النوال... (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (5)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (5)

قال الله تعالى في سورة (يس) (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على أربعة أقوال:

القول الأول: أن المراد بالفلك المشحون سفينة نوح.
والمراد بالذرية الآباء والأجداد, وقالوا: اسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد (اقتصر عليه البغوي*, وابن كثير*) (وذكره الرازي*, والقرطبي*) (وضعفه ابن عطية*)
وهذا القول ضعيف.
قال ابن عطية: "وخلط بعض الناس في هذا حتى قالوا: الذرية تقع على الآباء, وهذا لا يعرف لغة".
وقال الرازي: "الأكثرون على أن الذرية لا تطلق إلا على الولد".

القول الثاني: أن المراد بالفلك المشحون سفينة نوح.
والمراد أن الله حمل فيها آباءهم الأقدمين، وفي أصلابهم هؤلاء المخاطبين وذرياتهم (ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, والرازي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
وهذا القول فيه بعد, لأنه لو كان المراد هذا لذكره للمخاطبين أنفسهم وما خص ذريتهم بذلك.

قال ابن عاشور: "المحمول أصول الذريات لا الذريات وأصولها ملابسة لها.
ولما كانت ذريات المخاطبين مما أراد الله بقاءه في الأرض حين أمر نوحاً بصنع الفلك لإنجاء الأنواع وأمره بحمل أزواج من الناس هم الذين تولد منهم البشر بعد الطوفان نُزّل البشر كله منزلة محمولين في الفلك المشحون في زمن نوح، وذكر الذريات يقتضي أن أصولهم محمولون بطريق الكناية إيجازاً في الكلام، وأن أنفسهم محمولون كذلك كأنه قيل: إنا حملنا أصولهم وحملناهم وحملنا ذرياتهم، إذ لولا نجاة الأصول ما جاءت الذريات، وكانت الحكمة في حمل الأصول بقاء الذريات فكانت النعمة شاملة للكل".

قال الزمخشري: "وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم، وأدخل في التعجيب من قدرته، في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح".

وذكر الرازي وجها طريفاً فقال: "ويحتمل عندي أن يقال على هذا: إنه تعالى إنما خص الذرية بالذكر لأن الموجودين كانوا كفاراً لا فائدة في وجودهم فقال: حملنا ذريتهم أي لم يكن الحمل حملاً لهم، وإنما كان حملاً لما في أصلابهم من المؤمنين.
كما أن من حمل صندوقاً لا قيمة له وفيه جواهر إذا قيل له: لم تحمل هذا الصندوق وتتعب في حمله وهو لا يشترى بشيء؟ يقول: لا أحمل الصندوق وإنما أحمل ما فيه".

القول الثالث: أن المراد بالفلك المشحون سفينة نوح.
والمراد بالذرية جنس الذرية, وليس المراد بالذرية أولادهم, وإنما المراد أن الله حمل ذرية الإنسان.
كأنه قال حملنا جنسهم أو نوعهم. (صححه ابن عطية*) (وذكره الرازي*)
وهذا القول هو الأقرب.
فالناس المراد بهم نوح ومن معه.
وإنما عبر بالذرية والله أعلم لأنه لولا أن الله حمل نوحاً ومن معه في السفينة لما بقيت ذرية الإنسان, فالناجون هم أصول ذرية البشر.
ويؤيد هذا القول قوله تعالى: (إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية).
والمخاطبون ليسوا هم المحمولين, وإنما المراد حملناكم أيها البشر, والمراد نوح ومن معه.
فالمراد إذاً جنس الذرية, كما لو قلت: الإنس ذريتهم مخلوقة من طين, والجن ذريتهم مخلوقة من نار.
ويؤيد هذا القول قول الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)
فخاطبهم والمراد آدم عليه السلام.
كما أنه هنا قال: (حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ) والمراد نوح ومن معه.
وكذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ)
فذكر هنا أن الإنسان خلق من طين, والمراد آدم عليه السلام, ثم قال: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) فعاد الضمير على جنس الإنسان عموماً.

القول الرابع: أن المراد بالفلك السفن عموماً, والمراد بالذرية الأولاد ونحوهم (ذكره الزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)
(وقد يقال على هذا القول: إن المراد بالذرية ليس الأولاد, بل جنس الذرية, فيكون المراد: حملنا الناس في السفن وسخرناها لهم)
وهذا القول الرابع بعيد, لأن الله قال: (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ)
والمراد السفن على القول الراجح, بدليل قوله: (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ).

(وأما ابن جرير* فلم يذكر الخلاف ولم يوضح, بل اكتفى بقوله: "حملنا ذريتهم، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح").

وذكر القرطبي قولاً عجيباً طريفاً فقال: "وقيل أيضاً: إن الذرية النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيها بالفلك المشحون.

الفهرس
النوال... (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (1)
النوال... (إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) (2)
النوال... (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (3)
النوال... (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) (4)
 
عودة
أعلى