الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
من خلال رسالته من الإصدار الثالث من سلسلة الريحان في تفسير القرآن ، يقدم سامي وديع عبد الفتاح القدومي من الأردن عنوانه : (التِمَاسُ الأَجْرِ بِتَفْسِيرِ سُوْرَةِ القَدْرِ، دراسة بيانية – فقهية) بمقدمة تفسيرية من بين ما جاء فيها هذه العبارة : " ولا أتصيد أخطاء المفسرين ، فهم مجتهدون ومأجورون إن شاء الله ، ونحن إنما نقتات على موائدهم ، فعار علينا أن نذم من يكرمنا ، ومن نستفيد منه ونتعلّم ، ولكن لأجل الحق ، فإنني أُناقش ما أراه محلاً للنقاش .وقد أذكر القائل إذا كان القول مشهوراً ، وكان الكلام حوله معروفاً ، وأما التصيد فليس منهجي البتة ." السؤال المطروح : متى كان النقد العلمي تصيدا للأخطاء في مجالات المعرفة الإنسانية .
يقول الدكتور عبد الرحمن الشهري حفظه الله في تقديمه لكتاب بعنوان (منهج النقد في التفسير) للدكتور إحسان الأمين :
" النَّقدُ في اللغة : فنُّ تَمييزِ جيدِ الكلام من رديئهِ، وصحيحهِ من فاسده، والأصلُ فيه مِنْ نَقَدَ الدراهمَ والدنانيرَ وغيرَهما نَقْداً: مَيَّزَ جيدَها مِن رديئها . وفي الاصطلاح يعرف النقد بتعريفين :
- أحدهما الحكم ويراد به الحكم على الأشياء بالحسن أو الرداءة، أو الجمال أو القبح.
- والآخر التفسير أو التحليل، فالنقد بذلك يتجه إلى تحليل وتجزئة النص لإدراك أبعاده وبلوغ أعماقه.
وقد ارتبط النقد وجوداً وعدماً بوجود الإنسان وظهور فكره، فالإنسان ناقد بالطبع كما يقول علي جواد الطاهر في بحثه (مقدمة في النقد الأدبي) . وذلك لأن الإنسان قد أوتي من المؤهلات الذهنية والنفسية ما جعله يرتاح للحسن وينقبض عن القبيح، ولذلك فإن النقد في حياة الإنسان يسير جنباً إلى جنب مع فكره وثقافته ويتحرك في روحه، هذا إذا لم نقل إن فكر الإنسان في أصله كان نقداً ؛ لأنه يتحسس به جمال الوجود فيبين حسنه، ويعبر به عن نفرته من كثير من الأمور والسلوكيات والأفكار ، وذلك هو النقد ذاته ..
ولأنَّ الفكر البشري عرضة للخطأ والنقص والسهو كان النقد واجباً ضرورياً لا بد منه لتقويم الاعوجاج، وتصويب الخطأ، والتدرج في مدارج الكمال يوماً بعد يوم. وقد أصيب العقل العربي المعاصر بسبب غياب النقد البنَّاء بالكسل الفكري، ولا سيما في جوانب العلوم الشرعية،حيث إن النقد يبعث الكسلان، ويستثير الخامل، ويدفع المُجِدَّ إلى الكمال، ولا يزال به النقد الهادف حتى يأخذ بيده للتميز والإبداع خطوة خطوة. "
ويقول الدكتور إحسان الأمين في كتابه (منهج النقد في التفسير) : " ودائرة النقد في التفسير واسعة وميدانه رحب ، فالتفسير قسمان : أحدهما هو أن يكون نقلا عن المعصوم ، إلا أن ناقله بشر يخطئ ويصيب ، وينسى ويسهو ، ويصدق ويكذب ، فلا بد من يقد الراوي والمروي لغرض التأكد من صدق الناقل وضبطه ، ودقة المنقول وسلامته ، وبالتالي صحته ، وهو ما تكفلت به علوم الحديث ، من دراسة السند والمتن ، وتطرقت إليه علوم التفسير لارتباطه هنا بتفسير القرآن وتأويله ، على أن المأثور من التفسير لم يستوعب القرآن كله ، وما صح سنده فهو قليل ، وقد دخلت فيه عوامل الضعف ، من موضوعات مختلفة وإسرائيليات متسربة ، وكلها تستدعي المزيد من التحقيق والتدقيق ، وتمحيص الأخبار والتأمل في الروايات ، حتى يتميز الحق من الباطل فيه ، وهو ما يتكفل به النقد في السنة . والقسم الآخر من التفسير ـ وهو معظمه ـ يرجع إلى استنباط العلماء ، من خلال التفكر في آيات القرآن والتدبر في معانيها ، بما أوتوا من قوة فهم وإحاطة بالعلوم اللازمة لذلك ، وهو وإن كان يشترط فيه أن يكون على أسس علمية من اللغة والأصول وغيرها ، تجنباً من القول بغير علم والتفسير بالرأي ، إلا أنه يبقى في منتهاه جهدا بشريا ومحاولة انسانية تتأثر بقوة نظر المفسر وسعة فكره واطلاعه ، وامتلاكه للوسائل الفنية اللازمة ، ولكن كل ذلك لا يجعله في مقام الجزم بالمعنى المراد من الله تعالى ، في كل الآيات ، وفيها المبين والمجمل ، والمبهم والمشكل ، إنما هو يحاول التوصل للمعنى ، فيصيبه حيناً ، ويقاربه أخرى ، وقد يبتعد أو يخطأ في بعض الأحيان ، ومن هنا قيل بغلبة التقريب في التفسير لا التحقيق . ومن هنا قالوا بعدم القطع والجزم إلا في موارد الإجماع وظهور النص في معنى واحد متفق عليه ، وأوصوا باجتناب التعبير عن التفسير ، بإن ذلك قول الله تعالى ومراده ، خصوصا في الموارد المحتملة لأكثر من وجه والمشتملة على أكثر من معنى . وكل ذلك يؤكد الحاجة إلى ممارسة النقد في التفسير ، كما هو في سائر مجالات الفكر الإنساني . "
أخي العزيز على رسلك فأنا لا أعرفك ولكن أحبك في الله
أخي العزيز على رسلك فأنا لا أعرفك ولكن أحبك في الله
لو تأملت أخي العزيز ما كتبته لما قلت ما قلت ، فهناك فرق بين النقد العلمي وبين تصيد الأخطاء ، واصبر علي قليلاً ، فإن تصيد الأخطاء هو منهج التشهير بالأخطاء للتشهير بقائليها حتى يرفع الباحث خسيسته به ، أي التصيد .
وأما النقد العلمي فأنا أقوم به ، ولو نظرت في هذه الرسالة وفي غيرها من كتبي التفسيرية وقارنت بينها وبين التفاسير لرأيتها - بفضل الله - حافلة بالنقد العلمي على قدر اجتهادي ، ولكن دون تشهير بأحد من المفسرين ، قد تقول : لماذا لا تذكر اسم المفسر الذي أخطأ ؟
فللإجابة عن هذا أقول لك :
أولاً : أنا أهدف بمنهجي التفسيري أن يكون منهج هداية ودعوة ، ولا أريد أن أشغل القارئ بقولي : أخطأ فلان بكذا وفلان بكذا ، وهذا من أخطاء فلان التي وقفنا عليها وغير ذلك ، بل أريد إيصال ما أظنه حقاً إلى القارئ بعيداً عن هذا الجو ، وأحاول أن أشحن كتابي بسحائب الهداية ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
وثانياً : لي كتب في الفقه وفي تخريج الأحاديث والحكم عليها وأذكر فيها الأقوال ومن خالف والراجح في الأمر بأدب والحمد لله ، ولكن هناك فرق بين الفقه والحكم على الأحاديث بل والكتابة في علوم القرآن ، وبين الكتابة في التفسير ، وذلك أن القارئ يهمه أن يعرف تفسير الآية وما هو محل النزاع في الاختلاف مع الترجيح والتنقيح ، ولا يعنيه أن أقول له : هذا مذهب ابن عطية في تفسير الآية ، بالدرجة التي تهمه في الفقه أن أقول له : هذا مذهب الشافعي في هذه المسألة ، وهذا قول البخاري في درجة الحديث .
وفي النهاية قلت في مقدمة رسالتي (المتواضعة ) في رفضي للتصيد والتشهير وذم المفسرين ما نصه : (ولا أتصيد أخطاء المفسرين ، فهم مجتهدون ومأجورون إن شاء الله ، ونحن إنما نقتات على موائدهم ، فعار علينا أن نذم من يكرمنا ، ومن نستفيد منه ونتعلّم )
وقلت في شأن النقد العلمي ما نصه : ( ولكن لأجل الحق ، فإنني أُناقش ما أراه محلاً للنقاش )
فأرجو أن يسع صدرك لي فأنا ما أسأت إلى أحد ، بل سلكت طريق النقد العلمي دون أن أجرّح أحداً ، ولو أردت ذكر من خالف وجهة اجتهادي عند كل مفردة في السورة لذكرت عندها قائمة بأسماء من خالفتهم .
بارك الله فيك وكلي رحابة في تقبل وجهة نظرك
وتقبل الله طاعاتكم
أخي الفاضل سامي القدومي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، أَحَبك الذي أحببتني فيه . لقد عرفتك من خلال أعمالك ، فقبل أن أسطر الملاحظة أعلاه ، حمَّلت رسالتك التي بعنوان : (التماس الأجر بتفسير سورة القدر : دراسة بيانية ـ فقهية) وقرأتها . أما الملاحظة فهي لا تتعلق إلا بالمقدمة ، وبالخصوص العبارة التالية " ولا أتصيد أخطاء المفسرين ، فهم مجتهدون ومأجورون إن شاء الله . ونحن إنما نقتات على موائدهم ، فعار علينا أن نذم من يكرمنا ، ومن نستفيد منه ونتعلم " وذلك لأسباب منها : 1 ـ أن تصيد الأخطاء ، هو من النقد السلبي ، ويكون في غير التفسير . كتصيد الأخطاء والتشهير بأصحابها وكل ما يدور في فلك ذلك من الاستهزاء والنميمة وغيرها . وهذا بعيد عن حقل التفسير ، لأننا نتعامل مع العلماء أهل الله وخاصته ، ابتداء من الصحابة رضوان الله عليهم وانتهاء بطلبة هذا العلم الجليل ، مع ما يلزمنا من شروط التأدب بكل أنواعها . وبذلك نكون في غير حاجة إلى مثل هذه العبارة : " فعلينا أن لا نذم من يكرمنا ونستفيد منه ونتعلم " 2 ـ ونحن نمارس هذا العلم مع فرق المستويات بين الناس : المختصين وغير المختصين ، لا بد أن يكون الحس النقدي لدينا حاضرا في هذا المجال ، لأن عملية التفسير هي عملية اجتهادية ، والمجتهد يصيب ويخطئ . 3 ـ مثل هذه الجملة : " ونحن نقتات على موائدهم " بل نحن نتعلم على أيديهم كيف نتعامل مع كتاب الله فهماً وتدبرا وتفسيراً . ولنا هدف نبيل نريد الوصول إليه والذي يتجلى في صناعة المفسرين المعاصرين الذين يحملون لواء هذا العلم . وما هذا الملتقى المبارك ، وكرسي القرآن وعلومه ، ومركز تفسير ، وأكاديمية التفسير المحدثة مؤخرا ، إلا لهذه المهمة السامية الكبرى ، التي سخر الله لها رجالا ذوي همم عالية ، يعملون ليل نهار في سبيل هذا الهدف السامي . جزاهم الله خيرا وأحسن إليهم وتقبل منهم وبارك في أعمالهم . أخي العزيز ، ما كتبت من ملاحظات ، ما هي إلا وسيلة للفْتِ أنظار القراء إلى الفرق بين النقد العلمي الرصين في ميدان التفسير ، واستبعاد كل أنواع الممارسات التي يأباها هذا العلم الجليل . وكما تلاحظ ، إنها الغيرة أخي ، وأنت في مقتبل عطائك ، أتمنى من الله أن يوفقك ويعينك ، ويتقبل منا جميعا ويعيننا على مدارسة كتابه العزيز . وتقبلوا فائق التقدير والاحترام أخوكم : عبد الكريم عزيز
المهم النقد.
التصيد ممكن عندما تنتقد في وسط تنفرد فيه بالكتابة في كتاب أو موقع غير مفتوح للتعليقات والأخذ والرد.
أما في المواقع التي يختلط فيها المتخصص بطالب العلم والباحث والقارئ مثل الملتقيات والمدونات والمواقع التفاعلية فلا يكون النقد تصيدا بل النقد عملية صحية ويجب تشجيعها من طرف الجميع مادام التفاعل موجود لأن الناقد سيكتشف ما لا يمكن إكتشافه منفردا: تصوره للموضوع ناقص، فهمه للموضوع لا يستقيم، مصادره غير موثّقة، منطلقاته مخالفة للقواعد العلمية .. وغير ذلك من الأمور.
في واقع الأمر هذا هو الذي ينبغي أن يكون هدف الملتقيات. منهجية تطبقها ملتقيات في تخصصات علمية تجريبية ونظرية منها ملتقيات تفتح أقسام أمام العام والخاص والطالب لتطوير فرضيات ونظريات. منهجية إسلامية (ويتدارسونه فيما بينهم). يبقى الإتفاق أو الإجماع حول الحد الأدنى في شروط النقد كالنية الخالصة والصادقة والتواضع وقبول نقد النقد بروح علمية راقية ..
خلاصة: لا تصيد ولا تعالم في المواقع المختلطة شرط وجود التفاعل الإيجابي.
ثم إن هذا الأمر يحدث في مواقع مفتوحة على شكل تعليقات في المواقع الإجتماعية والمدونات الشخصية والغرف الدردشية النصية والصوتية. البديل تشجيع هذا النوع من التواصل في المواقع المختلطة حيث المعلمين والمدرسين والمتخصصين والباحثين والطلبة والمتعلمين والقارئين. أما الإعتذار بحجة لاوقت فإعتذار لا قيمة له وغير واقعي لأن نصف ساعة إلى ساعة في الأسبوع لاشيء، وأنظر منتديات علمية يشارك فيها أساتذة جامعيون يتفاعلون مع مشاركات يكتبها عامي يدرس إدارة الأعمال في الثانوية ويأتي إلى ملتقى الفيزياء ينتقد موضوعي فيزيائي، في الواقع هو ينتقد فهمه للموضوع، والرد لا للدفاع عن الموضوع لكن لتوضيح فهمه .. أمر واقع يستطيع الجميع الوقوف على حقيقته. أين أمة ((إقرأ)) ((أفلا ينظرون)) ((أفلا يتفكرون)) (ويتدارسونه فيما بينهم)؟
في عالم النت في عالم المستقبل يجب القضاء نهائيا على المواقع الميتة Static Websites لأن البديل المواقع التفاعلية Dynamic Websites مثل المواقع المنفردة التي تتيح إمكانية التفاعل بالتعليقات ومثل الملتقيات المختلطة وغيرها. المواقع الميتة كثيرة وبحاجة إلى التمركز على شكل موسوعة متمركزة جامعة، هذا هو المستقبل. مستقبل تذوب فيه الفوارق بين النقد بأنواعه والتصيد والتعالم.