المنتقى النفيس من تفسير العلامة ابن باديس رحمه الله (موضوع مرشح)

المنتقى النفيس من تفسير العلامة ابن باديس رحمه الله (موضوع مرشح)

  • ممتاز

    الأصوات: 8 88.9%
  • جيد

    الأصوات: 1 11.1%
  • عادي

    الأصوات: 0 0.0%
  • ضعيف

    الأصوات: 0 0.0%

  • مجموع المصوتين
    9
  • الاستطلاع مغلق .
إنضم
15/08/2010
المشاركات
53
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، و الصَّلاة و السَّلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، و من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه فوائد منتقاة جمعتها أثناء القراءة من تفسير العلامة عبد الحميد بن باديس الجزائري-رحمه الله تعالى-، ومنباب رجاء أجر الدلالة على الخير مصداقا لقول النبي – صلى الله عليه و سلم-: "من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله".الحديث،أنقلها لأخي القاري عساه يستفيد منها و يلحقني أجرها في الحياة و بعدالممات. وكذا من باب الرد على الطاعنين فيه بغير حق من أفراخ الصوفية وأمثالهم ؛ لأنَّ في بعض الفوائد التي سأنقلها-إن شاء الله- إفحاما لأهل الشرك والبدعة..وشدًا لعضد وأزر أهل التوحيد والسُنَّة..

ومن اطلع على تفسيره -والذي مكث فيه ربع قرن- في مثل ظروف وبيئة كالاستعمار الفرنسي الكافر ومؤازرة أهل الشرك والبدعة - لهم - من صوفية وطُرُقيَّة ؛ علم يقينا أن الشيخ بن باديس في تعرضه لمعاني الآيات له أسلوب تربوي قلَّ نظيره ، راعى فيه البناء العلمي للقاعدة العقدية التي يقتضيها الحال في الدعوة والنظر فيها إلى المآل، بهدف تحرير الجزائر من الخرافات، والشعوذة، والاحتلال الغاشم، وإرجاعها إلى حقيقة القرآن والسنة..لذا كان من الضروري أن يشرع في تفسير القرآن جاعلا نصب عينيه تلك الأهداف والمقاصد والتي ستتضح بعضها في الفوائد المنتقاة، وكان قد بدأ الشيخ تفسيره عام 1913م ، وانتهى منه في آخر ربيع عام/1938م، وهذا التفسير أصله مقالات بعنوان " مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير " نشرها الشيخ ابن باديس اقتداءً بعمل الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله تعالى-في مجلته: ( المنار ) كما قال هو نفسه في مجلة : (الشهاب-الجزائري-:11/453)، ولم يدوّن كله لانشغال الشيخ بن باديس بتأليف الرجال عن تأليف الكتب، وينظر مقدمة تحقيق الشيخ محمود الجزائري -نفع الله به- على تفسير ابن باديس في طبعته الأخيرة (طبعة دار الرشيد بالجزائر) فإنها مهمة، وسأحاول فيما يأتي من انتقاء للفوائد التركيز على الفوائد العقدية، والتوجيهات التربوية، و اللطائف السلوكية.. والله ولي التوفيق
 
"نبذة يسيرة عن الشيخ بن باديس-رحمه الله تعالى-"

ولد الشيخ عبد الحميد بن باديس- رحمه الله تعالى-بتاريخ: (4/ديسمبر/1889م)بقسنطينة شرق الجزائر ، وانحدر من أسرة عريقة، ورغم نفوذها السياسي منذقرون إلاَّ أنها أعلنت ولاءها للفرنسيين في وقت مبكر من الإحتلال بحكم مكانتها البارزة في المجتمع، وجدُّه (المكي بن باديس) كان قاضيا، و أول مستشار عام بقسنطينة لدى الفرنسيين، وقد تقلد وساما من يد نابليون الثالث،ودُعي للإستشارة في الجزائر، وباريس.
أما أبوه فقد كان مندوبا ماليا و عضوا في المجلس الأعلى، وباش آغا شرفيا،كما ذكر الأستاذ: عبد الكريم بوصفصاف في كتابه: (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و علاقتها بالحركات التحررية الجزائرية الأخرى) ، والشيخ عبد الحميد بن باديس – رحمه الله - من خريجي جامعة الزيتونة، ومن أبرز الدعاة المصلحين من رجال ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين )، وله جهود في الدعوة و الإصلاح الإسلامي - لا تنكر - متأثرة بأفكار: جمال الدين الأفغاني و محمد عبده والطاهر بن عاشور و محمد رشيد رضا وغيرهم؛ ممن انحرف عن العقيدة السلفية المحضة على تفاوت بينهم..
توفي- رحمه الله تعالى، و غفر له، و أسكنه فسيح جناته- بتاريخ: (16/أفريل/1940م)، وبموته خسرت الجزائر رجلا من رجالها المصلحين، الذابين عن الدين، وسيفا مصلتا على التيجانيين المبتدعين في الدين، و فرقة (العليوي) الحلوليين..
أسأل الله -تعالى- أن يغفر زلاته و يرفع درجاته، اللَّهم آمين.
 
(1) [ أدب و اقتداء ]

عند تفسيره على (سورة المائدة/15-16) قال:

على الداعي إلى الله و المناظر في العلم أن يقصد احقاق الحق و ابطال الباطل واقناع الخصم بالحق وجلبه إليه، فيقتصر من كل حديثه على ما يحصل لهذلك، ويتجنب ذكر العيوب و المثالب -ولو كانت هناك عيوب ومثالب- اقتداءً بهذا الأدب القرآني النبوي في التجاوز مما في القوم عن كثير.

وفي ذكر العيوب والمثالب خروج عن القصد، وبعد عن الأدب، وتعد عن الخصم وإبعاد له وتنفير عن الاستماع و القبول وهما المقصود من الدعوةوالمناظرة".اهـ

---

(2) [ الدعوة و الأعمال عيار على الأقوال ]

عند تفسيره على (سورة يوسف/108) قال:

"..وما انتشر الاسلام أول أمره بين الأمم إلاّ لأنّ الداعين إليه كانوا يدعون بالأعمال كما يدعون بالقول، وما زالت الأعمال عيارا على الأقوال".اهـ

وقال -كما في السابق-: " ومن الدعوة إلى الله بيان حجج الإسلام ودفع الشبه عنه ونشر محاسنه بين الأجانب عنه ليدخلوا فيه وبين مزعزعي العقيدة من أبنائه ليثبتوا عليه".اهـ

---

(3) [ تفرقة بين الدعاة: الصادقين و الكاذبين]

عند تفسيره على قوله تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } .الآية؛ قال:

"ليس كل من زعم أنه يدعو إلى الله يكون صادقا في دعواه فلابد من التفرقة بين الصادقين و الكاذبين، و الفرق بينهما مستفاد من الآية بوجهين:

الأول/ أنَّ الصادق لا يتحدث عن نفسه ولايجلب لها جاها ولا مالا ولا يبغي لها من الناس مدحا ولا رفعة، أما الكاذب فإنه بخلافه فلا يستطيع أن ينسى نفسه في أقواله و أعماله، وهذا الفرق من قوله تعالى {إلى الله}.
الثاني/ أنَّ الصادق يعتمد على الحجة والبرهان فلا تجد في كلامه كذبا ولا تلبيسا ولا ادعاء مجرداً؛ ولا تقع من سلوكه في دعوته على التواء ولا تناقض ولا اضطراب، وأما الكاذب فإنه بخلافه، فإنه يلقى دعاويه مجردة ويحاول تدعيمها بكل ما تصل غليه يده ولا يزال لذلك في حنايا وتعاريج ولا تزيده إلا بعدا عن الصراط المستقيم، و هذا الفرق من قوله تعالى: {على بصيرة}." اهـ

---

(4) [المباينة والبراءة من المشركين]

ومما قاله عند تفسير قوله تعالى:{ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }:

"الأمة التي بعث منها النبي –صلى الله عليه و سلم-هي أول أمة دعاها إلى الله هي الأمة العربية، وهي أمة كانت مشركة تعرف ان الله خلقها ورزقهاوتعبد مع ذلك أوثانها تزعم أنها تقربها إلى الله وتتوسط لها لديه، فكان النبي –صلى الله عليه و سلم-كما يدعو إلى الله وينزهه يعلن ببراءته منالمشركين و انه ليس منهم براءة من عقيدتهم و أقوال و أعمال شركهم فهو مباين لهم في العقد و القول و العمل مباينة الضد للضد فكما باين التوحيد الشرك، باين هو المشركين وذلك معنى قوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

وهذه البراءة و المباينة - وإن كانت مستفادة من أنه يدعو إلى الله وينزهه فإنها نص عليها بالتصريح لتأكيد أمر مباينة المشركين (والبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه و خفيه) في جميع مظاهر شركهم حتى في صورة القول كما شاء الله وشاء فلان فلا يقال هكذا ويقال: ثم شاء فلان كما جاء في حديث بيناه في الأجزاء الماضية أو في صورة الفعل كان يسوق بقرة أو شاة مثلا إلى ضريح من الضرحة ليذبحها عنده فإنه ضلال كما قاله (الشيخ الدردير في باب النذور). فضلا عن عقائدهم كاعتقاد أن هناك ديوانا من عباد الله يتصرف في ملك الله، وإن المذنب لا يدعو الله وإنما يسأل من يعتقد فيه الخير من الأموات، وذلك الميت يدعو له الله لتأكيد أمر المباينة للمشركين في هذا كله نص عليها بالتصريح كما قلنا، وللعبد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه وخفيه.
والمباينة والتبري لازمة من كل كفر وضلال، وذلك مستفاد من الدعوة إلى الله وتنزيهه، وإنما خصص المشركين لما تقدم، ولأن الشرك هو شر الكفر وأقبحه.
ولما كانت هذه المباينة والبراءة داخلة في الدعوة إلى الله وتنزيهه فالمسلمون المتبعون لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كما يدعون إلى الله على بصيرة وينزهونه يباينون المشركين في عقائدهم و أعمالهم و أقوالهم، ويطرحونالشرك بجميع وجوهه، ويعلنون براءتهم وانتفاءهم من المشركين. والحمد لله رب العالمين".اهـ
 
(5) [العلم و الحياة]


"العلم هو وحده الإمام المتبع في الحياة في الأقوال و الأفعال والاعتقادات".اهـ



---

(6). [الاعتقاد ثمرة الإدراك والعلم]


وقال رحمه الله: "سلوك الإنسان في الحياة مرتبط بتفكيره ارتباطا وثيقا، يستقيم باستقامته، ويموج باعوجاجه، ويثمر بإثماره،ويعقم بعقمه؛ لأن أفعاله ناشئة عن اعتقاداته، وأقواله أعراب عن تلك الاعتقادات، واعتقاداته ثمرة إدراكه الحاصل عن تفكيره و نظره..".اهـ



---


(7). [تحذير و اقتداء]


قال-رحمه الله- عند قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْبِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }:
"ما أكثر ما رأينا من قطعهم ما حصلوا من علم عن العلم فوقف بهم عندما انتهوا إليه فجمدوا وأكسبهم الغرور بما عندهم فتعظموا وتكلموا فيما لم يعلموا فضلوا و أضلوا وكانوا على أنفسهم وعلى الناس شر فتنة وأعظم بلاء فبمثل هذه الآية الكريمة يداوي نفسه من ابتلى بهذا المرض فيقلع عن جموده وغروره ويزداد مما ليس عنده ممن عنده علم ما لم يعلم. ويحذر و يقف عن طلب العلم ما دام فيه زمن من الحياة ويقتدي بهذا النبي الكريم صلى الله عليهوآله وسلم فلن يطلب من الله تعالى أن يزيده علما بما ييسر له من أسباب ومايفتح له من خزائن رحمته وما يلقيه في قلبه من نور وما يجعل له من فرقان ومايوفقه إليه من أصل ذلك كله وهو تقوى الله و العمل بما علمه. نسأل الله لنا و للمسلمين العلم النافع و العمل الصالح فهو ولي الهداية و التوفيق".اهـ



---


(8) [ العجب أصل الهلاك ]


قال-رحمه الله- عند قوله تعالى:{وَلاَ تَمْشِ فِيالأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً }:
"العجب أصل الهلاك: إذا أعجب المرء بنفسه عَمَى عن نقائصها، فلا يسعى فيإزالتها، ولها عن الفضائل فلا يسعى في اكتسابها فعاش ولا أخلاق له مصدرا لكل شر بعيدا عن كل خير.
وعن العجب بالنفس ينشأ الكبر على الناس و الاحتقار لهم حرمة ولم يراقب فيهم إلاً و لاذمة، وكان عليهم-مثل ما كان على نفسه-أظلم الظالمين.
وإبليس اللعين -نعوذ بالله تعالى منه- كان أصل هلاكه من عجبه بنفسه، وإنه خلق من نار، وأنه خير من آدم، فتكبر عليه فكان من الظالمين الهالكين ".اهـ



---

(9). [ التوحيد : في البداية و النهاية ]


قال-رحمه الله- :
" وفي افتتاح الآيات بقوله تعالى:{لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } وختمها بقوله تعالى:{ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً}: بيان من الله تعالى لخلقه بأن الدين هو أصل هذه الكمالات كلها، وهو سياج وقايتها وسوء حفظها، وأن التوحيد هو ملاك الأعمال وقوامها ومنه بدايتهاوإليه نهايتها.
وكذلك المسلم الموفق يبتدئ حياته بكلمة التوحيد حتى يموت عليها فالله نسأل-كما من علينا في البداية- أن يمن علينا في النهاية".اهـ



---

(10). [ إرشاد و تعميم ]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }:

" كل ما يصيب الإنسان من محن الدنيا ومصائبها وامراضها وخصوماتها، ومن جميع بلائها؛ لا ينجيه من شيء منه إلاّ فراره إلى الله.
ففي العدالة الشرعية ما يقطع كل نزاع، وفي المواعظ الدينية ما يهوِّن كلمصاب، وفي الهداية القرآنية والسيرة النبوية ما ينير كل سبيل من سبل النجاةوالسعادة في الحياة، يعرف ذلك الفقهاء القرآنيون السنيون، واسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".اهـ

 
(11). [ إحصاء الأعمال]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}:
" على العاقل، وقد علم أنه محاسب على أفعاله، وعلى آثار أقواله، أن لايفعل فعلا، ولا يقول قولا، حتى يتظر في عواقبه، فقد تكون تلك العواقب أضرّ عليه من أصل القول أو أصل الفعل، فقد يقول مرَّةً ويفعل الفعل مرَّةً، ثم يقتدي به فيه آلافٌ عديدةٌ في أزمنة متطاولة.
حقاً إنّ هذا لشيءٌ تنخلع منه القلوب، وترتعدُ منه الفرائصُ، وصدق القائل من السلف رضي الله عنهم: (السعيد من ماتت معه سيئاته)".اهـ

---




(12). [ميزان..]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }:
" عندما يختلف عليك الدعاة الذي يدَّعي كلٌّ منهم أنه يدعوك إلى الله تعالى، فانظر من يدعوك بالقرآن إلى القرآن - ومثله ما صح من السنة لأنها تفسيره و بيانه، فاتَّبعه لأنه هو المتبع للنبي - صلى الله عليه وسلم - فدعوته وجهاده بالقرآن، والممثل لما دلت عليه أمثال هذه الآية الكريمة من آيات القرآن".اهـ

---


(13). [نعمة ومنقبة]

وقال-رحمه الله- عند قوله تعالى{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }:
" قد سمَّى الله تعالى الجهاد بالقرآن جهادا كبيراً، وفي هذا منقبة كبرى للقائمين بالدعوة إلى الله بالقرآن العظيم، وفي ذلك نعمة عظيمة من الله عليهم حيث يسَّرهم لهذا الجهاد حتى ليصح أن يسموا بهذا الاسم الشريف (مجاهدون)، فحقٌّ عليهم أن يقدِّروا هذه النعمة ، ويؤدوا شكرها بالقول والعمل، والإخلاص والثبات، والصبر واليقين.
جعلنا الله والمسلمين منهم، وحشرنا في زمرتهم أجمعين".اهـ

---



(14) [بيان طائفتين : ( الفارة من الله، والفارة إليه ) ]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }:
" إذا رأينا طائفتين من المؤمنين تنازعتا:
فأما إحداهما فالتجأت إلى السلطان تستغيثه، وتستعين به، وتحطب في حبله، فأغاثها، وانتقم لها، وأمدّها، وقرّبها، وأدناها!.
وأما الأخرى فلم تستغث إلاّ بالله، ولم تستنصر إلاّ به، ولم تعتمد إلاّ عليه، ولم تعمل إلاّ فيما يرضيه من نشر هداية الإسلام، وما فيها من خير عام لجميع الأنام، وتحمّلت في سبيل ذلك كل ما تسببت لها فيه الطائفة الأخرى،ومن تولته وهربت إليه.
إذا رأينا هاتين الطائفتين عرفنا منهما - يقينا - الفارَّة من الله، والفارة إليه، فكنا - إنْ كُنّا مؤمنين- مع مَن فر إلى الله".اهـ

---




(15). [لزوم توحيد الله في الفرار إليه ]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }:
" ولا تجعلوا في فراركم إلى الله شيئا معه من مخلوقات تعتمدون عليه وتلتجئون إليه، فتكونوا قد أشركتم به سواه، فإني أحذركم ما في ذلكم من هلاككم بالشرك الذي لا يقبل الله معه من عمل، وإنني قد أبنت لكم لزوم توحيده في الفرار إليه كما بينت لكم لزوم ذلك الفرار".اهـ

---

(16). [الإمامة في الدين ]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى{وَالَّذِينَ يَقُولُونَرَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍوَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }:
" كان الأعرابي الجاهل المشرك يأتي للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيؤمن بهويصحبه، يتعلم منه الدين، وياخذ عنه الهدى، فيستنير عقله بعقائد الحق، وتتزكى نفسه بصفات الفضل، وتستقيم أعماله على طريق الهدى، فيرجع إلى قومه هاديا مهديًّا، إماما يُقتدى به ويُؤخذ عنه، كما اقتدى هو بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخذ عنه.
فعلى كل مؤمن أن يسلك هذا السلوك فيحضر مجالس العلم التي تذكِّره بآيات الله وأحاديث رسوله ما يصحح عقده، ويزكي نفسه، ويقوِّم عمله، وليطبق مايسمعه على نفسه، وليجاهد في تنفيذه على ظاهره وباطنه، وليداوم على هذا حتى يبلغ إلى ما قدّر له من كمال فيه، فيرجع وهو قد صار قدوة لغيره في حاله وسلوكه.
وطلبة العلم الذين وهبوا نفوسهم لله، وقَصَروا أعمارهم على طلب العلم، لدعوة الخلق إلى الله، هم المطالَبون على الأخص بهذا السلوك، ليصلوا إلى إمامة الحق وهداية الخلق، على اكمل حالة ومِن أقرب طريق.
فاللَّهم وفقنا واهدنا إلى سنة نبينا إذا اقتدينا وإذا اقتُدِيَ بنا. آمين يا رب العالمين".اهـ
 
(17) [سؤال العبد من ربه أن يهب له من الزوج و الذرية ما تقر به عينه]

قال-رحمه الله- عند الأحكام المستفادة من قوله تعالى{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}:
" -سؤال العبد من ربه أن يهب له من الزوج والذرية ما تقر به عينه، يقتضي سعيه بقدر استطاعته لتحصيل ذلك فيهما بالسببين المشروعين من السعي والدعاء.
فعليه أن يختار ويجتهد عندما يريد التزوج، وأن يقصد إلى ذات الدين.
وفي اختياره واجتهاده في جانب الزوجة سعي في اختيار الولد، فإن الزوجة الصالحة شانها أن تربي أولادها على الخير والصلاح.
ثم عليه أن يقوم بتعليم زوجه وأولاده وتهذيبهم وإرشادهم، فيكون قد قام بماعليه في الابتداء والاستمرار مع دوام التضرع إلى الله تعالى والابتهال".اهـ

---



(18) [ طلب الكمال كمال ]

قال-رحمه الله- عند الأحكام المستفادة من قوله تعالى{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }:
" طلب الرتب العليا في الخير والكمال والسبق إليها والتقدم فيها مما يدعونا الله إليه ويرغبنا بمثل هذه الآية فيه، كما قال تعالى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} لأن طلب الكمال كمال، ولأن من كانت غايته الرتب العليا إنْ لم يصل إلى أعلاها لم ينحط عن أدناها، وإن لم يُساوِ أهلها لم يبعد عنهم.
ومن لم يطلب الكمال بقي في النقص، ومن لم تكن له غاية سامية، قصر في السعي، وتوانى في العمل.
فالمؤمن يطلب أسمى الغايات حتى إذا لم يصل لم يبعد، وحتى يكون في مظنة الوصول بصحة القصد وصدق النية".اهـ

---



(19) [ ميزان معرفة دخيلة الإنسان ]

قال-رحمه الله-:
" قد تخفى عليك دخيلة نفس الإنسان فيمكنك أن تعرفها بما يجري به لسانه، فإذا جرت كلماته بمحبّة انتشار الخير والكمال فهو من أهلهما، وإذا جرت بالضد فهو على الضد.
فما يحب الإنسان انتشاره هو الدليل على صفات نفسه، وهو ميزان تزنه به في الشر والخير، والنقص والكمال".اهـ

---


(20) [ فأقبل - يا أخي - على القرآن ]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً }:
" الآيات الدالة على طلب التدبر والتفهم لآيات القرآن العظيم كثيرة، منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }.
فعلينا أن نحضر قلوبنا عند سماعها، ونستعمل عقولنا في فهمها، ونحمل أنفسنا على الاتعاظ بها، فإذا صدقت النية وأخلص التوجه فتح على العبد من وجوهالعلم والعمل ـ بإذن الله ـ بما لم يكن له بال.
وإن الله وصف هذا الكتاب بأنه مبارك لزيادة خيراته وتيسيره للذاكرين، ترغيبا لنا في فهمه وتدبّره، واستنزال الخيرات واستزادة البركات منه.
فأقبل ـ يا أخي ـ على القرآن: على استماعه وعلى تفهمه، والزم ذلك حتى يصير عادة لك وملكة فيك - ترَ من فضل الله وإقباله عليك ما يدنيك- إن شاء الله - ويعليك، ويعود بالخير الجزيل عليك.
والله نسأل لنا ولكم الإقبال على الله بتلاوة وتدبر كتابه، والتأدب بجميع آدابه، حتى نحشر في زمرة أحبابه، بمنّه وكرمه. آمين".اهـ
 
(21) [ قبول التذكير من كُلِّ مُذَكِّر ]

قال-رحمه الله-:
" كما تُقبل كلمةُ الحقِّ من كلِّ قائل، كذلك يُقبل التذكير من كلِّ مذكِّر، ولو كان المذكَّر من كمَّل العباد والمذكِّر من أوساطهم أو ادناهم، وفي عباد الرحمن المذكورين في استماعهم إذا ذُكِّروا من أيِّ مذكرٍ، القدوةُ الحسنةُ.
قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }، {وَمَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.
فالتذكير بآيات القرآن والأحاديث النبوية، هذا هو التذكير المشروع المتبوع، والدواء الناجع المجرَّب، ولذلك تجد مواعظ السلف كلها مبنية عليه راجعة إليه، والنصح لله ولرسوله وللمسلمين في لزوم ذلك والسير عليه".اهـ

---



(22) [ موعظة في " اللغو" ]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }:
" في الإقبال على اللغو شغل للبال به، وتكدير للخاطر بظلمته، وتضييع للوقت فيه.
ولكل كلمة تسمعها أو فعلة تشهدها اثرٌ في حياتك وإن قلّ، وقد يعقبها ضدها، فتزول بعدما شغلت وعطلت، وقد يردفها مثلها، فتثبت وتنمو وتسوء عاقبتها ولوبعد حين.
وبقدر ما تلتفت إلى اللغو تلتفت عن كرمك، وبقدر ما يعلق بك منه ينقص من زكائك، وبقدر ما تتساهل بالوقوف عليه تقرب من الدخول فيه، وإذا دخلت فيه واستأنست بأهله جرّك إلى الزور وعظائم الأمور.
وللشر أسباب متواصلة، وأنساب متصلة، يؤدي بعضها إلى بعض، فينتقل للمغرور الغافل من خفيِّها إلى جليِّها، ومن صغيرها إلى كبيرها، فالحازم من لم يسامح نفسه في قليلها، وتباعد كل البعد عنها وعن أهلها.
وقد هدتنا الآيات هذه لنهتدي، وذكرت عباد الرحمن لنقتدي، والله المستعان، ولا توفيق إلا به ".اهـ

---



(23) [ التوبة و الاصلاح]

قال-رحمه الله- عند قوله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }:
" يكون العاصي في غمرات معصيته، فإذا ذكر الله ووفقه الله اسف على حاله ورجع إلى ربه، وهذه اول الدرجات في توبته.
فإذا استشعر قلبُه اليقينَ واطمأن قلبُه بذكر الله صمَّم على الاعراض عن المعصية والاقبال على الطاعة.
فإذا كان صادقا في هذا العزم فلابد أن يظهر أثر ذلك على عمله.
فلهذا روعيت الحالة الأولى فذُكرت التوبة، والثانية فذُكرت الإيمان، والثالثة فذكر عملُ عملٍ صالح".اهـ

---



(24) [ تحذير و إرشاد ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً }:
" ما أكثر ما تسمع في دعاء الناس: ((يا رب و الشيخ))! ((يا رب وناس ربي))! ((يا رب والناس الملاح))!.
وهذا من دعاء غير الله مع الله،، فإياك أيها المسلم وإياه، وادع الله ربك وخالقك وحده وحده وحده، وأنف الشرك راغم ".اهـ

---



(25) [ مزيد بيان لتوحيد الرحمن-جل وعلا- ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِيحَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً }:
" ..من دعا غير الله فقد عبده، وإذا كان هو لا يسمي دعاءه لغير الله عبادة، فالحقيقة لا ترتفع بعدم تسميته لها باسمها وتسميته لها بغير اسمها، والعبرة بتسمية الشرع..".اهـ

---



(26) [ نكتة استطرادية ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ }:
"فمن هنا نعلم أن على المسلم الذي يعمل لتزكية نفسه أن يواظب على الطاعات بأنواعها، وأن يجتهد في حصول الأنس بها والخشوع فيها، فإن ذلك زيادة على مايثبت فيه من أصول الخير، يقلع منه أصول الشر ويميت منه بواعثه".اهـ
 
(27) [ عظم شأن الدماء ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }:
"ولعظم شأن الدماء كانت اول ما يُقضى فيه يوم القيامة بين الخلق.
فإيَّاك أيها الأخ أن تلقى الله تعالى بمشاركة في سفك قطرة من دم ظلما ولو بكلمة فإن الأمر صعب والموقف خطير!!".اهـ

---



(28) [ حالة وطننا في الأعم الأغلب في الولائم والمآتم ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }:
"حالة وطننا في الأعم الأغلب في الولائم و المآتم لا تخلو من السرف فيها الذي يؤدي إلى التقتير من بعدها، فيكون الإثم قد أصاب صاحبها بنوعيه، وأحاط به من ناحيتيه، والشر يجر إلى الشر، والإثم يهدي إلى مثله.
...إلى أن قال-رحمه الله تعالى- : وثَمَّ نوع آخر موجود في غالب القطر ويكثر في بعض الجبال، وهو أن بعض المأمورين من بعض شيوخ الطوائف يأتون بثلة من أتباعهم، فينزلون على المنتمين إليهم من ضعفاء الناس،فيذبح لهم العناق إن كانت، ويستدين لشرائها إن لم تكن، ويفرغ المزواد، ويكنس لهم مافي البيت ويصبح معدماً فقيراً مَديناً، ويصبح من يومه صبيته يتضاغون، ويمسي أهل ذلك المسكين يطحنهم البؤس، ويميتهم الشقاء ميتات متعددة في اليوم.
وشر ما في هذا الشر أنه يرتكب باسم الدين ويحسبه الجهال أنه قربة لرب العالمين.
فأما إذا جاء وقت شد الرحال إلى الأحياء والأموات، وتقديم النذور والزيارات، فحّدث هنالك عن أنواع السرف والتكلفات والتضييع للحقوق والواجبات.
فيا ليت الذين تأتيهم تلك الوفود يسألونهم فرداً فرداً عن حالهم، ومن أين جاءوهم بما جاءوهم به من أموالهم، فعساهم أن يطلعوا على بؤس أولئك المساكين فترق لهم قلوبهم، ويرجعوا إليهم مالهم أو يزيدوهم من عندهم، وليقتصروا على من يجدونهم أهل قدرة على ما دفعوه لهم من أموالهم.
فهذه نصيحة إذا عملوا بها خففت من الشر والبؤس عن الزائرين، ومن الإثم واللوم عن المزورين.
فهل بها من عاملين؟
وفقنا الله والمسلمين".اهـ

---



(29) [ اعـتـبــار ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً }:
"إن جهنم هي أقبح مستقر وأقبح مقام، وإن الدنيا هي مطية الآخرة، فمن ساء مستقره ومقامه في الدنيا ساء كذلك مستقره ومقامه في الآخرة.
وإن ملازمة العذاب في الآخرة على قدر ملازمة المعاصي في الدنيا، فمن لازمها بالكفر ومات عليه دامت له تلك الملازمة، ومن لازمها بالإصرار على الكبائركانت له على حسب ذلك الملازمة.
فعلى العاقل أن يحسن مقره ومقامه، وأن يجتنب كل موطن تلحقه فيه الملامة، وأن يجتنب مجالس السوء والبدعة، ويلازم مجالس الطاعة والسنة، وأن يسرع بالتوبة مفارقاً الذنوب، وألا يصر على شيء من القبائح والعيوب، وأن يكون سريع الرجوع إلى الله ولو عظم ذنبه وبلواه، فالله يحب التوابين ويغفر للأوابين.
جعلنا منهم أجمعين آمين".اهـ

---



(30) [ رد واستدلال ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَغَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً }:
"زعم قومٌ أنَّ أكمل أحوال العابد أن يعبد الله تعالى لا طمعا في جنته ولا خوفا من ناره!
وهذه الآية وغيرها ردٌّ قاطعٌ عليهم، ومثلها قول إبراهيم-عليه الصلاة والسلام-:{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }.في نصوص لا تُحصى كثرة.
وزعموا أنَّ كمال التعظيم لله ينافيه أن تكون العبادة معها خوف من عقابه أو طمع في ثوابه!
وأخطأوا فيما زعموا فإنَّ مبناها الخضوع والذل والافتقار والشعور بالحاجة والاضطرار، وإظهار العبد هذه العبودية بأتمها، ومِن أتمِّ مظهرٍ لها أن يخاف ويطمع كما يذل ويخضع.
ففي إظهار كمال نقص العبودية القيام بحق التعظيم والإجلال للربوبية، ولهذاكان الأنبياء -عليهم وآلهم الصلاة و السلام- وهم أشد الخَلق تعظيماً لله،أكثرهم خوفاً وتعوذاً من عذاب الله وسؤالاً لما عند الله! وكفى بهم حجة وقدوة.
وإن هذه المقالة تكاد تفضي إلى طرح الرجاء والخوف، وعليهما مبنى الأعمال لما فيهما من ظهور العبودية بالذل والاحتياج.
ومن دعاء القنوت الثابت المحفوظ: ((وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد)).
وهذا ضروري في الدين.
ولكن مثل هذه المقالة إنما يجر إليه الغلو وقلة الفقه في الدين في الكتاب والسنة وما كان عليه هدي السابقين الأولين".اهـ

---


(31) [ رد مع بيان صفات عباد الرحمان ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }:
"وفي تعريف القرآن لعباد الرحمن بعد تعريفه بالرحمن تشريف كبير لهم، وتبكيت لأولئك المتجاهلين المتكبرين.
ووجه آخر في المناسبة، وهو أنه لما ذكر التذكر والشكر في الليل و النهار في الآية المتقدمة، ذكر صفات المتذكرين الشاكرين، وما أثمره لهم تذكرهم وشكرهم، ترغيبا في التذكر والشكر.
وقولهم للجاهلين سلاما من مقتضى هونهم ورفقهم، فلذلك قرن به وعطف عليه.
...إلى أن قال رحمه الله: يقول تعالى: وعباد الرحمن ومماليكه القائمون بحق العبودية له هم أهل الرفق والسهولة، الذين يمشون على الأرض هينين فيمشيتهم، وفي معالجتهم لشؤون الحياة، ومعاملتهم للناس لحلمهم وتواضعهم، غيرمستكبرين، ولا متجبرين، ولا ساعين في الأرض بالفساد.
وإذا خاطبهم السفهاء بما لا ينبغي من الخطاب قابلوهم بالحلم، وقالوا لهم: سلاماً؛ لأنهم سلموا من الجهل، فسلم المخاطب لهم من أن يجهلوا عليه ولوجهل، أو قالوا لهم من الكلام ما فيه سلامة من الأذى والمكروه".اهـ


 
(32). [ توجيه وسلوك في "القول السلام" ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }:
"القول السلام محمود ومطلوب في كل حال، وإنما خصت حالة خطاب الجاهل؛ لأنهاالحالة التي تثور فيها ثائرة الغضب بما يكون من سفهه ومهاترته.
فعلى المؤمن أن يكون حاضر البال بهذه الآية عندما تسوق إليه الأقدارُ جاهلا فيخاطبه بما لا يرضيه، حتى يسلم من شره ويكسر من شرته، فيسلم له عرضهومروءته ودينه، ويسلم ذلك الجاهل - أيضا- من اللجاج في الشر والتمادي فيه.
فيكون المؤمن بقوله السلام وتادبه بادب القرآن قد حصل السلامة للجميع، وأعظم به من فضلٍ وأجرٍ في الدنيا والدين.
وفقنا الله لذلك والمسلمين أجمعين".اهـ

---



(33). [ فقه لغوي في لفظة " الخِلفة " ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }:
"اختيرت لفظة الخِلفة هنا لدلالتها على الهيئة، فتكون منبهة على هيأة هذا الاختلاف بالطول والقصر المختلفين في جهات من الارض، وذلك منبه على أسباب هذا الاختلاف من وضع جرم الأرض وجرم الشمس، وذلك كله من آيات الله الدالة عليه.
وبتلك الهيأة من الاختلاف المقدر المنظم عظمت النعمة على البشر، وشملتهم الرحمة، فكانت هذه اللفظة الواحدة منبهة على ما في اختلاف الليل والنهار من آية دالة، ومن نعمة عامة، وهكذا جميع ألفاظ القرآن في انتقائها لمواضعها".اهـ

---



(34). [ إكرام الله لعبده بتحميله أعباء الرسالة وحده]

قال -رحمه الله- عند قوله تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً }:
"قد استفيد من الآيات المتقدمة ما كان يكابد النبي صلى الله عليه وسلم من إذاية قومه، وما كان يلقاه من مكابرته للحق وتعنتهم بالباطل، وما كان يعانيه من الجهد الجهيد في إنذارهم وتبليغ دين الله تعالى غليهم، وقد أحاط به الأعداء من كل جانب، ولقيته العقبات من كل ناحية، وهو في ذلك كله جاهدٌ في القيام بتبليغ الأمانة، ناهض بأعباء الرسالة، ماضٍ في تلك السبيل ليسمعه من نذير، وقد كان ذلك مما تتفسخ له القوى البشرية لولا تأييد من الله.
فأراد تعالى في هذه الآية أن يثبته في مقامه، ويؤنسه في انفراده، فيبين له أن تخصيصه بالقيام هذ المقام العظيم هو لأجل تعظيمه وتكريمه، وتخصيصه بالأجر الكثير، والثواب الذي ليس له من مثيل".اهـ

---



(35). [ تأسٍ ورجاء ]

قال -رحمه الله- عند قوله تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً }:
"قد ثبت في السنة ما يكون من كثرة الجهل وموت السنة وانتشار البدعة، وقد أيد ذلك الواقع والمشاهدة.
فإذا كان دعاة العلم و السنة، وخصوم الجهل والبدعة، فلا بد أن يكونوا قليلا في العدد الكثير خصوصا في مبدإ أمرهم وأول دعوتهم، ولابد أن يلقوا مايلقون ويقاسوا ما يقاسون.
ومما يثبت قلوبهم في عظيم مواقفهم تأسيهم بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء وحده بالحق والناس كلهم على الباطل، فما زال يجاهد حتى لقي ربه.
ومما يثبت قلوبهم أيضا رجاؤهم- إذا أخلصوا النية واحسنوا الاقتداء-فيما يكون لهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل في جهادهم على قتلهم، وفيما يكون لهم من الثواب كذلك فيمن اهتدى بهم، وفيمن بذلوا جهدهم في هدايته، وكانت لهم الرغبة العظيمة في إيصال الخير إليه، وإن لم يرجع إليهم".اهـ

---




(36). [ توجيه ]

قال -رحمه الله- عند قوله تعالى { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً }:
"رفعوا وجوههم في الدنيا عن السجود لله، فأذل الله تلك الوجوه فمشوا عليها في المحشر، ورفعوا رؤوسهم كِبراً عن الحق فنكَّسها الله يوم القيامة، ومشوا في طريق النظر و الاستدلال مشياً مقلوباً، فمشوا في الآخرة مشياً مقلوباً، فكان ما نالهم من سوء تلك الحال جزاءً وفاقاً لما أتوا من قبيح الأعمال. وما ربك بظلام للعبيد".اهـ

---



(37). [ تحذير ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً }:
"فيما يذكره الله تعالى من هذا الجزاء العادل تخويف عظيم لنا من سوء الأعمال التي تؤدي إلى سوء الجزاء، وخصوصاً من مثل ما ذكر فيما تقدم من ترك السجود والكبر على الحق والنظر المقلوب.
عصمنا الله و المسلمين أجمعين بالعلم والدين، وهدانا سنن المرسلين، آمين يا رب العالمين".اهـ

---



(38). [ اهتداء ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }:
"ولا يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون وأمثالهم بكلام يحسنونه ويزخرفونه،ويصورون به شبهةً باطلةً، أو اعتراضاً فاسداً، إلا جئناك بالكلام الحق، الذي يدمغ باطلهم، ويدحض شبهتهم، وينقض اعترافهم، ويكون أحسن بياناً وأكمل تفصيلاً ".اهـ

---



(39). [ اقتداء]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }:
"إذا تتبعتَ آيات القرآن وجدتهاَ قد أتت بالعدد الوافر من شُبه الضالين واعتراضاتهم، ونقضَتْها بالحق الواضح والبيان الكاشف في أوجز لفظ وأقربه وأبلغه.
وهذا قسم عظيم جليل من علوم القرآن يتحتم على رجال الدعوة والإرشاد أن يكون لهم به فضل عناية ومزيد دراية وخبرة.
ولا نحسب شبهة ترد على الإسلام إلاَّ وفي القرآن العظيم ردُّها بهذا الوعد الصادق من هذه الآية الكريمة.
فعلينا عند ورود كل شبهة من كل ذي ضلالة أن نفزع إلى آي القرآن، ولا أخالنا إذا أخلصنا القصد وأحسنا النظر إلاَّ واجديها فيها، وكيف لا نجدها في آيات ربنا التي هي الحق وأحسن تفسيراً؟".اهـ

---



(40). [ الاقتداء بالقرآن في الاتيان بالحق في مقام الحِجاج والبيان ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }:
"لنقتد بالقرآن فيما ناتي به من كلام في مقام الحِجاج أو مقام الإرشاد،فلنتوخ دائما الحق الثابت بالبرهان أو بالعيان، ولنفسره أحسن التفسير، ولنشرحه أكمل الشرح، ولنقربه إلى الأذهان غاية التقريب، وهذا يستدعي صحة الإدراك، وجودة الفهم، ومتانة العلم، لتصور الحق ومعرفته، ويستدعي حسن البيان، وعلوم اللسان، لتصوير الحق وتجليته والدفاع عنه.
فللإقتداء بالقرآن في الإتيان بالحق وأحسن بيان، علينا أن نحصل هذه كلها ونتدرب فيها ونتمرن عليها حتى نبلغ إلى ما قدر لنا منها.
هذا ما على أهل الدعوة والإرشاد وخدمة الإسلام والقرآن.
فأما ما على عموم المسلمين من هذا الاقتداء: فهو دوام القصد إلى الإتيان بالحق، وبذل الجهد في التعبير بأحسن لفظ وأقربه، ومن أخلص قصده في شيء وجعله من وكده أعين -بإذن الله تعالى- عليه ".اهـ

---


(41). [ تــأسٍّ و بشارة ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياًوَنَصِيراً }:
"حق على حزب القرآن الداعين به والداعين إليه أن يقتدوا بالأنبياء والمرسلين في الصبر على الدعوة، والمضي فيها، والثبات عليها، وأن يداووا أنفسهم عند ألمها واضطرابها بالتأسي بأولئك السادة الأخيار.

-بشارة:
قد وعد الله تعالى نبيه- بعدما أمره بالتأسي والصبر-بالهداية والنصر.
وفي هذا بشارة للدعاة من أمته من بعده السائرين في الدعوة بالقرآن وإلى القرآن على نهجه، أنه يهديهم وينصرهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِين َجَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } معهم بالفضل والنصر والتأييد، وهذا عام للمجاهدين المحسنين، والحمد لله رب العالمين".اهـ
 
(42). [ شكوى النبي الكريم من هجر القرآن الكريم ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }:
"في قوله: يا رب، إظهار لتعظيم التجائه، وشدة اعتماده، وتمام تفويضه لمالكه ومدبر أمره وموالي الإنعام عليه.
وفي التعبير عنهم بقومه وإضافتهم إليه، وفي التعبير عن القرآن باسم الإشارة القريب، بيان لعظيم جرمهم بتركهم للقرآن وهو قريب منهم في متناولهم، وقدأتاهم به واحد منهم أقرب الناس إليهم، فصدوا وأبعدوا في الصد عمن هو إليهم قريب من قريب. وهذا أقبح الصد وأظلمه.
وفي قوله: (اتخذوا..إلخ) بيان أنهم جعلوا الهجر ملازماً له ووصفاً من أوصافه عندهم، وذلك أعظم من أن يقال: هجروه، الذي يفيد وقوع الهجران منهمدون دلالة على الثوبت والملازمة".اهـ

---



(43). [ بيان واستشهاد فيمن هجر القرآن ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }:
"شرُّ الهاجرين للقرآن الذين يضعون من عند أنفسهم ما يعارضونه به، ويصرفون وجوه الناس إليهم وإلى ما وضعوه عنه، لأنهم جمعوا بين صدهم وهجرهم في انفسهم وصد غيرهم، فكان شرهم متعدياً وبلاؤهم متجاوزاً، وشر الشر وأعظم البلاء ما كان كذلك.
وفي هؤلاء جاء ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه ((إعلام الموقعين)) عن حماد بن سلمة ثنا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن يزيد بن أبي عميرة عن معاذ بن جبل قال: ((تكون فتن، يكثر المال، ويفتح القرآن، حتى يقرأه الرجل والمرأة، والصغير و الكبير، والمنافق والمؤمن، فيقرؤه الرجل فلا يُتَّبَع،فيقول: والله لأقرأنه علانية، فيقرؤه علانية فلا يُتَّبع، فيتخذ مسجدا، ويبتدع كلاما ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإياكم وإياه، فإنه بدعة وضلالة)). قاله معاذ ثلاث مرات.اهـ.
فانظر في قطرنا وفي غير قطرنا، كم تجد ممن بنى موضعاً للصلاة، ووضع كتباً من عنده، أو مما وضعه أسلافه من قبله، وروَّجها بين أتباعه! فأقبلوا عليها،وهجروا القرآن، وربما يكون بعضهم قصد بما وضع النفع فأخطأ وجهه، إذ لا نفع بما صرف عباد الله عن كتاب الله، وإنما يدعى لله بكتاب الله، ولذلك سمي صنيع هذا الواضع بدعة وضلال، وحذر منه وأكد في التحذير بالتكرير.
وهذا الحديث وإن كان موقوفا على معاذ فهو في حكم المرفوع، لأنه إخبار بمغيب مستقبل، وهذا ما كان يعلمه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إلاَّ بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تحقق مضمونه في المسلمين منذ ازمان ولاحول ولا قوة إلا بالله".اهـ

---




(44). [ سبيل النجاة في اتباع الكتاب و السنة ]

قال -رحمه الله- عند قوله تعالى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }:
"لا نجاة لنا من هذا التيه الذي نحن فيه، والعذاب المنوع الذي نذوقه ونقاسيه، إلا بالرجوع إلى القرآن: إلى علمه وهديه وبناء العقائد والأحكام والآداب عليه والتفقه فيه، وفي السنة النبوية: شرحه وبيانه، والإستعانة على ذلك بإخلاص القصد وصحة الفهم، والإعتضاد بأنظار العلماء الراسخين،والإهتداء بهديهم في الفهم عن رب العالمين.
وهذا أمر قريب على من قربه الله عليه، ميسر على من توكل على الله فيه، وقدبدت طلائعه والحمد لله، وهي آخذة في الزيادة إن شاء الله، وسبحان من يحي العظام وهي رميم".اهـ

---


(45). [ الحاق واعتبار ]

قال -رحمه الله- عند قوله تعالى {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً }:
"..وكما أن من عَدَلَ عن الإسلام ولم يسلك سبيله وقع في ضلال الكفر، كذلك من عدل عن السنة ولم يسلك سبيلها وقع في ضلال الابتداع.
وكما أن من لم يتخذ مع الرسول سبيل الإسلام يندم أشد الندم ويتحسر أعظم الحسرة على ما كان من تفريطه، كذلك من لم يتخذ مع الرسول سبيل السنة، إذكلٌّ منهما قد ظلم نفسه، وفرط في سبيل نجاته.
فالآية وإن كانت في الكافر والمشرك فهي تتناول بطريق الإعتبار أهل الأهواء والبدع.
وبهذا كانت الآية متناولة بوعظها وترهيبها جميع الخلق ممن لم يدخل فيالإسلام، أو دخل فيه ولم يلتزم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم".اهـ


 
(46). [ حسن الموعظة ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }:
"الموعظة التي تحصل المقصود منها من ترقيق للقلوب، وللحمل على الامتثال لما فيه خير الدنيا و الآخرة، هي الموعظة الحسنة.
وإنما يحصل المقصود منها إذا حسن لفظها بوضوح دلالته على معناها، وحسن معناها بعظيم وقعه في النفوس، فعذبت في الأسماع، واستقرت في القلوب، وبلغت من دواخل النفس البشرية، فأثارت الرغبة والرهبة وبعثت الرجاء والخوف، بلاتقنيط من رحمة الله، ولا تأمين من مكره، وانبعثت عن إيمان ويقين، وتأدت بحماس وتأثر، فتلقتها النفس من النفس، وتلقفها القلب من القلب، إلاّ نفساً أحاطت بها ظلمة، وقلباً عمّ عليه الرّان، عافى الله قلوب المؤمنين".اهـ

---



(47). [ اهتداء ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }:
"هدتنا الآية الكريمة بمنطوقها ومفهومها إلى أنَّ من الموعظة ما هو حسن، وهو الذي تكون به الدعوة، ومنها ما هو ليس بحسن فيجتنب.
وبينت مواعظ القرآن ومواعظ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحسن.
فعلينا أن نلتزمه لأنه هو الذي تبلغ به الموعظة غايتها، وتثمر بإذن الله ثمرتها، وعلينا أن نجتنب كل ما خالفه مما يعدم ثمرة الموعظة كتعقيد ألفاظها، أو يقبلها إلى ضدّ المقصود منها، كذكر الآثار الواهية التي فيها أعظم الجزاء على أقل الأعمال".اهـ

---



(48). [ نداء وتحذير للخطباء ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }:
"أكثر الخطباء في الجمعات اليوم في قطرنا يخطبون الناس بخطب معقدة مسجعة طويلة من مخلفات الماضي، لا يراعى فيها شيءٌ من أوحال الحاضر وأمراض السامعين، تُلقى بترنُّم وتلحين، أو غمغمةٍ وتمطيط، ثم كثيرا ما تُختم بالأحاديث المنكرات، أو الموضوعات.
هذه حالة بدعية في شعيرة من أعظم الشعائر الإسلامية سدَّ بها أهلها باباً عظيما من الخير فتحه الإسلام، وعطَّلوا بها الوعظ والإرشاد، وهو ركن عظيم من أركان الإسلام.
فحذار أيها المؤمن من أن تكون مثلهم إذا وقفتَ خطيباً في الناس، وحذار من أن تترك طريقة القرآن والمواعظ النبوية إلى ما أحدثه المحدثون".اهـ

---



(49). [ ترغيب في طلب العلم ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }:
"قد دعانا الله إلى العلم، ورغبنا فيه في غير ما آية، وأعلمنا أنه خلق لنا ما في السموات وما في الأرض جميعا، وأمرنا بالنظر فيما خلقه لنا، وأعلمنا هنا أن في هذه المخلوقات أسراراً بينها القرآن واشتمل عليها، وكان ذلك من حجته العلمية على الخلق.
فكان في هذا ترغيب لنا في التقصي في العلم، والتعمق في البحث، لنطلع على كلما نشتطيع الإطلاع عليه من تلك الأسرار: أسرار آيات الأكوان والعمران، وآيات القرآن، فنزداد علما وعرفانا، ونزيد الدين حجة وبرهانا، ونجني من هذا الكون جلائل ودقائق النعم، فيعظم شكرنا للرب الكريم المنعم.
فقهنا الله في كتابه، ووفقنا إلى الاهتداء به والسير على سننه".اهـ

---


(50). [ التحذير من الأحكام السطحية دون بحث الحقائق]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}:
"علينا أن نحذر من أن نعترض أو نحكم بالأنظار السطحية دون بحث عن الحقائق، أو أن نلحق شيئًا بشيء دون أن نتحقق انتفاء جميع الفوارق.
فقد انتشرت بعدم الحذر من هذين الأمرين جهالات، وارتكبت ضلالات.
وبالنظر السطحي ازدرى إبليس آدم فامتنع من السجود له واعترض على خالقه، فكانت عليه اللعنة إلى يوم الدين.
وبعدم النظر إلى الفوارق، قال أحد ابني آدم لأخيه لما تقبل قربانه دونه هو { َأَقْتُلَنَّكَ }، حتى ذكَّره أخوه بوجود الفارق، فقال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }.
وحقيقة الأول ترجع إلى الجهل المركب، وحقيقة الثاني ترجع إلى القياس الفاسد، وهما أعظم أصول الفساد والضلال".اهـ
 
(51). [ الإبتلاء بالنعم ]


قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ.كَلَّا}:
"فلا يجوز أن نغتر بالمال والقوة والجاه وأنواع النعيم إذا سيقت إلينا، فنحسب أنها هي نفس الكرامة الربانية التي دعينا إلى العمل لنيلها، بل إنمانعدها كذلك إذا كان معها التوفيق إلى شكرها بالقيام بحقوقها وصرفها فيوجوهها.
ولا نغتر بحالة الضيق والعسر والضعف، فنحسب أنها إهانة من الله لصاحبها، بل علينا أن ننظر إلى ما معها من صبر ورجاء وبر، أو ضجر وياس وفجور: فنعلم حينئذ أنها مع الولى للتمحيص والتثبيت، ومع الأخيرة للزجر والعقاب بعدل وحكمة من أحكم الحاكمين".اهـ



---

(52). [الامتحان والاختبار قبل الحكم ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }:
"علمنا من هذه الآية وغيرها أن الله تعالى يمتحن عباده ويختبرهم ليظهر حقائقهم، فلنقتد به تعالى في هذا، فنبني أمورنا على الامتحان والاختبار،فلا نقرر علما، ولا نصدر حكما إلا بعد ذلك، وخصوصا في معرفة الناس والحكم عليهم، فالظواهر كثيرا ما تخالف البواطن، والتصنع والتكلف، قلما يسلم منهما أحد، ولا يعصم من الخطأ مع هذه المغالطات كلها إلا الامتحان والاختبار، فاعتصم بهما".اهـ



---

(53). [فتنة العباد بعضهم ببعض: "امتحان وصبر" ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }:
"كل من اتصل بك من أهلك وبنيك وأبيك وأمك واصحابك وعشيرتك وقومك، وكل من ترتبط به برباط من أبناء جنسك-هو فتنة وامتحان لك، هل تقوم بواجبك نحوه منجلب خير له او دفع شر عنه أو جلب خير منه لغيره أو دفع شر عن غيره، وهل تكفيدك عن شيئه، وتكف بصرك عما متع به، وتسأل الله مما عنده من فضله؟



وإنما تقوم بواجبك نحوه مما تقدم، وتكف يدك وعينك عنه، وتسأل الله مما عنده راضيا بما قسم لك، معتقدا الخير كل الخير في قسمه -إذا تدرعت بالصبر على إتيان ما يطلب منك إتيانه وإن كان عليك ثقيلا، والكف عما يطلب منك الانكفاف عنه وإن كان منك قريبا وفي طبعك لذيذا، وإنما يكون لكهذا الصبر إذا كنت دائم اليقين بعلم الله بك واطلاعه عليك، وأنه كان بك بصيرا.



هذه الحقائق كلها هدتنا هذه الآية الكريمة إليها: هدتنا إلى انا امتحنا ببعضنا، وأن الذي يخلصنا في هذا الامتحان، ويخرجنا سالمين هو الصبر..



فلنهتد بهدايتها إلى هدايتنا إليه، ولنتدرع في هذا الامتحان العظيم بالصبر المتين، ولنستحضر في قلوبنا مراقبة الله لنا لتثبت قدمنا في مقام الصبر بروح اليقين، فبذلك نخرج-إن شاء الله تعالى-من نار الفتنة ذهبا خالصا نقيا، وجوهرا طيبا زكيا، فنسعد في الدارين برضى رب العالمين، والله ولي التوفيق".اهـ



---
(54). [الحق والبيان في آيات القرآن ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }:
"ولا يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون وأمثالهم بكلام يحسنونه ويزخرفونه، ويصورون به شبهة باطلة، أو اعتراضا فاسدا، إلا جئناك بالكلام الحق، الذي يدمغ باطلهم، ويدحض شبهتهم، وينقض اعتراضهم، ويكون أحسن بينا وأكمل تفصيلا.
إذا تتبعت آيات القرآن وجدتها قد اتت بالعدد الوافر من شُبه الضالين واعتراضاتهم، ونَقَضَتْها بالحق الواضح والبيان الكاشف في أوجز لفظ وأقربه وأبلغه.
وهذا قسم عظيم جليل من علوم القرآن يتحتم على رجال الدعوة والإرشاد أن يكون لهم به فضل عناية ومزيد دراية وخبرة.
ولا نحسب شبهة ترد على الاسلام إلاَّ وفي القرآن العظيم ردُّها بهذا الوعد الصادق من هذه الآية الكريمة.
فعلينا عند ورود كل شبهة من كل ذي ضلالة أن نفزع إلى آي القرآن، ولا أخالنا إذا أخلصنا القصد وأحسنا النظر إلاَّ واجديها فيها، وكيف لاتجدها في آيات ربنا التي هي الحق وأحسن تفسيرا؟".اهـ



---
(55). [ الاقتداء بكتاب الله-جل وعلا-في مقام الحجاج والارشاد ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }:
"ولنقتد بالقرآن فيما نأتي به من كلام في مقام الحجاج أو مقام الإرشاد،فلنتوخ دائما الحق الثابت بالبرهان أو بالعيان، ولنفسره أحسن التفسير،ولنشرحه اكمل الشرح، ولنقربه إلى الأذهان غاية التقريب، وهذا يستدعي صحةالإدراك، وجودة الفهم، ومتانة العلم، لتصور الحق ومعرفته، ويستدعي حسن البيان، وعلوم اللسان، لتصوير الحق وتجليته والدفاع عنه.
فللاقتداء بالقرآن في الإتيان بالحق وأحسن بيان، علينا أن نحصل هذه كلها ونتدرب فيها ونتمرن عليها حتى نبلغ إلى ما قدر لنا منها.
هذا ما على أهل الدعوة و الإرشاد وخدمة الإسلام والقرآن.
فأما ما على عموم المسلمين من هذا الاقتداء: فهو دوام القصد إلى الإتيان بالحق، وبذل الجهد في التعبير بأحسن لفظ وأقربه، ومن أخلص قصده في شيء وجعله من وكده أعين-بإذن الله تعالى-عليه".اهـ



---
(56). [ الجهاد بالقرآن العظيم ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }:
"كما لايجوز طاعة الكافرين في شيء مما يمليه عليهم كفرهم، كذلك لاتجوز طاعة العصاة في شيء مما تمليه عليهم معصيتهم، لأن الجميع فيه مخالفة لدين الله.
وكما يجاهد أهل الكفر بالقرآن العظيم الجهاد الكبير، كذلك يجاهد به أهل المعصية لانه كتاب الهداية لكل ضال، والدعوة لكل مرشد.
وفي ذكر الكافرين تنبيه على العصاة، من التنبيه بالأعلى على الأدنى، لاشتراكهم في العلة، وهي المخالفة".اهـ



---
(57). [ اجتانب طاعة الكفار وجهادهم بالقرآن ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }:
"ما كان للنبي-صلى الله عليه وسلم-ليطيع الكافرين، وإنما جاء هذا النهي تهييجا له على تمام مخالفتهم ومعاكستهم في جميع مناحي ومظاهر كفرهم، والخطاب وإن كان له، فالحكم شامل لأمته.
فلا يجوز لمسلم أن يطيع كافراً أو عاصياً في أي شيء من نواحي الكفر ونواحي المعصية.
وكما أن الجهاد بالقرآن العظيم هو فرض عليه، فكذلك هو فرض على أمته هكذا على الإجمال، وعند التفصيل تجده فرضاً على الدعاة والمرشدين الذين يقومون بهذا الفرض الكفائي على المسلمين.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم-قدوة لأمته فيما اشتملت عليه الىية من نهي وأمر".اهـ



---
(58). [ الميزان عندما يختلف عليك الدعاة! ]
وقال-رحمه الله-عند قوله تعالى {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }:
"عندما يختلف عليك الدعاة الذين يدَّعي كلٌّ منهم أنه يدعوك إلى الله تعالى، فانظر من يدعوك بالقرآن إلى القرآن -ومثله ما صح من السنة لأنها تفسيره وبيانه، فاتَّبعه لأنه هو المتبع للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وجهاده بالقرآن، والممثل لما دلت عليه أمثال هذه الآية الكريمة من ايات القرآن".اهـ

---

(59). [ فقه لغوي في تعاقب الليل والنهار ]
قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَل َاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }:
"اختيرت لفظة الخِلفة هنا لدلالتها على الهيئة، فتكون منبهة على هيأة هذا الاختلاف بالطول والقصر المختلفين في جهات من الأرض، وذلك منبه على أسباب هذا الاختلاف من وضع جرم الأرض وجرم الشمس، وذلك كله من آيات الله الدالة عليه.
وبتلك الهيأة من الاختلاف المقدر المنظم عظمت النعمة على البشر، وشملتهم الرحمة، فكانت هذه اللفظة الواحدة منبهة على ما في اختلاف الليل والنهار منىية دالة، ومن نعمة عامة، وهكذا جميع ألفاظ القرآن في انتقائها لمواضعها".اهـ

---


(60). [ فقه قرآني في: (الإرادة، الفكر، العمل) ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }:
"حياة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها مبنية على هذه الأركان الثلاثة: الإرادة، والفكر، والعمل.
وهي المذكورات في هذه الآية؛ لأن التذكر بالتفكر، والشكر بالعمل.
فاستفادة الإنسان مما خلقه الله له وجعله لأجله لا تكون إلاَّ بهذه الثلاثة.
وهذه الثلاثة متوقفة على ثلاثة أخرى لا بد للإنسان منها: فالعمل متوقف على البدن، والفكر متوقف على العقل، والإرادة متوقفة على الخلق.
فالتفكير الصحيح من العقل الصحيح، والإرادة القوية من الخلق المتين، والعلم المفيد من البدن السليم.
فلهذا كان الإنسانُ مأموراً بالمحافظة على هذه الثلاثة: عقله وخلقه وبدنه، ودفع المضار عنها، فيثقف عقله بالعلم، ويقوّم أخلاقه بالسلوك النبوي، ويقوى بدنه بتنظيم الغذاء وتوقي الأذى والتريض على العمل".اهـ
 
(61). [ واجب القائد والزعيم ]


قال-رحمه الله-عند قوله تعالى { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوام َسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ }:
"هذه النملة هي كبيرة النمل، فقد كان عندها من قوة الإحساس ما أدركت به الخطر قبل غيرها فبادرت بالإنذار.
فلا يصلح لقيادة الأمم وزعامتها إلاَّ من كان عنده من بُعد النظر، وصدق الحدس، وصائب الفراسة، وقوة الإدراك للأمور قبل وقوعها، ما يمتاز به عنغيره، ويكون سريع الإنذار بما يحسّ وما يتوقع".اهـ



---





(62). [ نملة وفت لقومها! ( عظة بالغة ) ]


قال-رحمه الله-عند قوله تعالى { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ }:
"هذه نملة وفت لقومها، وأدت نحوهم واجبها، فكيف بالإنسان العاقل فيما يجب عليه نحو قومه!
هذه عظة بالغة لمن لا يهتم بأمور قومه ولا يؤدي الواجب نحوهم، ولمن يرى الخطر داهما لقومه فيسكت ويتعامى، ولمن يقود الخطر إليهم ويصبه بيده عليهم.
آه..! ما أحوجنا -معشر المسلمين-إلى أمثال هذه النملة!".اهـ



---





(63). [ آية في نظام الجندية تاريخ وقدوة ]


قال-رحمه الله-عند قوله تعالى {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }:
"تفيدنا الآية بصورة تامة لنظام الجندية في ملك سليمان، فقد كان الجنود يُسرَّحون من الخدمة، ويجمعون عند الحاجة، وكانت أعيانهم معروفة مضبوطة، وكانت لهم هيئة تعرفهم وتضبطهم وتجمعهم عند الحاجة، وكان لهم ضباط يتولون تنظيمهم، وكان النظام محكماً لضبط تلك الكثرة، ومنعها من الاضطراب والاختلال والفوضى.
تعرض علينا الآية هذه الصورة التاريخية الواقعية، تعليما لنا، وتربية على الجندية المضبوطة المنظمة.
ولا شك أن الخلفاء الأولين قد عملوا على ذلك في تنظيم جيوشهم، وأن مثل هذه الآية كان له الأثر البليغ الشريع في نفوس العرب لما أسلموا، فسرعان ماتحوّلوا إلى جنود منظمة مما لم يكن معروفا عندهم في الجاهلية.
وبقيت الآية على الدهر مذكِّرةً لنا بأن أساس كُلِّ مجتمع واجتماع، وأن القوى والكثرة وحدهما لا تغنيان بدون نظام، وأن النظام لا بد له من رجال أكفاء يقومون به ويحملون الجموع عليه، وأولئك هم الوازعون".اهـ



---





(63). [ توجيه ]


قال-رحمه الله-عند قوله تعالى{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْر ِوَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }:
"ذكر سليمان-عليه السلام-منطق الطير، وهو قد علم منطق غير الطير أيضا، فقد فهم نطق النملة، ذلك لأن الحيوانات غير الإنسان مراتب: الزاحفة، والماشية، والطائرة، وأشرفها الطائرة، فاقتصر على الطير تنبيها بالأعلى على الأدنى".اهـ



---





(64). [ فقه وأدب في مقام الفرح بنعمة الله تعالى ]


قال-رحمه الله-عند قوله تعالى{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }:
"يجوز لمن أنعم الله عليه بنعمة وفضّله بفضيلة أن يفرح بتلك النعمة، ويظهر فرحه بها في معرض حمد الله عليها، من حيث أنها كرامة من الله، لا من حيث أنها مزية من مزاياه فاق بها سواه، مثلما فعل هذان النبيان الكريمان، وكماقال تعالى : {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ }.
وكثيرا ما يكون التفات المرء إلى نفسه حاجبا له من غيره، فيذكر من شأنه ما أفرحه ويسكت عن غيره، وفيهم من هو مثله ومن فوقه، فقد يجرّ هذا إلى عُجب بنفسه وغمط من عداه.
فلهذا كان من أدب مقام الفرح بنعمة الله وحمده عليها ذكرث نعمته العامة عليه وعلى غيره، والإشارة إلى من فُضِّلوا عليه، فيكبح من نفسه بتذكيرها بقصورها، ويُرضي اللهَ باعترافه لذي الفضل بفضله، وحكمة الله وعدله، وبوقوفه كواحد ممن أنعم عليهم من عباده".اهـ



---





(65). [ أعلى الممالك وأثبتها ما يبنى على العلم وحُمي بالسيف ]


قال-رحمه الله-عند قوله تعالى{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }:



"قال أبو الطيب المتنبي:



أعلى الممالك ما يُبنى على الأسل[1]...والطعنُ عند محِبِّيهِنَّ كالقُبَلِ



نعم، إن محبِّي الممالك الصادقين في محبتها، والذين تصلح لهم، ويصلحون لها،هم الذين يستعذبون في سبيلها الموت، ويكون الطعن عندهم مثل القُبَل على ثغور الحسان.
فأما الممالك التي تُبنى على السيف فبالسيف تُهدم، وما يُشاد على القوة فبالقوة يُؤخذ.
وإنما أعلى الممالك وأثبتها ما بُني على العلم وحُمي بالسيف، وإنما يبلغ السيف وطره ويؤثر إذا كان العلم من ورائه.
ولكن أبا الطيب شاعر الرجولة والبطولة، شاعر المعارك والمعامع، لا يرى أمامه إلاَّ الحرب وآلات الطعن والضرب، فلا يمكن أن يقول-وقد غمرته لذةا لإنتصار، واستولت نشوة الغلب والظفر لبّه وخياله-إلاَّ ما قال".اهـ



[1]:[الأسل: الرماح والنبل أفاده الشيخ محمود الجزائري-سدده الله- كما في تحقيقه على الكتاب/عبد الحق].
---




(66). [تنويه وتأصيل بشأن العلم؛ وقيام الممالك عليه ]

قال-رحمه الله-عند قوله تعالى{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }:

"قد ابتُدئ الحديثُ عن هذا الملك العظيم بذكر العلم، وقدمت النعمة به على سائر النعم تنويهاً بشأن العلم وتنبيهاً على انه هو الأصل الذي تنبني عليه سعادة الدنيا والأخرى، وأنه هو الأساس لكل امر من أمور الدين والدنيا، وأن الممالك إنما تبنى عليه وتشاد، وأن الملك إنما ينظم به ويساس، وأن كل ما لم يُبنَ عليه فهو على شفا جرفٍ هارٍ، وأنه هو سياج المملكة ودرعها، وهو سلاحها الحقيقي وبه دفاعها، وأنَّكل مملكة لم تُحْمَ به فهي عرضة للانقراض والانقضاض".اهـ
 
(67). [ نكتة التنويع وبلاغة التنزيل ]

قال-رحمه الله-عند تفسير لسورة الذاريات الآيات (47-51):

"لما كانت السماء متلاحمة الأجزاء في العلاء، ثابتة على حالة مستمرة في هذه الدنيا على البقاء، ناسبها البناء.
ولما كانت مظهر العظمة والجلال ناسبها لفظ القوة.
ولما كانت الأرض يطرأ عليها التبديل والتغيير بما ينقص البحر من أطرافها،وبما قد يتحول من سهولها وجبالها، وبما يتعاقب عليه من حرث وغراسة وخصب وجدب؛ ناسبها لفظ الفراش الذي يُبسط ويُطوى ويُبدَّل ويُغيَّر.
ولما كانت أسباب الانتفاع بها الميسرة ضرورية للحياة عليها، وكلها مهيأة،وكثير منها مشاهد، وغيره معد يتوصل إليه بالبحث والاستنباط-ناسب ذكرالتمهيد.
ولما كانت الأزوج مكوناً بعضها من بعض؛ ناسبها لفظ الخلق.
ولما كان النظر في الزوجين هو نظر في أساس التكوين لتلك المذكورات السابقة،وهو محصل للعلم الذي يحصل من النظر فيها؛ قرن بلفظ التذكر".اه

ثم قال رحمه الله: "جاءت الثلاث الآيات الأُوَل كما يكون قولها من الله.
وجاءت هذه الآية كما يكون قولها من النبي صلى الله عليه وسلم، تنويعا للخطاب وتفننا، فإنه لما كان ما في هذه الآية هو المقصود؛ حوّل أسلوب الكلام من الإخبار إلى الأمر، تجديدا لنساط السامع، وبعثا لاهتمام المخاطبين، وبحثا لهم وتوكيداً عليهم.
وفيه تنبيه على أن ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما يقوله الله في وجوب الإيمان والامتثال".اهـ


---



(68). [ دقيقة كونية في الآية القرآنية ]

قال-رحمه الله-عند تفسيره لسورة الذاريات في قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ }:

"شأن الفراش أن يكون ما تحته لا يصلح للجلوس والنوم عليه، وما تحت وجه الأرض هو كذلك لا يصلح للحياة فيه، فإن تحت القشرة العليا من الأرض المواد المصهورة والمياه المعدنية والأبخرة الحارة مما تنطق به البراكين المنتشرةعلى وجه الأرض في أماكن عديدة، فكانت القشرة العليا مثل الفراش تماما".اهـ

وقال رحمه الله في بيان معنى الآية: "إن الأرض التي أنتم متمكنون من الوجود على ظهرها، والسير في مناكبها، والانتفاع بخيراتها، نحن فرشناهالكم، وهيأنا لكم أسباب الحياة والسعادة فيها على أكمل وجه وأنفعه وأبدعه،مما نستحق به منكم الحمد والثناء".اهـ

ثم خلص في بيان المعنى المقصود من تفسير الآية بقوله: " فالقدرة والكمال للخالق وحده، فلا يستحق العبادة سواه فاعبدوه ووحّدوه".اهـ


---



(69). [ تجديد الإنذار للمنتفعين به وتبشيرهم ]

قال-رحمه الله-عند تفسير قوله تعالى: { إِنَّمَاتُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }:

"أفاد المضارع في {تُنْذِرُ} تجديد الإنذار للمتبعين، وذكر اسم الرحمن ليفيد التركيب أنهم يخشونه مع العلم برحمته، وذلك يقتضي جمعهم بين الخوف والرجاء".اهـ

وقال في بيان المعنى: " ذكر المنتفعين بعد الميأوس من انتفاعهم ترقيا من الأدنى إلى الأعلى، ولأنهم كالزبدة التي يحصل عليها بعد طرح غيرها، ولإراحة القلب من أولئك لتتوجه العناية التامة إلى هؤلاء.
وذكرت الخشية بعد الاتباع لأنها لا تحصل إلا به.
وجيء بعدُ بالتبشير مقروناً بالفاء لأنه إنما يكون لأهل الاتباع والخشية بسبب اتباعهم وخشيتهم، وذكر الأجر بعد المغفرة لأن التحلية بعد التخلية،والتزين بعد إزالة الأدران"اهـ

ثم قال -رحمه الله- حول تجدد الإنذار والانتفاع به: " إنما يتجدد إنذارك وينتفع به الذين آمنوا، وهم الذين اتبعوا القرآن،وخافوا الله في خلواتهم، لصدق إيمانهم، خاشين نقمته، راجين رحمته.
وهؤلاء كما تنذرهم وينتفعون بإنذارك؛ بَشِّرهم على اتباعهم للقرآن، وخشيتهم بالغيب للرحمن، بمغفرة ذنوبهم، وجزاء-شريف رفيع طيب نافع، لا نقص فيه ولاتنغيص-على أعمالهم".اهـ


---



(70). [ اقتداء بالقرآن العظيم ]

قال-رحمه الله-عند تفسير قوله تعالى: {وَقَال َالَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةًوَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }:

"انظر إلى هذه الحكمة في هذا الترتيل كيف كان تنزل آياته على حسب الوقائع،أليس في هذا قدوة صالحة لأئمة الجُمع وخطبائهم في توبيخهم بخطبهم الوقائع النازلة وتطبيقهم خطبهم على مقتضى الحال.
بلى واللهِ! بلى والله!
ولقد كانت الخطب النبوية والخطب السلفية كلها على هذا المنوال تشتمل مع الوعظ والتذكير على ما يقتضيه الحال.
وأما هذه الخطب المحفوظة المتلوة على الأحقاب والأجيال، فما هي إلا مظهر من مظاهر قصورنا وجمودنا.
فإلى الله المشتكى، وبه المستعان".اهـ


---



(71). [ تثبيت القلوب بالقرآن العظيم ]

قال-رحمه الله-عند تفسير قوله تعالى: {وَقَال َالَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَة ًوَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }:

"قلوبنا معرضة لخطرات الوساوس، بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبتها ويدفععنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم...إلى أن قال: وقلوبنامعرَّضة للضعف عن القيام بأعباء التكاليف وما نحن مطالبون به من الأعمال،والذي يجدد لنا فيها القوة ويبعث فيها الهمة هو القرآن العظيم.
فحاجتنا إلى تجديد تلاوته وتدبره أكيدة جداً لتقوية قلوبنا باليقين وبالعلم وبالهمة والنشاط للقيام بالعمل".اهـ


---




قال الفقير إلى رحمة ربه وغفرانه/ عبد الحق آل أحمد -عفا الله عنه بمنه وكرمه-: تم بحمد الله تعالى وتوفيقه الانتهاء من قراءة كتاب التفسير للعلامة ابن باديس-رحمه الله تعالى-وللمرة الثانية في طبعته الجديدة بتحقيق الشيخ محمود الجزائري -نفع الله به- تقييدا للفوائد يوم الخميس بتاريخ: 21/جمادى أولى/1431هـالمصادف لـ: 06/ماي/2010م، وتم تعديلها على ماسبق ونقلها في موقع ملتقى التفسير -أعز الله فيه أهل طاعته- السبت الرابع من رمضان 1431هـ المصادف لـ: 14/أوت/2010م. الجزائر-حفظها الله وسائر بلاد المسلمين.آمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
 
بيض الله وجهك ، ورفع قدر أخي عبدالحق ، وجعلك من أنصار الحق..
الحقيقة إنني وأنا أقرأ تقريظ العلامة البشير الإبراهيمي لهذا التفسير ـ والمنشور في مجموعة مقالاته ـ أتساءل : هل دون كل هذا التفسير ؟ وهل هناك أحد من إخواننا في بلاد المغرب من ينشط لتلخيصه وإبراز عيون فوائده ؟ فها أنت قمت ببعض ذلك ، ولا زلت أسأل عن السؤال الأول؟
 
شكر الله لك أخي عبدالحق ونفع بما كتبته.
وابن باديس من القلائل الذين تقرأ لهم وكأنك تستمع إليهم وتعيش معهم..
وأما سؤال أخي الشيخ عمر، فمن المؤسف أن الشيخ لم يكن يدون تفسيره، إلا مقالات يسيرة مباركة كان ينشرها في افتتاحيات مجلة (الشهاب)، تحت عنوان (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)، ثم جمعت بعد وفاته ونشرت في أكثر من نشرة. ولم يكن تلاميذه يدونون أثناء الدرس، وبذلك ((ضاع على الأمة كنز علم لا يُقوَّم بمال ولا يُعوَّض بحال)) كما قال البشير الإبراهيمي، وقال: ((إن من دواعي الأسف أنه لم ينتدب من مستمعي هذه الدروس من يقيدها بالكتابة، ولو وجد من يفعل ذلك لربحت هذه الأمة ذخرًا لا يقوم بمال، ولاضطلع هذا الجيل بعمل يباهي به جميع الأجيال، ولتمخض لنا ربع قرن عن تفسير يكون حجة هذا القرن على القرون الآتية، ومن قرأ تلك النماذج القليلة المنشورة في (الشهاب) باسم (مجلس التذكير) علم أي علم ضاع وأي كنز غطى عليه الإهمال)). وقال الشيخ بعد أن حضر درسًا للبشير الإبراهيمي في التفسير، فأعجبه: ((لو أن التلاميذ أوتوا حظًّا من النشاط والتوفيق لما ضاعت هذه الدروس، ولنشرت كما هي))، وقد قال الشيخ: ((شغلنا بتأليف الرجال عن تأليف الكتب)).
على أن الشيخ رغب في كتابة تفسير للقرآن، يتعاون فيه هو والبشير الإبراهيمي، وقال له: ((إننا لو تعاونا وتفرغنا للعمل لأخرجنا للأمة تفسيرًا يغطي على التفاسير))، لكن الله لم يكتب لهما ذلك.
وفي الملتقى مقالة بعنوان التفسير الإصلاحي عند الإمام ابن باديس رحمه الله، لعل فيها ما يفيد
http://vb.tafsir.net/showthread.php?p=26503
 
تم ترشيح هذا الموضوع ضمن مسابقة الملتقى، يمكنك أخي العضو التصويت عليه أعلاه
 
اختيارات موفقة وفقك الله وتقبل منك، ورحم الله الشيخ الجليل عبدالحميد بن باديس وأسكنه فسيح جنانه .
 
عودة
أعلى