إنها للمسجد الأحمر بباكستان..أدهشني انتظام الصفوف في الصلاة ورايتهم خاشعين لله عز وجل..
هم لا يتحدثون باللسان العربي المبين..ومع ذلك فهم يركعون ويسجدون لله رب العالمين.. ويسبحون بلسانهم ويسألون الله سبحانه وتعالى
حاجتهم وكلهم ثقة في استجابته جل علاه لدعائهم ..
قلت لنفسي وأنا استرجع في ذهني صورة الشيخ السديس في أعلى الصورة حينما يقف مصليا ببيت الله الحرام ويخاطب الكل..بكلمة واحدة هي ..استوووووا
والكل يستمع وينصاع للأمر فورا ولا يستغرق ذلك سوى ثواني ليأمر الكل بالركوع والسجود والكل ينصاع إلى الأمر..
والأهم من ذلك كله..أنهم هناك في مكة لا يتحدثون بلسان واحد...فكل منهم له لسانه الخاص به والذي يختلف عن أخيه الذي يجاوره...
ويدعو الله سبحانه وتعالى ويطلب منه وكله ثقة ويقين أن الله سبحانه وتعالى معه وحده يستمع إليه وحده..
ويلبي له حاجته..
على الرغم من كل هذا الكون الفسيح..والذي هو في سماءنا الدنيا...فما بالكم بباقي السموات وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام
واليوم عند ربكم بألف سنة مما تعدون..
أعيش في قوله تعالى: قد سمع..قد نرى..سنكتب ما قالوا..
كل يسأل الله بلسانه وكله يقين أن الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات يستمع إليه هو وحده وكأنه هو المعني بقوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى
شاهدوا انتظام الصفوف ..جاءوا من مختلف البلدان..يطلبون العون من الرحمن
يا رب
بك أستجير ومن يجير سواكا
بك أستجيرُ ومن يجيرُ سواكا
فأجر ضعيفا يحتمي بحماكا
إني ضعيف أستعين على قوى
ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبٌ
ما لها من غافرٍ إلاكا
دنياي غرتني وعفوك غرني
ما حيلتي في هذه أو ذاكا
لو أن قلبي شك لم يك مؤمناً
بكريم عفوك ما غوى وعصاكا
***********
يا مدركَ الأبصارْ والأبصارُ لا
تدرى لهُ ولكنههِ إدراكا
أتراك عين والعيون لها مدى
ما جاوزته ولا مدى لمداكا
إن لم تكنْ عيني تراكَ فإنني
في كلِ شيءٍ أستبينُ عُلاكا
*********
يا منبتَ الأزهار عاطرةَ الشذا
هذا الشذا الفواحُ نفحُ شذاكا
يا مرسلَ الأطيار تصدحُ في الرُبا
صَدَحَتُها تسبيحة لعلاكا
يا مجرى الأنهار ما جريانها
إلا إنفعالة قطرة لنداكا
**********
رباه هاأنذا خلصت من الهوى
واستقبل القلب الخلي هواكا
وتركت أنسى بالحياة ولهواها
ولقيت كل الأنس في نجواكا
ونسيت حبي واعتزلت أحبتي
ونسيت نفسي خوف أن أنساكا
ذقت الهوى مرا ولم أذق الهوى
يا رب حلوا قبل أن أهواكا
أنا كنت يا ربى أسير غشاوة
رانت على قلبي فضل سناكا
واليوم يا ربى مسحت غشاوتي
وبدأت بالقلب البصير أراكا
يا غافر الذنب العظيم وقابلا
للتوب قلب تائب ناجاكا
أترده وترد صادق توبتي
حاشاك ترفض تائبا حاشاكا
يا رب جئتك نادما أبكى على
ما قدمته يداي لا أتباكا
أخشى من العرض الرهيب عليك يا
ربى وأخشى منك إذا ألقاكا
**********
يا رب عدت إلى رحابك تائبا
مستسلما مستمسكا بعراكا
ما لي وما للأغنياء وأنت يا
رب الغنى ولا يحد غناكا
ما لي وما للأقوياء وأنت يا
ربى ورب الناس ما أقواكا
ما لي وأبواب الملوك وأنت من
خلق الملوك وقسم الأملاكا
إني أويت لكل مأوى في الحياة
فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة
فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهدا
فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عنى الناس أو فليسخطوا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك يا ربى لتغفر حوبتي
وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي
ما خاب يوما من دعا ورجاكا
****************
يا رب هذا العصر ألحد عندما
سخرت يا ربى له دنياكا
علمته من علمك النووي ما
علمته فإذا به عاداكا
ما كاد يطلق للعلا صاروخه
حتى أشاح بوجهة وقلاكا
واغتر حتى ظن أن الكون في
يمنى بنى الإنسان لا يمناكا
أو ما درى الإنسان أنك لو أردت
لظلت الذرات في مخباكا
لو شئت يا ربى هوى صاروخه
أو لو أردت لما استطاع حراكا
يأيها الإنسان مهلا واتئد
واشكر لربك فضل ما أولاكا
واسجد لمولاك القدير فإنها
مستحدثات العلم من مولاكا
الله مازك دون سائر خلقة
وبنعمة العقل البصير حباكا
أفإن هداك بعلمه لعجيبة
تزور عنة وينثني عطفاكا
إن النواة والكترونات التي
تجرى يراها الله حين يراكا
ما كنت تقوى أن تفتت ذرة
منهن لو لا الله قد قواكا
كل العجائب صنعة العقل الذي
هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئا إذا
ما الله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل
أقلها هو ما إلية هداكا
ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيرا لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى
يا شافي الأمراض من أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما
عجزت فنون الطب من عافاكا
قل للصحيح يموت لا من علة
من بالمنايا يا صحيح دهاكا
قل للبصير وكان يحذر حفرة
فهوى بها من ذا الذي أهواكا
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام
بلا اصطدام من يقود خطايا
قل للجنين يعيش معزولا ً بلا
راع ومرعى ما الذي يرعاكا
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء
لدى الولادة ما الذي أبكاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سمة
فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
وسأله كيف تعيش يا ثعبان أو
تحيا وهذا السم يملا فاكا
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهدا وقل للشهد من حلاكا
بل سائل اللبن المصفى كان بين
دم وفرث ما الذي صفاكا
وإذا رأيت الحي يخرج من حنا
يا ميت فاسأله من أحياكا
وإذا ترى ابن السود أبيض ناصعا
فاسأله من أين البياض أتاكا
وإذا ترى ابن البيض أسود فاحما
فاسأله من ذا بالسواد طلاكا
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى
عن عيون الناس من أخفاكا
قل للنبات يجف بعد تعهد
ورعاية من بالجفاف رماكا
وإذا رأيت النبت في الصحراء ير
بو وحدة فاسأله من أرباكا
وإذا رأيت البدر يسرى ناشرا
أنواره فاسأله من أسراكا
واسأل شعاع الشمس يدنو وهى
أبعد كل شيء ما الذي أدناكا
قل للمرير من الثمار من الذي
بالمر من دون الثمار غذاكا
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
فاسأله من يا نخل شق نواكا
وإذا رأيت النار شب لهيبها
فاسأل لهيب النار من أوراكا
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحا
قمم السحاب فسلة من أرساكا
وإذا ترى صخرا تفجر بالمياه
فسلة من بالماء شق صفاكا
وإذا رأيت النهر بالعذابِ الزلالِ
جرى فسلةُ من الذي أجراكا
وإذا رأيتَ البحرَ بالملحِ الأُجَاجِ
طغَى فَسلْةُ من الذي أطغاكا
وإذا رأيتَ الليلَ يغشىَ داجياً
فاسألُه منْ يا ليلُ حاك دُجاكا
وإذا رأيتَ الصبحَ يُسفِرُ ضاحيَا
فاسألهُ من يا صبحُ صاغَ ضُحاكا
هذي عجائبٌ طالما أَخذتْ بها
عيناكَ وانفتحت بها أُذناكا
يأيها الإنسان مهلا ما الذي
بالله جل جلالة أغراكا
يا أيها الإنسان
أرأيت الأرض في دورانها :كيف تمسكت بكل ثابت وسائب؟!
أرأيت الشموس في أفلاكها: كيف تعلقت بنجم ثاقب؟!
أرأيت الرياح كيف سخرت: فمنها الكريم ومنها المعاقب؟!
أرأيت الأرزاق كيف دبرت وهل في الطيور زارع أو كاسب؟!
أرأيت الأنعام كيف ذللت فجادت بألبانها لكل حالب؟!
أرأيت النمل كيف خزن طعامه وهل للنمل كاتب أو حاسب؟!
أرأيت النحل كيف رشف رحيق الزهور فأخرج الشفاء مشارب؟!
أرأيت العنكبوت كيف نسجت وكم في الخيوط مصائد ومصائب؟!
أرأيت الوليد كيف التقم ثدي الأم دون علم سابق أو تجارب؟!
أرأيت الإنسان كيف ضحك، أرأيت كيف تثاءب؟!
أرأيت نفسك نائما وقد ذهبت بك الأحلام مذاهب؟!
إذا رأيت ذلك كله فأخشع، فلا نجاه لهارب..
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسول الملك الواهب..
ما من عاقل إلا وعلم أن الإيمان به حق وواجب..
سبحان الله
لاتمتروا في ذاته
فالكون من آياته
إن ضج في حركاته
أو نام في سكناته
والصبح في إشراقه
والليل في ظلماته
والشمس في كبد السما
والنجم في رعشاتة
والجو في إعصاره
إن هب أو نسماته
والرعد دوى قاصفا
والبرق في ومضاته
والليث في فلواته
يختال في خطواته
والطير حلق في الفضا
أو نام في وكناته
والورد والعطر الشذى
يفوح من روضاته
دانت له الأزهار والأشواك
بعض حماته
لا تمتروا في ذاته
أو تهزءوا بدعاته
سبحانه قد حقق
الإعجاز في كلماته
لا تمتروا في ذاته
فالرزق من آياته
سبحانه من خالق
بر بمخلوقاته
غمر الوجود بفضلة
وأفاض من خيراته
ولقد عشت في خاطرة رهيبة..يخيل إلى أنها لم تخطر على بال أحد..إنها بخصوص الجبل الغائب
ففي سيناء جبل يستحق أن يحسده الناس على الكرامة التي وقعت له..
صحيح أن الجبل قد غاب عن الوجود، ولم يعد له أثر، ولكن الصحيح أيضا أن هذا الجبل هو الذي تجلى الله تبارك وتعالى عليه.
كان للجبل شرف الحضور أمام أنوار الحق وجماله.
وكان له شرف الفناء أمام هيبة الحق وجلاله..
لم يصمد الجبل لأنوار الحق..اندك الجبل ساجداً بأسلوبه الخاص فذابت صخوره وغاب عن ذاته..وتحول إلى الفناء..
حدثنا الله تبارك وتعالى عن قصة هذا الجبل الكريم في سورة الأعراف:
( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ
تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )الأعراف : 143
كثيرا ما أفكر في هذا الجبل..
كثيرا ما أفكر في إحساسه الرقيق العميق المرهف..كان الجبل جبلاً يتكون جسده من الصخور القاسية،
ورغم ذلك كان يحس..ويشعر..ويحب..ويخشع..ويعرف كيف يخر ساجداً..ويعرف كيف يفني عن ذاته..
كان جبلاً محظوظاً سعيداً..كريماً..لقد أختاره الله تعالى..واختصه بالتجلي عليه..
أيضاً كان جبلاً مباركا ذاب من فرط عشقه حين شاهد أنوار الحق، ودفع ثمن حبه من كيانه الصخري،
وذاب خشوعاً أمام الجمال والجلال المقدسين..
كثيراً ما أفكر في هذا الجبل، فأحس أن الجبال في سيناء كلها تحسده على تجربته..وتحسده على فنائه..وتحسده على غيابه الذي
يجعله حاضراً بالروح والذكرى وإن كان غائباً بالجسد والكيان..
أين هذا الجبل؟..أين يقع مكانه؟..إن أحداً لا يدري سوى الله جلّ علاه..
لقد ذهب هذا الجبل حاملاً معه أسراره..
أطبق قلبه الصخري على السر وخشع حتى الفناء..
إن أجمل لحظات القرب من الله جلّ علاه، ليست في مثل صمت هذا الجبل..
إنه يقول بالصمت والفناء مالا يقال إلا بالصمت والفناء..
فسلام على الجبل الغائب..والذي يجسد معنى الحب في الله في أجلى معانيه..
ويا ليتني كنت ذرة من ذراته في الفلاة
لله في الأفاق آيات لعل اقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيرا لها أعياكا
بالأمس القريب طويت صفحة من صفحات عمري , فيها ما فيها..وتذكرت تلك القصة
يُحكى أن رجلا رحالة كان في رحلة وزيارة..
زار مدينة عالية البنيان , رائعة البيان , لها حدائق غناء , وفيرة الماء والخير والغذاء..أهلها من أهل الثراء , لا يزورهم شقاء ولا وباء..
زار السائح كل المدينة بكل ما فيها من المفاخر،ومرّ على المقابر
وجد كل راحل اسمه ورسمه وسنهب الشهور والأيام والساعات والدقائق والثواني،وكان أكبرهم عمراً لم يتجاوز تسعة أشهر وعشرة أيام
وستة ساعات وثلاث دقائق وثانية ونصف الثانية بالتمام والكمال..
سئل نفسه هل هذه أعمارهم....؟ لابد أن سراً عندهم...!!!
ذهب لحكيم المدينة وسأله عن قصر الأعمار في مدينة رائعة العمران والمعمار..
قال الحكيم للمسافر:
يا ولدي هؤلاء الموتى عاشوا حياة طويلة تعدت ربما المائة من السنوات ولكننا نكتب العمر الحقيقي للإنسان
قال الزائر للحكيم: وما هو العمر الحقيقي...؟..
قال يا بُني العمر الحقيقي هو عدد الثواني والدقائق والساعات والأيام والشهور التي عاشها الإنسان في تقوى الله سبحانه وتعالى ,
ومن ثم حتى الآن لم نجد في مدينتنا من تجاوز العام......!!!
قلت: اكتبوا هذا الكلام على شاهد قبري..
هنا يرقد فلان خرج من بطن أمه إلى القبر مباشرة..ورحت أبكي وأقول:(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..فحياتي الحقيقية ليست على الأرض..
ولكنها هناك..عنده سبحانه وتعالى..وما الحياة الدنيا إلا محطة سفر بعدها نعود ونرجع إلى الموطن الأول أتمنى عند الرجوع إليه
هناك أن أكون ضمن الزمرة التي يخاطبها المولى سبحانه وتعالى بقوله:
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً)..
ولا يكون اليأس والحسرة ديدني فأقول: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..
ياااااه فيا للحسرة والندامة
(أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُلَمِنَ السَّاخِرِينَ *
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)..
(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)..
الإنسان الذي غفل عن حكمة الابتلاء بالمنع والعطاء . والذي أكل التراث أكلا لما, وأحب المال حبا جما . والذي لم يكرم اليتيم
ولم يحض على طعام المسكين . والذي طغى وأفسد وتولى.. يومئذ يتذكر.. يتذكر الحق ويتعظ بما يرى (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ) ..
ولكن لقد فات الأوان (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)..ولقد مضى عهد الذكرى , فما عادت تجدي هنا في دار الجزاء أحدا ! وإن هي إلا الحسرة
على فوات الفرصة في دار العمل في الحياة الدنيا !
وحين تتجلى له هذه الحقيقة: (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي). ي يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي هنا..
فهي الحياة الحقيقية التي تستحق اسم الحياة..
( وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) ...
وهي التي تستاهل الاستعداد والتقدمة والادخار لها..
(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)الفجر: 24ـ 30
(يَا لَيْتَنِي)..أمنية فيها الحسرة الظاهرة , وهي أقسى ما يملكه الإنسان في الآخرة !..
(يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..
(يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..
(يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..
(يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..
(يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)..
وسطرت لنفسي تاريخا للميلاد جديداً..
هناك تاريخ لم يكتبه أحدنا، هو (1/1/1)، في أول شهر في أول عام خلقت فيه الدنيا.. كان هذا يوم زفاف التاريخ إلي الأرض ،
ويوم زفاف حواء إلي آدم.. يوم بداية الحياة البشرية.
وكان العرس مقصورا علي آدم وحواء كان الشاهد الوحيد هو الله تبارك وتعالي، أما الملائكة فراحوا يتأملون - بدهشة البراءة -
هذه الخليقة الجديدة التي تعرف الحب رغم الرداء الترابي الذي ترتديه ..
هذا هو الزواج الحقيقي الذي لم يحضره أحدنا وليست له صورة عند أحدنا.. ماذا كتب آدم في دبلة الزواج؟ وماذا كتبت حواء في دبلتها؟
لماذا لم يكتب أحدهما هذا التاريخ (1/1/1)..
لم تكن هناك دبلة ولا زواج، كان هناك عناق روحي دائم، كان هناك أول يوم من أول شهر من أول عام خلقت فيه الدنيا،
أي جمال كان لهذا اليوم غير جمال البراءة والحزن..
خرج آدم وحواء من الجنة وهبطا إلي الأرض.
لم يكن في الجنة شهور ولا أيام ولا سنوات ولا شمس ولا زمهرير ولا مرض ولا موت ولا هموم، ثمة خلود فحسب،
والخلود لا يعرف هم القلق أو الحساب، ثم هاهما ينزلان إلى الأرض، والأرض مخاطر محسوبة وصراع وهلاك ..
أدرك آدم وحواء أنهما يبدآن حياة جديدة تماما.. لقد هبطا من الجنة.. وعصي آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدي..
نسي آدم أنه جائع، وفكر: ماذا يقدم من طعام لهذا اليوم الأول؟.
دموع الندم.. لا شيء في مكنته غير دموع الندم...
بكي الجد الأعلى للبشرية..
كان يبكي ذكريات أيام الصفاء الأولي، وكان يبكي ما فقده من ثمار جنة الطاعة والقرب، وهي ثمار كان مذاقها مازال عالقا بفؤاده..
بوصفي حفيدا لآدم، مازلت أحس بالحنين لهذا اليوم الأول من الشهر الأول من العام الأول من بدء الحياة.. أي براءة كانت لهذا اليوم،
أي عرس تم فيه، وأي سر خبأه اليوم وانطوي عليه.. وأي أفراح بكر كانت تلون ثوانيه ودقائقه وساعاته..
كانت الشمس عذراء لم تزل، وكانت حواء عذراء، وكان آدم يغسل دموع الندم واحتراق القلب بالحنين لهذه الساعات الأولي..
ومرت الدهور والحقب وصار اليوم حلما.. أما من سبيل لإيقاظ الحلم وبعثه والحياة في محارة البراءة؟.. أما من سبيل؟..
كان هذا هو السؤال الوحيد الذي يسيطر علىّ حتى قمت من نومي..فأصبح تاريخ ميلادي الجديد هوهو نفس تاريخ ميلاد جدي الأعلى1/1/1/....
ووقف بي الزمان عند هذا التاريخ..
عسى أن أكون ضمن زمرة من رضي الله تعالى عنهم بقوله:
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)الفجر: 27 ـ 30
هذا والله ولي التوفيق
زهدي جمال الدين محمد