اليتيم في القرآن
لقد اعتنى القرآن الكريم باليتامى أيما اعتناء ، فذكر اليتيم ومشتقاته في القرآن ثلاثًا وعشرين مرة ؛ فجاء لفظ اليتيم ( 5 مرات ) ، ولفظ يتيمًا ( ثلاث مرات ) ، ولفظ يتيمين ( مرة واحدة ) ، ولفظ يتامى ( مرتين ) ، ولفظ اليتامى ( 12 مرة ) ؛ في آيات أحكمت نظامًا عظيمًا في العناية باليتيم والحث على إكرامه ، والنهي عن قهره ، والأمر برعاية ماله وإصلاحه ، والتحذير الشديد من الاعتداء على ماله بأي وجه من الوجوه ، وبيان أن ذلك إثمٌ عظيمٌ ، والتوعد لمن يأكل أموال اليتامى ظلمًا توعدًا شديدًا ؛ والأمر بالقسط في يتامى النساء .
قد كان قبل الإسلام من المظالم الواقعة على اليتامى وخاصة النساء ، فجاء الإسلام ليرفع الظلم والقهر عن هؤلاء جميعًا ، ويحذر تحذيرًا شديدًا من ذلك ، ويأمر بإكرامهم والعناية بهم ، ويجعل ذلك قربة إلى الله تعالى ، ينال من يقوم بها درجة عظيمة في الجنة ، قريبة من درجة النبي e .
وإليك إجمال ما جاء به القرآن في العناية باليتامى :
1 - أمر بالإحسان إليهم : ] وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ .. [ الآية [ النساء : 36 ] .
2 - وأمر بالإصلاح لهم : ] وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْر [ .
3 - وبيَّن أن الوصية باليتامى أخذت على من قبلنا : ] وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ [ الآية [ البقرة : 83 ] .
4 - وذمَّ من لا يكرم اليتيم : ] كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [ [ الفجر: 17 ] .
5 - ونهى عن قهره : ] فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [ [ الضحى : 9 ] .
6 - وبيَّن أن قهره ودفعه إنما هي صفات من يكذب بالحساب : ] أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [ [ الماعون : 1 ، 2 ] .
7 - ووصف الأبرار أهل الجنة بأنهم ] وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [ [ الإنسان : 8 ] .
8 - وأخبر أن من اقتحام العقبة :] أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [ [ البلد : 14 - 16 ] .
9 - وامتن على النبي محمد e بقوله :] أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [ [ الضحى : 6 ] ؛ وفيها بيان أن الإيواء لليتيم هو أهم ما يحتاجه .
10 - وجعل من أوجه البرِّ العظيمة أن يكون في مال المؤمن التقي جزء يخصص لليتامى : ] لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [ [ البقرة : 177 ] ؛ وقال U : ] يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [ [ البقرة : 215 ] .
11 - وندب إلى إعطاء اليتامى من قسمة التركات إذا حضروا القسمة تطييبًا لخاطرهم وإعانة لهم على أمور حياتهم : ] وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا [ [ النساء : 8 ] .
12 – وفرض لهم في الغنائم والفيء ، في إشارة واضحة إلى أن دولة الإسلام ترعى هؤلاء وتنفق عليهم : ] وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ [ الأنفال : 41 ] ؛ أي : ويعطي من خمس الخمس لليتامى ؛ واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم الذي لا أب له ، فيعطى مع الحاجة إليه .
وقال Y : ] مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
[ [ الحشر : 7 ] .
13 - ونهى عن قربان مال اليتيم بأي نوع من الإفساد فيه : ] وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [ [ الأنعام : 152 ، والإسراء : 34 ] .
14 - وحذَّر من يحاول إفساد مال اليتيم عند خلطه بماله : ] وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ [ البقرة : 220 ] .
15 - وبيَّن أن أكل مال اليتيم بأي نوع من الحيل إثمٌ عظيمٌ : ] وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [ [ النساء : 2 ] . فلا يأخذ ناقة نجيبة من مال اليتيم ويستبدل بها ناقة هزيلة من ماله ، ولا يضم مال اليتيم إلى ماله ليأكله أو يأكل بعضه .
16 - وأمر بامتحان اليتيم إذا بلغ : كيف يتصرف في المال ؟ فإن كان رشيدًا دُفِعَ إليه ماله ، ولا يتعلل وصي اليتيم بأنه صغير فلا يعطه ماله : ] وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [ .
17 - وبيَّن ما لوصي اليتيم الفقير في مال اليتيم ، ] وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
[ .
18 - وأمر - إبراء للذمة - أن يُشهد الوصي على اليتيم عند تسليم اليتيم ماله أنه سلَّمه ماله كاملا ، وحذَّر من الخيانة في ذلك : ] فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا
[ [ النساء : 6 ]، أي : وكفي بالله محاسبًا وشاهدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام وحال تسليمهم لأموالهم ، هل هي كاملة موفرة ، أو منقوصة مبخوسة مروج حسابها مدلس أمورها ؟ الله عالم بذلك كله ؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي : لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلَا تَلِيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ " ( [1] ) .
19 - وتوعد من يأكل مال اليتيم ظلمًا وعيدًا شديدًا : ] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
[ [ النساء :10 ].
20 - وأمر من كان تحت ولايته شيء من يتامى النساء أن يعدل إذا تزوج بها ، وإلا فليختر ما شاء غيرها من النساء مثنى وثلاث ورباع : ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا
[ [ النساء : 3 ] . وقال Y : ] وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [ [ النساء : 127 ]؛ روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا ، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ ، فَنَزَلَتْ فِيهِ : ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا [ ( [2] ) ؛ ثم روى البخاري عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [ فَقَالَتْ : يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ ، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا ، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ ؛ فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ ، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوامَاطَابَلَهُمْمِنَالنِّسَاءِسِوَاهُنَّ؛قَالَعُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ : وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ e بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ :] وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ
[ قَالَتْ عَائِشَةُ :وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى:] وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ
[ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ ، قَالَتْ : فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ( [3] ) .
21 - ومن عظيم الاعتناء باليتامى أن الله تعالى يحفظ لليتامى أموالهم بسبب صلاح آبائهم: ] وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
[ [ الكهف : 82 ] .
22 - ووضع المنهج القويم لمن خاف على يتاماه بعد موته ، فقال U : ] وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا
[ [ النساء : 9 ] .
فيا له من منهج قويم لصلاح البشرية .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
[1] - مسلم ( 1826 ) . ورواه أحمد : 5 / 180 ، وأبو داود ( 2868 ) ، والنسائي ( 3667 ) .
[2] - البخاري ( 4573 ) .
[3] - البخاري ( 4574 ) ؛ ورواه مسلم ( 3018 ) ، وأبو داود ( 2068 ) ، والنسائي ( 3346 ) ، وابن حبان ( 4073 ) .