المهور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

إنضم
12/03/2004
المشاركات
126
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
جدة
[align=justify]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين : وبعد فهذا بحث صغير في عُجالة يتعلق بمقدار المهر الذي كان شائعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وطريقتي فيه أنني أسوق بعض الأحاديث والآثار التي دلَّت على جواز تكثير المهور وربَّما أذكر بعض الأحاديث الدالة على تقليل المهر للإشارة إلى الجواز . ومنهجي في البحث المتواضع أنني أدرس الموضوع من جهتين :
أ) من جهة الرِّواية ، والمقصود سرد الأحاديث والآثار مع تخريج كل رواية تخريجاً علمياً .
ب) من جهة الدِّراية ، وأعني بها موقف الإسلام من قليل المهور وكثيرها مدعِّما ذلك بأقوال الأئمة المعتبرين والعلماء المعروفين .
----------------------
أ) دراسة الموضوع روايةً :
1- عن أبي سلمةَ بْنِ عبد الرحمن أنه قال : سألتُ عائشةَ زوجِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم : كم كان صداقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان صداقُه لأزواجه ثنتي عشرة أوقيَّة ونَشاًّ (1). قالت أتدري ما النَّشُّ ؟ قال : قلت لا . قالت : نصف أوقيَّة فتلك خمسمائة درهمٍ ، فهذا صداقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه . رواه مسلم (2) .

2- عن أم حبيبة : "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجها وهي بأرض الحبشة ، زوَّجها النجاشيُّ وأمهرها أربعةَ آلاف وجَهَّزها من عنده وبعث بها مع شرحبيلَ بنِ حسنة ، ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ وكان مهرُ نسائه أربعمائةِ درهمٍ" رواه أبو داود والنسائي وأحمد ورواه الحاكم في مستدركه 2/198 : (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) قلت : وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح النسائي .
3- عن أبي حدرد الأسلميِّ رضي الله عنه أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستعينهُ في مهرِ امرأةٍ . فقال : "كم أمهرتَها ؟ فقال : مائتي درهمٍ . قال صلى الله عليه وسلم : "لو كنتم تغرِفونَ من بطحانَ ما زِدتم" رواه أحمد والطبراني قال الهيثمي في (مجمع الزوائد 4/282) : (ورجال أحمد رجال الصحيح) .

4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "كان الصداقُ إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرةَ أواقٍ" رواه النسائي وعبدالرزاق في مصنفه . قلت : وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح النسائي .
5- قال ابن سعد في (الطبقات الكبرى 8/137) : أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عَمرة قال : قيل لها إن ميمونة وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : "تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مهرٍ خمسمائة درهم ، وولِي نكاحَه إياها العباسُ" . قلت : وهذا إسناد ضعيف لأن محمد بن عمر وهو الواقدي متروك الحديث كما في (تقريب التهذيب 2/ 203) للحافظ ابن حجر العسقلاني .

6- نقل الإمام ابن عبد البر في (الاستيعاب 4/1955) : ذكر ابنُ وهبٍ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده : أن عمر بن الخطاب تزوَّج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب على مهر أربعين ألفاً. قلت : وهذا إسناد ضعيف لأن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف كما في (تقريب التهذيب1/ 448) .
7- عن عبد الرحمن بن عوف أنه تزوَّج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وزن نواةٍ من ذهبٍ فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : "أولِمْ ولو بشاةٍ" رواه مسلم في صحيحه .

ب) دراسة الموضوع درايةً :
يُستدل من هذه الأحاديث والآثار أنه يجوز الصداق بمال كثيرٍ كما هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : (وإن أردتم استبدال زوج مكان وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ..) [سورة النساء ] قال الإمام ابن كثير في تفسيره 1/467: (وفي هذه الآية دلالةٌ على جواز الإصداق بالمال الجزيل ، وقد كان عمرُ بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك ..) ويجوز كذلك أن يصدُق باليسير أيضاً لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما قال : أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم امرأةٌ فقالت : إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . فقال : "ما لي في النساء من حاجة" فقال رجل: زوجنيها . قال : "أعطها ثوباً" . قال : لا أجد . قال : "أعطها ولو خاتماً من حديد" فاعتلَّ له فقال : "ما معك من القرآن ؟" قال : كذا وكذا . قال : "فقد زوجتكها بما معك من القرآن" . وهذا لفظ البخاري .

قال الإمام النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم 9/213) : (وفي هذا الحديث أنه يجوزُ أن يكونَ الصداقُ قليلاً وكثيراً مما يتموَّلُ إذا ترَاضى به الزوجانِ لأنَّ خاتمَ الحديدِ في نهايةِ من القِلَّةِ ، وهذا مذهبُ الشافعيِّ وهو مذهبُ جماهِيرِ الْعُلَمَاءِ منَ السَّلفِ والخَلف) .

قال الإمام الصنعاني في (سبل السلام 3/115) : (لا بد من الصداق في النكاح وأنه يصحُّ أن يكون شيئاً يسيراً ، فإن قوله : "ولو خاتماً من حديد" مبالغةٌ في تقليله فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان أو مَن إليه وِلاية العَقدِ مما فيه منفعة . وضابطه أن كل ما يصلح أن يكون قيمةً وثمناً لشيء يصحُّ أن يكون مهراً . ونقل القاضي عياض الإجماعَ على أنه لا يصح أن يكون مما لا قيمةَ له ولا يحل به النكاح ... وكذلك قوله تعالى : (ومن لم يستطع منكم طولاً ..) وقوله تعالى : (أن تبتغوا بأموالكم ..) دالٌّ على اعتبار المالية في الصَّداق حتى قال بعضهم : أقله خمسون وقيل أربعون وقيل خمسة دراهم ، وإن كانت هذه التقادير لا دليل على اعتبارها بخصوصها) .

قلت : ولكن أفاد بعض الأحاديث والآثار أن التقليل في المهرِ هو الأفضل من التكثير ومن هذه الأحاديث : الحديث الذي رواه أحمد والحاكم وغيرهما من حديث عائشةَ رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : "أعظم النساءِ بركةً أيسرُهُنَّ صَدَاقًا" وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . ولكن هذا الحديث ضعيف فقد قال الهيثمي في (مجمع الزوائد 4/255) : (رواه أحمد والبزار وفيه ابن سخبرة يقال اسمه عيسى بن ميمون وهو متروك) . وقد ضعَّف الشيخ الألباني هذا الحديث كما في إرواء الغليل . وقد دلَّ على معنى هذا الحديث حديثان آخران أولهما حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خَيْرُهنَّ أيسرُهنَّ صَدَاقاً" رواه ابن حِبَّان والطبراني وقال الهَيْثَمِيُّ في (مجمع الزوائد 4/281) : رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما جابر الجعفي وهو ضعيف وقد وثقه شعبة والثوري ، وفي الآخر رجاءُ بن الحارث ضعَّفه ابن مَعين وغيره وبقية رجالهما ثقات . والآخر حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن من يُمن المرأةِ تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها" قال الهيثمي في (مجمع الزوائد 4/225) : رواه أحمد وفيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات .

فتبيَّن لنا بعد ذكر هذه الأحاديث والآثار أن المهر ليس محدَّدَ المقدارِ ، بل يجوز الصداق بالقليل والكثير . ولكن استحبَّ العلماء رحمهم الله أن يكون المهر خمسمائة درهم لكون ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه . قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (9/215) : "واستدلَّ أصحابُنا بهذا الحديثِ على أنه يُستحبُّ كونُ الصَّداقِ خمسمائةِ درهمٍ ، والمراد في حق من يَحتملُ ذلك ، فإن قيل : فصداق أم حبيبةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم كان أربعةَ آلافِ درهمٍ وأربعمائة دينارٍ فالجواب : أنَّ هذا القدر تبرَّع به النجاشيُّ من ماله إكراماً" .

تحريراً في 3/7/1426هـ-------------------------------------------------
1- قال النووي في شرح صحيح مسلم (9/215) : (أما الأوقية فبضم الهمزة وتشديد الياء . والمراد : أوقية الحجاز وهي أربعون درهماً وأما النَّشُّ فبِنونٍ مفتوحة ثم شين معجمة مشددة) .
2- قال الحافظ ابن حجر في (تلخيص الحبير 3/191) : (إطلاقه أن جميع الزوجات كان صداقهن كذلك محمول على الأكثر وإلا فخديجة وجويرية بخلاف ذلك ، وصفية كان عتقها صداقها ، وأم حبيبة أصدقها عنه النجاشي أربعة آلاف كما رواه أبو داود والنسائي) . [/align]
 
جزاك الله خيراً أبا عمار على هذا البحث القيم وليت أولياء أمور البنات يأخذون بالأفضل حتى يسهل الزواج على الشباب .
 
عودة
أعلى