بسم1
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد؛ فبينا أنا أستمع لأحد زملائي الطلاب في قراءته علي استجمعت قواي، واستحضري فكري، وعزمت على أن أمزج في استماعي إليه بين متابعة حفظه وأدائه، وبين تدبر ما يتلوه من آيات الذكر الحكيم، مستحضرا المأثور المشهور من قول ابن عباس رضي الله عنهما: "التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْه تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلاَمِهَا، وَتَفْسِيرٌ لاَ يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ".
كانت تجربة نافعة، وكانت استفادتي من تلكم الجلسة عظيمة، وأدركت أن المعنى الإجمالي لما استمعت إليه واضح في الأعم الأغلب، ونعيت على نفسي أن لم تكن تلكم منهجيتي في ماضي أيامي، وزورت في داخلي أن أنتهج هذا النهج ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
كثيرون أكرمهم الله – تعالى – بخطة الإقراء، وختمت على مسامعهم ختمات وختمات، فليت شعري كم كانوا سيستفيدون لو أعملوا فكرهم في المتلو وتدبروه، وإن أشكل عليهم معنى نظروا في التفاسير بعد انتهاء جلسات إقرائهم فحرروه؟
سمعت وسمعتم وقرأنا أخبارا عن مقرئين كانت دموعهم تنهمر أثناء إقرائهم، ولا ريب أن ثَمَّ نماذج كثيرة من هؤلاء الموفقين بإذن الله...
لكن في مقابل ذلك رأينا من أنفسنا ومن غيرنا من ينصب جهده كله على أن تكون تلاوة العارض عليه سليمة مستوفية للأوجه، دون أن يظهر على ملامحه تأثر ولا تفاعل مع ما يتلى، والبعض يكون هذا شأنه حتى تستوقفه آيات تطرق قلبه طرقا شديدا، وقتها يغفو من غفلته، فتجده يهمس بدعوات، أو يظهر نوع تأثر.
لست مضطرا للاسترسال في بيان فضل تدبر القرآن الكريم، وعظيم نفعه للمسلم التالي كتاب ربه العظيم، فذلكم معلوم لا يخفى على شريف علمكم وفضلكم، ويكفي أن نستحضر معا قول ربنا سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23]..
فإن كنتم مثلي مقصرين في جنب التدبر فهذه دعوة مني أن تجربوا مثل هذه التجربة، أو كنتم ممن أنعم الله عليهم باستحضار الذهن والتفكر فلتحمدوا ربكم على تلكم النعمة، والله يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل.