عبدالرحمن الحاج
New member
- إنضم
- 20/05/2009
- المشاركات
- 42
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
رضوان السيد
الشرق الأوسط
الثلاثـاء 25 شعبـان 1432 هـ 26 يوليو 2011 العدد 11928
«المناهج الحديثة..» هي أعمال مؤتمر انعقد ببيروت بالتعاون بين المعهد العالمي للفكر الإسلامي والملتقى الفكري للإبداع في مطلع عام 2006. وقد تأخر إصدار هذه الأعمال حتى نُشرت قبل أيام في دار «مدارك» (2011). والمشاركون عشرة من الباحثين الكهول والشبان عُرفوا جميعا بالعناية بالدراسات القرآنية من النواحي اللغوية والأدبية والأسلوبية والنصية والتشريعية. وهم جميعا متضلعون من العلوم التراثية والدراسات الإسلامية. بيد أن المناهج التي استخدموها في دراسة القرآن هي مناهج حديثة، تفيد في البحث من طرائق العلوم الإنسانية المعاصرة، ومن المدارس الفكرية ومدارس نقد النص. كما أن هؤلاء جميعا يعرفون الدراسات الاستشراقية والقرآنية في الغرب من خلال الدراسة أو الاطلاع.
وقد قسم محرر الكتاب سامر رشواني أعمال المؤتمر إلى محاور، أول هذه المحاور عنوانه «التجديد في الدراسات القرآنية». وقد ألقى محاضرات فيه كل من أحميدة النيفر (الأستاذ بجامعة الزيتونة والباحث المعروف)، ورضوان السيد (أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية)، وعبد الرحمن حللي (المدرس بجامعة حلب)، ومعتز الخطيب (الباحث المعروف، والعامل في فضائية «الجزيرة» في المجالات الثقافية والإسلامية).
أما الأستاذ النيفر فقد كتب دراسة عن أطروحة أبو القاسم حاج حمد لتجديد مناهج التفسير. والدارس الراحل حاج حمد سوداني، كتب كثيرا في المسائل السياسية العربية والسودانية وشؤون القرن الأفريقي، كما كتب دراسة متميزة عن القرآن بعنوان «العالمية الإسلامية الثانية.. جدلية الغيب والإنسان والطبيعة». فالحاج حمد يرى أن تجديد التفسير ينبغي أن ينطلق من ضمن دائرة الاستخلاف الإلهي للإنسان، واستنادا إلى هذه الرؤية للعالم يدخل الأمر في مقتضيات الإرادة والوعي الإنسانيين. وقد قرأ النيفر أطروحة حاج حمد من ثلاث زوايا: الإشكالية والمنهج وتطبيقات الجدل الثلاثي بين الغيب والإنسان والطبيعة. والإشكالية التجديدية عنده هي كيف تكون للقرآن الكريم قدرات عطاء عصورية مستقبلية على المستوى النوعي للمتغيرات الاجتماعية والفكرية. ومنهجه في تفعيل هذه الإشكالية القيام بعمل تحليلي للنص القرآني وليس الدرس في التفسير. وهدف هذا التحليل المستند إلى الجدلية الثلاثية هو الإجابة عن سؤال: كيف يتم الالتحام بشروط الوعي المعاصر، وليس وفق شروط الوعي التاريخي السابق؟
أما رضوان السيد (كاتب هذه المراجعة) فقد كتب عن الدراسات القرآنية الحديثة والمعاصرة بالغرب من وجهة نظر نقدية. وقد ذكر أن القراءة العلمية غير التبشيرية وغير الناقضة للقرآن بدأت في منتصف القرن التاسع عشر مع أطروحة نولدكه الألماني «تاريخ القرآن». وقد قرأ نولدكه القرآن قراءة فيلولوجية وتاريخانية، لأن ذلك كان هو المنهج السائد في الدراسة في مجال النصوص الدينية آنذاك. وفي القرن العشرين، ظلت قراءة نولدكه سائدة حتى الستينات من القرن الماضي، وداخلتها عناصر إبستمولوجية ومقارنة. إنما حدثت تطورات في سبعينات القرن الماضي وما بعد تميزت بأمرين: النقدية الجذرية للصورة الإسلامية التقليدية عن القرآن، والنقدية الجذرية تجاه دراسات المستشرقين السابقة. وهكذا كان هناك مَن ذهب (وانسبورو ومدرسته) إلى تأخر نشوء القرآن، كما كان هناك من ذهب إلى وجود أصول نصية آرامية وسريانية للقرآن. ومع أن هذين التوجهين (إضافة إلى التوجه الثالث عن تأصيل القرآن في عوالم الكلاسيكيات المتأخرة في ما بين القرنين الخامس والسابع للميلاد) ما سيطرا تماما في أوساط الدارسين؛ إذ ظلت هناك دراسات أسلوبية وبنيوية كثيرة؛ فإن تلك التوجهات أحدثت فوضى وضياعا وتعكيرا لرؤية القرآن والإسلام بالغرب.
وطرح الدكتور عبد الرحمن حللي بنية القرآن بوصفها مدخلا لإعادة القراءة. والبنية عنده هي نسق عقلاني يحدد وحدة الشيء أو أنها هي القانون الذي يفسره. وقد مر الباحث مرورا عابرا على وعي البنية القرآنية لدى القدامى من المفسرين، ومثّل على ذلك بعلم الوجوه والنظائر، ثم انتقل إلى المقاربات الحديثة من جانب المسلمين على أساس البنية فتحدث عن الوحدة الموضوعية والتفسير الموضوعي. والمعني بذلك تتبُّع موضوع ما في جميع القرآن أو اكتشاف موضوع يشكل رابطا لكل سورة بمفردها. وفي المنحى في الدراسة إدراك لأهمية النظرة الكلية للقرآن واكتشاف المعنى من مجمله لا من أجزائه. ويعتبر حللي أن أفضل المحاولات في التفسير الموضوعي هي أعمال الباحث الياباني توشيهيكو إيزوتسو، والذي درس القرآن على أساس الكلمات أو المفردات المفتاحية والرؤية القرآنية للعالم.
وقدم الدكتور معتز الخطيب دراسة جديدة عنوانها «صدارة القرآن.. عَرْض الحديث على القرآن». فقد شاع منذ أيام الإمام الشافعي مفهوم استقلال الحديث عن القرآن من الناحية التشريعية على الأقل. ويهدف الخطيب من وراء بحث هذه المسألة إلى إعادة الأولوية للقرآن، بما يوجب أن يكون هو المهيمن على ما سواه من كتب ونصوص، ليحتل موقع الصدارة في بناء المفاهيم والتصورات والأحكام.
والذي أراه أن بحوث المحورين الثاني والثالث كانت الأكثر تعبيرا عن المناهج الحديثة في دراسة القرآن. فقد قدم الدكتور عبد الرحمن الحاج (وهو اليوم مدرس بالجامعة الإسلامية بماليزيا) بحثا في «المفردة القرآنية بوصفها أداة لتحليل الخطاب». والواضح أن الفيلولوجيين من المستشرقين هم الذين بدأوا في القرن التاسع عشر دراسة القرآن على أساس مفرداته، سواء لجهة جمع المفردات المتماثلة والمقاربـة للفهم والإفهام، أو لجهة إعادة تلك المفردات إلى أصولها - بزعمهم - خارج اللغة العربية في القرن السابع الميلادي. بيد أن الباحث، وكما هو واضح من عنوان محاضرته، أراد من وراء المفردة بحث الشبكة الاصطلاحية للمفاهيم. وما دام الأمر كذلك فإن مناهج اللسانيات الحديثة هي المفيدة لهذه الناحية.
وفي المعرض ذاته أو ما يقاربه درس د.مسعود الصحراوي (الأستاذ بجامعة الأغواط - الجزائر) «جدل العلاقة بين السياق الجزئي والسياق الكلي في فهم دلالة اللفظ في القرآن». وهو ينتقد الأفهام التي تعتمد السياق الجزئي، أي حدود الآية أو مجموعة الآيات، ويتجاوز ذلك إلى السياقات الكلية، أي حدود القرآن بشموليته. وهو يورد أمثلة عديدة على ذلك، أي اعتماد المقاربة الكلية. لكنني أرى أنه ما استطاع أن يثبت وجود تفاوت كبير نتيجة اعتبار السياق الشامل؛ بل ما استطاع الوصول إليه هو التفصيل والتكامل؛ وبخاصة أنه ما تعرض للخاص والعام والناسخ والمنسوخ في اعتبار قدامى الأصوليين والمفسرين.
وفي السياق ذاته أيضا، أي السياق اللغوي/ اللساني، قدمت الأستاذة سعاد كوريم (المغرب) دراسة بعنوان «سنّة اللغة بين الجهاز والإنجاز وأثرها في تعيين القصد الإلهي». وفي اعتبار فإن المفهوم المنهجي أو السياق الكلي يشكل أداة مساعدة على تعيين القصد الإلهي الوارد في السياقات الجزئية. وهناك لهذه الناحية توجهان: الموقف القائل بعجز الجهاز اللغوي عن تحديد القصد الإلهي بسبب من اختلاف المفسرين حوله.. والموقف المعاكس الذي يرى أن الجهاز اللغوي هو الذي يمثل الإعجاز أو الكمال المطلق، ويؤدي إلى فهم صحيح للقصد الإلهي.
ودارت بحوث المحور الثالث حول الصوتيات والإيبوغرافيا. والواضح بالفعل أن المناهج الحديثة تقدم جديدا كثيرا في هذه النواحي. ففي حقل الدراسات الصوتية وتجديد علم التجويد، قدم الدكتور غانم قدوري الحمد (جامعة تكريت - العراق) دراسة موسعة عن «تجديد التجويد في ضوء الدرس الصوتي الحديث مع مراجعة أحكام الضاد». ووجهة نظر الباحث أن علم الصوتيات يصحح الكثير من طرائق النطق القرآني، ومن أحكام علم التجويد القديمة. وقد مثل على ذلك - كما هو وارد في عنوان البحث - بحرف الضاد وأحكامه، وكيف يمكن إدخال تعديلات على المستقر الوارد بالاستناد إلى إنجازات الصوتيات.
وجاء بحث الدكتور سامر رشواني (جامعة دمشق) ضافيا وختاميا وجديدا، وهو بعنوان «الإعجام في الخط العربي وأثره في رسم المصحف العثماني». فالمشهور أن الإعجام بدأ أيام الحجاج بن يوسف، لكن الكشوف الأثرية أثبتت وجود الإعجام في الكتابات المكتشفة من القرن الثالث الميلادي. لكن هناك إجماعا على أن المصاحف العثمانية ما كانت معجمة. ولذا يرجح رشواني أن الحجاج ربما أحيا الإعجام القديم ولم يخترعه. ورشواني من أجل أن يثبت ذلك يستعرض الكتابات بالعربية مما قبل الإسلام، وإلى حدود أواخر القرن الأول الهجري. وهو يتعرض خلال ذلك بالانتقاد لأعمال المستشرقين الجدد الذين يقولون بالأصول السريانية والآرامية للقرآن.
إن بحوث مؤتمر «المناهج الحديثة» تقدم عروضا جيدة لجهود العرب والمسلمين في الأزمنة الحديثة في تجديد الدرس القرآني. والذي ألاحظه أن نتائج تلك الجهود معروضة بعيون مغربية ومصرية. وأنا أعرف عشرات الدراسات عن القرآن وبُناه ولسانياته وصوتياته بالجامعة التونسية. إنما الملاحظة الأخرى أن الدراسات الغربية المعاصرة لا تزال تعرض جديدا كبيرا وكثيرا في قراءة القرآن والنص العربي القديم؛ ولذا فلا غنى عنها أيضا رغم الأعمال التخريبية للمراجعين الجدد.
المناهج الحديثة في الدرس القرآني,
الشرق الأوسط
الثلاثـاء 25 شعبـان 1432 هـ 26 يوليو 2011 العدد 11928
«المناهج الحديثة..» هي أعمال مؤتمر انعقد ببيروت بالتعاون بين المعهد العالمي للفكر الإسلامي والملتقى الفكري للإبداع في مطلع عام 2006. وقد تأخر إصدار هذه الأعمال حتى نُشرت قبل أيام في دار «مدارك» (2011). والمشاركون عشرة من الباحثين الكهول والشبان عُرفوا جميعا بالعناية بالدراسات القرآنية من النواحي اللغوية والأدبية والأسلوبية والنصية والتشريعية. وهم جميعا متضلعون من العلوم التراثية والدراسات الإسلامية. بيد أن المناهج التي استخدموها في دراسة القرآن هي مناهج حديثة، تفيد في البحث من طرائق العلوم الإنسانية المعاصرة، ومن المدارس الفكرية ومدارس نقد النص. كما أن هؤلاء جميعا يعرفون الدراسات الاستشراقية والقرآنية في الغرب من خلال الدراسة أو الاطلاع.
وقد قسم محرر الكتاب سامر رشواني أعمال المؤتمر إلى محاور، أول هذه المحاور عنوانه «التجديد في الدراسات القرآنية». وقد ألقى محاضرات فيه كل من أحميدة النيفر (الأستاذ بجامعة الزيتونة والباحث المعروف)، ورضوان السيد (أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية)، وعبد الرحمن حللي (المدرس بجامعة حلب)، ومعتز الخطيب (الباحث المعروف، والعامل في فضائية «الجزيرة» في المجالات الثقافية والإسلامية).
أما الأستاذ النيفر فقد كتب دراسة عن أطروحة أبو القاسم حاج حمد لتجديد مناهج التفسير. والدارس الراحل حاج حمد سوداني، كتب كثيرا في المسائل السياسية العربية والسودانية وشؤون القرن الأفريقي، كما كتب دراسة متميزة عن القرآن بعنوان «العالمية الإسلامية الثانية.. جدلية الغيب والإنسان والطبيعة». فالحاج حمد يرى أن تجديد التفسير ينبغي أن ينطلق من ضمن دائرة الاستخلاف الإلهي للإنسان، واستنادا إلى هذه الرؤية للعالم يدخل الأمر في مقتضيات الإرادة والوعي الإنسانيين. وقد قرأ النيفر أطروحة حاج حمد من ثلاث زوايا: الإشكالية والمنهج وتطبيقات الجدل الثلاثي بين الغيب والإنسان والطبيعة. والإشكالية التجديدية عنده هي كيف تكون للقرآن الكريم قدرات عطاء عصورية مستقبلية على المستوى النوعي للمتغيرات الاجتماعية والفكرية. ومنهجه في تفعيل هذه الإشكالية القيام بعمل تحليلي للنص القرآني وليس الدرس في التفسير. وهدف هذا التحليل المستند إلى الجدلية الثلاثية هو الإجابة عن سؤال: كيف يتم الالتحام بشروط الوعي المعاصر، وليس وفق شروط الوعي التاريخي السابق؟
أما رضوان السيد (كاتب هذه المراجعة) فقد كتب عن الدراسات القرآنية الحديثة والمعاصرة بالغرب من وجهة نظر نقدية. وقد ذكر أن القراءة العلمية غير التبشيرية وغير الناقضة للقرآن بدأت في منتصف القرن التاسع عشر مع أطروحة نولدكه الألماني «تاريخ القرآن». وقد قرأ نولدكه القرآن قراءة فيلولوجية وتاريخانية، لأن ذلك كان هو المنهج السائد في الدراسة في مجال النصوص الدينية آنذاك. وفي القرن العشرين، ظلت قراءة نولدكه سائدة حتى الستينات من القرن الماضي، وداخلتها عناصر إبستمولوجية ومقارنة. إنما حدثت تطورات في سبعينات القرن الماضي وما بعد تميزت بأمرين: النقدية الجذرية للصورة الإسلامية التقليدية عن القرآن، والنقدية الجذرية تجاه دراسات المستشرقين السابقة. وهكذا كان هناك مَن ذهب (وانسبورو ومدرسته) إلى تأخر نشوء القرآن، كما كان هناك من ذهب إلى وجود أصول نصية آرامية وسريانية للقرآن. ومع أن هذين التوجهين (إضافة إلى التوجه الثالث عن تأصيل القرآن في عوالم الكلاسيكيات المتأخرة في ما بين القرنين الخامس والسابع للميلاد) ما سيطرا تماما في أوساط الدارسين؛ إذ ظلت هناك دراسات أسلوبية وبنيوية كثيرة؛ فإن تلك التوجهات أحدثت فوضى وضياعا وتعكيرا لرؤية القرآن والإسلام بالغرب.
وطرح الدكتور عبد الرحمن حللي بنية القرآن بوصفها مدخلا لإعادة القراءة. والبنية عنده هي نسق عقلاني يحدد وحدة الشيء أو أنها هي القانون الذي يفسره. وقد مر الباحث مرورا عابرا على وعي البنية القرآنية لدى القدامى من المفسرين، ومثّل على ذلك بعلم الوجوه والنظائر، ثم انتقل إلى المقاربات الحديثة من جانب المسلمين على أساس البنية فتحدث عن الوحدة الموضوعية والتفسير الموضوعي. والمعني بذلك تتبُّع موضوع ما في جميع القرآن أو اكتشاف موضوع يشكل رابطا لكل سورة بمفردها. وفي المنحى في الدراسة إدراك لأهمية النظرة الكلية للقرآن واكتشاف المعنى من مجمله لا من أجزائه. ويعتبر حللي أن أفضل المحاولات في التفسير الموضوعي هي أعمال الباحث الياباني توشيهيكو إيزوتسو، والذي درس القرآن على أساس الكلمات أو المفردات المفتاحية والرؤية القرآنية للعالم.
وقدم الدكتور معتز الخطيب دراسة جديدة عنوانها «صدارة القرآن.. عَرْض الحديث على القرآن». فقد شاع منذ أيام الإمام الشافعي مفهوم استقلال الحديث عن القرآن من الناحية التشريعية على الأقل. ويهدف الخطيب من وراء بحث هذه المسألة إلى إعادة الأولوية للقرآن، بما يوجب أن يكون هو المهيمن على ما سواه من كتب ونصوص، ليحتل موقع الصدارة في بناء المفاهيم والتصورات والأحكام.
والذي أراه أن بحوث المحورين الثاني والثالث كانت الأكثر تعبيرا عن المناهج الحديثة في دراسة القرآن. فقد قدم الدكتور عبد الرحمن الحاج (وهو اليوم مدرس بالجامعة الإسلامية بماليزيا) بحثا في «المفردة القرآنية بوصفها أداة لتحليل الخطاب». والواضح أن الفيلولوجيين من المستشرقين هم الذين بدأوا في القرن التاسع عشر دراسة القرآن على أساس مفرداته، سواء لجهة جمع المفردات المتماثلة والمقاربـة للفهم والإفهام، أو لجهة إعادة تلك المفردات إلى أصولها - بزعمهم - خارج اللغة العربية في القرن السابع الميلادي. بيد أن الباحث، وكما هو واضح من عنوان محاضرته، أراد من وراء المفردة بحث الشبكة الاصطلاحية للمفاهيم. وما دام الأمر كذلك فإن مناهج اللسانيات الحديثة هي المفيدة لهذه الناحية.
وفي المعرض ذاته أو ما يقاربه درس د.مسعود الصحراوي (الأستاذ بجامعة الأغواط - الجزائر) «جدل العلاقة بين السياق الجزئي والسياق الكلي في فهم دلالة اللفظ في القرآن». وهو ينتقد الأفهام التي تعتمد السياق الجزئي، أي حدود الآية أو مجموعة الآيات، ويتجاوز ذلك إلى السياقات الكلية، أي حدود القرآن بشموليته. وهو يورد أمثلة عديدة على ذلك، أي اعتماد المقاربة الكلية. لكنني أرى أنه ما استطاع أن يثبت وجود تفاوت كبير نتيجة اعتبار السياق الشامل؛ بل ما استطاع الوصول إليه هو التفصيل والتكامل؛ وبخاصة أنه ما تعرض للخاص والعام والناسخ والمنسوخ في اعتبار قدامى الأصوليين والمفسرين.
وفي السياق ذاته أيضا، أي السياق اللغوي/ اللساني، قدمت الأستاذة سعاد كوريم (المغرب) دراسة بعنوان «سنّة اللغة بين الجهاز والإنجاز وأثرها في تعيين القصد الإلهي». وفي اعتبار فإن المفهوم المنهجي أو السياق الكلي يشكل أداة مساعدة على تعيين القصد الإلهي الوارد في السياقات الجزئية. وهناك لهذه الناحية توجهان: الموقف القائل بعجز الجهاز اللغوي عن تحديد القصد الإلهي بسبب من اختلاف المفسرين حوله.. والموقف المعاكس الذي يرى أن الجهاز اللغوي هو الذي يمثل الإعجاز أو الكمال المطلق، ويؤدي إلى فهم صحيح للقصد الإلهي.
ودارت بحوث المحور الثالث حول الصوتيات والإيبوغرافيا. والواضح بالفعل أن المناهج الحديثة تقدم جديدا كثيرا في هذه النواحي. ففي حقل الدراسات الصوتية وتجديد علم التجويد، قدم الدكتور غانم قدوري الحمد (جامعة تكريت - العراق) دراسة موسعة عن «تجديد التجويد في ضوء الدرس الصوتي الحديث مع مراجعة أحكام الضاد». ووجهة نظر الباحث أن علم الصوتيات يصحح الكثير من طرائق النطق القرآني، ومن أحكام علم التجويد القديمة. وقد مثل على ذلك - كما هو وارد في عنوان البحث - بحرف الضاد وأحكامه، وكيف يمكن إدخال تعديلات على المستقر الوارد بالاستناد إلى إنجازات الصوتيات.
وجاء بحث الدكتور سامر رشواني (جامعة دمشق) ضافيا وختاميا وجديدا، وهو بعنوان «الإعجام في الخط العربي وأثره في رسم المصحف العثماني». فالمشهور أن الإعجام بدأ أيام الحجاج بن يوسف، لكن الكشوف الأثرية أثبتت وجود الإعجام في الكتابات المكتشفة من القرن الثالث الميلادي. لكن هناك إجماعا على أن المصاحف العثمانية ما كانت معجمة. ولذا يرجح رشواني أن الحجاج ربما أحيا الإعجام القديم ولم يخترعه. ورشواني من أجل أن يثبت ذلك يستعرض الكتابات بالعربية مما قبل الإسلام، وإلى حدود أواخر القرن الأول الهجري. وهو يتعرض خلال ذلك بالانتقاد لأعمال المستشرقين الجدد الذين يقولون بالأصول السريانية والآرامية للقرآن.
إن بحوث مؤتمر «المناهج الحديثة» تقدم عروضا جيدة لجهود العرب والمسلمين في الأزمنة الحديثة في تجديد الدرس القرآني. والذي ألاحظه أن نتائج تلك الجهود معروضة بعيون مغربية ومصرية. وأنا أعرف عشرات الدراسات عن القرآن وبُناه ولسانياته وصوتياته بالجامعة التونسية. إنما الملاحظة الأخرى أن الدراسات الغربية المعاصرة لا تزال تعرض جديدا كبيرا وكثيرا في قراءة القرآن والنص العربي القديم؛ ولذا فلا غنى عنها أيضا رغم الأعمال التخريبية للمراجعين الجدد.
المناهج الحديثة في الدرس القرآني,