محمد محمود إبراهيم عطية
Member
ما ورد من النهي عن الرقية في بعض الأحاديث ، كما في حديث جابر رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ؛ فجاء آل عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ! إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب ، وإنك نهيت عن الرقى ! قال : فعرضوها عليه ، فقال : " ما أرى بأسًا ، من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه " ؛ رواه أحمد ومسلم [1] .
فهذا لا يعارض ما أمر به صلى الله عليه وسلم من الرقية وما أقره ، وإنما نهى عن الرقى التي تتضمن الشرك ، وتعظيم غير الله تعالى ، كغالب رقى أهل الشرك ؛ بدليل ما جاء في آخر الحديث .
قال ابن تيمية - رحمه الله : وعامة ما في أيدي الناس من العزائم والطلاسم والرقى التي ليست بالعربية فيها ما هو شرك بالجن ؛ ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفهم معناها ؛ لأنها مظنة الشرك ، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك .. قال : وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك ، وقد يقرءون شيئًا من القرآن ويظهرونه ، ويكتمون ما يقولونه من الشرك ، وفي الاستشفاء بما شرعه الله ما يغني عن الشرك وأهله .ا.هـ [2] .
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله ! كيف ترى في ذلك ؟ فقال : " اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " ؛ رواه مسلم وأبو داود والبيهقي [3] .
قال الخطابي - رحمه الله : المنهي عنه ما كان منها بغير لسان العرب فلا يدرى ما هو ؟ ولعله يدخله سحر أو كفر ؛ فأما إذا كان مفهوم المعنى ، وكان فيه ذكر الله تعالى فإنه مستحب متبرك به. والله أعلم .ا.هـ [4] .
وقال البغوي - رحمه الله - ما خلاصته : والمنهي من الرقى ما كان فيه شرك ، أو كان يُذكر فيه مردة الشياطين ، أو ما كان منها بغير لسان العرب ، ولا يدرى ما هو ، ولعله يدخله سحر أو كفر ، فأما ما كان بالقرآن وبذكر الله عز وجل فإنه جائز مستحب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه بالمعوذات ، وكان يرقي الحسن والحسين ، ورقاه جبريل [5] .
وقال ابن العربي - رحمه الله : ووجه الجمع بينهما أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي ، وبغير أسماء الله وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة ، وأن يعتقد أن الرقية نافعة لا محالة فيتكل عليها ، وإياها أراد بقوله : " ما توكل من استرقى "[6] . ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك ؛ كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى ، والرقى المروية ، ولذلك قال للذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجرا : " من أخذ برقية باطل ، فقد أخذت برقية حق "[7] .ا.هـ [8] .
----------------------------------------------------------
[1] أحمد: 3 / 302، 315، ومسلم (2199).
[2] مجموع الفتاوى: 19 / 13، 61.
[3] مسلم (2200)، وأبو داود (3886)، والبيهقي في السنن الكبرى (20148) دار الفكر.
[4] معالم السنن: 5 / 362 (هامش المختصر).
[5] شرح السنة: 12 / 159.
[6] رواه ابن عبد البر بلفظه في التمهيد: 5 / 272، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (23623) وأحمد: 4 / 251، 252، بلفظ " لم يتوكل من استرقى واكتوى "، وروياه أيضا: في المصنف (23628)، والمسند 4 / 249، والترمذي في الطب باب (14) (2060)، وابن ماجة (3489)، والبغوي في شرح السنة (3241)، بلفظ: " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل "، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال الترمذي : حسن صحيح . قلت : وإسناده صحيح .
[7] رواه أحمد: 5 /210، 211، وأبو داود (3420، 3896، 3901)، من حديث علاقة بن صحار رضي الله عنه، وإسناده جيد إن شاء الله. والمعنى إذا كان هناك من يرقي برقى باطلة ويأخذ على ذلك مالا، فقد رقيت برقي حق .
[8] عارضة الأحوذي: 9 / 278، 279، ونقله ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 254، 255 (دار إحياء الكتب العربية) ولم يعزه.