النوال... (إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) (2)

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (2)

قوله تعالى: (إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا)

القول الراجح في الآية أن المراد إن الساعة آتية أكاد أخفيها فلا أذكر أنه واقعة آتية, لأن الله تبارك وتعالى لم يذكر هنا وقت الساعة بل ذكر الساعة نفسها.

والآن إلى تفصيل خلاف المفسرين.
اختلف المفسرون في هذه الآية على ستة أقوال:
القول الأول: أن المراد أكاد أخفيها من نفسي, لئلا يطلع عليها أحد.
(رجح هذا القول ابن جرير*) ونسبه إلى أكثر أهل العلم (وضعفه الزمخشري*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*).

قال ابن جرير*: "وجه صحة القول في ذلك هو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفاً في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئاً هو له مسر: قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم، وما قد عرفوه في منطقهم وقد قيل في ذلك أقوال غير ما قلنا.
وإنما اخترنا هذا القول على غيره من الأقوال لموافقة أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين، إذ كنا لا نستجيز الخلاف عليهم، فيما استفاض القول به منهم، وجاء عنهم مجيئاً يقطع العذر".

وقال الزمخشري مضعفاً لهذا القول: "لا دليل في الكلام على هذا المحذوف، ومحذوف لا دليل عليه مطرح".
قلت: هو كما قال الزمخشري, فأين الدليل على الحذف, ثم إن هذا القول فيه ضعف واضح, فكيف يصح تصور أن الله يقول كدت أخفيها عن نفسي, هذا غريب!

القول الثاني: أن قوله: (أخفيها) أي: أظهرها. (ضعفه ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
قال الزمخشري: أي: قرب إظهارها كقوله تعالى: (اقتربت الساعة).
وقال ابن عطية: والمعنى: أنها من تأكد وقوعها تكاد تظهر, لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم، والعرب تقول خفيت الشيء بمعنى أظهرته.
فعلى قول الزمخشري: قد اقتربت أكاد أظهرها.
وعلى قول ابن عطية: من تأكد وقوعها تكاد تظهر.
وهذا على قراءة (أخفيها) بفتح الهمزة.
وقيل: حتى على القراءة المشهورة بضم الهمزة تأتي بمعنى أظهرها (ذكره الرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*)
وخطأ بعضهم القول بأنه يأتي بمعنى أظهرها إذا كانت بضم الهمزة.
وعلى أي حال القول بأنه بمعنى أظهرها بعيد جداً.

القول الثالث: أن قوله: (أكاد) بمعنى: أريد, فقوله: (أكاد أخفيها) أي: أريد إخفاءها. (ضعفه ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)

القول الرابع: أن الخبر ينتهي عند قوله: (إن الساعة آتية أكاد)، فمعناه: أكاد أن آتي بها، ثم ابتدأ فقال: (أخفيها) أي: ولكني أخفيها.
وذلك نظير قول ضابئ بن الحارث:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني... تركت على عثمان تبكي حلائله
(ضعفه ابن جرير*, والرازي*) (وذكره ابن عطية*, والقرطبي*)
وهذا القول واضح ضعفه.

القول الخامس: أن المعنى إن الساعة آتية أخفيها. وقوله: (أكاد) صلة, فهي زائدة. (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*)

القول السادس: أن المعنى: أكاد أخفيها فلا أخبر أنها واقعة, لفرط إرادتي إخفاءها. (رجحه ابن عطية*) (وذكره الزمخشري*, وابن عاشور*) (واقتصر صاحب الظلال* على قول هو أقرب شيء إلى هذا القول كما سيأتي).
وهذا القول أقوى الأقوال وأصحها والله أعلم.
لأنه الظاهر والمتبادر من الآية, ولأن الله تبارك وتعالى لم يذكر هنا وقت الساعة بل ذكر الساعة نفسها, فالمعنى: إن الساعة آتية أكاد أخفيها فلا أذكر أنه واقعة آتية.
وهذا بخلاف كثير من الآيات التي ذكرت وقت القيامة وأن الله أخفاها حقيقة ويقيناً.
كقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي)
وقوله: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ).
وقوله: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ).

قال ابن عطية: "قالت فرقة {أكاد} على بابها بمعنى أنها متقاربة ما لم يقع، لكن الكلام جار على استعارة العرب ومجازها, فلما كانت الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ قوله تعالى في إبهام وقتها, فقال: (أكاد أخفيها) حتى لا تظهر البتة, ولكن ذلك لا يقع ولا بد من ظهورها، هذا تلخيص هذا المعنى الذي أشار إليه بعض المفسرين, وهو الأقوى عندي".

وقال صاحب الظلال: "وأنه يكاد يخفيها. فعلم الناس بها قليل, لا يتجاوز ما يطلعهم عليه من أمرها بقدر ما يحقق حكمته من معرفتهم ومن جهلهم .. والمجهول عنصر أساسي في حياة البشر, وفي تكوينهم النفسي. فلا بد من مجهول في حياتهم يتطلعون إليه. ولو كان كل شيء مكشوفاً لهم - وهم بهذه الفطرة - لوقف نشاطهم وأسنت حياتهم. فوراء المجهول يجرون. فيحذرون ويأملون"اهـ

وعلى هذا يكون المراد بالآية والله أعلم أن الله تعالى يقول: أكاد أخفيها فلا أذكر أنها واقعة أو أكاد أخفيها فلم أذكر من شأنها وأحوالها إلا بمقدار ضئيل قليل.

الفهرس
النوال... (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (1)
 
عودة
أعلى