الملاحدة: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها}

هشام البوزيدي

فريق إشراف ملتقى الانتصار للقرآن
إنضم
05/01/2013
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
ذكرني موضوع أخي الأستاذ نايف عيوش بهذه الحقيقة القرآنية, وحركني لتدبر هذه الآية الكريمة, فإن أصبت فمن الله وحده, وإن أخطأت فمني ومن الشيطان, أسأل الله أن يغفر لي ويسترني فهو العفو الكريم.
إن الملحد لا يملك مهربا من آيات الله المبثوثة فيه وفي الكون من حوله, وقصاراه أن يعرفها بعقله وحواسه, ثم ينسبها لغير الله, فهو كما قال ربنا يعرف نعمة الله ثم ينكرها.
يجمع الناس مؤمنهم وملحدهم على وجود قوة جبارة لا نفهم كنهها لكنها تدهشنا, وتشعرنا بالرهبة, وتنجح كل مرة في جعل جلودنا تقشعر, وعيوننا تدمع, إنها تلك القوة التي تملك أن تجعل الحياة تدب في قطعة لحم تنشأ بشكل عجيب في رحم ضيق, إنها القوة التي لا تكتفي بخلق الحياة في أشكالها المتنوعة من أنواعها المجهرية إلى الكائنات الإنسانية, بل تصور كل فرد منها صورة فريدة, وتضع في كل ذرة منه بصمة مميزة, وتهبه كل ما يحتاجه ليتلاءم في كينونته مع العالم الذي خلق فيه وأعد له. إن أعتى الملاحدة لا يملك أن يصمد باستمرار حيال ما تثيره هذه القوة في النفوس من مشاعر, فينسى في لحظات الانبهار الغامر بسلطانها وإبداعها ماديته الجامدة, ليستعير عبارات مديح يخلعها على تلك القوة المجهولة, توحي بأنه يقر أن لها ذات وصفات, لكنه يتوهم أنها قوة العالم المادي من حوله, فتراه يتحدث عن إبداع الطبيعة وعن غضبها وعن عبقريتها وحكمتها واختيارها.

إن وجودنا هنا لغز محير لا يفتأ يستحثنا للنظر في الآيات المبثوثة من حولنا في هذا الكتاب المنظور, إننا لا نملك أن نتجاهل هذه الحقيقة, ونسعى بفطرتنا لنفهم سر وجودنا, وسر القوة التي وهبتنا نعمة الإيجاد ونعمة الحياة, لكننا نختلف بعد ذلك أشد الاختلاف, فالملاحدة يقفون عند ظواهر الطبيعة والعالم المادي وقوانينه, ويقنعون من بحثهم بطرح سؤال: "كيف", لكنهم في الحقيقة لا يستطيعون أن يُخرسوا الصوت الذي يصرخ في دواخلهم: "لماذا", فأنت ترى الفيزيائيين والرياضيين وعلماء الأحياء الملحدين اليوم يتحدثون في مسائل فلسفية كأصل العالم ومنشإ الحياة, أو ليس هذا إقرارا بأن النفس البشرية ظمآى إلى إدراك حقيقة الظاهرة الإنسانية وغاية وجود هذا الكائن العجيب الغريب على هذا الكوكب الأرضي الفريد؟
إن سؤال "لماذا" يبحث عن الغاية والحكمة والمصير, وهذه رسالة الدين والنبوة, أما سؤال "كيف" فلا يتجاوز الظواهر المادية, وهذا منتهى ما يناله الملحدون الذين رضوا من علمهم بما يكشف لهم عن ظاهر من الحياة الدنيا.

إن الثنائية التي تتخلل هذا العالم تشهد بأن له سرا عجيبا يجدر بالعقلاء السعي في استكشافه, إنها ثنائية الجسم والروح, والقلب والعقل, والشكل والمعنى, والكيف والغاية, والغيب والشهادة, والخير والشر, والهدى والضلالة, والعدل والظلم, لماذا نرى الظواهر المادية والأنواع الحيوانية والنباتية في غاية التنوع والإختلاف, ثم تكون هذه المعاني وتلك القيم متقابلة كأنها من عالم آخر؟ لماذا لا نستطيع أن نتصور مع الخير والشر معاني أخرى تكسر هذه الثنائية؟ إنها ثنائيات تدل على أن الخالق بث في هذا الكون ما لا يحصى من الأدلة على أنه الواحد الأحد الذي لا ثاني له ولا ند ولا ولد.
 
عودة
أعلى