المقال الشهري (3): الإقراء والتدبر

ايت عمران

New member
إنضم
17/03/2008
المشاركات
1,470
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المغرب
بسم1​
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ فبينا أنا أستمع لأحد زملائي الطلاب في قراءته علي استجمعت قواي، واستحضري فكري، وعزمت على أن أمزج في استماعي إليه بين متابعة حفظه وأدائه، وبين تدبر ما يتلوه من آيات الذكر الحكيم، مستحضرا المأثور المشهور من قول ابن عباس رضي الله عنهما: "التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْه تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلاَمِهَا، وَتَفْسِيرٌ لاَ يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ".
كانت تجربة نافعة، وكانت استفادتي من تلكم الجلسة عظيمة، وأدركت أن المعنى الإجمالي لما استمعت إليه واضح في الأعم الأغلب، ونعيت على نفسي أن لم تكن تلكم منهجيتي في ماضي أيامي، وزورت في داخلي أن أنتهج هذا النهج ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
كثيرون أكرمهم الله – تعالى – بخطة الإقراء، وختمت على مسامعهم ختمات وختمات، فليت شعري كم كانوا سيستفيدون لو أعملوا فكرهم في المتلو وتدبروه، وإن أشكل عليهم معنى نظروا في التفاسير بعد انتهاء جلسات إقرائهم فحرروه؟
سمعت وسمعتم وقرأنا أخبارا عن مقرئين كانت دموعهم تنهمر أثناء إقرائهم، ولا ريب أن ثَمَّ نماذج كثيرة من هؤلاء الموفقين بإذن الله...
لكن في مقابل ذلك رأينا من أنفسنا ومن غيرنا من ينصب جهده كله على أن تكون تلاوة العارض عليه سليمة مستوفية للأوجه، دون أن يظهر على ملامحه تأثر ولا تفاعل مع ما يتلى، والبعض يكون هذا شأنه حتى تستوقفه آيات تطرق قلبه طرقا شديدا، وقتها يغفو من غفلته، فتجده يهمس بدعوات، أو يظهر نوع تأثر.
لست مضطرا للاسترسال في بيان فضل تدبر القرآن الكريم، وعظيم نفعه للمسلم التالي كتاب ربه العظيم، فذلكم معلوم لا يخفى على شريف علمكم وفضلكم، ويكفي أن نستحضر معا قول ربنا سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23]..
فإن كنتم مثلي مقصرين في جنب التدبر فهذه دعوة مني أن تجربوا مثل هذه التجربة، أو كنتم ممن أنعم الله عليهم باستحضار الذهن والتفكر فلتحمدوا ربكم على تلكم النعمة، والله يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل.
 
جزاك الله خيرا شيخ محمد على هذا الموضوع الرائع الجميل، وعلى هذه النصيحة الرقيقة، و في إطار ما ذكرتم، أذكر أني كنت أقرأ على شيخنا المقرئ محمد بن محمد بن سعد العبسي رحمه الله و رضي عنه، وكان الشيخ بصيرا بقلبه، و كان رقيق القلب جدا عند سماع القرآن وكثيرا ما يرق أثناء القراءة، وكان الشيخ ولله الحمد يحب قراءة أخيكم الفقير إلى ربه، وكان الشيخ كثيرا ما يبكي أثناء القراءة في آيات الوعيد وكذلك في المبشرات بالجنة، وكنت أقول يا الله، يسمع الشيخ ويبكي ويتأثر و يتدبر وأنا من يقرأ ولا أتأثر مثله اللهم ارزقنا قلبا خاشعا، ولكن في أحد الأيام كنت قد بلغت مع الشيخ سورة الممتحنة فلما بلغت إلى (يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا و لا يسرقن ... الآية) وجدت الشيخ يبكي وقد علا نحيبه، فاستوقفني ذلك وتعجبت لبكاء الشيخ أشد العجب، فليس في الآية ما يبكي، فسكت حتى هدأ الشيخ، ثم قلت له أعذرني يا مولانا، هل لي أن أسألك عما أبكاك في هذه الآية، فلم أنتبه فيها إلى ما يحمل على البكاء ؟!!!، فتنهد الشيخ ثم قال: يا بني، لو لم تخالف النساء ما عاهدن عليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، لما صار حالنا إلى ما صرنا إليه، من انحلال أخلاقي و انحراف، و ضياع في الدين، و بعد الناس عن ربهم، ثم عاود البكاء مرة أخرى، رحمه الله ورضي عنه، حينها علمت أن القرآن أكبر من أن يكون مجرد ختمة تُتلى على مسامع الشيخ ليقيم حروفها وليضبط أداءها فقط، وإنما جمع بين الحسنيين وضبط للحروف والمخارج، كما أن الأصل التدبر والاستفادة من كلام رب العالمين، والانتفاع به على أفضل وجه، أسأل الله أن يرحم الشيخ محمد العبسي وأن يسكنه فسيح جناته وأن يرحم مشايخنا أجمعين وأن يلحقنا بهم غير فاتنين ولا مفتونين، وأن يجزي أخانا الشيخ محمد آيت عمران، على ما خطت يداه خير الجزاء، و جزاكم الله خيرا
 
جزاك الله خيرا أخي محمد على هذا المقال الرائع
من الناس من يتدبر حتى النظم ويرق قلبه له، وأذكر أني درست الرسم فلما بلغت قول الإمام الخراز - رحمه الله -:
فإِنْ أَكُنْ بَدَّلْتُ شيئاً غَلَطاَ ... مِنِّيَ أوْ أغفلْتُهُ فَسَقطاَ
فَادَّرِكَنْهُ مُوقِناً ولْتَسْمَحِ ... فِيماَ بداَ مِنْ خَلَلٍ ولتَصْفَحِ
مَا كُلُّ مَنْ قَدْ أَمَّ قصْداً يَرْشُدُ ... أوْ كُلُّ مَنْ طَلبَ شَيْئاً يَجِدُ
لَكِنْ رَجاَئِي فِيهِ أَنْ لاَ غِيَراَ ... فَماَ صَفاَ خُذْ وَاعْفُ عَمَّا كَدُراَ
ولَسْتُ مدَّعِياً الاِحْصاءَ ... ولوْ قَصَدْتُ فِيهِ الاِسْتِقصاءَ
وفوقَ كُلِّ مِن ذَوِي الْعِلْمِ عَلِيمْ ... ومُنْتَهى الْعِلْمِ إلى الله العَظِيمْ
كَيْفَ وماَ ذِكْرِي سِوَى مَا اشْتَهَراَ ... عَنْ جُلِّهِمْ وما إِلَيْهِ ابْتُدِراَ
إلاَّ يَسِيرَةً سوى الْمُشتَهِرَهْ ... أَوْرَدتُهاَ زِيادَةً وتذْكِرَهْ
فَالحمْدُ لله عَلى إِكْمالِهْ ... وما بهِ قَدْ مَنَّ مِن إِفْضاَلِهْ
حَمْداً كثيراً طَيِّباً مُجَدَّداً ... مُتَّصِلاً دُونَ انْقِطاعٍ أَبَداَ
وانْفَعْ بهِ اللهم مَنْ قَدْ أَمَّا ... إِلَيْهِ دَرْساً أوْ حَواَهُ فَهْماَ
وَاجْعَلْهُ رَبِّي خالِصاً لِذاَتِكْ ... وقائِداً بِناَ إِلى جَنَّاتِكْ
عساهُ داَئِماً بِهِ يُنْتَفَعُ ... في يومِ لاَ ماَلٌ ولاَ ابْنٌ يَنْفَعُ
ويا إِلَهِي عَظُمَتْ ذُنوبي ... وليسَ لي غَيْرَكَ مِنْ طَبِيبِ
فَامْنُنْ عَلَيَّ سيدي بِتَوْبَةْ ... عَسَى الَّذِي جَنَيْتُه مِن حَوْبَةْ
يَذْهَبُ عَنِّي وإِليْكَ رَغْبَتِي ... في الصَّفْحِ عَنْ مُقْتَرَفِي وَزَلَّتِي
وحَجَّةٍ لِبَيْتِكَ الحرامِ ... ووَقْفةٍ بذلِكَ الْمَقامِ
وَاغْفِرْ لِواَلِدَيَّ ما قَدْ فَعَلاَ ... مِنْ سَيِّءٍ رُحْماَكَ يا رَبَّ الْعُلاَ
وَارْحَمْ بِفَضْلٍ مِنْكَ مَنْ عَلَّمَناَ ... كِتاَبَك العزِيزَ أوْ أَقْرَأَناَ

رأيت أحد الطلاب تذرف عيناه من رقة الأبيات
 
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قرأ سورة مريم حتى انتهى إلى السجدة "خروا سجداً وبكيا" فسجد بها، فلما رفع رأسه قال: هذه السجدة قد سجدناها فأين البكاء؟!
 
شكر الله لمشايخي الكرام مشاركاتهم القيمة،

ومما يعين المقرئ على تدبر ما يقرأ عليه ما ذكره الإمام ابن الجزري رحمه الله في منجد المقرئين ص 61 حين قال معددا شروط المقرئ:
"فإذا جلس ينبغي أن يكون مستقبل القبلة على طهارة كاملة، ويجلس جاثيا على ركبتيه، ويصون عينيه في حال الإقراء عن تفريق نظرهما من غير حاجة، ويديه عن العبث إلا أن يشير إلى القارئ بأصابعه إلى المد والوقف والوصل وغير ذلك مما مضى السلف عليه"اهـ

وينبغي على القارئ أن يساعد شيخه على تدبر ما يقرؤه عليه، وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن الجزري رحمه الله في منجد المقرئين ص 71، وهو يعدد ما يلزم القارئ، فقال:
"وينبغي أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ، وملله، واستيفازه، وغمه، وجوعه وعطشه، ونعاسه وقلقه، ونحو ذلك مما يشق على الشيخ أو يمنعه من كمال حضور القلب"اهـ.
 
وكذلك مما يعين على التدبر والخشوع والتعايش مع المعاني الصوت الحسن الجميل مع مراعاة الأحكام التجويدية دون أي مبالغة أو تكلف في الصوت فهذا مما يساعد على الخشوع والدخول في عالم المعاني والآيات وكان شيخنا الشيخ المقرئ إبراهيم عطية أطال الله في عمره وألبسه لباس الصحة والعافية إذا قرأ عليه طالب صوته حسن مع الضبط نجده يسكن ويخشع وتدمع عينه عند ورود ذكر الجنة والرحمات ويجعل الطالب يقرأ دون توقف وكذلك شيخنا الشيخ المقرئ عبدالغفار الدروبي الجد عليه سحائب الرحمات تترى اذا قرأ عليه شخص بصوت جميل بالضبط والآداء تجده يجلس جلسة التأدب مع القرآن ومع اهل القرآن ويستمع للقارئ وكأنه يستمع الآيات لأول مرة ويرق قلبه وتدمع عيناه رحمه الله
 
شكر الله للشيخ عبد العظيم عبد الله ، و هلا عرفتنا بشيخكم الشيخ إبراهيم عطية حفظه الله و بارك فيه ، و كتبتم له ترجمة في موضوع منفرد أو في صفحة عرف بشيخك في القراءات ، لعلنا نستفيد من ذكر أهل القرآن و من تراجمهم ، كما أنه من حق شيخكم عليكم ، حفظكما الله و بارك فيكما و نفع بكما
 
شكر الله لكم يا أستاذ عبد العظيم تلك الإضافة المتميزة،
وأؤيد الأستاذ عمر في طلبه هذا:
شكر الله للشيخ عبد العظيم عبد الله ، و هلا عرفتنا بشيخكم الشيخ إبراهيم عطية حفظه الله و بارك فيه ، و كتبتم له ترجمة في موضوع منفرد أو في صفحة عرف بشيخك في القراءات ، لعلنا نستفيد من ذكر أهل القرآن و من تراجمهم ، كما أنه من حق شيخكم عليكم ، حفظكما الله و بارك فيكما و نفع بكما
بورك فيكم جميعا.
 
للأسف لا أعرف عنه الكثير ولكن مما أعرفه أنه قرأ على الشيخ محمد أحمد معبد رحمه الله تعالى قرأ عليه لحفص وقالون ودوري أبي عمرو إذا ماخاب ظني
وأكرمني الله وقرأت عليه الإمام حفص
 
جزاك الله خيرا يا شيخ عبد العظيم ، و لكن أين يسكن الشيخ ؟ و هل له رقم يسهل التواصل معه ؟ ، و أعتذر للشيخ محمد آيت عمران ، و أعلم أن هذا ليس بالمكان الصحيح لمثل هذا النقاش و لكن هو سؤال لا أكثر إن شاء الله ، و يكون به إفادة للجميع
 
قال الذهبي في السير في ترجمة السخاوي: وَكَانَ يَترخّصُ فِي إِقْرَاءِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَر كُلّ وَاحِدٍ فِي سُوْرَةٍ، وَفِي هَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ، لأَنَّنَا أُمرنَا بِالإِنصَاتِ إِلَى قَارِئٍ لِنَفْهَمَ وَنعقلَ وَنَتَدَبَّرَ.
 
نقد الإمام الذهبي لبعض القراء

نقد الإمام الذهبي لبعض القراء

وجدت كلاما للإمام الذهبي يناسب المقام، وإن كان فيه نوع شدة في حق بعض القراء، ولولا أنه صادر من نقادة معروف، ومن مقرئ جامع للقراءات ودارس لعدة كتب من أصولها لما أوردته، وقصدي من إيراده، أن أتجنب - وإخواني - مثل ما نعاه على قراء زمانه.

قال رحمه الله في فاتحة كتابه "زغل العلم" الذي ألفه لبيان رأيه في العلوم، وأحوال المهتمين بها في زمانه، بادئا بعلم القراءات والتجويد:
"بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والحمد لله رب العالمين.
اعلم أن في كل طائفة من علماء هذه الأمة ما يذم ويعاب، فتجنبه:
فالقراء المجودة فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف والتنطع في تجويدها، بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة لله، ويخليه قوي النفس مزدريا بحفاظ كتاب الله تعالى، فينظر إليهم بعين المقت، وأن المسلمين يلحنون، وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ القراءة، فليت شعري أنت ماذا عرفت ؟! ما علمك؟ وأما عملك فغير صالح، وأما تلاوتك فثقيلة عرية عن الخشية والحزن والخوف، فالله يوفقك، ويبصرك رشدك، ويوقظك من رقدة الجهل والرياء.
وضدهم قراء النغم والتمطيط، وهؤلاء في الجملة: من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة، فقد رأيت من يقرأ صحيحا ويطرب ويبكي.
نعم، ورأيت من إذا قرأ قسَّى القلوب، وأبرم النفوس، وبدل كلام الله تعالى. وأسوأهم حالا الجنائزية.
و[أما] القراء بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع، وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة، وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراءات.
اقرأ يا رجل واعفنا من التغليظ والترقيق، وفرط الإمالة، والمدود، ووقوف حمزة، فإلى كم هذا؟
وآخر منهم: إن حضر في ختمة، أو تلا في محراب، جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت، والتهوع بالتسهيل، وأتى بكل خلاف، ونادى على نفسه: أنا أبو فلان فاعرفوني؛ فإني عارف بالسبع. إيش يُعمل بك؟ لا صبحك الله بخير؛ إنك حجر منجنيق، ورصاص على الأفئدة"اهـ.

فما رأي أصحاب الفضيلة في هذا الكلام، وفي نقله في هذا المقام؟
 
السلام عليكم
كلام رائع ياسي محمد حفظك الله ومن وجهة نظري أن الخلل المنهجي في تدريس القران والقراءات يكمن فيما ذكرت ، فقد تجد أحدهم يحفظ المتون ويجمع القراءات -وهذ ليس تقليلا من شأن هدا العلم - لا يلقي بالا للفهم والتدبر ولكن لطالب القرآن الجمع بين الفرع و الأصل وينهل من الثقافة القرآنية. الله أعلم
 
وجدت كلاما للإمام الذهبي يناسب المقام، وإن كان فيه نوع شدة في حق بعض القراء، ولولا أنه صادر من نقادة معروف، ومن مقرئ جامع للقراءات ودارس لعدة كتب من أصولها لما أوردته، وقصدي من إيراده، أن أتجنب - وإخواني - مثل ما نعاه على قراء زمانه.

قال رحمه الله في فاتحة كتابه "زغل العلم" الذي ألفه لبيان رأيه في العلوم، وأحوال المهتمين بها في زمانه، بادئا بعلم القراءات والتجويد:
"بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والحمد لله رب العالمين.
اعلم أن في كل طائفة من علماء هذه الأمة ما يذم ويعاب، فتجنبه:
فالقراء المجودة فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف والتنطع في تجويدها، بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة لله، ويخليه قوي النفس مزدريا بحفاظ كتاب الله تعالى، فينظر إليهم بعين المقت، وأن المسلمين يلحنون، وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ القراءة، فليت شعري أنت ماذا عرفت ؟! ما علمك؟ وأما عملك فغير صالح، وأما تلاوتك فثقيلة عرية عن الخشية والحزن والخوف، فالله يوفقك، ويبصرك رشدك، ويوقظك من رقدة الجهل والرياء.
وضدهم قراء النغم والتمطيط، وهؤلاء في الجملة: من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة، فقد رأيت من يقرأ صحيحا ويطرب ويبكي.
نعم، ورأيت من إذا قرأ قسَّى القلوب، وأبرم النفوس، وبدل كلام الله تعالى. وأسوأهم حالا الجنائزية.
و[أما] القراء بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع، وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة، وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراءات.
اقرأ يا رجل واعفنا من التغليظ والترقيق، وفرط الإمالة، والمدود، ووقوف حمزة، فإلى كم هذا؟
وآخر منهم: إن حضر في ختمة، أو تلا في محراب، جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت، والتهوع بالتسهيل، وأتى بكل خلاف، ونادى على نفسه: أنا أبو فلان فاعرفوني؛ فإني عارف بالسبع. إيش يُعمل بك؟ لا صبحك الله بخير؛ إنك حجر منجنيق، ورصاص على الأفئدة"اهـ.

فما رأي أصحاب الفضيلة في هذا الكلام، وفي نقله في هذا المقام؟
كلام في محله، وليتك -بارك الله فيك- تبسط الموضوع بأكثر من هذا؛ حتى يبرز بتمامه واضحًا جليًّا، معينًا لقارئه على تطبيق فكرته.
 
عودة
أعلى