعت القيامة وعاينوها تكامل علمهم بها وأيقنوا.
القول الثاني: أن المعنى: تتابع علمهم في أمر الآخرة على عدم الإيمان بها, وغاب عنهم العلم بها.
(رجحه ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية* والقرطبي*, وابن كثير*)
وهذا القول هو الأقرب والله أعلم.
قال ابن جرير: "غاب علمهم عن أمر الآخرة، وضل فلم يبلغوه ولم يدركوه".
وقال في موضع آخر: "تدارك علمهم أي: تتابع علمهم بالآخرة هل هي كائنة أم لا".
وقال ابن عطية: "قد تتابع وتناهى علمهم بالآخرة إلى أن لا يعرفوا لها مقداراً فيؤمنوا, وإنما لهم ظنون كاذبة أو إلى أن لا يعرفوا لها وقتاً".
وقال القرطبي: "والقول الآخر أن المعنى: بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة، فقالوا: لا تكون".
(وذكره ابن عاشور*) (لكن جعل المعنى: تداركت علومهم مع علوم أسلافهم في أمر الآخرة، فتتابعوا على إنكار البعث)
قال: "ويشعر لذلك قوله تعالى عقبه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} . وقريب من هذا قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ}.
وذكره ابن كثير* في موضع آخر بعبارة: "انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها". (فجعل الجهل مقتصراً على معرفة وقتها) وهذا غريب.
(وذكره صاحب الظلال* واقتصر عليه) بعبارة: "يتحدث في موقفهم من الآخرة, ومدى علمهم بحقيقتها.
«بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ» فانتهى إلى حدوده، وقصر عن الوصول إليها، ووقف دونها لا يبلغها".
وفي الآية قولان آخران فيهما بعد:
القول الأول: أن المعنى: استحكمت أسباب العلم وتكاملت بأن القيامة كائنة لا ريب فيها, وقد حصلت لهم ومكنوا من معرفتها وهم مع ذلك شاكون جاهلون (انفرد به الزمخشري*) (وذكره الرازي* بنصه نقلاً عن الزمخشري)
وعلى هذا تكون في بمعنى الباء.
القول الثاني: أن المعنى: اختلطت واضطربت أقوالهم في أمر الآخرة, فهم ينفون البعث ثم يزعمون أن الأصنام شفعاؤهم. (انفرد به ابن عاشور*)
قال ابن عاشور: "الوجه الثاني: أنهم لم يرسوا على أمر واختلفت أقوالهم اختلافاً يؤذن بتناقضها، فهم ينفون البعث ثم يزعمون أن الأصنام شفعاؤهم عند الله من العذاب، وهذا يقتضي إثبات البعث ولكنهم لا يعذبون, ثم يتزودون تارة للآخرة ببعض أعمالهم التي منها: أنهم كانوا يحبسون الراحة على قبر صاحبها ويتركونها لا تأكل ولا تشرب حتى تموت فيزعمون أن صاحبها يركبها ويسمونها البلية فلذلك من اضطراب أمرهم في الآخرة".
وقرئت (أدرك) بسكون الدال بدون تشديد وبدون ألف.
أي: بلغ ولحق واكتمل.
واختلف في المعنى على هذه القراءة على قولين:
(وبعض المفسرين كالزمخشري وابن عطية وغيرهما يفهم من أقوالهم أنه لا فرق في المعنى بين القراءتين), وهو الأقرب.
القول الأول: أن المعنى أدرك علمهم في الآخرة, فأيقنوا بها إذ عاينوها. (رجحه ابن جرير*) (واقتصر عليه البغوي*) (وذكره القرطبي*)
وهذا هو القول الأول نفسه على القراءة الأولى.
القول الثاني: غاب علمهم في الآخرة وانتهى وفني, فليس لهم بها علم. (ذكره الزمخشري*, والقرطبي*, والرازي*,) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
من قولك: أدركت الثمرة، لأن تلك غايتها التي عندها تعدم.
أي: أنه ليس في قلوبهم عن الآخرة شيء ولا علم ولا إيمان.
وهذا هو معنى القول الثاني على القراءة الأولى.
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/