محمد بنعمر
New member
- إنضم
- 07/06/2011
- المشاركات
- 440
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16

أ- تــوثـيـــق الـنـــص:
فيما يتعلق بهذا المستوى فإن علماء الإسلام، بذلوا جهودا مضنية في خدمتهم للنص القرآني على مستوى التوثيق والتحقيق، حتى ينقل سالما و مصونا، لكل جيد ، كل هذا مناجل صيانة النص القرآني من كل أشكال التبديل التحريف، والتصحيف، فسلامة النص القرآني أمر مجمع عليه بين جميع علماء الإسلام قديما وحديثا رغم تعدد مذاهبهم وتنوع نزعاتهم، واختلاف منازعهم ، إذ لا خلاف-كما قال ابن حزم - "بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والمرجئة والزيدية في وجوب الأخذ بما في القرآن"[1].
وحتى ينقل القرآن الكريم كما أنزل إلى جميع الأجيال ،فقد قيض الله حفظه بحيث كما قال أبو إسحاق الشاطبي: "لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر فضلا عن القراء الأكابر وهكذا جرى الأمر في جملة الشريعة"[2].
أما السنة النبوية فلقيت هي الأخرى عناية كبيرة واهتماما أوسع من لدن علماء الإسلام لأنها "راجعة في معناها إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله وبيان مشكله وبسط مختصره"[3]. ولتحصين السنة من كل دخيل، وحمايتها من المس، والوضع، والتحريف ، فقد وضع علماء الإسلام علما يعرف بعلم مصطلح الحديث، وهو من العلوم التي اختصت بها الحضارة الإسلامية دون غيرها من الحضاراتّ، فقد حاز علماء الحديث السبق، والريادة في نقد النص داخليا ،وخارجيا فهم "سبقوا إلى إنشاء ما نسميه اليوم بالنقد الخارجي والنقد الداخلي للخبر، فالصنف الأول قد أحكموا أسسه ،وقواعده ، ودعائمه في ما سموه بعلم الرجال أو علم نقد السند"[4]، فهذا العلم المهتم بالتوثيق ، كان من العلوم التي انفردت بها حضارة الإسلام على غيرها من الحضارات .ذلك أن إسناد النص ،وضبط رجاله ،وإحكام اتصال، رجاله من الأوصاف التي "خص الله تعالى بها المسلمين دون سائر أهل الملل كلها"[5].
ومن هنا كان علم المصطلح علما فريدا، ومتميزا عند المسلمين بحيث "لا نجد له في الحضارات الأخرى شبيها له"[6]، فهو المعيار الحاكم الذي تقوم به الروايات، والميزان الضابط للرواية الصحيحة من السقيمة.
إن هذه الجهود التي بذلها علماء الإسلام في توثيق النص، تبقى جهودا رائدة في مجال إثبات النص ،وصحته بحيث لم يترك السابق اللاحق أي مزيد في هذا المجال...
ب- فــهــــم الـنـــص:
سبقت الإشارة أن تفسير النص، وفهم الخطاب الشرعي شكل قطاعا مشتركا بين كثير من النظم البيانية التي ظهرت في التراث العربي الإسلامي، فكل الاتجاهات النحوية واللغوية والدلالية في التراث العربي الإسلامي ، كانت تهدف إلى الاقتراب من دلالة النص الشرعي، واستجلاء المعنى في هذا النص بشكل صارم ومضبوط، لكن تبقى مساهمة علماء أصول الفقه مساهمة رائدة ومتميزة في بابها [7].
ومما يدل على نزوع علم أصول نحو الفهم ، والتفسير ،هو هذا التصريح الذي جاء على لسان ابن جزي الكلبي المفسر ، والأصولي في مقدمة تفسيره والذي قال فيه متحدثا ، في شان القواعد اللغوية ،الأصولية ودورها في عملية التفسير، والبيان : "وانه لنعم العون على فهم المعنى وترجيح الأقوال وما أحوج المفسر إلى معرفة النص والظاهر والمجمل ، والمبين والعام والخاص والمطلق والمقيد وفحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب وشروط النسخ ووجوه التعارض ، وأسباب الخلاف وغير ذلك من علم أصول الفقه..."[8].
ولقد أكد هذا التصريح الشيخ الإمام الطاهر بن عاشور عندما قال ":إن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط ويفصح عنها ،فهو آلة للمفسر في استنباط الآيات الشرعية من آياتها...،[9].
ومما يدل على نزوع علم أصول لفقه نحو تفسير النص وقراءته، هو استحضار علماء الأصول لكثير من المباحث ذات المنحى اللغوي، والدلالي ، فأغلب المباحث اللغوية التي دونت في هذا العلم هي مباحث تنتمي لعلم اللغة ،والدلالة، فهي مباحث تنزع نحو التفسير، وهذا يعود أن "الحق سبحانه – خاطب العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها"[10]."
فعلم أصول الفقه من العلوم التي حملت في مباحثها كثيرا من العلوم خاصة: علوم اللغة، وعلوم المنطق، وعلم الدلالة . لان هذا العلم أراد له مؤسسه الإمام الشافعي ت204ه أن يكون علما ضابطا للفهم، وضابطا للاستدلال، ومسددا للاستنباط . لان موضوع هذا العلم هو الاستدلال على الأحكام الشرعية ،والأساس في الاستدلال على الأحكام الشرعية هو فهم النص، وهذه القاعدة تكاد تشكل منطلقا منهجيا ، عاما عند جميع الأصوليين بمختلف مدارسهم، ومنازعهم ومناهجهم ، بحيث لا ينضبط الاستدلال على الأحكام الشرعية ،إلا بالفهم للنص ،والذي مسلكه هو التمكن من اللغة العربية
ومن ثم فان وجهة الأصوليين اتجهت نحو البحث اللغوي ، والسبب يعود إلى أن الخطاب الشرعي خطاب عربي ، نز ل وفق مقتضى مقاصد العرب في التخاطب ، والأداء ،فكان من الضروري أن يكون المنطلق في الفقه ،والتفسير، والفهم ، هو التمكن من اللغة العربية، معجما، وتركيبا ودلالة.. وهذا قيد، وضابط متفق عليه بين علماء الأصول قديما ،وحديثا..[11] .
ومن المنطلق في هذه الوجهة هو التحقق ن المعنى بناء على هذه القاعدة وهي: أن إرادة المعنى اكد من إرادة اللفظ . فان المعنى هو المقصود،واللفظ هو وسيلة فقط...[12].
ولقد قرر اللغويون ، وعلماء الأصول أن سبب الخطأ في العلوم الشرعية ،وعدم إدراك معاني الوحي ، واستيعاب القصد، إنما يرجع إلى ضعف الاهتمام باللغة العربية ،والقصور في طلبها ، أو في عدم امتلاك ناصيتها ،والضعف في علومها. يقول ابن جني اللغوي : "وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنما استهواه ،واستخلف حلمه ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة"([13]).
إن من التفضل، والإنعام على الإنسان المسلم أن الله انعم علينا بنعمة القرآن الكريم ،وأن الله سبحانه انعم عليه بنعمة الإسلام، ومن عليه بهدي القرآن، وجعل من تمام ذلك التخلق التحقق بالبيان لمعرفة أدلة الأحكام، والتمييز بين الحلال والحرام.،ومن المعلوم أن استدرار المعاني من النص القرآني متوقف على علم العربية[14].
وهي الوجهة التي اختارها علماء الأصول ،حيث كانت غايتهم هي بيان النص ، مصداقا لقوله تعالى "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم "الحشر 44
وبحكم توجه علماء الأصول نحو تفسير النص وفقه الخطاب وتمثل القصد، فقد قاموا بمتابعة واسعة ،ورصد كبير لتراكيب اللغة العربية وأساليبها، واستمدوا من هذا الاستقراء مجموعة من القواعد والضوابط واعتبروا التقيد بها شرطا ملزما ،وضروريا في عملية التفسير، فلقد كان طبيعيا "والعربية لسان شريعة الإسلام – أن توضع قواعد التفسير في ظل هذه الحقيقة، وهكذا وضعت تلك القواعد بعد استقراء لأساليب العربية ،وإدراك لطبيعتها في الخطاب، ومعرفة ما يمكن أن تؤديه الألفاظ والتراكيب من مدلولات ومعان"[15].
[1]- الإحكام في أصول الحكام (ابن حزم) 1-92.
[2]- الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي: 2/59.
[3]- الموافقات: 4/12.
[4]-: المناظرات في أصول الشريعة: 19 لعبد المجيد التركي. ترجمة عبد الصبور شاهين.دار الغرب الإسلامي..
-5-: الفصل في الملل والأهواء والنحل الابن حزم: 2/82.
.
[6]-: تاريخ التراث العربي: 1/230.
[7]- للوقوف على حقيقة هذا المنهج في مكوناته وعناصره وأسسه يستحسن الرجوع:
- طه جابر العلواني: أصول الفقه الإسلامي: منهج بحث ومعرفة، طه، 1995، منشورات المعهد العالمي.
- د. السيد صدر الدين طاهري: أصول الفقه الإسلامي والهرمونيوطيقا، مجلة المنهج، س 6، 2002.
- مصطفى سانو: قراءة بستمولوجية في تشكل المنهجيات الأصولية، مجلة دراسات عربية، ع 11 و 12 أكتوبــــر 1998.
- المنهج الأصولي في تفسير النص الشرعي للدكتور يعقوبي خبيزة، أطروحة جامعية في ثلاثة أجزاء مرقونة بكلية الآداب ظهر المهراز فاس: 1999.
- آليات قراءة النص الديني ليحي محمد، كلية المنهاج، ع 30، شتاء 2005.
[8] -مقدمة تفسير ابن جوي :1/5.
[9] -التحرير والتنوير :1/25
[10]- المرافقات : 2/62.
[11] -الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي للدكتور عبد الحميد العلمي:45
[12] -اعلام الموقعين :3/62
[13] -الخصائص لابن جني :3/345
[14] -الدرس الدلالي عند الإمام الشافعي للدكتور عبد الحميد العلمي:141
[15]- تفسير النصوص: لأديب صالح: 1/9.