النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
النبي e وكافل اليتيم
ما أعلاها منزلة تدعو إلى التنافس ، وتحفز على هذه الفضيلة : كفالة اليتيم ، روى البخاري عَنْ سَهْلٍ t أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ " وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ ( [1] ) ؛ وفي صحيح مسلم من طريق مالك عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِى الْجَنَّةِ " وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ( [2] ) .
وكافل اليتيم هو القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك ؛ وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية ؛ وسواء أكان الكافل قريبًا له ، كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه ، أو كان أجنبيًا عنه .
وقوله : ( وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ ) أي : السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى ؛ وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي e وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى ، لبيان شدة قرب كافل اليتيم منه e ، وهو نظير الحديث الآخر " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " الحديث ( [3] ) ، ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة إصبع أخرى ( [4] ) .
قال ابن عبد البر – رحمه الله : وهذه فضيلة عظيمة إلى كل من ضم يتيمًا إلى مائدته وأنفق عليه من طوله ، فإذا كان مع ذلك من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، نال ذلك ؛ وحسبك بها فضيلة وقربة من منزل النبي e في الجنة ؛ وليس بين السبابة والوسطى في الطول ولا في اللصوق كثير ، وإن كان نسبة ذلك من سعة الجنة كثيرًا .ا.هـ ( [5] ) .
وقال ابن بطال : حقٌّ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ، ليكون رفيق النبي e في الجنة ، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك .ا.هـ .
قال ابن حجر – رحمه الله : قال شيخنا في ( شرح الترمذي ) : لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة - أو شبهت منزلته في الجنة - بالقرب من النبي أو منزلة النبي ، لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم ، فيكون كافلا لهم ومعلمًا ومرشدًا ؛ وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه ، بل ولا دنياه ، ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه ، فظهرت مناسبة ذلك .ا.هـ ملخصًا ... قال : ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حالة دخول الجنة ، لما أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رفعه " أنا أول من يفتح باب الجنة ، فإذا امرأة تبادرني ، فأقول : من أنت ؟ فتقول : أنا امرأة تأيمتُ على أيتام لي " ( [6] ) ورواته لا بأس بهم .
وقوله : " تبادرني " أي : لتدخل معي أو تدخل في أثري ، ويحتمل أن يكون المراد بمجموع الأمرين : سرعة الدخول ، وعلو المنزلة ؛ وقد أخرج أبو داود من حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رفعه : " أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا " ( [7] ) .
إن اليتيم لا يضيع في مجتمع المسلمين إلا بتقصير من المسلمين أنفسهم ؛ وهل رأيتم فيما ابتدع من بيوت اليتامى حلا لرعاية هؤلاء ؟
ما أعظم دين الإسلام ؛ إن فيه حل مشاكل البشرية لو آمنوا به وطبقوه ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

[1] - رواه أحمد : 5 / 333 ، والبخاري ( 5304 ، 6005 ) ، وأبو داود ( 5150 ) ، والترمذي ( 1918 ) .

[2] - مسلم ( 2983 ) .

[3] - رواه البخاري ( 6504 ) ، ومسلم ( 2951 ) عن أنس t ، : ورواه البخاري ( 4936 ، 5301 ) ، ومسلم ( 2950 ) عن سهل ؛ ورواه ابن ماجة ( 4040 ) ، وابن حبان ( 6641 ) عن أبي هريرة t . ورواه أحمد : 5 / 103 ، 108 عن جابر بن سمرة t ؛ وهو جزء من حديث رواه أحمد : 3 / 319 ، ومسلم ( 867 ) وغيرهما عن جابر بن عبد الله t .

[4] - انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 18 / 113 ، و ( فتح الباري ) لابن حجر : 10 / 436 .

[5] - الاستذكار : 8 / 434 .

[6] - رواه أبو يعلى ( 6651 ) قال الهيثمىفي ( مجمع الزوائد : 8/162) : فيه عبد السلام بن عجلان وثقه أبو حاتم وابن حبان وقال : يخطئ ويخالف ؛ وبقية رجاله ثقات .

[7] - انظر ( فتح الباري ) لابن حجر : 10 / 436 ، والحديث رواه أبو داود ( 5149 ) ، وأحمد : 6 / 29 ، وفيه النهاس بن قهم ، وهو ضعيف .
 
بارك الله بك وشكر الله لك ....اتمنى لو عرجت فيما كتبت عن اللقيط ومجهول النسب ...هل من اجر في كفالته .....هناك بعض اللبس عند العامة من ان هذا اللقيط لا يلحق كافله بأجر كافل اليتيم وكأن ذنب والديه الحق به.....اتمنى الإيضاح وبارك الله بك
 
اللقيط وأجر كفالته
قال ابن قدامة في ( المغني : كتاب اللقيط ) : وهو الطفل المنبوذ ؛ و اللقيط بمعنى الملقوط , فعيل بمعنى مفعول , كقولهم : قتيل و جريح و طريح . و التقاطه واجب ، لقول الله تعالى : ] وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [ ( المائدة : 2 ) ؛ ولأن فيه إحياء نفسه , فكان واجبًا , كإطعامه إذا اضطر ، وإنجائه من الغرق . ووجوبه على الكفاية , إذا قام به واحد سقط عن الباقين .
والفرق واضح بين اليتيم واللقيط ؛ فاليتيم معروف الأبوين ، وربما كان ذا مال , أما اللقيط فمجهول النسب ؛ لأنه يوجد منبوذًا طريق ؛ وهو في الغالب محتاج لا يملك مالا , وقد يكون ممن فقد أبواه في حادث مثلا ، أو في حج ، أو غير ذلك .
فهو بهذه الحال أشد حاجة للرعاية من اليتيم ؛ لفقدانه أبواه أو من يقوم بأمره .
وللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى برقم 21145 في 22 / 10 / 1420هـ ، جاء في أولى فقراتها : من أبوب الإحسان في شريعة الإسلام حضانة اللقيط المجهول النسب ، والإحسان إليه في كفالته وتربيته تربية إسلامية صالحة ، وتعليمه فرائض الدين و آداب الشرع وأحكامه ، وفي هذا أجر عظيم وثواب جزيل ، ويدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم ، لعموم قول النبي e : " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً .ا.هـ .
هذا والعلم عند الله تعالى .
 
تعريف اليتيم

أصْلُ اليُتْمِ في اللغة : الانْفَرادُ ؛ يقال : صبيٌ يتيم ، أي : منفرد من أبيه ؛ وبيت يتيم ، أي : ليس قبله ولا بعده شيء من الشعر ، ودرة يتيمة : ليس لها نظير .
والْيُتْمُ فِي النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، فَيُقَالُ صَغِيرٌ يَتِيمٌ ، أي: مات أبوه، وَالْجَمْعُ أَيْتَامٌ وَيَتَامَى، وَصَغِيرَةٌ يَتِيمَةٌ وَجَمْعُهَا يَتَامَى ؛ وَفِي غَيْرِ النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ؛ فَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَانِ فَالصَّغِيرُ : لَطِيمٌ، وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَقَطْ فَهُوَ عَجِيٌّ .
وإنما كان المنفرد عن الأب في الناس يتيمًا ، لأن نفقته على أبيه ؛ وأما في البهائم فاليتيم هو المنفرد عن الأم ، لأن اللبن والأطعمة منها ( [1] ) .
ولا يختلف المعنى اللغوي عن المعنى الشرعي ؛ فاليتيم في الشرع : من مات عنه أبوه وهو صبي دون البلوغ ؛ قال ابن كثير - رحمه الله : الْيَتَامَى هم الذين لا كاسب لهم ، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب.ا.هـ. وعن علي t عن رسول الله e قال : " لَا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ " ( [2] ) .
وأما قول أمير الشعراء شوقي :

ليس اليتيم من انتهى أبواه ... من همِّ الحياة وخلفاه ذليلا


إن اليتيم مـن تلقى لـه ... أمًّا تخلت أو أبًـا مشغولا

فليس هذا يتيمًا لغويًّا ولا شرعيًّا ، وإنما أراد أمير الشعراء بيان حال هؤلاء الذين يعيشون كالأيتام فاقدي الرعاية والعناية ، لأن الأم تخلت عن دورها ، والأب قد انشغل عنهم ؛ لاسيما إذا عرفنا أن اليتيم قد يجد من يكفله ويرعاه ، ولكن هؤلاء لوجود آبائهم فلا ينظر في كفالتهم ؛ فهم يتامى الحال وإن كان آباؤهم أحياء .

[1]- انظر ( المفردات ) للراغب الأصقهاني ، و ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) لابن الأثير ، و( المصباح المنير ) مادة ( ي ت م ) .

[2] - رواه عبد الرزاق ( 11450، 11451 ) وفيه جويبر ، ضعفوه ، ورواه أبو داود عن علي (2873)،والطبراني في الأوسط(292) بلفظ : " لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ " وفي إسناده يحيى بن محمد المدني ، وهو ضعيف ، وله شاهد من حديث أنس رواه ابن عدي :7 / 261، والبزار كما في مجمع الزوائد :4 / 226 ، وفيه يحيى النوفلي وهو ضعيف ، وآخر من حديث حنظلة بن حذيم عند الطبراني في الكبير : 4 / 14 ( 3502 ) ، وقال في المجمع 4 / 226 : رجاله ثقات ، وذكره الحافظ في الإصابة : 2 / 133 ، وعزاه إلى الحسن بن عرفة والبارودي وابن السكن ، وآخر من حديث جابر عند الحارث ابن أبي أسامة كما في زوائد مسنده ( 357 ) ، وابن عدي : 2 / 447 ، وفيه حرام بن عثمان . وانظر علل الدارقطني 4 / 142 ، وتلخيص الحبير : 3 / 101 ( 1388 ) ، وصححه الألباني في الإرواء ( 1244 ) بطرقه وشواهده .
 
متى يرتفع اليتم ؟
ظاهر حديث علي t السابق أن اليتم يرتفع بالاحتلام ، لأنه السن الذي يمكن فيه أن يكتسب الإنسان ويرعى أموره ؛ ولكن الإسلام راعى الرشد مع الاحتلام لتسليم مال اليتيم ، وفي ذلك رعاية له ونظر في مصلحته ؛ قال الله تعالى : ] وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [ [ النساء : 6 ] ، وروى أحمد ومسلم أن اِبْن عَبَّاس كَتَبَ إِلَى نَجْدَة : وَكَتَبَتْ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْم الْيَتِيمِ ؟ فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُت لِحْيَته وَإِنَّهُ لَضَعِيف الْأَخْذ لِنَفْسِهِ ضَعِيف الْعَطَاء ، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا أَخَذَ النَّاس فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْم ( [1] ) .
ألا ما أروع هذه الرعاية ، أما اليتم فإنه يرتفع بالبلوغ ، وإنما يقف تسليم ماله على إيناس الرشد ؛ قال الخطابي في ( معالم السنن ) شارحًا حديث علي المتقدم : ظاهر هذا القول يوجب انقطاع أحكام اليتم عنه بالاحتلام ، وحدوث أحكام البالغين له ، فيكون للمحتلم أن يبيع ويشتري ويتصرف في ماله ، ويعقد النكاح لنفسه ؛ وإن كانت امرأة فلا تزوج إلا بإذنها . ولكن المحتلم إذا لم يكن رشيدًا لم يفك الحجر عنه ، وقد يحظر الشيء بشيئين فلا يرتفع بارتفاع أحدهما مع بقاء السبب الآخر ؛ وقد أمر الله تعالى بالحجر على السفيه فقال : ] وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [ [ النساء : 5 ] ، وقال : ] فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفًا [ [ البقرة : 282 ] ، فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف ، فكان معنى الضعيف راجعًا إلى الصغير ، ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ ؛ لأن السفه اسم ذم ولا يذم الإنسان على ما لم يكتسب ، والقلم مرفوع عن غير البالغ ، فالجرح والذم مرفوعان عنه ؛ وقال سبحانه : ] وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [ فشرط في دفع المال إليهم شيئين : الاحتلام والرشد ؛ والحكم إذا كان وجوبه معلقًا بشيئين لم يجب إلا بورودهما معًا .ا.هـ .

[1] - جزء من حديث رواه أحمد : 1 / 308 ، ومسلم ( 1812 ) .
 
اليتيم في القرآن

لقد اعتنى القرآن الكريم باليتامى أيما اعتناء ، فذكر اليتيم ومشتقاته في القرآن ثلاثًا وعشرين مرة ؛ فجاء لفظ اليتيم ( 5 مرات ) ، ولفظ يتيمًا ( ثلاث مرات ) ، ولفظ يتيمين ( مرة واحدة ) ، ولفظ يتامى ( مرتين ) ، ولفظ اليتامى ( 12 مرة ) ؛ في آيات أحكمت نظامًا عظيمًا في العناية باليتيم والحث على إكرامه ، والنهي عن قهره ، والأمر برعاية ماله وإصلاحه ، والتحذير الشديد من الاعتداء على ماله بأي وجه من الوجوه ، وبيان أن ذلك إثمٌ عظيمٌ ، والتوعد لمن يأكل أموال اليتامى ظلمًا توعدًا شديدًا ؛ والأمر بالقسط في يتامى النساء .
قد كان قبل الإسلام من المظالم الواقعة على اليتامى وخاصة النساء ، فجاء الإسلام ليرفع الظلم والقهر عن هؤلاء جميعًا ، ويحذر تحذيرًا شديدًا من ذلك ، ويأمر بإكرامهم والعناية بهم ، ويجعل ذلك قربة إلى الله تعالى ، ينال من يقوم بها درجة عظيمة في الجنة ، قريبة من درجة النبي e .
وإليك إجمال ما جاء به القرآن في العناية باليتامى :
1 - أمر بالإحسان إليهم : ] وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ .. [ الآية [ النساء : 36 ] .
2 - وأمر بالإصلاح لهم : ] وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْر [ .
3 - وبيَّن أن الوصية باليتامى أخذت على من قبلنا : ] وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ [ الآية [ البقرة : 83 ] .
4 - وذمَّ من لا يكرم اليتيم : ] كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [ [ الفجر: 17 ] .
5 - ونهى عن قهره : ] فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [ [ الضحى : 9 ] .
6 - وبيَّن أن قهره ودفعه إنما هي صفات من يكذب بالحساب : ] أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [ [ الماعون : 1 ، 2 ] .
7 - ووصف الأبرار أهل الجنة بأنهم ] وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [ [ الإنسان : 8 ] .
8 - وأخبر أن من اقتحام العقبة :] أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [ [ البلد : 14 - 16 ] .
9 - وامتن على النبي محمد e بقوله :] أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [ [ الضحى : 6 ] ؛ وفيها بيان أن الإيواء لليتيم هو أهم ما يحتاجه .
10 - وجعل من أوجه البرِّ العظيمة أن يكون في مال المؤمن التقي جزء يخصص لليتامى : ] لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [ [ البقرة : 177 ] ؛ وقال U : ] يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [ [ البقرة : 215 ] .
11 - وندب إلى إعطاء اليتامى من قسمة التركات إذا حضروا القسمة تطييبًا لخاطرهم وإعانة لهم على أمور حياتهم : ] وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا [ [ النساء : 8 ] .
12 – وفرض لهم في الغنائم والفيء ، في إشارة واضحة إلى أن دولة الإسلام ترعى هؤلاء وتنفق عليهم : ] وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ [ الأنفال : 41 ] ؛ أي : ويعطي من خمس الخمس لليتامى ؛ واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم الذي لا أب له ، فيعطى مع الحاجة إليه .
وقال Y : ] مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[ [ الحشر : 7 ] .

13 - ونهى عن قربان مال اليتيم بأي نوع من الإفساد فيه : ] وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [ [ الأنعام : 152 ، والإسراء : 34 ] .
14 - وحذَّر من يحاول إفساد مال اليتيم عند خلطه بماله : ] وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ [ البقرة : 220 ] .
15 - وبيَّن أن أكل مال اليتيم بأي نوع من الحيل إثمٌ عظيمٌ : ] وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [ [ النساء : 2 ] . فلا يأخذ ناقة نجيبة من مال اليتيم ويستبدل بها ناقة هزيلة من ماله ، ولا يضم مال اليتيم إلى ماله ليأكله أو يأكل بعضه .
16 - وأمر بامتحان اليتيم إذا بلغ : كيف يتصرف في المال ؟ فإن كان رشيدًا دُفِعَ إليه ماله ، ولا يتعلل وصي اليتيم بأنه صغير فلا يعطه ماله : ] وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [ .
17 - وبيَّن ما لوصي اليتيم الفقير في مال اليتيم ، ] وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [ .
18 - وأمر - إبراء للذمة - أن يُشهد الوصي على اليتيم عند تسليم اليتيم ماله أنه سلَّمه ماله كاملا ، وحذَّر من الخيانة في ذلك : ] فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا[ [ النساء : 6 ]، أي : وكفي بالله محاسبًا وشاهدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام وحال تسليمهم لأموالهم ، هل هي كاملة موفرة ، أو منقوصة مبخوسة مروج حسابها مدلس أمورها ؟ الله عالم بذلك كله ؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي : لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلَا تَلِيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ " ( [1] ) .
19 - وتوعد من يأكل مال اليتيم ظلمًا وعيدًا شديدًا : ] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا[ [ النساء :10 ].
20 - وأمر من كان تحت ولايته شيء من يتامى النساء أن يعدل إذا تزوج بها ، وإلا فليختر ما شاء غيرها من النساء مثنى وثلاث ورباع : ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا[ [ النساء : 3 ] . وقال Y : ] وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [ [ النساء : 127 ]؛ روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا ، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ ، فَنَزَلَتْ فِيهِ : ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا [ ( [2] ) ؛ ثم روى البخاري عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ] وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [ فَقَالَتْ : يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ ، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا ، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ ؛ فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ ، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوامَاطَابَلَهُمْمِنَالنِّسَاءِسِوَاهُنَّ؛قَالَعُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ : وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ e بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ :] وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ[ قَالَتْ عَائِشَةُ :وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى:] وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ[ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ ، قَالَتْ : فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ( [3] ) .

21 - ومن عظيم الاعتناء باليتامى أن الله تعالى يحفظ لليتامى أموالهم بسبب صلاح آبائهم: ] وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا[ [ الكهف : 82 ] .
22 - ووضع المنهج القويم لمن خاف على يتاماه بعد موته ، فقال U : ] وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا [ [ النساء : 9 ] .
فيا له من منهج قويم لصلاح البشرية .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

[1] - مسلم ( 1826 ) . ورواه أحمد : 5 / 180 ، وأبو داود ( 2868 ) ، والنسائي ( 3667 ) .

[2] - البخاري ( 4573 ) .

[3] - البخاري ( 4574 ) ؛ ورواه مسلم ( 3018 ) ، وأبو داود ( 2068 ) ، والنسائي ( 3346 ) ، وابن حبان ( 4073 ) .
 
حرص الصحابة y على إكرام اليتيم

كان الصحابة y أعلم الناس بفضل إكرام اليتيم فلذلك كانوا أحرص الناس علىذلك؛ فقد ثبت أن هناك العديد من الصحابة والصحابيات كفلوا أيتامًا ويتيمات وضموهم إلى بيوتهم ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:أبوبكرالصديق،وابنعباس،ورافع بن خديج ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو طلحة ، وعروة بن الزبير ، وسعد بن مالك ، وعائشة بنت الصديق ، وأم سلمة ، وأم سليم ، وزينب امرأة ابن مسعود y وغيرهم كثير ؛ وإليك بعض الأمثلة :
1 - روى البخاري في ( الأدب المفرد ) عن أبي بكر بن حفص أن عبد الله كان لا يأكل طعاما إلا وعلى خوانه يتيم ( [1] ) ؛ وفي ( حلية الأولياء ) عن الحسن أن ابن عمر t كان إذا تغدى أو تعشى دعا من حوله من اليتامى ، فتغدى ذات يوم فأرسل إلى يتيم فلم يجده ؛ وكانت له سويقة محلاة يشربها بعد غدائه ، فجاء اليتيم وقد فرغوا من الغداء ، وبيده السويقة ليشربها ، فناولها إياه وقال : خذها فما أراك غبنت ( [2] ) .
2 – في صحيح البخاري من حديث الْبَرَاءِ t في عمرة القضية : ... فَخَرَجَ النَّبِيُّ e فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِى : يَا عَمِّ يَا عَمِّ ؛ فَتَنَاوَلَهَا عَلِىٌّ ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ - رضي الله عنها : دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ ، فحَمَلَتْهَا ؛ فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِىٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ ؛ قَالَ عَلِىٌّ : أَنَا أَخَذْتُهَا وَهْىَ بِنْتُ عَمِّى ؛ وَقَالَ جَعْفَرٌ : ابْنَةُ عَمِّى ، وَخَالَتُهَا تَحْتِي ؛ وَقَال زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي ؛ فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ e لِخَالَتِهَا وَقَالَ : " الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ " ( [3] ) ؛ فانظر كيف اختصم هؤلاء الكرام في هذه اليتيمة ، فإن أباها t استشهد بأحد في السنة الثالثة للهجرة ؛ وعمرة القضاء كانت في السنة السابعة ؛ وإنما قضى النبي e للخالة لأنها بمنزلة الأم في الشفقة والحنو والرعاية .
3 – وفي الصحيحين عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ : كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ e فَقَالَ : " تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ " وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِيحَجْرِهَا؛ فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ : سَلْ رَسُولَ اللَّهِ e : أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنْ الصَّدَقَةِ ؟ فَقَالَ : سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ e ؛ فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ e فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي ، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا : سَلْ النَّبِيَّ e : أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي ؟ وَقُلْنَا : لَا تُخْبِرْ بِنَا ، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : مَنْ هُمَا ؟ قَالَ : زَيْنَبُ ، قَالَ : " أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ " قَالَ : امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ ؛ قَالَ : " نَعَمْ ، لَهَا أَجْرَانِ : أَجْرُ الْقَرَابَةِ ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " ( [4] ) .
وفي سنن ابن ماجه عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : أمرنا رسول الله e بالصدقة ؛ فقالت زينب امرأة عبد الله : أيجزيني من الصدقة أن أتصدق على زوجي وهو فقير ، وبني أخ لي أيتام ، وأنا أنفق عليهم هكذا وهكذا وعلى كل حال ؟ قال:" نَعَمْ"؛ وكانت صناع اليدين ( [5] ) ؛ أي : تصنع باليدين وتكسب .

4 - وفيهما عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أَبِي سَلَمَةَ ، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ ؟ فَقَالَ : " أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ ، فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ " ( [6] ) ، ومعلوم أنهم كانوا أيتامًا .
5 - وأخرج البخاري عَنْ أَسْلَمَ قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t إِلَى السُّوقِ ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ ، فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا ، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا ، وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ ؛ وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ e ؛ فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ، ثُمَّ قَالَ : مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا ، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : اقْتَادِيهِ ، فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ ( [7] ) .
فهذه أمثلة تدل على حرص الصحابة والصحابيات على إكرام اليتيم وكفالته ؛ وهم من يُقتدى بهم رضوان الله عنهم أجمعين .

[1]- الأدب المفرد ( 136 ) وصححه الألباني .

[2]- ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم : 1 / 299 .

[3]- البخاري ( 2552 ، 4005 ) .

[4]- البخاري ( 1397 ) ، ومسلم ( 1000 ) .

[5]- ابن ماجة ( 1835 ) ، وصححه الألباني .

[6]- البخاري ( 1398 ) ، ومسلم ( 1001 ) .

[7]- البخاري ( 3928 ) .
 
أحوال اليتامى
لليتامى حالان :
الأولى : من مات أبوه وترك له مالا .
الثانية : من مات أبوه ولم يترك له شيئًا .
ولكل حالة من الحالتين رعاية وعناية وضع لها الإسلام حدودًا وآدابًا ، وترغيبًا وترهيبًا ، وثوابا وعقابًا ، وقد بينت الآيات السابقة هذه الرعاية والعناية أيما بيان ، واستنبط منها علماء المسلمين كثيرًا من الأحكام التي تنظم هذه الرعاية في أعلى صورها .
ألا ما أعظم هذا الدين الذي لا يضيع فيه ضعيف ولا محتاج .
وتشترك الحالتان في آداب عامة ، وتختص الحالة الأولى بآداب أخرى ؛ ولنبدأ الحديث عن الآداب العامة في رعاية اليتيم .
 
آداب عامة لرعاية اليتامى

تقدم أن معنى كافل اليتيم : هو القائم بأموره ، من نفقة ، وكسوة ، وتأديب ، وتربية وغير ذلكمما يقوم به أمره حتى يستغني بنفسه ؛ وقد روى عبد الرزاق والبخاري في ( الأدب المفرد ) عن عبد الرحمن بن أبْزى قال : قال داود u : كن لليتيم كالأب الرحيم ، وأعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد ( [1] ) .
وهي عبارة توحي بمدى طلب الرعاية لليتيم في أموره كلها ، كحال الأب الرحيم مع أبنائه ، كما تبين أن الثمرة بمقدار رعاية الزرع ، في إشارة إلى أمرين :
الأول : أن التربية كالزرع تحتاج إلى رعاية لتكون ثمرتها جيدة .
الثاني : أن أجر كافل اليتيم يعظم بمقدار رعايته لليتيم وعنايته به .
فعلى كافل اليتيم أن يرعاه كما يرعى ابنه ، فينظر في مطعمه وملبسه ومرقده ، كما ينظر في ذلك لابنه الذي يرحمه ويشفق عليه .
كما يراعي - أيضًا - أمر تربيته وتأديبه وإرشاده ، ولا يقصِّر في ذلك ، ولا يتوانى أن يؤدبه مما يؤدب منه ابنه ، فإن أبا اليتيم لو كان حيًّا لفعل مثل ذلك ؛ فقد روى الطبراني وابن حبان عن جابر t أن رجلا قال : يا رسول الله مم أضرب يتيمي ؟ قال : " مِمَّ كُنْت ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدك ، غَيْر وَاقٍ مَالَك بِمَالِه ، وَلَا مُتَأَثِّلٍ مِنْهُ مَالًا " ( [2] ) ؛ وروى ابن أبي شيبة والبخاري في ( الأدب المفرد ) عن شميسة العتكية قالت : ذُكر أدب اليتيم عند عائشة - رضي الله عنها - فقالت : إني لأضرب اليتيم حتى ينبسط ( [3] ) ؛ وفي ( الأدب المفرد ) عن أسماء بن عبيد قال : قلت لابن سيرين : عندي يتيم ؛ قال : اصنع به ما تصنع بولدك ، اضربه ما تضرب ولدك ( [4] ) . وفي ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد عن عن عروة بن الزبير أن صفية كانت تضرب الزبير ضربًا شديدًا وهو يتيم ، فقيل لها : قتلته ، خلعت فؤاده ، أهلكت هذا الغلام ! قالت : إنما أضربه كي يَلَبّ ، ويجر الجيش ذا الجلب ( [5] ) ؛ ويلَبُّ من اللُّبَ ، وهو العَقْل ، أَي : يصيرَ ذا لُبَ ؛ والجَلَب : جمع جَلَبة ، وهي أصوات ، والمعنى يقود الجيش العظيم الذي يحدث أصواتًا عند سيره .
فانظر المقصد الذي كانت تضرب ابنها له ، وقد صار كما أرادت ، كان الزبير أول من شهر سيفًا في الإسلام ، وكان شجاعا مقدامًا t .
إن كفالة اليتيم أمانة ، والمقصود منها أن يرعاه الكافل كالأب الرحيم الذي يريد أن يصل برعاية أبنائه وتربيتهم إلى النجاة من النار ؛ كما قال الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ [ التحريم : 6 ]؛ ولا يكون ذلك إلا بحسن رعايتهم في أنفسهم بالنظر فيما يقيم حياتهم ، وحسن تربيتهم على توحيد الله وطاعته نظرًا فيما تكون عاقبتهم .


[1] - مصنف عبد الرزاق ( 20593 ) ، والأدب المفرد ( 138 ) وصحح إسناده الألباني في صحيح الأدب .

[2] - ابن حبان ( 4244 ) ، ورواه الطبراني في الصغير ( 244 ) وقال الهيثمي في المجمع : 8 / 163 ، وفيه معلى بن مهدي وثقه ابن حبان وغيره ، وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات . ا.هـ . ورواه أبو نعيم في الحلية : 3 / 351 ، وابن عدي : 4 / 72 ، والبيهقي في الشعب ( 5263 ) عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعًا . ورواه ابن جرير : 4 / 174،من طريق عبدالرزاق عن ابن عيينة عن عمرو عن الحسن مرسلًا نحوه . ورواه سعيد بن منصور : 3 / 1159 ( 572 ) ، وابن أبي شيبة ( 21377 ، 26687 ) عن عمرو ابن دينار عن الحسن العرني رجل من أهل الكوفة أن رجلا قال : يا رسول الله . فذكر نحوه . ورواه البيهقي في الكبرى ( 11157 ) عن جابر ، ثم قال : والمحفوظ ما أخبرنا فساق إسناده إلى سعيد بن منصور به ( 11158 ) ثم قال : هذا مرسل . ا.هـ. فالله أعلم.

[3]- مصنف ابن أبي شيبة ( 26686 ) ، والبخاري في الأدب المفرد ( 142 ) ، وصححه الألباني .

[4]- البخاري في الأدب المفرد ( 140 ) ، وصححه الألباني .

[5]- انظر ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد : 3 / 101 .
 
آداب متعلقة بمال اليتامى

إذا مات الأب وترك لأولاده مالا ، وكانوا صغارًا ، يتولى أمرهم أقرب الناس منهم أو من يعينه ولي الأمر إن لم يكن له قريب ، ويشترط أن يكون قويًّا أمينًا ، ويكون هذا المعيَّن وصيًّا على مال اليتيم ووليًّا عليه وكافلا له ، ويلزمه أن ينظر في مصلحة اليتيم فيما يتعلق بماله ؛ ففي صحيح البخاري : وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبَّ الأَشْيَاءِ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ نُصَحَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فَيَنْظُرُوا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَهُ ؛ وَكَانَ طَاوُسٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْيَتَامَى قَرَأَ : ] وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ [ ( [1] ) .
وقد قنن الإسلام ما يتعلق برعاية مال اليتيم حتى لا تمتد إليه يدٌ بإفساد ، أيًّا كان نوع الإفساد .
فقد أمر الله U بحفظ أموال الأيتام، وعدم التعرض لها بسوء ، فقال تعالى : ] ولا تَقربُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالتِي هِيَ أحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ[ [ الأنعام : 152 ، والإسراء : 34 ].
وعدَّ أكلَ مال اليتيم ظلمًا من كبائر الذنوب وعظائم الخطايا ، فقال U : ] وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [ [ النساء : 2 ]، أي : ذنبًا عظيمًا ؛ ورتب عليه أشد العقاب ، قال تعالى : ] إنَّ الذِينَ يَأكُلُونَ أَمَوالَ اليَتَامى ظُلمًا إنّما يَأكُلُون في بُطُونِهِم نارًا وسَيصلَونَ سَعِيرًا[ [ النساء : آية 10 ] ؛ وعدَّ النبيُّ e أكل مال اليتيم من السبع الموبقات ( [2] ) ، وهي الآثام العظيمة التي تهلك صاحبها .
وحذَّر الله تعالى الذي يتولى مال اليتيم أن يفسد فيه فيجازى بمثله في ذريته ، فالجزاء من جنس العمل ؛ ] وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا [ [ النساء : 9 ]؛ ففي الآية الكريمة بيان بأن من يتق الله في مال اليتيم فإن الله تعالى يحفظ صغاره بأن يوفق لهم من يتق الله في أموالهم إن مات عنهم أبوهم .
ولم يكتف الإسلام بهذا الترهيب والتحذير والترغيب ، وإنما بيَّن حكم بعض الأعمال التي كانت تمارس مع أموال اليتامى مما قد يكون فيها إفساد لهذا المال بقصدٍ أو بغير قصد ؛ ومن ذلك :
1 – أن أحدهم كان يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ، ويقول : شاة بشاة ، ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ،ويقول:درهمبدرهم، فقال الله تعالى : ] وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ[ .
2 – وكانوا يخلطون طعامهم بطعام اليتيم ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما : فلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ U : ] وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ [ الإسراء : 34 ] ، وَ ] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [ [ النساء :10 ] ، انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ e فَأَنْزَلَ اللهُ U : ] وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [ فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِ ( [3] ) ؛ وهكذا ذكر غير واحد في سبب نزول هذه الآية كمجاهد وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى وقتادة وغير واحد من السلف ؛ فقوله : ] قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ[ أي : على حدة ، ] وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [ أي : وإن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم فلا بأس عليكم ؛ لأنهم إخوانكم في الدين ؛ ولهذا قال : ] وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [ أي : يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح ؛ وقوله : ] وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ أي : ولو شاء الله لضيق عليكم وأحرجكم ، ولكنه وسع عليكم وخفف عنكم ، وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن ( [4] ) .
وفيه تحذير من اتخاذ خلط طعام اليتيم ذريعة إلى الإفساد ، فإن الله تعالى يعلم ذلك ممن يفعله ، وسيحاسبه عليه .
3 – التحذير من عدم إيتاء اليتامى أموالهم بعد بلوغهم بحجة صغرهم ، بل على ولي اليتيم أن يختبره عند بلوغه ، فإن علم منه حسن التصرف في المال دفع إليه ماله وأشهد على ذلك ؛ قال الله تعالى : ] وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا[ [ النساء : 6 ] .
4 - تقنين الأكل من مال اليتيم ، قال Y : ] وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ[؛ وقد بيَّن ذلك النبي e ؛ فقد روى أحمد وأهل السنن إلا الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ e فَقَالَ : إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ ، وَلِى يَتِيمٌ ؟ فَقَالَ e : " كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ ، غَيْرَ مُسْرِفٍ ، وَلاَ مُبَادِرٍ ، وَلاَ مُتَأَثِّلٍ " وفي رواية ابن ماجة : وَأَحْسِبُهُ قَالَ : " وَلَا تَقِي مَالَكَ بِمَالِهِ "( [5] )؛ فقوله : " كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ " حملوه على ما يستحقه من الأجرة بسبب ما يعمل فيه ويصلحله ؛ " غَيْرَ مُسْرِفٍ" أي : غير آخذ أزيد من قدر الحاجة ؛ " وَلاَ مُبَادِرٍ" أي : يبادر في التصرف في مال اليتيم ويجعله رأس مال ليربح به ، مخافة أن يبلغ فينزع ماله من يده ، " وَلاَ مُتَأَثِّلٍ" أي : ولا متخذ منه أصل مال للتجارة ونحوها ، وأثلة الشيء : أصله ؛ " وَلَا تَقِي مَالَكَ بِمَالِهِ " أي : ولا تحفظ مالك بصرف ماله في حاجتك.
5 - حث الولي على مال اليتيم على استثماره لمصلحة اليتيم ، كي لا تأكله الزكاة ، بشرط عدم تعريضها للأخطار ؛ فقد صح عن عمر t أنه قال : ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة ( [6] ) ؛ والمعنى اتجروا بأموال اليتامى حتى تنمو ، وإلا فإخراجكم الزكاة منها مع عدم تنميتها عامًا بعد عام يأتي عليها ؛ وفي موطأ مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي e كانت تعطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها ( [7] ) .
6 - مراعاة إخراج الزكاة من مال اليتيم ؛ ففي موطأ مالك عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ محمد أَنَّهُ قَالَ : كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِهَا ، فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ ( [8] ) .
قال ابن عبد البر - رحمه الله : روي عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، والحسن بن علي ، وجابر ، أن الزكاة واجبة في مال اليتيم ؛ كما رواه مالك عن عمر وعائشة ، وقال بقولهم من التابعين : عطاء ، وجابر بن زيد ، ومجاهد ، وابن سيرين ؛ وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما ، والحسن بن حي ، والليث بن سعد ؛ وإليه ذهب أبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، وجماعة ( [9] ) .
هذا مجمل الآداب والأحكام المتعلقة بمال اليتامى ومن يتولاها ، وفي ذلك تفصيل يطلب من مظانه في كتب الفقه .

[1] - علقهما البخاري في صحيحه في باب باب ( يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ... الآية ) من كتاب ( الوصايا ) ؛ وانظر ( فتح الباري ) : 5 / 394 .

[2] - روى البخاري ( 2615 ، 6465 ) ، ومسلم ( 89 ) ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ " ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : " الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ " .

[3] - رواه أبو داود ( 2871 ) ، والنسائي ( 3669 ، 3670 ) ، والحاكم: 2 / 103 ، (278،279)وصححه ووافقه الذهبي .

[4] - انظر تفسير ابن كثير عند الآية ( 220 ) من سورة البقرة .

[5] - أحمد : 2 / 186 ، 215 ، وأبو داود ( 2872 ) ، والنسائي ( 3668 ) ، وابن ماجة ( 3668 ) ، وصححه الألباني .

[6] - رواه البيهقي في الكبرى ( 7132 ) وصححه ، والدارقطني في السنن : 2 / 110 - دار المعرفة - بيروت ، ورواه مالك في ( الموطأ ) بلاغًا : 1 / 251 ( 588 ) .

[7]- الموطأ : 1 / 251 ( 590 ) .

[8]- الموطأ : 1 / 251 ( 589 ) .

[9] - الاستذكار : 3 / 155 .
 
فضل كفالة اليتيم

وأختم هذا الرسالة ببيان بعض فضائل كفالة اليتيم ؛ فإن لكفالة اليتيم فضل عظيم يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع ؛ فاليتيم عندما تُراعى نشأته كابن من أبناء المسلمين ، يرى إكرامًا وبرًّا ، ولا يشعر بفقده أباه أنه فَقَدَ بذلك كل ما يمكن أن يجعله كغيره من الصبيان يعيش في كفالة من يرعاه كأبٍّ رحيم ؛ عندها لا يشعر بأنه غريب في مجتمع لا يعرف له حقًّا ، وهو الضعيف المحتاج إليه ، فتكون كفالته صيانة له من الانحراف ، وأمان للمجتمع منأثرذلك؛وهذه حسنة عظيمة من حسنات الإسلام : إنه لا يضيع ضعيف ولا محتاج في مجتمع المسلمين ؛ وقد قال النبيe: " تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " ( [1] ) .
وهذا فضلٌ عظيمٌ على المجتمع ، إذ اليتيم إذا لم يلق الرعاية والكفالة من مجتمعه ينشأ ساخطًا عليه ، حاقدًا على أهله ، وبالتالي يكون عنصرًا غير صالح ، وربما ينجرف إلى الانحراف الخلقي والمجتمعي ، مما يؤثر على المجتمع سلبًا بالإفساد .
وأما ما يتعلق بفضل كفالة اليتيم على الفرد ، فاليتيم - كفرد - يرجى بكفالته إيجاد عنصر صالح في نفسه ، يقوى على مواجهة الحياة عند بلوغه ، فيسلك بذلك مسلكأترابه وقرنائه ، لا يشعر بحرمان ، ولا تنتقص رعايته بسبب موت أبيه ؛ فينفع نفسه ومجتمعه .
وأما من وفقه الله تعالى بكفالة يتيم ، فقد بيَّن الشرع المطهر ما له من الأجر والفضل ، ومن ذلك :
1 – أن كافل اليتيم بمنزلة قريبة من منزلة النبي e في الجنة ؛ وتقدم الحديث الدال على ذلك ؛ وهي منزلة عظيمة ، وكفى بها فضلا وشرفًا .
2 – أن كفالة اليتيم من أسباب ترقيق القلب القاسي ، ففي مسند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ e قَسْوَةَ قَلْبِهِ ، فَقَالَ : " امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ، وَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ " ورواه عبد بن حميد بلفظ : " إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ ، وَامْسَحْ بِرَأْسَ الْيَتِيمِ " ( [2] ) ؛ فإذا كان هذا يحصل لمن يمسح رأس اليتيم بلا كفالة له ، فمن باب أولى أن ذلك يكون لكافله ، وهي - أيضًا - فضيلة عظيمة .
3 – أن حسن كفالة اليتيم تحفظ ذرية الكافل ، وإن مات وله ذرية ضعفاء فإن الله تعالى ييسر لهم من يقوم بحسن كفالتهم جزاءً بما قدَّم أبوهم من حسن كفالة اليتيم ؛ قال الله تعالى : ] وليَخشَ الّذيِنَ لَو تَركُوا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيهِم فَليَتَّقُوا اللَّه وليَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا [ [ النساء : 9 ] .
4 – كفالة اليتيم أفضل من حج النافلة ، إذ الكفالة نفع متعد ، وحج النافلة نفع غير متعد ، والنفع المتعدي أفضل ؛ وقد ذهب إلى ذلك كثير من أهل العلم ؛ فعن جابر بن زيد - رحمه الله - قال : لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين أحب إلي من حجة بعد حجة الإسلام ( [3] ) .
إنها فضائل تدعو أهل الإيمان أن يسارعوا إليها ، ويحرصوا عليها ، ويسعوا إلى الإحسان فيها ؛ وفق الله المسلمين لذلك .. إنه ولي ذلك والقادر عليه ... آمين . وآخر دعوانا أن الحمد لل رب العالمين .

[1] - البخاري ( 6011 ) ، ومسلم ( 2586 ) عن النعمان بن بشير t .

[2] - المسند : 2 / 387 ؛ قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 8 /160 ) : رجاله رجال الصحيح ، ورواه عبد بن حميد ( 1426 ) ، وصححه الألباني في الصحيحة ( 854 ) بطرقه وشواهده .

[3]- حلية الأولياء : 3 / 90 ، وجابر بن زيد من خيار التابعين ، من تلامذة ابن عباس t .
 
عودة
أعلى