صالح بن سليمان الراجحي
Member
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (4)
قال الله تعالى في سورة (الأنبياء): (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالإهلاك إهلاك القلوب.
والمعنى: حرام على قرية طبعنا على قلوبهم وختمنا على أسماعهم وأبصارهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الإيمان.
(رجحه ابن جرير*) (وذكره ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
وعلى هذا القول تكون (لا) زائدة, فقوله: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) مثل قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً), ومثل قوله: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)
القول الثاني : أن المراد بالإهلاك الإماتة.
وأن المعنى حرام وممنوع على قرية أردنا وقدرنا إهلاكها أن يتوبوا ويرجعوا عن ضلالهم فإنه قد حكم بهلاكهم (اقتصر عليه الزمخشري*) (وذكره البغوي*, وابن عاشور*)
القول الثالث: أن المراد بالإهلاك الإماتة.
وأن المعنى: حرام على قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا.
(ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (ورجحه ابن كثير*)
ولا زائدة كما سبق.
وقيل: إن لا على بابها وليست زائدة, وأن حرام بمعنى واجب.
فيكون المعنى: واجب على قرية أهلكنها أن لا يرجعوا إلى الإيمان أو إلى الدنيا.
واستشهد من قال بهذا القول بقوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً) أي: أوجب عليكم أن لا تشركوا به شيئاً.
وبقول الخنساء:
وإن حراما لا أرى الدهر باكياً ... على شجوه إلا بكيت على صخر
وهذا القول فيه بعد ظاهر.
القول الرابع: أن المعنى حرام على القرية المهلكة أنهم لا يرجعون إلى الآخرة, فالغرض إثبات البعث والرجوع إلى الله .
(مال إليه ابن عطية*, وابن عاشور*) (وذكره الرازي*) (واقتصر عليه صاحب الظلال* ورجحه)
وهذا القول أرجح الأقوال وأقواها وأوضحها, لأنه ظاهر الآية, ويؤيده ما قبلها وما بعدها من الآيات.
أما ما قبلها فإنه ذكر أن كل البشر إليه راجعون, وأن كل من عمل صالحاً فإنه يحفظ له ويكتب ليجازى به يوم القيامة.
فقال: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}
وأما ما بعدها فإنه ذكر مقدمات اليوم الآخر واقترابه ثم أتبع ذلك بآيات كثيرة فيها ذكر القيامة وأهوالها, فقال: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيات.
فالسياق كله في ذكر البعث والقيامة.
قال صاحب الظلال: "فالقرى التي هلكت بعذاب الاستئصال ستعود كذلك حتما لتنال جزاءها الأخير ، وعدم عودتها ممتنعة، فهي راجعة بكل تأكيد.«وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» ..
إنما يفرد السياق هذه القرى بالذكر بعد أن قال : «كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ» لأنه قد يخطر للذهن أن هلاكها في الدنيا كان نهاية أمرها، ونهاية حسابها وجزائها. فهو يؤكد رجعتها إلى اللّه ، وينفي عدم الرجعة نفيا قاطعا في صورة التحريم لوقوعه .. وهو تعبير فيه شيء من الغرابة، مما جعل المفسرين يؤولونه فيقدرون أن «لا» زائدة. وأن المعنى هي نفي رجعة القرى إلى الحياة في الدنيا بعد إهلاكها. أو نفي رجوعهم عن غيهم إلى قيام الساعة. وكلاهما تأويل لا داعي له. وتفسير النص على ظاهره أولى، لأن له وجهه في السياق على النحو الذي ذكرنا".
الفهرس
النوال... (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (1)
النوال... (إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) (2)
النوال... (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (3)
قال الله تعالى في سورة (الأنبياء): (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالإهلاك إهلاك القلوب.
والمعنى: حرام على قرية طبعنا على قلوبهم وختمنا على أسماعهم وأبصارهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الإيمان.
(رجحه ابن جرير*) (وذكره ابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
وعلى هذا القول تكون (لا) زائدة, فقوله: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) مثل قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً), ومثل قوله: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)
القول الثاني : أن المراد بالإهلاك الإماتة.
وأن المعنى حرام وممنوع على قرية أردنا وقدرنا إهلاكها أن يتوبوا ويرجعوا عن ضلالهم فإنه قد حكم بهلاكهم (اقتصر عليه الزمخشري*) (وذكره البغوي*, وابن عاشور*)
القول الثالث: أن المراد بالإهلاك الإماتة.
وأن المعنى: حرام على قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا.
(ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (ورجحه ابن كثير*)
ولا زائدة كما سبق.
وقيل: إن لا على بابها وليست زائدة, وأن حرام بمعنى واجب.
فيكون المعنى: واجب على قرية أهلكنها أن لا يرجعوا إلى الإيمان أو إلى الدنيا.
واستشهد من قال بهذا القول بقوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً) أي: أوجب عليكم أن لا تشركوا به شيئاً.
وبقول الخنساء:
وإن حراما لا أرى الدهر باكياً ... على شجوه إلا بكيت على صخر
وهذا القول فيه بعد ظاهر.
القول الرابع: أن المعنى حرام على القرية المهلكة أنهم لا يرجعون إلى الآخرة, فالغرض إثبات البعث والرجوع إلى الله .
(مال إليه ابن عطية*, وابن عاشور*) (وذكره الرازي*) (واقتصر عليه صاحب الظلال* ورجحه)
وهذا القول أرجح الأقوال وأقواها وأوضحها, لأنه ظاهر الآية, ويؤيده ما قبلها وما بعدها من الآيات.
أما ما قبلها فإنه ذكر أن كل البشر إليه راجعون, وأن كل من عمل صالحاً فإنه يحفظ له ويكتب ليجازى به يوم القيامة.
فقال: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}
وأما ما بعدها فإنه ذكر مقدمات اليوم الآخر واقترابه ثم أتبع ذلك بآيات كثيرة فيها ذكر القيامة وأهوالها, فقال: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيات.
فالسياق كله في ذكر البعث والقيامة.
قال صاحب الظلال: "فالقرى التي هلكت بعذاب الاستئصال ستعود كذلك حتما لتنال جزاءها الأخير ، وعدم عودتها ممتنعة، فهي راجعة بكل تأكيد.«وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ» ..
إنما يفرد السياق هذه القرى بالذكر بعد أن قال : «كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ» لأنه قد يخطر للذهن أن هلاكها في الدنيا كان نهاية أمرها، ونهاية حسابها وجزائها. فهو يؤكد رجعتها إلى اللّه ، وينفي عدم الرجعة نفيا قاطعا في صورة التحريم لوقوعه .. وهو تعبير فيه شيء من الغرابة، مما جعل المفسرين يؤولونه فيقدرون أن «لا» زائدة. وأن المعنى هي نفي رجعة القرى إلى الحياة في الدنيا بعد إهلاكها. أو نفي رجوعهم عن غيهم إلى قيام الساعة. وكلاهما تأويل لا داعي له. وتفسير النص على ظاهره أولى، لأن له وجهه في السياق على النحو الذي ذكرنا".
الفهرس
النوال... (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (1)
النوال... (إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) (2)
النوال... (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (3)