رضوان سلمان
New member
- إنضم
- 24/11/2010
- المشاركات
- 23
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
النداء الثاني
اسْتَعِينُواْبِالصَّبْرِوَالصَّلاَةِ
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ]البقرة[153
لقد كانت الصلاة من أعظم ما يتزود به النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرته الدعوية فكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول أيضًا: «أرحنا بها يا بلال».
وكيف يربي المربي الناس على أمور هو مفرط فيها ومضيع لها أو على الأقل متهاون فيها، وهذا مما يضعف همته في التربية ويفقده الحماس المطلوب للعملية التربوية، بل يجعل المتربين لديه غير متأثرين به؛ لأنهم يرونه قدوة غير صالحة في هذا المجال، يقول محمد أحمد الراشد: [في كتاب الرقائق]: فإن من يتخرج في مدرسة الليل يؤثر في الأجيال التي بعده إلى ما شاء الله، والمتخلف يابس قاس تقسو قلوب الناظرين إليه، والدليل عند بشر الحافي منذ القديم شاهده وأرشد إليه فقال: بحسبك أن أقوامًا موتى تحيا القلوب بذكرهم وأن أقوامًا أحياء تقسو القلوب برؤيتهم.
ويقول الشيخ عائض القرني في كتاب: ]حتى يكون أسعد الناس[: الصَّبْرِ وَالصَّلاةِ هما وقود الحياة، وزاد السير، وباب الأمل، ومفتاح الفرج، ومن لزم الصبر وحافظ على الصلاة فبشره بفجر صادق، وفتح مبين، ونصر قريب. جُلد بلال وضُرب عُذب وسُحب وطُرد وهو يردد: أحد أحد، لأنه حفظ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فلما دخل الجنة احتقر ما بذل واستقل ما قدم لأن السلعة أغلى من الثمن أضعافاً مضاعفة.
المعاني المفردة
الاستعانة: طلب العون.
الصبر:قال الجَوْهَرِيّ: حَبْسُ النَّفْسِ عن الجَزَعِ، وحَبْسُ اللّسَانِ عن الشَّكْوَى، وحبْسُ الجوارِحِ عن التَّشْوِيشِ .
الصلاة:فياللغة: أصلمعناهاالدعاء ومنه قولُه تعالى: ﴿وصَلِّ عَلَيْهم﴾، أَي ادْع لَهُم. وقيلَ: الصَّلاةُ في اللغةِ مُشْتركةٌ بينَ الدُّعاءِ والتَّعْظيمِ والرَّحْمة والبَرَكةِ.
وشرعاً: عبادة لله تعالى ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم . والمراد بالأقوال التكبير والقراءة والتسبيح والدعاء ونحوه. والمراد بالأفعال: القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه .
الإعـراب
«اسْتَعِينُوا» فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب. «بِالصَّبْرِ» متعلقان بالفعل قبلهما. «وَالصَّلاةِ» معطوف على الصبر. «إِنَّ اللَّهَ» إن ولفظ الجلالة اسمها. «مَعَ الصَّابِرِينَ» مع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر إن، الصابرين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والجملة تعليلية لا محل لها من الإعراب.
مناسبة الآية في السياق[1]
بعد تقرير القبلة، وإفراد الأمة المسلمة بشخصيتها المميزة، التي تتفق مع حقيقة تصورها المميزة كذلل.. كان أول توجيه لهذه الأمة ذات الشخصية الخاصة والكيان الخاص، هذه الأمة الوسط الشهيدة على الناس.. كان أول توجيه لهذه الأمة هو الاستعانة بالصبر والصلاة على تكاليف هذا الدور العظيم. والاستعداد لبذل التضحيات التي يتطلبها هذا الدور من استشهاد الشهداء، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، والخوف والجوع، ومكابدة أهوال الجهاد لإقرار منهج الله في الأنفس، وإقراره في الأرض بين الناس. وربط قلوب هذه الأمة بالله، وتجردها له، ورد الأمور كلها إليه.. كل أولئك في مقابل رضى الله ورحمته وهدايته، وهي وحدها جزاء ضخم للقلب المؤمن، الذي يدرك قيمة هذا الجزاء..
في ظلال النداء
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيراً؛ ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع ؛ والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات؛ والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب ، مجندة القوى ، يقظة للمداخل والمخارج .. ولا بد من الصبر في هذا كله .. لا بد من الصبر على الطاعات ، والصبر عن المعاصي ، والصبر على جهاد المشاقين لله ، والصبر على الكيد بشتى صنوفه ، والصبر على بطء النصر ، والصبر على بعد الشقة، والصبر على انتفاش الباطل ، والصبر على قلة الناصر ، والصبر على طول الطريق الشائك ، والصبر على التواء النفوس ، وضلال القلوب ، وثقلة العناد ، ومضاضة الإعراض ..
وحين يطول الأمد، ويشق الجهد، قد يضعف الصبر، أو ينفد، إذا لم يكن هناك زاد ومدد . ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر؛ فهي المعين الذي لا ينضب ، والزاد الذي لا ينفد . المعين الذي يجدد الطاقة ، والزاد الذي يزود القلب ، فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع . ثم يضيف إلى الصبر، الرضى والبشاشة ، والطمأنينة ، والثقة ، واليقين .
إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى ، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة . حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة . حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة. حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود ، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئاً وقد أوشك المغيب ، ولم ينل شيئاً وشمس العمر تميل للغروب. حينما يجد الشر نافشاً والخير ضاوياً ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق ..
هنا تبدو قيمة الصلاة .. إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية . إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض . إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض.
إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير. إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة ، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود .. ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الشدة قال: « أرحنا بها يا بلال » ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله.
إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة. والعبادة فيه ذات أسرار. ومن أسرارها أنها زاد الطريق. وأنها مدد الروح. وأنها جلاء القلب. وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر.. إن الله سبحانه حينما انتدب محمداً صلى الله عليه وسلم للدور الكبير الشاق الثقيل، قال له:
﴿يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً﴾ فكان الإعداد للقول الثقيل، والتكليف الشاق، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن.. إنها العبادة التي تفتح القلب، وتوثق الصلة، وتيسر الأمر، وتشرق بالنور، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان.
ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام.. إلى الصبر وإلى الصلاة.. ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه: ﴿إن الله مع الصابرين﴾..
معهم ، يؤيدهم، ويثبتهم، ويقويهم، ويؤنسهم، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة، وقوتهم الضعيفة، إنما يمدهم حين ينفد زادهم ، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق.. وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾.. ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب: ﴿إن الله مع الصابرين﴾.
والأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها لمناسبته للسياق القرآني هنا في إعداد الجماعة المسلمة لحمل عبئها والقيام بدورها:
عن خباب بن الأرثّ رضي الله عنه « قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة. فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه.. والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ». وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: « كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء عليهم السلام، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » وعن يحيى بن وثاب، عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ».
هداية وتدبر[2]
1. اطلبوا العون - أيها المؤمنون - فى كل ما تأتون وما تذرون بالصبر على النوائب والمصائب والأمور الشاقة، والصبر على الطاعات والقربات. وبالصلاة التى هى أمّ العبادات،التي تطمئن بها النفس. وتنهى عن الفحشاء والمنكر. إن الله بقدرته القاهرة وبعونه وتوفيقه وتسديده مع الصابرين فهو وليهم وناصرهم.
2. الناظر في القرآن الكريم يجد الحديث عن الصبر ومشتقاته قد جاء في نحو من تسعين آية: تأمر به حيناً، وتثني على أهله حيناً آخر، تعدُهم بالمحبة والمعية، وتزفُّ البشرى بالجنة وبالأجر العظيم الذي يوفَّى لهم بغير حساب.
3. نحن مأمورون بطلب العون من الله تعالى وأن ندعو الله تعالى به ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾..
إذا لم يكن عون من الله للفتى =فأول ما يجني عليه اجتهاده
4.تارك الصلاة على خطر عظيم. ﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً﴾ [مريم:59،60]. يقول صل1: « إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِوَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ«[3].
5. الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. وهي أُم العبادات: وأفضلُ الطاعات، ولذلك جاءت نصوص الكتاب والسنة بإقامتها والمحافظة عليها والمداومة على تأديتها في أوقاتها.
6. كانت الصلاة آخر وصايا النبي صل1 قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
7. الصلاة أفضل الأعمال. وهي نهر من الطهارة والمغفرة. وكفارة للذنوب والخطايا. وعهد من الله بدخول الجنة. وأول ما يُحاسب عنه العبد يوم القيامة. والصلاة نور. وهي مناجاة بين العبد وربه. وأمان من النار. وأمان من الكفر والشرك. وهي حفظ وأمان للعبد في الدنيا.
8. كان رسولنا الكريم إذا حزبه أمر صلى. عَنْ حُذَيْفَةَ قال: "كان النبى صل1 إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى".[4]
9. الصبر والصلاة: رادعان عن المعاصي. فليس شيء من الطاعة الظاهرة أشد من الصلاة على البدن لأنه يجتمع فيها أنواع الطاعات: الخضوع والإقبال والسكون والتسبيح والقراءة فإذا تيسرعليه الصلاة تيسر عليه ما سوى ذلك وليس شيء من الطاعات الباطنة أشد من الصبر على البدن فجمع تعالى الأمر بهما.
10. الصبر أنواع: 1- صبر على ترك المحارم والمآثم. 2- وصبر على فعل الطاعات والقربات. 3- وصبر على المصائب والنوائب.
11. الصبر سبب في مضاعفة الأجر.. ويكفي في ذلك بشارة قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِحِسَابٍ﴾[الزمر: 10].
12. إن المعية التي أوضحها الله بقوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ إثبات معيَّة الله الخاصة بالمؤمنين، وفيها أعظم ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب، فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال، وإن كانت كالجبال.
13. جمع الله تعالى للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهي: الصلاة منه عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم. قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾[البقرة:157].
14. ويمكن تحقيق الصبر بمعرفة حقيقة الحياة الدنيا الزائلة فهي ليست بدارمقام. وتذكر حسن الجزاء عند الله للصابرين. والتأسي بأنبياء الله تعالى ورسله أكرم الخلق على الله، وقد لاقوا من بلاء الدنيا ما لاقوا وصبروا.. والتيقن بالفرج بعد الشدة. والنصر مع الصبر. والاستعانة بالله والتوكل عليه فانه خير معين. والتزود بالإيمان بالقضاء والقدر، والعلم بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وتصغير المصاب وشأنه وتذكُّر أن الهمَّ الأكبر هو همُّ الآخرة. فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.
[1]. في ظلال القرآن.
[2]. جامع البيان. تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. تفسير بحر العلوم. فتح القدير. تفسير المنتخب. تفسير مجمع فهد.
[3] . حديث 256 - كتاب الإيمان - باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة - صحيح مسلم.
[4] . حديث 1321 - التطوع - سنن أبى داود.