المنطق السديد

الميموني

New member
إنضم
24/02/2004
المشاركات
165
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
سلسلة آية و حكمة:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ) (الأحزاب:70) في الآية إرشادٌ كريمٌ لخلُقٍ عظيم فما معنى القول السَّدِيد الذي وعد الله عليه بإصلاح الأعمال و مغفرة الذنوب؟. السَّداد في الآية معناه عند المفسّرين و في ظاهر اللّغة أَن يكون الكلام عدلا صواباً و ذلك باستقامته بلا كذب و لا ظلمٍ يُقال سَدِّد أي استقم، و يقال سدَّدَ السَّهم نحو الرّمية إذا لم يعدل به عن سَمتها ( أي جهتها ) و قصدها . وفي الآية تأكيدٌ على الاهتمام بما يخرج من الّلسان فإنه رائد القلوب و المعبِّر عما تشتمل عليه فهو كالعنوان يدلّ على ما في النفوس.
[align=center]رأيتُ لسان المرء رائدَ قلبه * وعنوانَه فانظر بماذا تُعنوِن[/align]ُ
الصدق مقام الإسلام الأعظم به يتمايز المؤمنون في درجاتهم و الفاسقون في دركاتهم وهو برهان صحة الدين ....والتحرّي في المنطق منهج الصادقين و طريقة المؤمنين الصالحين ، و متى كان المتكلّم متحرّياً الصدق في أخباره و نقله لا يزيد و لا ينقص و للعدل في أمره و نهيه لا يغلو و لا يجحِف، فهو حريٌّ بأن يكون ممن يتحقَّقُ فيهم و عد الله في قوله: ( يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم ). وفي صفات نبينا صلَّى الله عليه و سلَّم أنه كان يحفظ لسانه عن الفحش و التفحّش و أنه كان أصدق الخلق لهجة فكان مأمونا عند قومه في قوله مشتهرا بصدقه و في الأحاديث الثابتة في شمائله و أخباره ما يرشد المستزيد.

و من أعظم ما يعين على بلوغ مرتبة السداد تحرّي الصدق، فالصدق أساس الدين و منبع الأخلاق الكريمة، و في الكتاب و السنة من الدلالة على فضله و التنبيه على خطر ضده الكذب شيء كثير ... ومما يعين على السَّداد حفظ اللسان بالتحفّظ من فضول الكلام و بخاصة ما يخشى ضرره فإن حفظ اللسان عن ما لا ينبغي رأس كل خير و ربّ بلية في الدين أو الدنيا كان سببها الاستهتار بما يخرج من اللسان ... و قد وعدَ الله من يقول السداد أي العدل و الصواب و الصدق أنهم إذا فعلوا ذلك أثابهم عليه أجزل الثواب بأن يصلح لهم أعمالهم أي يهديهم و يوفقهم للأعمال الصالحة وأن يغفر لهم الذنوب. وقوله ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) أي ظفر بالخير كله. و مما يتعلّق بالقول السديد في الكتاب الحكيم قوله:( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (النساء:9) فقوله( وليقولوا قولا سديدا ) أي عدلا وهو أن يأمره بأن يتصدق بما دون الثلث ويخلِّف الباقي لورثته فينصحوا من حضرته الوفاة -ممن يريد أن يوصي - أن تكون وصَّيته حكيمة فيوصي بمن له عليه دين أو حق ثم يوصي لمن شاء لكن من غير أن يترك ورثته عالةً فقراء. قال ابن عباس رضي الله عنه: ( هذا في الرجل يحضره الموت فيسمعه يوصي بوصية تضر بورثته فأمر الله سبحانه الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفِّقه ويسدِّده للصواب ولينظر لورثته - أي ورثة من حضرته الوفاة - كما كان يحب أن يصنع لورثته إذا خشي عليهم الضَّيعة )اهـ. ( تفسير الطبري: 4 / 269 ). وقيل إن سبب نزول الآية أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلّم كان الرجل منهم إذا حضره الموت يأتون إليه، ويقولون له: انظر لنفسك أيها الرجل وأوصي بمالك وإن ورثتك لا يغنون عنك من الله شيئا وربما يحملونه على أن يوصي بجميع المال فنزلت الآية :( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم) أي إن تركوا من خلفهم ( ذرية ضعافا) أي أولاداً صغاراً ( خافوا عليهم) أي على أولادهم فليخافوا على أولاد الناس كما يخافون على أولادهم فإن أولاد الميت أحق بماله من الأجانب.

الصمت:-
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمُتْ)) .

[poem=font="Traditional Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
رأيتُ الكلام يزينُ الفــــتى = والصَّمتُ خير لمن قد صَمَتْ
فكم من حروفٍ تجرُّ الحتوفَ = ومن ناطقٍ ودّ أن لــو سَكَتْ[/poem]
وقيل لذي النون المصري : من أصون الناس لنفسه؟ قال: أملكُهم للسانه. وقال بعض الحكماء : إنما خلق للإنسان لسان واحد وعينان وأذنان ليسمع ويبصر أكثر مما يقول. ويقول الفضيل بن عياض : من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه - أي فيما يحتاج إليه-.

حكمة:
من علامات فضل الإنسان و صلاحه: صلاحُ قوله و فعله و من لم يعتنِ بما يقول و يعاتب نفسه على زلات لسانه فهو ناقص الدين و العقل و التجربة.

تنبيه:
(قال بعض المفسرين منهم قتادة: يعني قولوا قولا سديداً في شأن زينب وزيد ولا تنسُبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما لا يحل فهذا الذي قاله بعض المفسرين لا يقصدون به أن الآية خاصة فيه، فالأمر بالسداد في القول يشمل كل ما يدخل تحت عموم الكلمة من تحري الصدق و العدل في كل قول) .
 
أحسن الله إليك أبا محمد. وما أجمل حفظ اللسان إلا فيما ينفع ، فإنه استجابة لأمر الله وأمر رسوله ، بل وأقوال الحكماء وأهل التجربة . وهو فوق ذلك علامة من علامات الوقار والرزانة. نسأل الله أن يعيننا على حفظ ألسنتنا ، والاشتغال بالعمل عن كثرة الكلام.
 
و جزاكم الله خيرا أنتم ياشيخ عبد الرحمن
من هداه الله لحفظ لسانه هداه لأعظم الخير
 
عودة
أعلى