النصوص الشرعية بين الفهم والتنزيل- دعوة للمناقشة-

إنضم
02/03/2006
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الحضارة الإسلامية حضارة النص، وكل النتاجات الفكرية الإسلامية تدور في فلك النص، وكل تعامل معه لا يعدو أن يكون إما محاولة فهمه، أو تطبيقه على أرض الواقع، وكل خطأ أو انحراف في الفكر الإسلامي مصدره الخطأ في فهم النص الشرعي أو في تنزيله على أرض الواقع، وهو ما يسميه العلماء بتحقيق المناط .
وهذان الاثنان مرتبطان ارتباطا وثيقا، وإن كان الفهم سابق على التنزيل، وإنما يتم تنزيل الأحكام والمعاني المستنبطة من النص، ولو كان الفهم سليما فإنه يحتاج إلى التنزيل السليم أيضا، وإلا لن يكون هناك أثر للنص على الواقع، وقد يكون التنزيل مسيئا للنص وللفهم السليم أيضا.
ولذلك لا بد من وضع ضوابط وقواعد تحكم الفهم وتمنعه من الانحراف، ولا بد من فقه الواقع والحكمة في تنزيل الأحكام الشرعية على الواقع.
أما فيما يخص ضبط الفهم فهو يخص علم التفسير بما هو صنعة لها أهدافها ووسائله وضوابطها وشروط ممارسها.
ونتحدث هنا عن قواعد تحكم عملية التفسير ، مثل قواعد النحو والإعراب ودورها في فهم النص العربي .
وعليه يكون محل النقاش في علمية علم التفسير.
ما هي أدوات المفسر؟
كيف نفسر القرآن الكريم؟
نسائل المفسر كيف توصلت إلى هذا الفهم من خلال هذا اللفظ؟ وهو نقاش علمي محض !
وهذه أسئلة تطرح على المفسر الراشد وعلى أصحاب الفهوم الخاطئة وأصحاب الأهواء والبدع وأصحاب المذاهب الفكرية والعقدية والإيديولوجية !
وكل يستدل على فهمه ودعواه، لكن لن يثبت أمام الأسئلة العلمية إلا أصحاب الفهوم الراشدة.
ولهذا نبحث عن المعايير والضوابط المنهجية أو قل عن قانون في التفسير نحتكم إليه عند الاختلاف.
وعليه يمكن أن نحاسب الذين يوظفون النصوص الشرعية توظيفا مصلحيا أو شخصيا أو فئويا من أصحاب الأهواء أو غيرهم. بحيث تكون لنا ضوابط في فهم النص الشرعي وليس كل من هب ودب يفسر النص الشرعي.
ونعطي مثالا ليتضح الأمر : نقول الصلاة واجبة.
كيف توصلت إلى ذلك؟
أقول من قوله تعالى:" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" فأقيموا الصلاة فعل أمر، والأمر كما يقول الأصوليون يفيد الوجوب. فالصلاة واجبة.
فهذه الخطوات المتبعة هي منهجية في فهم الخطاب القرآني ، وهي منهجية أصولية في استنباط الأحكام الشرعية.
وإذا استطاع المفسر أو المشتغل بعلم التفسير أن يقدم لنا قواعد لفهم مراد الله تعالى سوف لن نخشى الخوض في التفسير. وكل من ادعى فهما للقرآن نطالبه بالاستدلال على ذلك الفهم، فيجب على أهل الاختصاص أن يقدموا لنا نظرية في التفسير أي فلسفة علم التفسير ، أي الإطار النظري الذي يشتغل في إطاره المفسر.
هذا عن فهم النصوص الشرعية.
أما تنزيلها على أرض الواقع فهذا أمر آخر ليس مقتصرا على المفسر بل على المصلح الاجتماعي أو الداعية أو القاضي إذ مهمته تنزيل الأحكام المستنبطة من النص على أرض الواقع. إذن فلنعالج الأمر من أصله وهو كيف نستنبط الأحكام من النص؟ وإذا أخطأ القاضي أو غيره في تنزيل الأحكام المستنبطة من النص فالخطأ خطأ القاضي وليس المفسر أو المستنبط. وحين ذاك نبحث كيف نضبط تنزيل النصوص على الواقع أو كيف نطبق الأحكام المستنبطة من النص على الواقع.
والاجتهاد في الشريعة على نوعين:
1- اجتهاد في استنباط الأحكام من النصوص .
2- واجتهاد في تطبيق تلك الأحكام على أرض الواقع .
في النوع الأول يشترط في المجتهد التمكن من العلوم المساعدة على فهم النصوص، خاصة علوم الآلة، كالنحو والبلاغة وأصول الفقه وغيرها من العلوم المساعدة على الفهم.
أما النوع الثاني فيشترط في المجتهد التمكن من فقه الواقع أساسا، ولذلك لم يشترط بعض العلماء شرط العدالة فيمن يتولى الاجتهاد التنزيلي، بل إن الإمام الشاطبي أجاز اجتهاد الكافر ما دام الأمر يتعلق بتنزيل حكم جاهز استنبط استنباطا سليما من النص.
فمثلا حكم نفقة الزوج على زوجته أنها واجبة وقد دلت النصوص الشرعية دلالة واضحة على وجوبها، فهذا الحكم استنبط من النص من طرف العلماء ولا خلاف في ذلك.
لكن يبقى أمر تنزيله على الذين تجب في حقهم، ما هو مقدار هذه النفقة؟ هنا نحتاج إلى فقه الواقع، فهل مقدار النفقة على أسرة تعيش في الصومال أو موريتانيا هو نفسه لأسرة تعيش في السعودية أو الإمارات؟ ثم هذا المطالب بالنفقة ما هو وضعه المادي؟ هل مقدار نفقة رجل أعمال هو مقدارها لرجل مستخدم أو موظف بسيط في شركة أو إدارة؟ وهكذا.
ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجيب عن سؤال واحد بأجوبة مختلفة، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال؟ من عدة أشخاص فأجاب الأول بالصلاة على وقتها، والثاني بالجهاد، والثالث ببر الوالدين.
والسبب في ذلك هو أنه صلى الله عليه وسلم كان يفقه حال السائل وما ينقصه في دينه.
وإذن نحتاج إلى المفسر أو المستنبط المستكمل لشروط التفسير والاستنباط، ونحتاج إلى قانون نحتكم إليه في علم التفسير، ونحتاج إلى الفقيه أو الداعية الحكيم الذي ينزل الحكم المناسب على الواقعة المناسبة، ولن يكون ذلك بغير فقه الواقع .
 
جزاك الله خيرا، فقد طرقت صميم الإشكالية التفسيرية، ونحن بالفعل في أمس الحاجة لمنهجية في فهم الخطاب القرآني، وفي حال توفرها، والتوافق عليها، مع ما يتيحه عصرنا ومن بعدنا من إمكانيات كبيرة في التواصل، فسنصل بعون الله إلى تضييق هوة الخلاف بين المفسرين - بمختلف اتجاهاتهم - وتجنب التأويلات الفاسدة والمنحرفة في بيان كلام الله، أو كما سماه أستاذنا الدكتور أحمد بزوي الضاوي " المنهج الإسقاطي في التفسير " ، ولعل باب الأمل مفتوحا على مصراعيه بوجود علماء يستشعرون هم أمتهم، والله المستعان.
 
الزميلان العزيزان محمد البويسفي ومحمد الضرير وفقهما الله لكل خير.
تحية طيبة لكما وأنتما زميلان في الدراسات العليا في مرحلة الدكتوراه في جامعة القاضي عياض بمراكش العزيزة بالمغرب .

قرأتُ ما تفضلتما به شكر الله لكما ، وقد استفدتُ مما كتبه الأخ محمد البويسفي في تصويره لمدى الحاجة إلى علم أصول التفسير.
واليوم كتبت دراسات قيمة في علم أصول التفسير تقدمت به خطوات للإمام ، وما زالت الحاجة قائمة للمزيد من الدراسات والأبحاث في قضايا أصول التفسير حتى تكتمل بحوثه .
ومن البحوث القيمة التي يمكن الإفادة منها في مسألة التنظير للحاجة إلى هذا العلم ما كتبه الدكتور مولاي في أطروحته للدكتوراه ، وأعلم أنه يملك نسخة منها ، حيث رأيته علق في موضوع للدكتور مولاي عمر بن حماد بعنوان :
[align=center]الحاجة إلى علم أصول التفسير [/align]
وذكر أنه حصل على نسخة منها .
ولدي سؤال : هل طبعت رسالة الدكتور عمر أم لا ؟

أيضاً هناك بحث للأستاذ الفاضل عبدالرحمن الحاج ، بعنوان :
تأسيس أصول التفسير وصلته بمنظور البحث الأصولي

ولي سؤال للأخ محمد البويسفي : ما هو بحثك الذي تقوم به الآن في الدكتوراه؟ وهل له صلة بأصول التفسير ؟
أرجو لك التوفيق دوماً ، ولصاحبك أبي عمر الضرير نفع الله به .
 
أستاذي الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع البحث الذي أشتغل عليه في مرحلة الدكتوراه له علاقة بعلم اصول التفسير، حيث أشتغل على كيفية توظيف علمي اللغة والأصول في استنباط المعنى من القرآن الكريم، على اعتبار أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولا سبيل للدخول للقرآن بغير اللغة التي أنزل بها، وكذلك علم اصول الفقه خاصة علم الدلالة لأنه يضبط عملية الاستنباط من النص الشرعي، ولأن الأصولين كان همهم هو الوصول إلى مقصد الشارع من خلال ألفاظ كتابه، ومن أجل ذلك قعدوا القواعد الأصولية اللغوية من مثل قاعدة: الأمر يفيد الوجوب، وحمل المطلق على المقيد..، واشتغل في ذلك على نموذج تطبيقي في تفسير التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور، على اعتبار انه برز في علمي الآلة اللغة وخاصة البلاغة، ثم علم الأصول. والهدف من هذا البحث هو الوقوف على كيفية توظيف الشيخ بن عاشور للغة والأصول في تفسيره للقرآن الكريم، متى يعمل القاعدة اللغوية ؟ ومتى نيعمل القاعدة الأصولية؟ وعلى اي مستوى من مستويات اللغة أو الأصول؟ و..
وهذا يدخل ضمن مشروع عام هو محاولة بناء علم أصول التفسير. وبالله التوفيق
 
موضوع ماتع أرجو أن يستمر.

ما أخبار رسالتك أخي محمد ؟
الموضوع الذي اخترته جميل ومهم ومفيد جدا.
وفقك الله ويسر أمرك.
 
التفسير مشروع حضاري

التفسير مشروع حضاري

بسم الله الرحمن الرحيم​
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
الأخ الفاضل الأستاذ البويسفي ـ حفظه الله ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
أشكر لفضيلتكم هذا المقال المهم.
و اسمحوا لي بهذه الإضافات لتعميق النقاش في الموضوع الذي تفضلتم بإثارته :
1- مستويات قراءة القرآن الكريم ثلاث :
التلاوة .
التدبر .
التطبيق.
2- فقه الواقع: أو ما يمكننا الاصطلاح عليه بالواقع الثقافي للأمة الإسلامية خاصة، والبشرية عامة، باعتبار القرآن الكريم رسالة عالمية، يقتضي دراسة الواقع المعيش دراسة علمية و موضوعية تعتمد مبادئ البحث الميداني وآلياته، والمفروض أن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى فريق بحث متعدد التخصصات: علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الاقتصاد، وعلم السياسة، والعلوم الشرعية، والثقافة و الفكر.
ومن هنا يتضح أن الأمر ليس بالهين، و لكنه ليس مستحيلا متى صحت العزائم، بحيث يمكن تكوين فريق بحث متعدد التخصصات، ومنسجم، ومتكامل، يمكنه وضع خطة عمل والشروع في تنفيذها.
3- دراسة التفاسير الموجودة بين أيدينا دراسة علمية رصينة تكشف اللثام عن صلة التفسير بالواقع الثقافي للمفسر، بغية الوقوف على كيفية تنزيل النص على الواقع، وماهي الآثار الإيجابية للواقع على التفسير، وتمييزها عن الآثار السلبية. وهذا يحتاج منا إلى وضع ضابط علمي وموضوعي يمكننا من ذلك، ونحن نقترح أن يكون مذهب أهل السنة في التفسير، و ذلك بناء على تجربة سابقة في البحث في المجال، واستشارات موسعة لأهل العلم و التخصص.
إن ربط التفاسير بواقع المفسر هي الحلقة الغائبة اليوم في دراستنا للتفاسير، اللهم بعض الأعمال الجزئية واليتيمة:
أثر الواقع الثقافي في أهم التفاسير الحديثة: أحمد بزوي الضاوي، رسالة ماجستير، نوقشت بجامعة القاهرة، كلية دار العلوم، قسم الشريعة الإسلامية، تخصص علوم القرآن والتفسير، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد بلتاجي، و الأستاذ الدكتور نبيل غنايم.
نوقشت سنة 1987 م .
أثر الواقع الثقافي في أهم التفاسير المغربية في القرن الرابع عشر الهجري للأستاذ عبد الهادي السبيوي، رسالة ماجستير، نوقشت بجامعة شعيب الدكالي كلية الآداب، شعبة الدراسات الإسلامية، وقد كنت مشرفا على هذه الرسالة، نوقشت سنة 1999م.
إن هذه الدراسات تنتهي بنا إلى اكتشاف نتيجة مهمة:
التفسير مشروع حضاري يتوخى تنزيل النص القرآني على الواقع،
بغية تعبيد الحياة كل الحياة لله رب العالمين .
4-إدراك الواقع في كل تجلياته: أي المعرفة العلمية والموضوعية بالواقع المعيش، مع الاستفادة من أصول الفقه: فقه الأولويات، فقه التدرج، فقه المآلات.
5- فريق البحث: إن هذا المشروع لا يمكن للأفراد النهوض به إلا في حدود جزئية، أما البحث العلمي الدقيق والشامل فيحتاج إلى فريق بحث إن لم نقل فرق البحث. وهذا الأمر يكشف عن عوار منظومتنا التعلمية عامة والجامعية خاصة، حيث لم نستطع تكوين فرق البحث، لأننا بكل بساطة لم نتعلم العمل في إطار فريق البحث. مما يحتم علينا اليوم إيلاء أهمية خاصة لتكوين كفاءات علمية متعددة التخصصات، و قادرة على العمل في إطار فريق بحث متكامل و منسجم.
إنها إحدى المهام الكبرى الملقاة علينا اليوم كجامعيين.
وفقنا الله جميعا لخدمة كتابه الكريم .
و تفضلوا أخي العزيز بقبول تحياتي و تقديري لشخصكم الكريم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .​
 
عودة
أعلى