النصيحة بأن العقيدة كلمة فصيحة

إنضم
28/12/2010
المشاركات
77
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الجزائر
الموقع الالكتروني
www.waqfeya.com
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ؛
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد: كتب الأستاذ عبد الصبور شاهين في مجلة المجمع اللغوي بمصر مقالا بعنوان: "حول كلمة العقيدة " في الصفحة (68-74) من العدد الثاني والعشرين ، سنة 1387هـ=1967م ، ذهب فيه إلى عدم وجود هذه اللفظة في الكتاب والسنة ، ولا في أمهات المعاجم ، وزعم أن أول من جمعها على كلمة "عقائد" هو القشيري في رسالته ، وجاء الغزالي بعده فذكرها مفردة .
وأحسن الظن بهذا المقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد – رحمه الله – في كتابه "معجم المناهي اللفظية"(ص/ 242، ط1، 1410هـ، دار ابن الجوزي) حيث قال: « في (مجلة مجمع اللغة العربية بمصر) بحثٌ للأستاذ عبد الصبور شاهين بعنوان : "حول كلمة عقيدة" استقرأ فيه عدم وجود هذه اللفظة في الكتاب أو السنة ، ولا في أُمهات معاجم اللغة، وأن أول من تم الوقوف على ذكره لجمعها ( عقائد ) هو القشيري ( م سنة 437 هـ) في "الرسالة" كما في أولها ، ومن بعده أبو حامد الغزالي ( م سنة 505 هـ) ، جاء بمفردها ( عقيدة ) ، وهي على وزن فعِيلة جمعها فعائل ، مثل : صحيفة وصحائف قياساً ، وأما من حيث معناها فهي مولدة ، إذ لم تكن في الصدر الأول ، والذي يسبقها في الاستعمال لفظ اعتقاد ، وهي تدل على إيمان القلب ، ويسبقها أيضاً كلمة معتقد، وكان ابن جرير الطبري (م سنة 310 هـ) - رحمه الله تعالى- يذكر كلمتي : معتقد واعتقاد ، كما في مقدمة الشيخ أحمد شاكر لتفسيره، والله أعلم » . ولم يتعقبه الشيخ علي رضا في كتابه " نظرات في معجم المناهي اللفظية" .
وأخذ بقول الشيخ بكر الأستاذ جمال بن أحمد بن بشير بادي في كتابه " الآثار الواردة عن أئمة السلف في أبواب الاعتقاد من كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي" (1/ 26-27، ط دار الوطن) فقال: « العقيدة كلمة مولدة ، فلم ترد في الكتاب أو السنة ، ولا في أمهات معاجم اللغة ، وأول من تم الوقوف على ذكره لجمعها "عقائد" هو القشيري (ت: 437هـ) ، ومن بعده أبو حامد الغزالي (ت : 505هـ) الذي جاء بمفردها "عقيدة"، وهي على وزن فعيلة ، جمعها فعائل، مثل : صحيفة وصحائف ، قياسا.
والذي يسبقها في الاستعمال لفظتي : اعتقاد ، ومعتقد . فقد كان الإمام ابن جرير الطبري (ت : 310هـ) ، يستعمل هاتين الكلمتين ، وقد استعمل لفظة "الاعتقاد" كثير من الأئمة من بعده كاللالكائي (ت : 418هـ) والبيهقي وغيرهما » .
ثم استدرك في الهامش بأن الإمام أبا إسماعيل الصابوني (ت449هـ) هو أول من استعمل لفظة عقيدة في كتابه : "عقيدة السلف أصحاب الحديث" .
وأحسن الظن بقول الأستاذ بادي الشيخ محمد علي فركوس في فتواه حول ملازمة العقيدة للمنهج كما في كتابه "مجالس تذكيرية على مسائل منهجية " (ص/ 63-67، ط1، دار الإمام أحمد ) فقال : «... فمن المعلوم أنّ لفظة: «العقيدة» لم يرد استعمالها في الكتاب والسُّنَّة، ولا في أُمَّهات معاجمِ اللغة، واستعمل الأئمَّة السابقون ما يدلُّ عليها، ﻛ: «السنَّة»، و«الإيمان»، و«الشريعة»، واستعمل كثيرٌ من الأئمَّة لفظتي: «اعتقاد»، و«معتقد»، كابن جرير الطبري، واللالكائي، والبيهقي » ، ثم نقل عنه بالنص تعريف العقيدة المنقول عن ناصر بن عبد الكريم العقل في كتابه " مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة" .
وهذا المقال عن كلمة العقيدة غير صحيح أبدا ، وبرهان ذلك ما يأتي :
أولا : لم أجد في مقدمة الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله - لتفسير الطبري (1/5-7، ط2، مكتبة ابن تيمية) ما ذكره الشيخ بكر ، إنما وجدته استعمل كلمة معتقد اسم فاعل لا مصدرا ميميا (1/ 273) ، واستعمل كلمة اعتقاد في سبعة مواضع هي : (1/ 279) ، و(3 /317) ، و(4/453) ، و(9/332) ، و(14/360) ، و(17/421) ، و(18/385) ، واستعمل كلمة الاعتقاد معرفة في موضعين (1/ 279) ، و(7/ 325) ، والله أعلم .
ثانيا : "عقيدة السلف أصحاب الحديث" لأبي عثمان الصابوني ليست بأول كتاب استعمل لفظ العقيدة ، بل هي مسبوقة بكتاب "العقيدة" للإمام أبي جعفر أَحمد بن محمد الطحاوي (ت321هـ) الذي قال في أوله : « هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة»، بل قبلهما كتاب "العقيدة" للإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) المطبوع بتحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان، دار قتيبة- دمشق، 1408 هـ.
وأما كلمة الاعتقاد – بالتعريف – فقد استعملها قبل الطبري أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) في "كتاب الإيمان" (ص/52، ط1، 1421، دار المعارف) ، ووردت عنوانا في "كتاب اعتقاد أهل السنة" لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت371هـ) .
وقد ساق اللالكائي في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" اعتقادات أهل السنة - وليس ببعيد أن يكون ذلك عن كتاب - كاعتقاد أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي(ت157هـ) ، واعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري(ت161هـ) ، واعتقاد سفيان بن عيينة(ت198هـ) ، واعتقاد علي بن المديني (ت234هـ)، واعتقاد أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي (ت240هـ)، واعتقاد أحمد بن حنبل (ت241هـ) ، واعتقاد أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، واعتقاد أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم(ت264هـ) وأبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر(ت277هـ) ، واعتقاد سهل بن عبد الله التستري (ت283هـ) ، واعتقاد أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) .
ثالثا : ورد في القرآن جذر كلمة العقيدة وبعض متصرفاتها ؛ ولا بأس أن أنقل من "تهذيب اللغة" (1/196-197، ط، الدار المصرية) قول الأزهري في مادة عقد ، وهو : «قال الله جلّ وعزّ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ﴾[ المَائدة : 1 ] قيل : العُقود : العهود ، وقيل : الفرائض التي أُلزِموها . وقال الزَّجاج في قوله : ﴿ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾: خاطب الله جلّ وعزّ المؤمنين بالوفاء بالعقود التي عقدها عليهم ، والعقود التي يَعقدها بعضُهم على بعضٍ على ما يوجبه الدِّين . قال : والعُقود : العهود ، واحدُها عَقْد ، وهي أوكدُ العهود . يقال: عهِدتُ إلى فلانٍ في كذا وكذا ، فتأويله ألزمتُه ذلك ، فإذا قلت عاقدتُه أو عَقَدتُ عليه ، فتأويله أنك ألزمته ذلك باستيثاق . ويقال : عقدتُ الحبلَ فهو معقود ، وكذلك العهد . وأعقدت العسل ونحوه فهو مُعْقَدٌ وعَقيد . وروى بعضهم : عقدت العسل والكلامَ: أعقدت . وأنشد : وكأنَّ رُبَّاً أو كُحَيلاً مُعْقداً .
ويقال : عقَد فلانٌ اليمين ، إذا وكَّدها . وأخبرني المنذريّ عن ابن اليزيديّ عن أبي زيد في قوله عزّ وجلّ : ﴿ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾[ النِّساء : 33 ] و﴿ عاقدت أيمانكم ﴾وقريء : ﴿ عَقَّدت ﴾بالتشديد ، معناه التوكيد كقوله : ﴿ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾[ النّحل : 91 ] في الحلف أيضاً . قال : فأما الحرف في سورة المائدة : ﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان ﴾[ المَائدة : 89 ] بالتشديد في القاف قراءة الأعمش وغيره ، وقد قريء بالتخفيف : ﴿ عَقَدتم ﴾. وقال الحطيئة :
أولئك قومي إنْ بَنوْا أَحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفَوْا وإن عاقدوا شدُّوا
وقال في عَقَد :
قومٌ إذا عَقدوا عَقْداً لجارهم
فقال في بيتٍ : عقدوا ، وفي بيتٍ : عاقدوا . والحرف قريء بالوجهين » .
رابعا : ورد لفظ "يعتقد" في السنة الصحيحة كما عند الدارمي (1/302-303، ط1، 1421هـ ، دار المغني ) عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ : خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ – رضي الله عنهما - مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بِنِصْفِ النَّهَارِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : مَا خَرَجَ هَذِهِ السَّاعَةَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ إِلاَّ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ ، فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : نَعَمْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« نَضَّرَ اللَّهُ امرأ سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ فَأَدَّاهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. لاَ يَعْتَقِدُ قَلْبُ مُسْلِمٍ عَلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». قَالَ قُلْتُ : مَا هُنَّ ؟ قَالَ : «إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلاَةِ الأَمْرِ ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ ؛ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ ». قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى قَالَ :« هِي الظُّهْرُ »
وورد في الأثر كما في "الإبانة الكبرى" لابن بطة (1/93، ط1، 1422هـ، دار الكتب العلمية ، برقم 207) بسند صحيح عن الحسن أن أبي بن كعب قال : « هلك أهل العقدة ورب الكعبة ، هلكوا ، وأهلكوا كثيرا ، والله ما عليهم آسى ، ولكن آسى على ما يهلكون من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ يعني بالعقد : الذين يعتقدون على الآراء، والأهواء ، والمفارقين للجماعة » .
خامسا : في الشعر المحتج به في اللغة ، وردت كلمة اعتقاد في شعر حسان بن ثابت – رضي الله عنه– كما روى ذلك أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص/691، ط، دار الحديث) عن الزهري قال : أول حب كان في الإسلام حب النبي – صلى الله عليه وسلم عائشة - رضي الله عنها - , وفيه قال حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - :
تباريح حب ما تزن بريبة .......... تحمل منه مغرما ما تحملا
وإن اعتقاد الحب كان بعفة .......بحب رسول الله عائش أولا
حباها بصفو الود منها فأصبحت ... تبوء به في جنة الخلد منزلا
حليلة خير الخلق وابنة حبه .... وصاحبه في الغار إذ كان موئلا
وهذا الشعر غير موجود في ديوان حسان المطبوع .
ووردت أيضا في شعر عمر بن أبي ربيعة كما في ديوانه (ص/398، ط، مطبعة السعادة) قال :
قطوف ألوف للحجال غريرة ... وثيرة ما تحت اعتقاد المؤزر
ووردت كلمة العقيدة مفردة في شعر قيس بن الملوح الشهير بمجنون ليلى (ت68هـ)، قال - كما في ديوانه برواية الوالبي (ص/55، ط، المطبعة الخديوية ببولاق) -:
خَليلَيَّ هَل قَيظٌ بِنُعمانَ راجِـــعٌ ... لَياليهِ أَو أَيّامُهُنَّ الصَوالِـــحُ
أَلا لا وَلا أَيّامُنا بِمُتالِــــــعٍ ... رَواجِعُ ما أَورى بِزَندِيَ قـادِحُ
إِذِا العَيشُ لَم يَكدُر عَلَيَّ وَلَم يَمُـت ... يَزيدُ وَإِذ لي ذو العَقيدَةِ ناصِـحُ

ووردت جمعا "عقائد" في شعر عنترة بن شداد العبسي كما في ديوانه (ص/67، ط، 1893، مطبعة الآداب ببيروت) :
أفَمِنْ بكاءِ حمامة ٍ في أيكة ... ذرفتْ دموعكَ فوق ظهر المحمل
كالدرِّ أو فضض الجمانِ تقطعت ... منهُ عَقائِدُ سِلْكهِ لم يُوصل
هكذا الرواية في الديوان ، وفي العين للخليل (1/141- بتحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ) قال : « والمعاقد : مواضع العقد من النظام ، ونحوه . قال: منه معاقد سلكه لم توصل ». وعلق المحقق بأن الرواية في الديوان عقائد ، وقال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (4/87، ط، 1399، دار الفكر) : « والمعاقد : مواضع العقد من النظام . قال : معاقد سلكه لم توصل ». قال المحقق : « وفي الديوان : عقائد ، بدل معاقد ؛ تحريف».
قلت : مفرد المعاقد معقد ، وهو موضع العقد من الحبل ، وهو كذلك العقدة ، ولا يبعد أن تكون العقيدة بمعنى العقدة وزيادة ، إذ قد تسمي العرب الشيء بموضعه .
سادسا : وردت كلمة عقيدة في أمهات المعجمات ، وهذا بيان ذلك:
1- قال ابن سيده (ت458هـ) في "المحكم والمحيط الأعظم" (8/316، ط1، 1421، دار الكتب العلمية) : « والبصيرة : عقيدة القلب ، وقيل : البصيرة : الفطنة ، تقول العرب: أعمى الله بصائره أي : فطنه ، عن ابن الأعرابي » .
2- وقال ابن الأثير (ت606هـ) في النهاية في غريب الحديث والأثر (ص 925، ط2، 1423، دار ابن الجوزي) : « نظف : ( س ) فيه « إن اللَّه تبارك وتعالى نَظيفٌ يُحبُّ النَّظافة » ؛ نَظافة اللَّه : كناية عن تَنَزُّهِه من سِمات الحَدَث ، وتَعالِيه في ذاتِه عن كل نَقْص . وحُبُّه النَّظافةَ من غيره كنايةٌ عن خلوص العَقيدة ونَفْيِ الشِّرْك ومُجانَبة الأهْواء ، ثم نظافة القلب عن الغل والحقد والحسد وأمثالها ، ثم نظافة المطعم والملبس عن الحرام والشبه ، ثم نظافة الظاهر لملابسة العبادات » . وقول ابن الأثير هذا نقله ابن منظور في لسان العرب (6/4468، ط، دار المعارف)، والزبيدي في التاج (24/425-426، ط، 1385، حكومة الكويت)
قلت : حديث إن الله نظيف حديث منكر رواه الترمذي وضعفه ورواه أبو يعلى في مسنده والدولابي في الكنى وابن عدي في الكامل ، ولو ثبت لقلت : إن الله نظيف نظافة حقيقية تليق به ، وهو سبحانه الملك القدوس ، والقول في صفاته كالقول في ذاته.
3- وقال الفيروزابادي (ت817هـ) في "القاموس المحيط" (1/370، نسخة مصورة عن الطبعة الثالثة للمطبعة الأميرية) : « والبصيرُ : المُبْصِرُ ، ج : بُصَراءُ ، والعالِمُ ، وبالهاءِ : عَقيدَةُ القَلْبِ ، والفطنة ، ومابين شقتي البيت ، والحجة كالمبصر والمبصرة – بفتحهما- ، وشيء من الدم يستدل به على الرمية ، ودم البكر ، والترس ، والدرع ، والعبرة يعتبر بها والشهيد » .
4- وقال ابن منظور (ت711هـ) في "لسان العرب" (1/291، ط، دار المعارف) : « والبَصِيرَةُ : عَقِيدَةُ القلب . قال الليث : البَصيرة اسم لما اعتقد في القلب من الدين وتحقيق الأَمر » .
5- وقال الفيومي (ت770هـ) في "المصباح المنير" (ص250، ط، دار الحديث) : «واعْتَقَدْتُ كذا : عَقَدْتُ عليه القلب والضمير ؛ حتى قيل : العَقِيدَةُ : ما يدين الإنسان به، وله عَقِيدَةٌ حسنة: سالمة من الشكّ، واعْتَقَدْتُ مالا : جمعته » .
6- وقال الزبيدي (ت1205هـ) في "تاج العروس من جواهر القاموس" (10/192، ط، 1385، حكومة الكويت) : « (و) البَصِيرَةُ ( بالهاء : عَقِيدَةُ القَلْبِ ) ، قال الليث : البصيرة : اسم لما اعتقد في القلب من الدين وتحقيق الأمر » . وقد استعملها في مواضع أخرى معرفة .
7- وفي "المعجم الوسيط" لمجمع اللغة العربية بمصر (ص614، ط4، 1425، مكتبة الشروق الدولية): « (العقيدة) : الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده ، والعقيدة في (الدين) : ما يقصد به الاعتقاد دون العمل ، كعقيدة وجود الله ، وبعثة الرسل ، (ج) : عقائد ... و(المعتقد) : العقيدة » .
وفي "المعجم الوجيز" له أيضا (ص427، ط، 1415، وزارة التربية والتعليم) : «(العقيدة) : ما لا يشك معتقده فيه ، كعقيدة وجود الله ، وبعثة الرسل . (ج) : عقائد ».
سابعا : قال نشوان بن سعيد الحميري (ت573هـ) في "الحور العين" (ص/331، ط2، 1985، دار آزال): « والعقائد : جمع عقيدة ، وعقيدة الرجل : دينه وما يعتقده». وهذا أقدم قول وقفت عليه في شرح كلمة العقيدة لغة .
والعقيدة عند أهل الحديث تقابل السنة بمعناها الخاص ؛ كما قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/120، ط دار الهدى):« والسُّنة : هي الطريقة المسلوكةُ ، فيشمل ذلك التمسُّك بما كان عليه هو وخلفاؤه الرَّاشدونَ مِنَ الاعتقادات والأعمال والأقوال ، وهذه هي السُّنةُ الكاملةُ ، ولهذا كان السلف قديماً لا يُطلقون اسم السُّنَّةِ إلا على ما يشمل ذلك كلَّه ، ورُوي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفُضيل بن عياض . وكثيرٌ من العُلماء المتأخرين يخصُّ اسم السُّنة بما يتعلق بالاعتقادات؛ لأنَّها أصلُ الدِّين ، والمخالفُ فيها على خطرٍ عظيم... » .
وعن ابن عباس : « قوله : ﴿ فإن آمنوا بمثل مَا آمنتم به فقد اهتدوا ﴾ ونحو هذا ، قال: أخبر الله سبحانه أنّ الإيمان هو العروة الوثقى ، وَأنه لا يقبل عملا إلا به ، ولا تحرُم الجنة إلا على مَن تركه » . أثر حسن رواه الطبري (3/113، ط، شاكر ، مكتبة ابن تيمية).

قال الطبري في " تفسيره " (9/204-205) في تأويل قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115] : « يعني جل ثناؤه بقوله : ﴿ ومن يشاقق الرسول﴾ : ومن يباين الرسولَ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - معاديًا له ، فيفارقه على العداوة له ، ﴿من بعد ما تبين له الهدى ﴾ يعني : من بعد ما تبين له أنه رسول الله ، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، ﴿ ويتبع غير سبيل المؤمنين﴾ يقول : ويتبع طريقًا غير طريق أهل التصديق، ويسلك منهاجًا غير منهاجهم ، وذلك هو الكفر بالله ، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم ، ﴿ نولّه ما تولّى ﴾ يقول : نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام ، وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله شيئًا، ولا تنفعه ، كما حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ﴿ نوله ما تولى ﴾ قال : من آلهة الباطل ». قال أبو طيبة : وإسناد هذا الأثر صحيح وجادة .
فالعقيدة كلمة فصيحة مطروقة في الشعر ، ترادفها في اللغة كلمة البصيرة - وهي اسم لما اعتقد في القلب من الدين وتحقيق الأمر- ، كما ترادفها كلمة العزم- وهو ما عقد عليه قلبك من أمر أنت فاعله - ، ويقابلها عند أهل الحديث كلمات : الإيمان ، والسنة ، وأصول السنة ، والاعتقاد ، والشريعة في اصطلاح الآجري وابن بطة ، والصلة بينها وبين المنهج كالصلة بين الإيمان والإسلام ، وهما متلازمان لا يفترقان .
هذا ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يثبت قلوبنا على الدين ، وأن يهدينا الصراط المستقيم ، وأن يمسكنا بالعقيدة الصحيحة التي كان عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم - ، والحمد لله رب العالمين .

وكتبه أبو طيبة محمد بن مبخوت
 
عودة
أعلى