أبو تيمية1
New member
- إنضم
- 03/04/2003
- المشاركات
- 71
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
المنهج السديد في عرض مادة التوحيد
تجربة ذاتية لتدريس مادة العقيدة
بقلم : د . أحمد بن أحمد شرشال
لماذا مادة التوحيد ؟ !
من خلال تجاربي الشخصية الطويلة مع شرح ابن أبي العز لمتن الطحاوي رحمه الله لمست عزوفاً ونفوراً من قِبَلِ بعض الطلاب في القسم الجامعي [*] عن فهم واستيعابه هذا الشرح .
ولا غرو في ذلك ؛ فقد كنت أعاني شيئاً من ذلك وأقاسيه عندما كنت طالباً ؛
لأن أستاذ هذه المادة كان يتلو علينا هذا الشرح ، ويردد كل ما فيه ؛ ولا ندري كيف
دخل في الموضوع ، ولا كيف خرج منه ؟
ولما صرت إلى ما صار إليه ، وأُسند إليّ تدريس هذه المادة وقعت فيما وقع
فيه أستاذي ، وانتابتني حيرة وارتباك في عرض الموضوع ، وأدركت عدم انسجام
الطلاب مع هذه المادة الأساسية ؛ بل إنني سمعت كلاماً منهم فيه بعض التهوين من
شأن مادة العقيدة .
فتوقفت ملياً في النظر في إعراض بعض الطلاب ونفورهم من هذه المادة ،
وقلّبت الأمر على جميع وجوهه في محاولة لاستكناه الحقيقة وتشخيص الداء .
وبينما كنت أفكر إذ لاح لي أن المنهج والطريقة في عرض موضوعات
العقيدة بأسلوب السرد ، وكثرة حكاية ضلال المتكلمين ، ورصد شبهاتهم ؛ هو الذي
سبّب هذا النفور ، وعكس هذه الحال ؛ فضاع القصد في خضم هذا الركام لا في
العقيدة نفسها معاذ الله وإنما هو في العرض والتقديم .
ومن ثم قمت بهذه المحاولة عساها تكون مرغوبة ، وسطرت هذه الفكرة علها
تكون مفيدة ، وجعلت ذلك بعنوان : (المنهج السديد في عرض مادة التوحيد) .
وطبقت هذا المنهج وهذه الطريقة في تدريسي لهذه المادة الأساسية ، فوجدت
أثره في الطلاب نافعاً والإصغاء إليه كاملاً والتطلع إليه سريعاً ، وتحول النفور إلى
رغبة ، والخروج من المحاضرة إلى حضور واستقرار ، وظهر البِشْر على محياهم ؛ وكلما دخلت عليهم قابلوني بوجوه مستبشرة ، وساد في القسم الوئام والاحترام
والتقدير .
ومن باب : (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ... ) ، رأيت
أن لا أستأثر بذلك ، فأسطِّر تجربتي ، وأنقلها لإخواني .
أصل المنهج المقترح :
أقول ومن الله أستمد العون والتوفيق : إن هذه الطريقة لم تخرج عن المنهج
السلفي ، وقصارى ما فيها الجمع والحصر للآيات القرآنية والأحاديث النبوية في
الموضوع ، ثم شرح هذه الآيات ؛ وعن طريق المقارنة والموازنة نصنف المعاني
المشتركة بطريق الشرح اللغوي لمفردات الموضوع وعناصره الأساسية ؛ وهذا لا
يكون إلا بعد الاستقراء والاستنتاج ، وإن كان هذا العمل مرهقاً للأستاذ إلا أن
نتائجه النافعة تنسيه مشقة البحث .
وبعد ذلك نعقب ، ونورد كلام العلماء ونصوص الأئمة : قبولاً ، ورداً ،
ومناقشة واقتباساً واستشهاداً وهنا يكون محل رد الشبهات ودحضها إن كانت لا تزال
قائمة ، وقد تتهاوى تلقائياً .
نماذج تطبيقية :
مفهوم العرش في اللغة والقرآن : وأضرب لذلك مثلاً حياً تطبيقياً إذا كنا
بصدد شرح قول الإمام الطحاوي رحمه الله : (..والعرش والكرسي حق ..)[1] .
معنى هذه الجملة : أن العرش والكرسي حق ثابت بالكتاب والسنة ، و (حق)
خبر المبتدأ وهو (العرش) قال ابن مالك :
والخبر الجزء المتم الفائدة كالله بر والأيادي شاهدة
واقتداء بقوله تعالى : ] وَاًتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [ [البقرة : 189] على أحد
وجوه التفسير ؛ فإن بابنا الوحيد الذي نلج منه إلى هذا الموضوع هو القرآن والسنة .
ونبدأ بالجزء الأول ؛ لأن كلام الطحاوي تضمن موضوعين : العرش ،
والكرسي ؛ وكلاهما ثابت بدلالة الكتاب والسنة كما سيأتي مفصلاً .
ونقول : إن مادة : (عرش) في جميع صيغها وردت في ثلاث وثلاثين موضعاً
في كتاب الله مختلفة الصيغ والأبنية ، وتتفق في معنى مشترك وهو العلو والارتفاع .
قال القرطبي : (وأصل التعريش : الرفع . يقال : عرش يعرش ، إذا بنى
وسقف) [2] .
وقوله : ] وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [ الواردة في البقرة والكهف والحج
معناها : خلت من السكان ، وتهدمت ، وسقطت سقوفها .
العرش : سقف البيت . والعروش : الأبنية المسقفة بالخشب . يقال : عرش
الرجل يعرش : إذا بنى وسقف بخشب . والعريش سقف البيت .
قال القرطبي : (وكل ما يتهيأ ليظل أو يكنّ فهو عريش ، ومنه عريش
الدالية) [3] يقصد عريش الكرم وهو شجر العنب ؛ فيكون المعنى : سقط
السقف ، ثم سقطت الحيطان عليه ؛ واختاره ابن جرير الطبري . وهذه الصفة في خراب المنازل من أحسن ما يوصف به .
وقريب من هذا المعنى في قوله تعالى : ] وَهُوَ الَذِي أَنشَأََ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ
وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ [ [الأنعام : 141] معروشات : ما يحتاج أن يتخذ له عريش يحمل
عليه فيمسكه وهو الكرم وما يجري مجراه .
وجاء في القرآن معنى آخر للعرش يؤول إلى الأول وهو عبارة عن السرير
الذي يجلس عليه الملك للحكم : أي سرير المملكة ومنه قوله تعالى : ] وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ [ [النمل : 23] .
حقيقة العرش : وإذا عرفنا معنى العرش في الاستعمال اللغوي واللسان
العربي : فما حقيقته هنا في هذه الآيات السبع ، وفي غيرها مما كان مضافاً إلى الله
عز وجل ؟
الجواب : لا نعلم ذلك ولا يجوز لنا أن نقيسه على الأول ؛ لأن الأول من عالم
الشهادة وهو محسوس وملموس ومضاف إلى البشر ، والثاني من عالم الغيب
ومضاف إلى الله عز وجل والله عز وجل امتدح ] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [
[البقرة : 3] .
وطريقنا الوحيد في ذلك : أن نتلمس بعض الأوصاف عند الذين اصطفاهم الله
وأعلمهم بذلك ؛ كما بين ذلك القرآن فقال عز وجل : ] عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى
غَيْبِهِ أَحَداً (26) إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [ [الجن : 26-27] .
ولذلك فإننا نتلمس أوصاف العرش من القرآن ومن السنة فنقول :
ثبت في القرآن أن العرش على الماء : ] وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ [ (هود :7) وثبت أن للعرش قوائم تحمله الملائكة حافين حوله يسبحون بحمد ربهم ؛ فقد قال
تعالى : ] وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [ [الحاقة : 17] وقال في وصفه
أيضاً : ] وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [
[الزمر : 75] ، وقال أيضاً : ] الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [ (غافر : 7) ، ثم نتدرج إلى وصف من هو أعلم الخلق بربه ؛ إذ قال : (إن عرشه على سماواته لهكذا) وقال بأصابعه : (مثل القبة .. الحديث) [4] .
وثبت في وصفه أنه فوق الفردوس كما في صحيح البخاري عن النبي : (إذا
سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ؛ فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش
الرحمن) [5] .
ونحن إذ نستعرض هذه النصوص نستنتج أن العرش : سرير ذو قوائم ،
تحمله الملائكة ، وهو كالقبة على العالم ، وهو سقف المخلوقات على الصفة التي
تليق بعرش الله . وقد فهم هذا المعنى بعض الشعراء ، وذكره مشهور عندهم في
الجاهلية والإسلام .
وقال الشوكاني في بيان صفة العرش : (وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة
صفة عرش الرحمن وإحاطته بالسماوات والأرض وما بينهما وما عليهما) [6] .
وحينئذ لا يجوز لنا أن نتجاوز الوصف الذي حدده الله في القرآن وبينه
النبي-صلى الله عليه وسلم- في السنة .
الاستواء في اللغة ، وفي القرآن : ونعود مرة أخرى إلى كتاب الله ناظرين في
معنى قوله : ] اسْتَوَى [ وبيان وجوه استعمالها في القرآن .
حقيقة الاستواء في اللغة : التساوي واستقامة الشيء واعتداله . وورد في كلام
العرب على معان اشترك لفظه فيها ؛ فيكون بمعنى الاستقرار ، ويكون بمعنى
القصد ، ويأتي بمعنى العلو والركوب ؛ ويأتي بمعنى المماثلة والمساواة كقوله تعالى : ] هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [ [الرعد : 16] ،
وجاء بهذا المعنى في سبع عشرة موضعاً [7] . ومنها ما يكون بمعنى بلوغ القوة
العقلية والبدنية وكمالهما ؛ ومنه قوله تعالى : ] وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [
[القصص : 14] أي بلغ مبلغاً يؤهله لقبول العلم والحكمة .
ومنها : ما يجيء بمعنى الاستقرار والرسو نحو قوله تعالى : ] وَاسْتَوَتْ عَلَى
الجُودِيِ [ (هود : 44) ، وجاءت بمعنى الركوب على الدابة وعلى الفلك كقوله
تعالى : ] فَإذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفُلْكِ [ [المؤمنون : 28] ومنه قوله
تعالى : ] وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [ [الزخرف : 12-13]
وجاء هذا الفعل هنا متعدياً بحرف الجر ] عَلَى [ الذي فيه معنى الاستعلاء
والركوب .
قال ابن كثير : (لتستووا متمكنين مرتفعين) [8] ، فتكون هنا بمعنى : علا
على الدابة والفلك واستعلى على ظهرها متمكناً منها . وجاء هذا الفعل متعدياً بـ
]إلَى [ في موضعين في قوله : ] ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ [ [البقرة : 29] وفي الآية
11 من سورة فصلت . قال أبو العالية : استوى ارتفع . وقال مجاهد : استوى علا . وقد فسرها الطبري بالعلو بعد أن ذكر أقوالاً كثيرة حيث قال : (وأوْلى المعاني في
قوله عز وجل ] ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ [ علا تبارك وتعالى عليهن ، ودبرهن
بقدرته ، وخلقهن سبع سماوات) [9] . وذكر ابن حجر في تفسير : ] اسْتَوَى [
أقوالاً عديدة ثم قال : (وأما تفسير ] اسْتَوَى [ علا فهو صحيح وهو المذهب الحق
وقول أهل السنة ؛ لأن الله تبارك وتعالى وصف نفسه بالعلو[10]. أما الحافظ
ابن كثير : فقد جعل الفعل ] اسْتَوَى [ متضمناً لمعنى القصد والإقبال ؛ لأنه عُدِّيَ
بـ : (إلى) أي قصد إلى السماء [11] وهنا يجب علينا أن نتوقف ونقارن بين هذه
الآيات التي كان الاستواء فيها على الدابة وعلى الفلك بالآيات السبع السابقة التي
كان الاستواء فيها على العرش وإلى السماء ؛ وكلها تعدت بحرفي الجر : ] عَلَى [
و ] إلَى [ فهل يتفق هذا الاستواء بذاك ؟ اللهم ! لا ؛ لأن استواء البشر العاجز
الفاني لا يشابه استواء الكامل المتفرد بألوهيته وربوبيته ؛ فيكون استواء الله على
عرشه يليق بجلاله وسلطانه ، واستواء البشر على مركوبه يليق بفقره وعجزه .
وقد يتماثل اللفظان ولكن يجب أن يعبر كل واحد بمعنى لائق بالمقام الذي قيل
فيه ؛ فالقرآن حكى وصف الهدهد لعرش بلقيس فقال : ] وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [
[النمل : 23] وبيّن القرآن وصف عرش الرحمن فقال : ] رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ [
[النمل : 26] كلاهما وصف بالعظمة وبينهما من البون ما لا يعلمه إلا الله ؛ فعرش
بلقيس عظيم بين عروش الملوك مثلها ، وعرش الرحمن أعظم ؛ فلا بد من اعتبار
المقام في فهم الكلام .
وهنا يجب أن يتوقف دور العقل والتوهم والتخيل وإفساح المجال للسمع
والنقل وحده ؛ وهو الكفيل بضمان عدم الوقوع في الردى وهو التشبيه والتأويل .
فاستواء البشر على الفلك والأنعام معقول المعنى محسوس مشاهد ، واستواء الله
على عرشه لا تدركه العقول ؛ لأن الأول مضاف إلى البشر ، والثاني مضاف إلى
الواحد الأحد : ] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [ [الشورى : 11] .
منهج السلف في مثل ذلك :
وهذا هو منهج السلف في إثبات الاستواء لله على وجه يليق بجلاله وكماله من
غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل [12].
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله : (الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ،
والسؤال عنه بدعة) [13] .
قال الحافظ الذهبي في كتاب العلو بعد ذكره لقول مالك : وهو قول أهل السنة
قاطبة : أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم كما أخبر في
كتابه ، وأنه كما يليق به : لا نتعمق ، ولا نتحذلق ، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً
ولا إثباتاً ؛ بل نسكت ونقف كما وقف السلف ، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى
بيانه الصحابة والتابعون ؛ ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه ؛ ونعلم يقيناً
مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله
سبحانه وتعالى [14] .
الكرسي في القرآن واللغة : ثم نواصل الشرح إلى الجملة الثانية : (والكرسي
حق) أقول : إن الكرسي حق ثابت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه-صلى الله
عليه وسلم- ، نؤمن به على ما جاء في كتاب الله ، ولا نشتغل في البحث عن
صفته . وقد ورد في القرآن في موضعين :
أولهما : في قوله تعالى : ] وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا
وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ [ [البقرة : 255] .
ثانيهما : في قوله تعالى : ] وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [ [ص : 34] .
ويجب علينا بادئ ذي بدء أن نفرق بين الاستعمالين للفظ (كرسي) في الآيتين : الأول مضاف إلى الله عز وجل والثاني مضاف إلى نبي الله سليمان . فالأول
مضاف إلى الخالق ، والثاني مضاف إلى المخلوق . فإذا علمنا هذا فإننا لا نقع في
مزالق المتكلمين ؛ فتماثل اللفظين يجب أن يُفهم من كل منهما معنى يليق بالمقام ،
وإذا تأملنا الكرسي المضاف إلى المخلوق في اللغة نجد أن ابن منظور ذكره في مادة : (كرس) وقال : كرس : تكرس الشيء وتكارس : تراكم وتلازب . وتكرس أسّ
البناء : صلب واشتد .
والكرس : أبوال الإبل والغنم وأبعارها يتلبد بعضها على بعض في الدار ثم
قال : والكرسي في اللغة الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه كما يقال : اجعل لهذا
الحائط كرسياً : أي ما يعتمد عليه [15] .
أقول : ولعل هذا هو المراد في قوله تعالى : ] وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [
وهو الكرسي الذي كان يجلس عليه نبي الله سليمان عليه السلام للحكم ؛ فهذا معقول
المعنى ؛ فهو بمقدار ما يسع شخصاً واحداً في جلوسه ؛ فإن زاد على مجلس واحد
وكان مرتفعاً فهو العرش كما تقدم في قوله تعالى : ] وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ [
[يوسف : 100] فهذا هو الكرسي المضاف إلى البشر معقول المعنى ، مشاهد
محسوس ؛ فهو من عالم الشهادة .
أما قوله تعالى : ] وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ
العَلِيُّ العَظِيمُ [ [البقرة : 255] فهو من عالم الغيب كما قدمنا ؛ فيكون طريقنا إلى
فهمه النقل والنص ؛ لأن الكرسي هنا مضاف إلى الله عز وجل . ومعنى هذه الجملة
يقال : وسع فلان الشيء يسعه سعة إذا احتمله وأطاقه وأمكنه القيام به . ولا يسعك
هذا : أي لا تطيقه ولا تحتمله ؛ ومنه قوله : (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا
اتباعي) أي لا يحتمل غير ذلك . والمعنى أنها صارت فيه ، وأنه وسعها ولن يضيق
عنها لكونه بسيطاً واسعاً . وقوله : ] وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [ آده يؤوده : إذا أثقله
وأجهده أي لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما [16] .
والضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى ويجوز أن يكون للكرسي ؛ لأنه من
أمر الله ؛ فالآية تدل على أنه شيء عظيم دون التعرض لذات الكرسي . وروي عن
عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (إن كرسيه وسع السماوات والأرض ،
وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من الثقل) [17] .
الأقوال في معنى الكرسي :
وهنا يتأخر العقل وينتهي الدور المنوط به ، ويتقدم النقل ؛ فمن التزم النص
والنقل فاز وظفر بالمطلوب ، ومن خالف فقد وقع بالزلل ، ومن هؤلاء :
1- جماعة من المعتزلة نفوا وجود الكرسي وأخطأوا في ذلك خطأ بيِّناً .
واختار هذا الباطل : القفال ، والزمخشري ، وقالوا : ما هو إلا تصوير لعظمته
وملكه ؛ ولا حقيقة له ، وقيل هو ملكه [18] .
2- وذهب جماعة إلى أن كرسيه هو قدرته التي يمسك بها السموات والأرض
كما يقال : اجعل لهذا الحائط كرسياً أي ما يعتمد عليه .
3- وقيل إن الكرسي هو العرش رواه ابن جرير الطبري عن الحسن
البصري وذكره ابن كثير واختار هذا جلال الدين السيوطي . قال القرطبي : (وهذا
ليس بمرضٍ) [19] . وقال ابن كثير : والصحيح أن الكرسي غير العرش ،
والعرش أكبر منه ؛ كما دلت على ذلك الآثار والأخبار [20] .
4- وقال جماعة : كرسيه : علمه وهو عبارة عن العلم ، رواه الطبري عن
ابن عباس من طريقين ؛ ومنه قيل للعلماء : كراسي ؛ لأن العالم يجلس على كرسي
ليعلِّم الناس ، ومنه الكراسة التي يُجمع فيها العلم ، ورجح هذا ابن جرير
الطبري [21] ، وهي رواية شاذة عن ابن عباس كما قال الشيخ أحمد شاكر .
5- والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش ، والحاكم في المستدرك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : ] وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [ أنه قال : الكرسي : موضع القدمين ، والعرش لا يقدِّر
قدره إلا الله [22] ، وصحح هذه الرواية الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فقال : (هي
رواية علم الله شاذة لا يقوم عليها دليل من كلام العرب ؛ ولذلك رجح أبو منصور
الأزهري الرواية الصحيحة عن ابن عباس التي تقول : إن الكرسي موضع القدمين ، وقال : هذه الرواية اتفق أهل العلم على صحتها ؛ ومن روى عنه في الكرسي أنه
العلم فقد أبطل) [23] ، ورجحه الشوكاني في تفسيره فقال : (والحق القول الأول
موضع القدمين ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقي إلا مجرد خيالات تسببت عن
جهالات وضلالات [24] والله أعلم . وهنا نطوي الكلام خشية الإطالة .
من محاسن هذا المنهج في تعليم العقيدة :
وفي الختام أقول : لعل هذه الطريقة فيها بعض الجدة والابتكار والمرغبة
فتأخذ بمجامع قلب الطالب ، وتؤثر في سلوكه والفضل لله وحده . ومن محاسنها أنه
يتعلم اللغة العربية من خلال الشرح اللغوي لمفردات الموضوع الواردة في القرآن
وتتبع موادها وصيغها المتنوعة ؛ فيكون بذلك حصل له تعلم تفسير القرآن الكريم ؛
وهو مطلوب لذاته .
فهذه الطريقة جمعت بين شرفين عظيمين : شرف الوسيلة ، ونبل المقصد ؛
فالمنهج الذي قصدناه لشرح الموضوع هو في حد ذاته مراد لنفسه إرادة الغايات
والمقاصد ، مطلوب لذاته ؛ بل إنه من أهم المقاصد لفهم معاني الكتاب العزيز ،
ولأن العقيدة لا تنفك عن القرآن ، ومن أهم محاسنها ربط الطالب بالقرآن . ومن
فوائد هذه الطريقة أن يتعلم الطالب الشمولية والاستيعاب لمكونات الموضوع
وأساسياته ؛ فقد اشتملت على ما ذكره ابن أبي العز وزيادات كثيرة ؛ وإن هذا
المنهج خلا من السرد وحكايات ضلال المتكلمين وشبهاتهم إلا لماماً .
ومن محاسنها أيضاً أن يتعلم الطالب العقيدة بطريق غير مباشر ؛ فينبغي أن
تكون نتيجة يبرهن عليها الأستاذ من خلال الكتاب والسنة بالتحليل والمقارنة ،
ويجب على أستاذ المادة أن يجعلها ضالة ينشدها في عرضه ونتيجة يصل إليها فهم
الطالب ذاتياً فتؤثر فيه وتثمر بإذن الله فينقاد ، ويذعن عن طريق الاقتناع الذاتي .
وهذا المنهج موافق للمنطق العقلي ؛ حيث تدرج العرض بالطالب من المعاني
المحسوسة إلى المعاني المعقولة إلى حيث يعجز الإدراك وينقطع الطمع ؛ وحينئذ
نمتطي به سبيل السمع ، ونركب له طريق النص ، فنكل الأمر إلى مولاه ، ونثبت
اللفظ على ما جاء على مراد الله بدون تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل ؛ بل نؤمن به ،
ولا نبحث عن حقيقته ولا نتكلم فيه بالرأي . والله أعلم .
________________________
(1) قارن شرحنا بشرح ابن أبي العز ، ص 254 .
(2) الجامع للقرطبي ، 7/272 .
(3) الجامع للقرطبي ، 3/290 .
(4) جزء من حديث رواه أبو داود ، 4/369 .
(5) فتح الباري ، 13/349 .
(6) فتح القدير ، 2/211 .
(7) انظر محاسن التأويل للقاسمي ، 7/2704 .
(8) تفسير ابن كثير ، 4/ 130 .
(9) تفسير الطبري ، 1/175 .
(10) فتح الباري ، 13/406 .
(11) تفسير ابن كثير ، 1/72 .
(12) انظر معارج القبول ، 1/109 .
(13) وقد استوعب الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله نصوص الأئمة وأقوال الصحابة والتابعين في كتابه القيم : معارج القبول 1/109 .
(14) محاسن التأويل ، 7/2704 .
(15) لسان العرب لابن منظور مادة : (كرس) .
(16) تفسير ابن كثير ، 1/332 .
(17) ذكره ابن كثير في تفسيره 1/332 .
(18) تفسير الرازي 14/14 .
(19) الجامع للقرطبي ، 2/300 ، زاد المسير ، 1/304 .
(20) تفسير ابن كثير ، 1/333 .
(21) تفسير الطبري ، 3/32 ، فتح القدير ، 1/272 .
(22) تفسير ابن كثير ، 1/332 ، زاد المسير ، 1/304 .
(23) حاشية زاد المسير ، 1/304 .
(24) فتح القدير ، 1/272 .
(*) الكاتب أستاذ في (معهد العلوم الإسلامية والعربية) القسم الجامعي في موريتانيا ، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
مجلة البيان - العدد 122 ص 43
تجربة ذاتية لتدريس مادة العقيدة
بقلم : د . أحمد بن أحمد شرشال
لماذا مادة التوحيد ؟ !
من خلال تجاربي الشخصية الطويلة مع شرح ابن أبي العز لمتن الطحاوي رحمه الله لمست عزوفاً ونفوراً من قِبَلِ بعض الطلاب في القسم الجامعي [*] عن فهم واستيعابه هذا الشرح .
ولا غرو في ذلك ؛ فقد كنت أعاني شيئاً من ذلك وأقاسيه عندما كنت طالباً ؛
لأن أستاذ هذه المادة كان يتلو علينا هذا الشرح ، ويردد كل ما فيه ؛ ولا ندري كيف
دخل في الموضوع ، ولا كيف خرج منه ؟
ولما صرت إلى ما صار إليه ، وأُسند إليّ تدريس هذه المادة وقعت فيما وقع
فيه أستاذي ، وانتابتني حيرة وارتباك في عرض الموضوع ، وأدركت عدم انسجام
الطلاب مع هذه المادة الأساسية ؛ بل إنني سمعت كلاماً منهم فيه بعض التهوين من
شأن مادة العقيدة .
فتوقفت ملياً في النظر في إعراض بعض الطلاب ونفورهم من هذه المادة ،
وقلّبت الأمر على جميع وجوهه في محاولة لاستكناه الحقيقة وتشخيص الداء .
وبينما كنت أفكر إذ لاح لي أن المنهج والطريقة في عرض موضوعات
العقيدة بأسلوب السرد ، وكثرة حكاية ضلال المتكلمين ، ورصد شبهاتهم ؛ هو الذي
سبّب هذا النفور ، وعكس هذه الحال ؛ فضاع القصد في خضم هذا الركام لا في
العقيدة نفسها معاذ الله وإنما هو في العرض والتقديم .
ومن ثم قمت بهذه المحاولة عساها تكون مرغوبة ، وسطرت هذه الفكرة علها
تكون مفيدة ، وجعلت ذلك بعنوان : (المنهج السديد في عرض مادة التوحيد) .
وطبقت هذا المنهج وهذه الطريقة في تدريسي لهذه المادة الأساسية ، فوجدت
أثره في الطلاب نافعاً والإصغاء إليه كاملاً والتطلع إليه سريعاً ، وتحول النفور إلى
رغبة ، والخروج من المحاضرة إلى حضور واستقرار ، وظهر البِشْر على محياهم ؛ وكلما دخلت عليهم قابلوني بوجوه مستبشرة ، وساد في القسم الوئام والاحترام
والتقدير .
ومن باب : (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ... ) ، رأيت
أن لا أستأثر بذلك ، فأسطِّر تجربتي ، وأنقلها لإخواني .
أصل المنهج المقترح :
أقول ومن الله أستمد العون والتوفيق : إن هذه الطريقة لم تخرج عن المنهج
السلفي ، وقصارى ما فيها الجمع والحصر للآيات القرآنية والأحاديث النبوية في
الموضوع ، ثم شرح هذه الآيات ؛ وعن طريق المقارنة والموازنة نصنف المعاني
المشتركة بطريق الشرح اللغوي لمفردات الموضوع وعناصره الأساسية ؛ وهذا لا
يكون إلا بعد الاستقراء والاستنتاج ، وإن كان هذا العمل مرهقاً للأستاذ إلا أن
نتائجه النافعة تنسيه مشقة البحث .
وبعد ذلك نعقب ، ونورد كلام العلماء ونصوص الأئمة : قبولاً ، ورداً ،
ومناقشة واقتباساً واستشهاداً وهنا يكون محل رد الشبهات ودحضها إن كانت لا تزال
قائمة ، وقد تتهاوى تلقائياً .
نماذج تطبيقية :
مفهوم العرش في اللغة والقرآن : وأضرب لذلك مثلاً حياً تطبيقياً إذا كنا
بصدد شرح قول الإمام الطحاوي رحمه الله : (..والعرش والكرسي حق ..)[1] .
معنى هذه الجملة : أن العرش والكرسي حق ثابت بالكتاب والسنة ، و (حق)
خبر المبتدأ وهو (العرش) قال ابن مالك :
والخبر الجزء المتم الفائدة كالله بر والأيادي شاهدة
واقتداء بقوله تعالى : ] وَاًتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [ [البقرة : 189] على أحد
وجوه التفسير ؛ فإن بابنا الوحيد الذي نلج منه إلى هذا الموضوع هو القرآن والسنة .
ونبدأ بالجزء الأول ؛ لأن كلام الطحاوي تضمن موضوعين : العرش ،
والكرسي ؛ وكلاهما ثابت بدلالة الكتاب والسنة كما سيأتي مفصلاً .
ونقول : إن مادة : (عرش) في جميع صيغها وردت في ثلاث وثلاثين موضعاً
في كتاب الله مختلفة الصيغ والأبنية ، وتتفق في معنى مشترك وهو العلو والارتفاع .
قال القرطبي : (وأصل التعريش : الرفع . يقال : عرش يعرش ، إذا بنى
وسقف) [2] .
وقوله : ] وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [ الواردة في البقرة والكهف والحج
معناها : خلت من السكان ، وتهدمت ، وسقطت سقوفها .
العرش : سقف البيت . والعروش : الأبنية المسقفة بالخشب . يقال : عرش
الرجل يعرش : إذا بنى وسقف بخشب . والعريش سقف البيت .
قال القرطبي : (وكل ما يتهيأ ليظل أو يكنّ فهو عريش ، ومنه عريش
الدالية) [3] يقصد عريش الكرم وهو شجر العنب ؛ فيكون المعنى : سقط
السقف ، ثم سقطت الحيطان عليه ؛ واختاره ابن جرير الطبري . وهذه الصفة في خراب المنازل من أحسن ما يوصف به .
وقريب من هذا المعنى في قوله تعالى : ] وَهُوَ الَذِي أَنشَأََ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ
وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ [ [الأنعام : 141] معروشات : ما يحتاج أن يتخذ له عريش يحمل
عليه فيمسكه وهو الكرم وما يجري مجراه .
وجاء في القرآن معنى آخر للعرش يؤول إلى الأول وهو عبارة عن السرير
الذي يجلس عليه الملك للحكم : أي سرير المملكة ومنه قوله تعالى : ] وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ [ [النمل : 23] .
حقيقة العرش : وإذا عرفنا معنى العرش في الاستعمال اللغوي واللسان
العربي : فما حقيقته هنا في هذه الآيات السبع ، وفي غيرها مما كان مضافاً إلى الله
عز وجل ؟
الجواب : لا نعلم ذلك ولا يجوز لنا أن نقيسه على الأول ؛ لأن الأول من عالم
الشهادة وهو محسوس وملموس ومضاف إلى البشر ، والثاني من عالم الغيب
ومضاف إلى الله عز وجل والله عز وجل امتدح ] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [
[البقرة : 3] .
وطريقنا الوحيد في ذلك : أن نتلمس بعض الأوصاف عند الذين اصطفاهم الله
وأعلمهم بذلك ؛ كما بين ذلك القرآن فقال عز وجل : ] عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى
غَيْبِهِ أَحَداً (26) إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [ [الجن : 26-27] .
ولذلك فإننا نتلمس أوصاف العرش من القرآن ومن السنة فنقول :
ثبت في القرآن أن العرش على الماء : ] وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ [ (هود :7) وثبت أن للعرش قوائم تحمله الملائكة حافين حوله يسبحون بحمد ربهم ؛ فقد قال
تعالى : ] وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [ [الحاقة : 17] وقال في وصفه
أيضاً : ] وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [
[الزمر : 75] ، وقال أيضاً : ] الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [ (غافر : 7) ، ثم نتدرج إلى وصف من هو أعلم الخلق بربه ؛ إذ قال : (إن عرشه على سماواته لهكذا) وقال بأصابعه : (مثل القبة .. الحديث) [4] .
وثبت في وصفه أنه فوق الفردوس كما في صحيح البخاري عن النبي : (إذا
سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ؛ فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش
الرحمن) [5] .
ونحن إذ نستعرض هذه النصوص نستنتج أن العرش : سرير ذو قوائم ،
تحمله الملائكة ، وهو كالقبة على العالم ، وهو سقف المخلوقات على الصفة التي
تليق بعرش الله . وقد فهم هذا المعنى بعض الشعراء ، وذكره مشهور عندهم في
الجاهلية والإسلام .
وقال الشوكاني في بيان صفة العرش : (وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة
صفة عرش الرحمن وإحاطته بالسماوات والأرض وما بينهما وما عليهما) [6] .
وحينئذ لا يجوز لنا أن نتجاوز الوصف الذي حدده الله في القرآن وبينه
النبي-صلى الله عليه وسلم- في السنة .
الاستواء في اللغة ، وفي القرآن : ونعود مرة أخرى إلى كتاب الله ناظرين في
معنى قوله : ] اسْتَوَى [ وبيان وجوه استعمالها في القرآن .
حقيقة الاستواء في اللغة : التساوي واستقامة الشيء واعتداله . وورد في كلام
العرب على معان اشترك لفظه فيها ؛ فيكون بمعنى الاستقرار ، ويكون بمعنى
القصد ، ويأتي بمعنى العلو والركوب ؛ ويأتي بمعنى المماثلة والمساواة كقوله تعالى : ] هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [ [الرعد : 16] ،
وجاء بهذا المعنى في سبع عشرة موضعاً [7] . ومنها ما يكون بمعنى بلوغ القوة
العقلية والبدنية وكمالهما ؛ ومنه قوله تعالى : ] وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [
[القصص : 14] أي بلغ مبلغاً يؤهله لقبول العلم والحكمة .
ومنها : ما يجيء بمعنى الاستقرار والرسو نحو قوله تعالى : ] وَاسْتَوَتْ عَلَى
الجُودِيِ [ (هود : 44) ، وجاءت بمعنى الركوب على الدابة وعلى الفلك كقوله
تعالى : ] فَإذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفُلْكِ [ [المؤمنون : 28] ومنه قوله
تعالى : ] وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [ [الزخرف : 12-13]
وجاء هذا الفعل هنا متعدياً بحرف الجر ] عَلَى [ الذي فيه معنى الاستعلاء
والركوب .
قال ابن كثير : (لتستووا متمكنين مرتفعين) [8] ، فتكون هنا بمعنى : علا
على الدابة والفلك واستعلى على ظهرها متمكناً منها . وجاء هذا الفعل متعدياً بـ
]إلَى [ في موضعين في قوله : ] ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ [ [البقرة : 29] وفي الآية
11 من سورة فصلت . قال أبو العالية : استوى ارتفع . وقال مجاهد : استوى علا . وقد فسرها الطبري بالعلو بعد أن ذكر أقوالاً كثيرة حيث قال : (وأوْلى المعاني في
قوله عز وجل ] ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ [ علا تبارك وتعالى عليهن ، ودبرهن
بقدرته ، وخلقهن سبع سماوات) [9] . وذكر ابن حجر في تفسير : ] اسْتَوَى [
أقوالاً عديدة ثم قال : (وأما تفسير ] اسْتَوَى [ علا فهو صحيح وهو المذهب الحق
وقول أهل السنة ؛ لأن الله تبارك وتعالى وصف نفسه بالعلو[10]. أما الحافظ
ابن كثير : فقد جعل الفعل ] اسْتَوَى [ متضمناً لمعنى القصد والإقبال ؛ لأنه عُدِّيَ
بـ : (إلى) أي قصد إلى السماء [11] وهنا يجب علينا أن نتوقف ونقارن بين هذه
الآيات التي كان الاستواء فيها على الدابة وعلى الفلك بالآيات السبع السابقة التي
كان الاستواء فيها على العرش وإلى السماء ؛ وكلها تعدت بحرفي الجر : ] عَلَى [
و ] إلَى [ فهل يتفق هذا الاستواء بذاك ؟ اللهم ! لا ؛ لأن استواء البشر العاجز
الفاني لا يشابه استواء الكامل المتفرد بألوهيته وربوبيته ؛ فيكون استواء الله على
عرشه يليق بجلاله وسلطانه ، واستواء البشر على مركوبه يليق بفقره وعجزه .
وقد يتماثل اللفظان ولكن يجب أن يعبر كل واحد بمعنى لائق بالمقام الذي قيل
فيه ؛ فالقرآن حكى وصف الهدهد لعرش بلقيس فقال : ] وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [
[النمل : 23] وبيّن القرآن وصف عرش الرحمن فقال : ] رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ [
[النمل : 26] كلاهما وصف بالعظمة وبينهما من البون ما لا يعلمه إلا الله ؛ فعرش
بلقيس عظيم بين عروش الملوك مثلها ، وعرش الرحمن أعظم ؛ فلا بد من اعتبار
المقام في فهم الكلام .
وهنا يجب أن يتوقف دور العقل والتوهم والتخيل وإفساح المجال للسمع
والنقل وحده ؛ وهو الكفيل بضمان عدم الوقوع في الردى وهو التشبيه والتأويل .
فاستواء البشر على الفلك والأنعام معقول المعنى محسوس مشاهد ، واستواء الله
على عرشه لا تدركه العقول ؛ لأن الأول مضاف إلى البشر ، والثاني مضاف إلى
الواحد الأحد : ] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [ [الشورى : 11] .
منهج السلف في مثل ذلك :
وهذا هو منهج السلف في إثبات الاستواء لله على وجه يليق بجلاله وكماله من
غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل [12].
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله : (الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ،
والسؤال عنه بدعة) [13] .
قال الحافظ الذهبي في كتاب العلو بعد ذكره لقول مالك : وهو قول أهل السنة
قاطبة : أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم كما أخبر في
كتابه ، وأنه كما يليق به : لا نتعمق ، ولا نتحذلق ، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً
ولا إثباتاً ؛ بل نسكت ونقف كما وقف السلف ، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى
بيانه الصحابة والتابعون ؛ ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه ؛ ونعلم يقيناً
مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله
سبحانه وتعالى [14] .
الكرسي في القرآن واللغة : ثم نواصل الشرح إلى الجملة الثانية : (والكرسي
حق) أقول : إن الكرسي حق ثابت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه-صلى الله
عليه وسلم- ، نؤمن به على ما جاء في كتاب الله ، ولا نشتغل في البحث عن
صفته . وقد ورد في القرآن في موضعين :
أولهما : في قوله تعالى : ] وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا
وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ [ [البقرة : 255] .
ثانيهما : في قوله تعالى : ] وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [ [ص : 34] .
ويجب علينا بادئ ذي بدء أن نفرق بين الاستعمالين للفظ (كرسي) في الآيتين : الأول مضاف إلى الله عز وجل والثاني مضاف إلى نبي الله سليمان . فالأول
مضاف إلى الخالق ، والثاني مضاف إلى المخلوق . فإذا علمنا هذا فإننا لا نقع في
مزالق المتكلمين ؛ فتماثل اللفظين يجب أن يُفهم من كل منهما معنى يليق بالمقام ،
وإذا تأملنا الكرسي المضاف إلى المخلوق في اللغة نجد أن ابن منظور ذكره في مادة : (كرس) وقال : كرس : تكرس الشيء وتكارس : تراكم وتلازب . وتكرس أسّ
البناء : صلب واشتد .
والكرس : أبوال الإبل والغنم وأبعارها يتلبد بعضها على بعض في الدار ثم
قال : والكرسي في اللغة الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه كما يقال : اجعل لهذا
الحائط كرسياً : أي ما يعتمد عليه [15] .
أقول : ولعل هذا هو المراد في قوله تعالى : ] وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [
وهو الكرسي الذي كان يجلس عليه نبي الله سليمان عليه السلام للحكم ؛ فهذا معقول
المعنى ؛ فهو بمقدار ما يسع شخصاً واحداً في جلوسه ؛ فإن زاد على مجلس واحد
وكان مرتفعاً فهو العرش كما تقدم في قوله تعالى : ] وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ [
[يوسف : 100] فهذا هو الكرسي المضاف إلى البشر معقول المعنى ، مشاهد
محسوس ؛ فهو من عالم الشهادة .
أما قوله تعالى : ] وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ
العَلِيُّ العَظِيمُ [ [البقرة : 255] فهو من عالم الغيب كما قدمنا ؛ فيكون طريقنا إلى
فهمه النقل والنص ؛ لأن الكرسي هنا مضاف إلى الله عز وجل . ومعنى هذه الجملة
يقال : وسع فلان الشيء يسعه سعة إذا احتمله وأطاقه وأمكنه القيام به . ولا يسعك
هذا : أي لا تطيقه ولا تحتمله ؛ ومنه قوله : (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا
اتباعي) أي لا يحتمل غير ذلك . والمعنى أنها صارت فيه ، وأنه وسعها ولن يضيق
عنها لكونه بسيطاً واسعاً . وقوله : ] وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [ آده يؤوده : إذا أثقله
وأجهده أي لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما [16] .
والضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى ويجوز أن يكون للكرسي ؛ لأنه من
أمر الله ؛ فالآية تدل على أنه شيء عظيم دون التعرض لذات الكرسي . وروي عن
عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (إن كرسيه وسع السماوات والأرض ،
وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من الثقل) [17] .
الأقوال في معنى الكرسي :
وهنا يتأخر العقل وينتهي الدور المنوط به ، ويتقدم النقل ؛ فمن التزم النص
والنقل فاز وظفر بالمطلوب ، ومن خالف فقد وقع بالزلل ، ومن هؤلاء :
1- جماعة من المعتزلة نفوا وجود الكرسي وأخطأوا في ذلك خطأ بيِّناً .
واختار هذا الباطل : القفال ، والزمخشري ، وقالوا : ما هو إلا تصوير لعظمته
وملكه ؛ ولا حقيقة له ، وقيل هو ملكه [18] .
2- وذهب جماعة إلى أن كرسيه هو قدرته التي يمسك بها السموات والأرض
كما يقال : اجعل لهذا الحائط كرسياً أي ما يعتمد عليه .
3- وقيل إن الكرسي هو العرش رواه ابن جرير الطبري عن الحسن
البصري وذكره ابن كثير واختار هذا جلال الدين السيوطي . قال القرطبي : (وهذا
ليس بمرضٍ) [19] . وقال ابن كثير : والصحيح أن الكرسي غير العرش ،
والعرش أكبر منه ؛ كما دلت على ذلك الآثار والأخبار [20] .
4- وقال جماعة : كرسيه : علمه وهو عبارة عن العلم ، رواه الطبري عن
ابن عباس من طريقين ؛ ومنه قيل للعلماء : كراسي ؛ لأن العالم يجلس على كرسي
ليعلِّم الناس ، ومنه الكراسة التي يُجمع فيها العلم ، ورجح هذا ابن جرير
الطبري [21] ، وهي رواية شاذة عن ابن عباس كما قال الشيخ أحمد شاكر .
5- والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش ، والحاكم في المستدرك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : ] وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [ أنه قال : الكرسي : موضع القدمين ، والعرش لا يقدِّر
قدره إلا الله [22] ، وصحح هذه الرواية الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فقال : (هي
رواية علم الله شاذة لا يقوم عليها دليل من كلام العرب ؛ ولذلك رجح أبو منصور
الأزهري الرواية الصحيحة عن ابن عباس التي تقول : إن الكرسي موضع القدمين ، وقال : هذه الرواية اتفق أهل العلم على صحتها ؛ ومن روى عنه في الكرسي أنه
العلم فقد أبطل) [23] ، ورجحه الشوكاني في تفسيره فقال : (والحق القول الأول
موضع القدمين ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقي إلا مجرد خيالات تسببت عن
جهالات وضلالات [24] والله أعلم . وهنا نطوي الكلام خشية الإطالة .
من محاسن هذا المنهج في تعليم العقيدة :
وفي الختام أقول : لعل هذه الطريقة فيها بعض الجدة والابتكار والمرغبة
فتأخذ بمجامع قلب الطالب ، وتؤثر في سلوكه والفضل لله وحده . ومن محاسنها أنه
يتعلم اللغة العربية من خلال الشرح اللغوي لمفردات الموضوع الواردة في القرآن
وتتبع موادها وصيغها المتنوعة ؛ فيكون بذلك حصل له تعلم تفسير القرآن الكريم ؛
وهو مطلوب لذاته .
فهذه الطريقة جمعت بين شرفين عظيمين : شرف الوسيلة ، ونبل المقصد ؛
فالمنهج الذي قصدناه لشرح الموضوع هو في حد ذاته مراد لنفسه إرادة الغايات
والمقاصد ، مطلوب لذاته ؛ بل إنه من أهم المقاصد لفهم معاني الكتاب العزيز ،
ولأن العقيدة لا تنفك عن القرآن ، ومن أهم محاسنها ربط الطالب بالقرآن . ومن
فوائد هذه الطريقة أن يتعلم الطالب الشمولية والاستيعاب لمكونات الموضوع
وأساسياته ؛ فقد اشتملت على ما ذكره ابن أبي العز وزيادات كثيرة ؛ وإن هذا
المنهج خلا من السرد وحكايات ضلال المتكلمين وشبهاتهم إلا لماماً .
ومن محاسنها أيضاً أن يتعلم الطالب العقيدة بطريق غير مباشر ؛ فينبغي أن
تكون نتيجة يبرهن عليها الأستاذ من خلال الكتاب والسنة بالتحليل والمقارنة ،
ويجب على أستاذ المادة أن يجعلها ضالة ينشدها في عرضه ونتيجة يصل إليها فهم
الطالب ذاتياً فتؤثر فيه وتثمر بإذن الله فينقاد ، ويذعن عن طريق الاقتناع الذاتي .
وهذا المنهج موافق للمنطق العقلي ؛ حيث تدرج العرض بالطالب من المعاني
المحسوسة إلى المعاني المعقولة إلى حيث يعجز الإدراك وينقطع الطمع ؛ وحينئذ
نمتطي به سبيل السمع ، ونركب له طريق النص ، فنكل الأمر إلى مولاه ، ونثبت
اللفظ على ما جاء على مراد الله بدون تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل ؛ بل نؤمن به ،
ولا نبحث عن حقيقته ولا نتكلم فيه بالرأي . والله أعلم .
________________________
(1) قارن شرحنا بشرح ابن أبي العز ، ص 254 .
(2) الجامع للقرطبي ، 7/272 .
(3) الجامع للقرطبي ، 3/290 .
(4) جزء من حديث رواه أبو داود ، 4/369 .
(5) فتح الباري ، 13/349 .
(6) فتح القدير ، 2/211 .
(7) انظر محاسن التأويل للقاسمي ، 7/2704 .
(8) تفسير ابن كثير ، 4/ 130 .
(9) تفسير الطبري ، 1/175 .
(10) فتح الباري ، 13/406 .
(11) تفسير ابن كثير ، 1/72 .
(12) انظر معارج القبول ، 1/109 .
(13) وقد استوعب الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله نصوص الأئمة وأقوال الصحابة والتابعين في كتابه القيم : معارج القبول 1/109 .
(14) محاسن التأويل ، 7/2704 .
(15) لسان العرب لابن منظور مادة : (كرس) .
(16) تفسير ابن كثير ، 1/332 .
(17) ذكره ابن كثير في تفسيره 1/332 .
(18) تفسير الرازي 14/14 .
(19) الجامع للقرطبي ، 2/300 ، زاد المسير ، 1/304 .
(20) تفسير ابن كثير ، 1/333 .
(21) تفسير الطبري ، 3/32 ، فتح القدير ، 1/272 .
(22) تفسير ابن كثير ، 1/332 ، زاد المسير ، 1/304 .
(23) حاشية زاد المسير ، 1/304 .
(24) فتح القدير ، 1/272 .
(*) الكاتب أستاذ في (معهد العلوم الإسلامية والعربية) القسم الجامعي في موريتانيا ، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
مجلة البيان - العدد 122 ص 43