الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الأول]

إنضم
21/05/2012
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
54
الإقامة
حماة
الملم المغيث في علم الحديث [الجزء الأول]
بسم الله الرحمن الرحيم
ينقسم الحديث إلى أربعة أقسام ثلاثة معمول بها، والرابع متروك والمقبول هو: الصحيح والحسن والضعيف [الخفيف الضعف القابل للتحسين الشرطي]، والمردود هو: الموضوع والباطل ..

أولا: الحديث الصحيح:

وهو الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون معتل ولا شاذ ..

1. اتصال السند: معناه أن يكون كل من رجال الحديث تلقاه عن شيخه من أول السند إلى منتهاه، أي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..

ومن شروط صحة الحديث أن يكون ليس فيه عله أو شذوذ ولكن قبل النظر في سلامة الحديث الصحيح من الجرح، سوف ننظر في شروط الرواة الذين يجب أن يكونوا ثقاة والثقة هو من يتمتع بالعدالة والضبط بالنقل، أي الضابط العدل كما أسلفنا في تعريف الحديث الصحيح ..

2. العدالة: وهي سلامة الناقل من الفسق وما يعرف بخوارم المروة ..
فالراوي العدل هو المسلم البالغ العاقل المستقيم أو السالم من الفسق أو خرق الاستقامة..

والعدالة ركن هام في قبول الرواية لأنها الملكة التي تحمل صاحبها على تقبل رواية الكافر والصبي والمجنون والفاسق والسفيه، دون الأخذ بها مع الإنصات من باب التواضع وحسن الإذعان، وعدم التسفيه للراوي أيا كانت صفته، وهو جانب هام من الناحية الخلقي عند الراوي العدل ..
أي يسمع من الجميع، ولا يأخذ إلا ممن يعلم أنه يفوقه بالعدالة، أو يساويه بها على أقل تقدير ..
والفاسق أو الفسق، هو من ارتكب أو هو ارتكاب كبيرة من الكبائر كالقتل عمدا بغير نفس، والزنا وشرب الخمر، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين, وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والربا إلى غير ذلك مما بينه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ..
أي ما ورد في الحديث المتفق على صحته:
عن أنس بن مالك رضي الله، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عن الكبائر، فقال : ( الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو قال: شهادة الزور )، قال شعبة: وأكثر ظني أنه قال : ( شهادة الزور )، رواه الشيخان البخاري في "صحيحة" [ج5/ص: 2230]، ومسلم في "صحيحة" [ج2/ص: 271/ر:257]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 329/ر:3599]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 475/ر:2301]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج2/ص: 343/ر:2372]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 587/ر:11927]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج4/ص: 110/ر:7043]، على شرط الشيخين، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:1195]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..

والفاسق أيضا هو من أصر على صغيرة أفضت إلى كبيرة، كالنظر إلى المحارم عمدا ودون استحياء، بحيث تصبح هذه الصغيرة مقدمة لكبيرة كفاحشة الزنا مثلا ..
ومنه نعرف أن الفاسق ليس بعدل فلا تقبل روايته ..
فالإصرار على الصغيرة إن تكرر، يؤدي لتدهور الورع، وعدم الاكتراث، بأوامر الله، وخرق الاستقامة، بأمور الدين أو الشريعة على أقل تقدير والتهاون في العبادات ..
ومما يخل بالعدالة أيضا أفعال الدناءة وخوارم المروءة : كالأكل في الطرقات ... واللعب بالطيور .. والضرب على الطنبور .. واللعب بالنرد .. وركوب البرزون بسرعة طائشة بين الناس مما يخلق الفزع وربما الضرر، فلا عدالة لمن ركب برزونا أو ما شابهه كالدراجة النارية والسيارة الرياضية، وتخبط بهم بين الناس، ومن خوارم المروءة قياسا أكل الطعام من معروض البائع دون سابق إذن أو الإكثار منه من باب التذوق وفحص السلعة، ويقاس على هذا المقاس الكثير من خوارم المروءة التي شاعت كعادات اجتماعية سيئة اعتادها العامة ..
وقد ورد بالأثر: ( ملعون من يلعب بالنرد ) ..
و ومن خوارم المروءة استراق النظر إلى العورات كما ورد بالأثر: ( لعن الله الناظر والمنظور إليه ) ..
ومما يخل بالعدالة أيضا، أن ينشغل المرء عن ذكر الله باللهو، أو أن يفوت صلاته باللعب كاللعب بالشطرنج، وكذلك عدم الوفاء بالوعد وعدم الثبات على العهد، وان يمشي بالسروال ليس عليه غيره [أي دون لباس داخلي، أو خارجي يستر ما يمكن أن يجسم العورة] .. وكذلك التبول في الطرقات، والتبول واقفا، والغناء على الملأ ..
ومن أعظم ما يخل ويسقط العدالة: سب السلف الصالح، والتابعين والأئمة رضوان الله عليهم أجمعين، إضافة لحملة القرآن من أهل العلم وحفاظ الحديث الشريف من أهل الدراية و الرواية ..
فقد ورد في شأن السلف في الصحيح التام:
عَنْ أبي سعيد الخدري رضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ )، رواه الشيخان في الصحيح، البخاري [3421و3673], ومسلم [2540]، ورواه أبو داود في "سننه" [4042و4658]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [4658]، ورواه الترمذي في "سننه" [3826]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [3861]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [157]، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [157]، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [132]، ورواه النسائي في "السنن الكبرى" [7997]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [10870]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [7310]، وخلاصة حكمه : [متفق عليه] ..

وفي شأن حملة القرآن من أهل العلم، في المتفق على صحته والمتواتر:
عن ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ [وَفَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْهُ] )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج4/ص: 1919/ر:4739]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 460/ر:1452]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:1452]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج5/ص: 159/ر:2907]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2907]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج2/ص: 894/ر:3216]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 111/ر:502]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج1/ص: 204]، صححه ابن حبان في "الثقات" [ج1/ص: 324/ر:118]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:4111]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:3319]، وقال أبو نعيم في "الحلية" [ج8/ص: 430] : صحيح ثابت متفق عليه [أي : بين العلماء]، وخلاصة حكمه : [متفق عليه] ..

عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب . ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر . ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر )، رواه الشيخان في الصحيح، البخاري [ج5/ص: 2070/ر:5111]، ومسلم [ج6/ص: 324/ر:1857]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 674/ر:4829]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:4829]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج5/ص:138/ر:2865]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2865]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج8/ص: 499/ر:5053]، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" [ر:5053]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 121/ر:214]، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" [ر:178]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج2/ص: 900/ر:3240]، ورواه الإمام احمد في "مسنده" [ج5/ص: 551/ر:19117]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج3/ص: 47/ر:770]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:5839]، وخلاصة حكمه بإجماع أئمة الصحيح: [متفق عليه] ..
وورد في شأن المحدثين مثله ..

وقد تشدد بعضهم فأوقف الأخذ بالرواية عمن يرتكب بعض المباحات، كالتنزه بالطرقات والتبسط بالمداعبة والمزاح ..
وقد استشهد علماء الحديث بذلك على الأثر الموقوف على الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، وسبطه أبي عبد الله الحسين رضي الله عنه: ( مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ، وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ، وَوَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ، فَهُوَ مَنْ كَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ، وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ، وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ، وَحُرِّمَتْ غَيْبَتُهُ )، رواه أبو نعيم في "أخبار أصفهان" [ج2/ص: 271/ر:2231]، ورواه الخطيب البغدادي في "الكفاية" [ص: 208/ر:84]، وقد ضعفه مرفوعا الألباني في "السلسلة الضعيفة" [ر:3228] ..

وتثبت عدالة الراوي بالشهرة بين العدول من الناس واستفاضة الثناء عليه بالعدالة، أما أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، فكلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، عدول ثقاة، فقد كانوا نبراس الهدى كهاديهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وقدوة وأسوة حسنة ومثل أعلى للجميع، لمن جاء بعدهم، يكفيهم شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم .. فيما وثقته أفعالهم على وجه الإشتهار، بإجماع الأمة: ( علماء حكماء، كادوا من فقههم، أن يكونوا أنبياء ) ..
ونجد أن ما يزكي الخبر المروي، هو تزكية الراوي فقد شهد رجل عند سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه بشهادة..
- فقال له الفاروق الأشهب: ( لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك ) ..
- فقال رجل من القوم: أنا أعرفه ..
- فقال الفاروق: ( فبأي شيء تعرفه ) ..
- قال: بالأمانة والعدل ..
- فقال: ( هو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه ) ..
- فقال الرجل: لا ..
- فقال الفاروق: ( فعاملك بالدرهم والدينار، الذي بهما يستدل الورع ) ..
- قال: لا ..
- فقال الفاروق: ( فرفقك في السفر، الذي يستدل به على مكارم الأخلاق ) ..
- قال: لا ..
- فقال الفاروق: ( فلست تعرفه )، ثم قال للرجل : ( ائتني بمن يعرفك )، ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" [ج15/ص: 116/ر:20982]، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" [ر:2637]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..
ورواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" [ج1/ص: 274]، بلفظ: أن عمر رأى رجلا يثني على رجل فقال: أسافرت معه ؟ قال : لا . قال: أخالطته قال: لا. قال : والله الذي لا إله إلا هو ما تعرفه . .
وروى الدينوري في "المجالسة" [ص: 708/ر:719]، عن عبد الله العمري قال : قال رجل لعمر إن فلانا رجل صدق فقال له هل سافرت معه ؟ قال : لا . قال : فهل كانت بينك وبينه معاملة ؟ قال : لا . قال فهل ائتمنتَه على شيء ؟
قال : لا . قال : فأنت الذي لا علم لك به أُراك
رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد انتهى .. اهـ


ومن خوارم المروءة عدم الوفاء بالوعد والغبن في البيع والشراء والنزاع في الطرقات والمشاجرات، وإزعاج الجار ليلا، أو نهارا، وعدم حفظ الجوارح من المحرمات، والاختلاط مع غير المحارم مع إطلاق النظر وخرق حواجز الآدب، والمماطلة بالدين أو عدم الوفاء، وصرف المال بإسراف دون حساب في غير جانب الله، والاستهزاء بالناس وتتبع عيوبهم، أو ذكرها في غيبة أو على ملأ ..
وقد ميز العلماء المروءة بإعطاء المدح ما يستحسن وتجنب ما يسترذل، أي تجنب كل ما يحط من قدر الإنسان في العرف الاجتماعي المسلم المثالي ..

وقد عرف العلماء خوارم المروءة على أنها : ( صون النفس عن الأدناس، ورفعها عما يشين عند الناس ) ..
وقال آخرون فيها : ( هي سير المرء بسيرة أمثاله في زمانه ) ..
وقالوا أيضا في خوارم المروءة: ( آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ) ..

هذا والمقياس في تعديل الرواة عند المحدثين، أن من كان فضله أكثر من نقصه، وهب نقصه لفضله، فرجحت عنده كفة الفضل، وذلك بأن يكون صاحب علم شرعي معروف بالدقة وحسن العناية فيه، لكنه يغضب مع الندرة، فهو عدل محمول آخره أبدا على العدالة، ما لم يتبين جرحه بما قد يسترذل عنه ..
وشاهد ذلك بالعلم : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه،ُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغاليين، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ )، رواه البيهقي في "سننه الكبرى" [ج15/ص: 296/ر:21513]، ورواه القرطبي في "التمهيد" [ج1/ص: 59/ر:19]، ورواه الإمام أحمد في "لسان الميزان" [ج1/ص: 312]، وفي "تاريخ دمشق" [ج7/ص: 39]، بإسناد صحيح ..
وشاهد ذلك بالأخلاق :

عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو ثعلبة الخشني رضي الله عنهما، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ : "الْمُتَكَبِّرُونَ" )، رواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 325/ر:2018]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2017]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 215/ر:17278]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج12/ص: 368/ر:5557]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:1535]، وقال في "صحيح الترغيب" [ر:2897]: صحيح لغيره، وحسنه في "الصحيحة" [ر:791]، وخلاصة حكمه: [حسن صحيح] ..

وفي الحديث الجامع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( خَيْرُكُمْ إِسْلَامًا أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، إِذَا فَقِهُوا)، رواه البخاري في "الأدب المفرد" [ج1/ص: 93/ر:288]، بإسناد صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الأدب" [ص: 218/ر:285]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 236/ر:9720]، بإسناد البخاري، وصححه الوادعي في "الصحيح المسند" [ر:1394]، وقال: رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:3312]، وقال في حكمه في "الصحيحة" [ر:1846]: إسناده صحيح، ورجاله رجال مسلم، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..

فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من المحدثين، أو غيرهم وشاع الثناء عليه بالعدالة وحسن الخلق، فلا يحتاج إلى تعديل المزكين، وهكذا فالعدالة ركن هام في قبول الرواية لأنها الملكة التي تحث صاحبها على التقوى، وتحجزه عن المعاصي ..



3.الضبط: والضبط هو أن يكون الراوي ثقة كامل الضبط بالحمل المعنوي أو ما يعرف بالحفظ والأمانة بالنقل، أي أن يحمل مسؤولية صحة النقل ودقة الأداء محافظا على ما يملى عليه دون تغيير باللفظ أو المضمون الكامل للمعنى والمقصد الذي يرمي إليه فحوى الحديث، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، مع علمه وفهمه لما يرويه، ويكون متيقظا عارفا بما يحمله من المعنى المراد، وذلك إن كانت روايته بمضمون المعنى لا بنص اللفظ الأصلي، أي أن لا يكون في المتن المنقول أي لفظ يغير المعنى ..

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 346/ر:3660]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:3660]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج5/ص: 33/ر:2656]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:2656]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج1/ص: 128/ر:230]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج1/صك 80/ر:233]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 233/ر:21080]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج6/ص: 96]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:9264]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:6762]، وصححه ابن حبان في "الثقات" [ج2/454/ر:680]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 162/ر:294]، ورواه أبو يعلى في "مسنده" [ج13/ص: 335/ر:7413]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..

ويؤخذ ضبط الراوي على أنه ضابط عدل وفق موافقة وشاهدة أقرانه أو من يفوقه بالضبط والثقة، أو مشايخه المشهود بثقتهم، سواء كانوا رواة، أو علماء أو فقهاء أو محدثين متخصصين بعلم الرجال، أي رجال الرواية ..
كما تعتبر روايته مضبوطة إذا وافقت رواية أقرانه من الثقات المتيقنين الضابطين ..
فإن وافقهم بروايتهم بلفظ النص الأصيل، أو معناه دون تغير فحواه، فيصنف على أنه ضابط ..
أما من كثرة مخالفاته بالنص أو المعنى، فقد اختل ضبطه، ولا يحتج بروايته ..
فالضبط أن يروي ثقة روايته، من غير حصول قصور في ضبطه، أو عروض عارض في حفظه ..
ومن قصور الضبط قلة الإتقان بالنقل ونقص الدقة والغلو والتضخيم لواقع مضمون النقل، ومن عوارض الضبط أن يكون الروي صاحب أوهام وتهيئات، وكثير الخطأ، ويعاني من سوء الحفظ، و من سوء الحافظة وهي ضعيف الذاكرة ..

4.الشذوذ: ومما يجعل الحديث الشريف غير معتمد عند علماء الحديث في زمرة الأحاديث الصحيحة، ما يعرف بالشذوذ، وكلمة الشذوذ في أصل اللغة تعني: "الإنفراد عن الجماعة ومخالفتهم"، أما في اصطلاح علماء الحديث، فالشذوذ هو: "مخالفة الراوي الثقة في السند النصي أو متن المعنى، لجمع من أقرانه بالثقة، أو لمن هو أرجح منه بالثقة والضبط، بعدد الروايات الصحيحة، أو إن بصدق الرواية، أو بعدالته كراوي" ..
فإذا ما روى هذا الراوي الثقة رواية متصلة السند، خالفت بنصها ما رواه من هو أوثق منه بسند متصل آخر، برواية أخرى لمتن الحديث، أصبحت روايته شاذة ..
ويكون الشذوذ أيضا بعدد الرواة الأصحاء الثقات لرواية، مقارنة مع أخرى، أو أن يكون متصل السند فيه أصحاء وثقات وحسني الحديث، فيكون الأصحاء فيه أكثر من الثقات وحسني الحديث، فتكون أرجحيه الرواية للرواة الأكثر وثوقا ..

أ.الشذوذ في السند: ومثال ذلك حديث شريف ورد بروايتين ..

الرواية الأولى:

حَدَّثَنَا ابن أبي عمر [ثقة]http://islamweb.net/hadith/RawyDetails.php?RawyID=7317، حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة [ثقة حافظ حجة]http://islamweb.net/hadith/RawyDetails.php?RawyID=3443، عَنْ عمرو بن دينار [ثقة ثبت]، عَنْ عوسجة الهاشمي [وهو مولى ابن عباس وهو ثقة عنه لكنه غير مشهور]http://islamweb.net/hadith/RawyDetails.php?RawyID=6254، عَنِ عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ( أَنَّ رَجُلًا مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلَّا عَبْدًا هُوَ أَعْتَقَهُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ )، رواه الترمذي في "سننه" [ج4/ص: 368/ر:2106]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج2/ص: 478/ر:2741]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج1/ص: 366/ر:1931]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج3/284]، وخلاصة حكمه: [حسن]، لأن الفقهاء علي خلاف حول حديث عوسجة هذا إما لاتهامهم عوسجة فإنه ممن لا يثبت به فرض ولا سنة، وإما لتحريف في التأويل، أو لأنه منكر غير معروف عديم الشهرة ..

فهذه الرواية التي رواها ابن عيينة هي موصولة السند إلى حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه، ووافقه بذلك من الثقات ابن جريج وهو ثقة مثله، فحكمه لموافقة اثنان من الثقات: [محفوظ] ..

الرواية الثانية:

حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل [ثقة ثبت]http://islamweb.net/hadith/RawyDetails.php?RawyID=7721، حَدَّثَنَا حماد بن زيد [ثقة عابد]http://islamweb.net/hadith/RawyDetails.php?RawyID=2492، عَنْ عمرو بن دينار [ثقة ثبت]، عَنْ عوسجة الهاشمي [ثقة غير مشهور]http://islamweb.net/hadith/RawyDetails.php?RawyID=6254، عَنِ عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ( أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلَّا غُلَامًا لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ لَهُ أَحَدٌ ؟، قَالُوا : لَا إِلَّا غُلَامًا لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ "، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ لَهُ )، رواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 139/ر:2905]، وحسنه ابن حجر في "تخريج المشكاة" [ج3/ص: 237]، وخلاصة حكمه: [حسن] ..

هذه الرواية التي رواها حماد بن زيد هي موصولة السند، ولكن حماد تفرد بها، ومع أنه ثقة إلا أنه خالف اثنين من الثقات وهم ابن جريج وابن عيينة، فحكم متن حديثه لمخالفته اثنان من الثقات أرجح منه باجتماعهما: [شاذ] ..

وحكم حديث حماد بن زيد كونه شاذ المتن، فأنه مردود لا يحتج به، وإنما يحتج بالحديث المقابل المحفوظ، لرجحان رواية الاثنان على الواحد، لأنها أولى بالثقة كونها أوثق عند أهل الاختصاص ..

ب.الشذوذ في المتن: وهو على وجهين الوجه الأول والأهم عند الأئمة الفقهاء، والفقهاء المجتهدين، والفقهاء المحدثين، وهم أعلى مرتبة دينية من المحدثين المتخصصين، لأنهم أصحاب الأحكام التشريعية، وأصحاب الفتاوى، وفهم مقاصد الشريعة، وحقائق التوحيد، وقاعدتهم بالشذوذ، تكون بمخالفة متن الحديث ولو كان تام بصحة السند، نصا قرآنيا صريحا من محكما بدلالته، أي قطعي الثبوت قطعي الدلالة، أو مخالفة الحديث المتواتر الذي أجمع عليه جمهور العلماء، وجمهور من ثقات الرواية، ويشمل ذلك أيضا مخالفة نصوص الآيات المتشابهات القطعية الثبوت الظنية الدلالة، إذا أجمع عدد من العلماء المفسرين الثقات على القطع بمخالفة مدلولات هذه الآيات من قبل الحديث المخالف ..
والوجه الثاني من الشذوذ في المتن،أن يخالف الراوي الثقة الجماعة الثقات، إما بزيادة في المتن، أو بنقص في المتن، أو بتغيير في المتن ..

ومثال الزيادة في المتن:
ما روي بإسناد متصل صحيح:
عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( أيام التشريق، أيام أكل وشرب )، رواه مسلم في "صحيحة" [ج8/ص: 259/ر:2672]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج6/ص: 73/ر:20198]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج8/ص: 367/ر:3602]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" [ر:2689]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..

وقد جاء هذا الحديث من جميع طرقه بهذه الصيغة ..

وروى موسى بن علي بن رباح [ثقة]، عن أبيه [ثقة]، عن عقية بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، أيام أكل وشرب )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 735/ر:2419]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:2419]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 143/ر:773]، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:773]، ورواه النسائي في "سننه المجتبي" [ج5/ص: 278/ر:3004]، وصححه الألباني [ر:3004]، الدارمي في "سننه" [ج1/ص: 449/ر:1713]، من دون لفظ [يون النحر]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج5/ص: 150/ر:16938]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج8/ص: 368/ر:3603]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج3/ص: 292/ر:2100]، والحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 600/ر:1586]، على شرط مسلم، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..

فهذه الزيادة في أول الحديث وهي جملة "يوم عرفة ويوم النحر"، دون الزيادة في أوسط الحديث، وهي جملة "عيدنا أهل الإسلام" لا تؤثر لأنها لا تغيير المقصود الشرعي، بعكس الزيادة الأولى التي جعلت الرواية شاذة، رغم صحة سندها واتصاله، ورغم أنه قام بتخريجها أربعة من أئمة الصحيح، منهم ثلاثة من أصحاب الكتب الستة، إضافة لثلاثة حفاظ محدثين ممن تعهدوا الصحيح ..

والسبب أن هذا الحديث الأحادي الرواية التي تفرد به موسى بن علي، خالف بذلك جماعة من الثقات روا الصيغة الأولى، بعدة طرق للرواية عن عدد من الصحابة الرواة، مثل، أبو هريرة رضي الله عنه، وعبد الله بن حذافة رضي الله عنه، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ومعمر بن عبد الله رضي الله عنه، وحتى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وهو وحده أمة بروايته في حال اتصال السند، وهو ما يجعل روايتهم هي الرواية المحفوظة الراجحة المعمل بها..
ومع ذلك نجد أن بعض العلماء المحدثين رغم شذوذ رواية موسى بن علي، صححوا هذا الحديث، لثقة رواته، وكون حملها كان على حاضري يوم عرفة ..

ويقاس الأمر ذاته في حالة الزيادة لرجحان الرواية الزائدة بعدد الثقات وطرق روايتهم ..

أما إذا اختلف مضمون المتن بحديثين مختلفين، فيرجح الحديث الذي صحت روايته بالاتصال، وبصحة ثقة الرواة نوعا وعددا، وثقة المحدثين المخرجين له بإجماع الأمة، كتقديم صحة تخريج الشيخين على باقي الكتب الستة، ولو كانوا مجتمعين ..
أو تقدم أصحاب الكتب الستة على باقي أئمة الصحيح التسعة، ومن تعهد الصحيح مثلا، وهكذا ..

ومثال المخالفة في المتن:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 713/ر:2337]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:2337]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحة" [ج3/ص: 282]، بزيادة لفظ:[حتى رمضان]، وصححه الألباني في "تخريج المصابيح" [ر:1915]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..

وهذا الحديث رغم صحة سنده واتصاله، ورواية أحد أصحاب الكتب الستة له في السنن، وهو أبو داود السجستاني، إلا أنه شاذ لمخالفته للمتن أوثق منه رواية وتخريجا، وهو الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله عليه وآله وسلم: ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين. إلا رجل كان يصوم صوما، فليصمه )، رواه الشيخان، البخاري في "صحيحة" [ج2/ص: 676/ر:1815]، ومسلم في "صحيحة" [ج7/ص: 194/ر:2514]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 315/ر:10384]، وصححه أبو نعيم في "الحلية" [ج3/ص: 86/]، والقرطبي في "الاستذكار" [ج3/ص:253]، والألباني في "صحيح الجامع" [ر:7395]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..

فنجد في الحديث الثاني المتفق على صحته عند الشيخين قد اختلف مع الحديث الأول في مضمون المتن، حيث أن الأول يمنع الصيام بعد نصف شعبان، أما الحديث الثاني يجيز ذلك ..
وقد قال أبو داود السجستاني في الحديث الأول الذي هو المخرج الرئيسي والأهم له: ( وكان عبد الرحمن "أبو هريرة" لا يحدث به، قلت لأحمد: لم؟ قال : لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان يصل شعبان برمضان و قال عن النبي صلى الله عليه و سلم خلافه ) ..
قال أبو داود : ( وليس هذا عندي خلافه و لم يجئ به غير العلاء عن أبيه )، ورد في "سنن أبو داود" [ج1/ص: 713] ..


ومثال آخر على ذلك:

عن الصماء بنت بسر رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( لا تصوموا يوم السبت إلا في ما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه )، رواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 736/ر:2421]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 120/ر:744]، ورواه ابن ماجه في "سننه" [ج2/ص: 107/ر:1726]، وصححه الألباني في كل من صحيح أبي داود والترمذي وابن ماجه [ر:1413]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج1/ص: 445/ر:1698]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج7/ص:512/ر:26535]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج8/ص: 379/ر:3615]، وابن خزيمة في "صحيحة" [ج3/ص: 317/ر:2163]، والحاكم في "المستدرك" [ج1/ص: 601/ر:1592]، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" [ر:9818]، وصححه الألباني في "تخريج المصابيح" [ر:2005]، وفي "الصحيح الجامع" [ر:7358]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..

وهذا الحديث رغم صحة سنده واتصاله، وروايته من قبل ثلاثة من أصل أربعة من أصحاب السنن من أئمة الكتب الستة، واثنان من أئمة الصحيح التسعة، وثلاثة ممن تعهدوا الصحيح، إلا أنه شاذ لمخالفته للمتن أوثق منه بالرواية والتخريج، وهو الحديث:

عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: ( أصمت أمس ). قالت: لا، قال: ( أتريدين أن تصومي غدا ) . قالت : لا ، قال : ( فأفطري ). [وفي رواية] فأمرها فأفطرت )، رواه البخاري في "صحيحة" [ج2/ص: 701/ر:1885]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج1/ص: 736/ر:2422]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" [ر:2422]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج7/ص: 457/ر:26216]، وصححه الشيخ شاكر في "مسند أحمد" [ج11/ص: 43]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج8/ص: 375/ر:3611]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحة" [ج3/ص: 316/ر:2162]، وخلاصة حكمه: [صحيح] ..

وبناء عليه نجد الحديث الأول متنه شاذ، لأنه خالف من هو أرجح منه بالسند والتخريج، وبناء على هذا نجد المحدث والمخرج الأساسي للحديث الأول وهو أبو داود كان حكمه فيه "وهذا حديث منسوخ" أي أن الحديث الثاني حديث البخاري نسخ العمل بمتن الحديث الأول، والقاضي بعدم صيام يوم السبت ..
ولكن قال بعض العلماء الفقهاء: ( لا مخالفة هنا، وذلك لإمكان الجمع، وإذا أمكن الجمع فلا مخالفة، والجمع بين الحديثين أن يقال: إن النهي كان عن إفراده، أي أنه نُهي عن صوم يوم السبت مستقلاً بمفرده، أما إذا صامه مع يوم الجمعة، أو مع يوم الأحد فلا بأس به حينئذ، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الجمع فلا مخالفة ولا شذوذ )اهـ
ومنها نجد دقة وعدالة الأئمة الفقهاء والفقهاء المجتهدين والفقهاء المحدثين، في اعتماد متن الحديث الصحيح المعمول به ..
وهو ما يقوي صحة متن الأثر القائل: ( خِيَارُ أُمَّتِي عُلَمَاؤُهَا وَخِيَارُ عُلَمَائِهَا فُقَهَاؤُهَا ) ، ورد مرفوعا في"أدب الدنيا والدين" للماوردي [ص: 10] ..

4.العلة: ومما يجعل الحديث غير معتبر عند علماء الحديث، في عداد الأحاديث الصحيحة، أن يكون الحديث معلولا، أي فيه علة، وقد سمي الحديث الذي فيه علة "معللا" ومعلولا. والعلة إما أن تكون في السند أو في المتن أو في الاثنان معا ..
العلة في المعنى هي: "وصفٌ يوجب خروج البدن عن الاعتدال الطبيعي" ..
ولهذا يقال: فلانٌ فيه علة، يعني أنه عليل أي مريض، فالعلة مرض تمنع من سلامة البدن ..
ومعنى العلة باصطلاح الحديث: "هي وصفٌ يوجب خروج الحديث عن القبول" ..
ومن الأمثلة على الحديث المعلول الذي وقعت العلة في سنده، هو أن يذكر الراوي المحدث الثقة في سند الحديث المسند خطأ بالرواية، أو سهوا بإدراج رجلا من الرواة، بدل الأصل الصحيح الذي من المفترض أن يكون في مكانه، كما حدث في سند الحديث الشريف:
حدثنا سليمان بن حرب : حدثنا شعبة: عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث : رفعه إلى حكيم بن حزام رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( البيعان بالخيار مالم يتفرقا، أو قال : حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما). رواه الشيخان، البخاري في "صحيحة" [ج2/ص: 732/ر:1973]، ومسلم في "صحيحة" [ج10/ص: 416/ر:3836]، ورواه أبو داود في "سننه" [ج2/ص: 294/ر:3459]، ورواه الترمذي في "سننه" [ج3/ص: 548/ر:1246]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج7/ص: 280/ر:4469]، ورواه ابن ماجة في "سننه" [ج2/ص: 277/ر:2183]، ورواه الإمام مالك في "الموطأ" [ج2/ص: 671/ر:412]، ورواه الدارمي في "سننه" [ج2/ص: 700/ر:2452]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج4/ص: 403/ر:14890]، وصححه ابن حبان في "صحيحة" [ج11/ص: 268/ر:4904]، وصححه الحاكم في "المستدرك" [ج2/ص: 19/ر:2182]، وخلاصة حكمه: [متفق عليه] ..

هذا الحديث صحيح باتفاق الصحاح التسعة، وهي أعلى درجات الاتفاق بل هو في مصاف "المتواتر"، ولكن وقع في أحدى روايته علة وقعت في السند، ذلك أن يعلى بن عبيد، رواه عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، على حين أن رواته من الأئمة الصحاح من أصحاب الإمام سفيان الثوري، هم من رواه عن طريق عبد الله بن دينار، بدلا عن عمرو بن دينار، فهذا الخطأ وقع بإبدال رجل من رجالات الرواية بآخر، مما جعل السند معلولا ..
و لا ريب أن كشف العلة بالحديث لا تكون إلا ممن رزقه الله فهما ثاقبا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة أو خبرة قوية في الأسانيد والمتون ..

علة المتن القادحة: والعلة القادحة هي التي تكون في صميم موضوع الحديث أي متنه، ومن الأمثلة على علة المتن القادحة، ما رواه مسلم، من جهة الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس أنه قال: ( صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، [الزيادة]: ولا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم، في أول قراءة ولا في آخرها )، رواه مسلم في "صحيحة" [ج4/ص: 332/ر:890]، ورواه دون الزيادة كل من الترمذي في "سننه" [ج2/ص: 15/ر:246]، وصححه له الألباني في "صحيح الترمذي" [ر:246]، ورواه النسائي في "سننه المجتبى" [ج2/ص: 470/ر:901]، وصححه له الألباني في "صحيح النسائي" [ر:901]، ورواه الإمام أحمد في "مسنده" [ج3/ص: 648/ر:12303]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحة" [ج1/ص: 248/ر:491]، وصححه ابن رجب في "فتح الباري" [ج4/ص: 350]، وخلاصة حكمه: [صحيح]..

وهذه الزيادة التي تنفي البسملة، معللة عند الأئمة الفقهاء كالإمام الشافعي، وتلميذه الإمام ابن حنبل رحمهما الله تعالى، حيث يقول في علتها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ( إنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة، بـ [الحمد لله رب العالمين ]، معناه: أنهم كانوا يبدءون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه أنهم كانوا لا يقرءون "بسم الله الرحمن الرحيم" ) ..
ثم قال أبو عيسى الترمذي : ( وكان الشافعي يرى أن يبدأ بـ [بسم الله الرحمن الرحيم] و[أن] يجهر بها [إذا جهر بالقراءة] )، ورد في "سنن الترمذي" لأبي عيس [ج4/ص: 15] ..
وقد أيد رأي الشافعي وبيان الترمذي سبعة معه من أئمة الصحيح، ومن بينهم الإمام الفقيه مالك بن أنس رحمه الله تعالى، والفقيه المحدث البخاري دون أن يخرجه، أو ثمانية إذا ما انضم إليهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى ..
واتفقوا جميعا على أن الاستفتاح بالحمد لا يقتضي نفي البسملة ..
وقد أخذ المحدث الدار قطني بالبيان للمعنى القائل بأنهم يبدؤون بفاتحة الكتاب، قبل قراءة ما بعدها من الكتاب، وهو ما لا يعني أنهم يتركون البسملة ..
وبعض المحدثين من غير أئمة الصحيح باستثناء الإمام مسلم، فهموا فهم مسلم، بأن الاستفتاح بالحمد، هو نفي للبسملة، ولكن الرأي الراجح والذي أخذ به الإمام الأعظم "أبو حنيفة"، هو إخفاء البسملة لا نفيها ..


نهاية الجزء الأول ..
 
عودة
أعلى