أيمن أبومصطفى
New member
المغالطات في ردود منكري الرسالات
في القرآن الكريم
دكتور
أيمن خميس عبداللطيف أبومصطفى
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
فالمغالطات نمط من أنماط بلاغة الحقيقة، لا تعتمد على التخييل بقدر ما تعتمد على الإحكام والتركيز، وخطاب الحقيقة يقوم على الحجة والبرهان ويهدف إلى الإقناع أو إفحام الخصم، ومن ثم كان هدف الدراسة هو بيان كيفية صياغة الحجة المغالطية، وبيان أنماطها الدلالية، وكيفية توظيفها، بالإضافة إلى بيان أثر الظواهر التداولية على بلاغة المغالطة. ولعل الدافع الذي دفعني لاختيار مادة البحث "المغالطات في ردود منكري الرسالات في القرآن الكريم" هو خصوصية الظاهرة البلاغية الملفوظة في المغالطات، والتي تشكل ضواغط أسلوبية تعتمد على بلاغة الكذب أو الخداع، ومن ثم جاء التحذير من هذه الممارسة الخداعية في أكثر من موضع في القرآن والحديث النبوي.
ولكون المغالطات خطابا شفاهيا يعتمد على المخاطبة المباشرة إضافة لإشارات جسدية لها تأثيرها في الحوار، فالحوار له جانبان جانب ملفوظ وجانب إشاري تمثيلي، وهما لا ينفصلان بل يتداخلان ليصلا إلى هدف المغالطة.
فخطاب المغالطة يقوم على الحجة والبرهان ويهدف إلى الإقناع أو إفحام الخصم ؛ وهذا النوع من الخطاب قل من يلتفت إليه ؛ لأن الدرس البلاغي العربي انصرف في معظمه إلى بلاغة الشعر ، وما يزال خطاب الحقيقة عامة وخطاب المغالطة خاصة، بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث تتواءم مع خصوصيته وأهميته .
الدراسات السابقة:
لم أجد فيما أعلم إلا دراسة بعنوان المغالطة ومنهج القرآن في الرد عليها لكنها تهتم بالقضايا دون الحوار وبنيته، ولم تتناول الردود (ردود منكري الرسالات) كما أنها جاءت بأمثلة محدودة فقط على المغالطات.
منهج البحث:
فقد عرض القرآن الكريم نماذج لردود معاندي ومنكري الرسالات، ونقل لنا حوارات جرت بين الرسل وأقوامهم. وفي هذه المحاورات حاول المنكرون الانتصار لمعتقداتهم بالدليل الفاسد أو المغالطة المنطقية، وفي هذه الدراسة حاول الباحث الوقوف على الظاهرة برصدها وتصنيفها وتحليلها ما أمكن ذلك.
وقد جاء البحث بعد المقدمة ليناقش ثلاثة عناصر أساسية، فعرض لمفهوم المغالطة، ووسائلها، والظواهر البلاغية فيها، فجاء على النحو التالي:
أولا: مفهوم المغالطة: وتحت هذا العنصر عرض الباحث مفهوم المغالطة وعلاقته بالسفسطة والاستدراج، وبين تحذير القرآن والحديث النبوي من فتنة القول.
ثانيا: وسائل المغالطة: وخلال هذا العنصر وقف الباحث على:
الحجج المغالطية غير اللغوية: حيث عرض لما جاء في القرآن من وصف لحال المنكرين، وكيفية اعتمادهم على الإشارة أو لغة الجسد في بيان موقفهم .
- المغالطات القولية (اللغوية):وفيه تناول الباحث المغالطات اللفظية ، التي تعتمد على التقليل من شأن المخاطب ، أو تكذيبه ، ومن ذلك :المغالطة بالسخرية والاستهزاء ومغالطة التشكيك في مصدر والمغالطة الاستغلاقية و المغالطة المنطقية و المغالطة السياقية والمغالطة بالدليل الفاسدوالمغالطة بالقوة والسلطةو مغالطة الكذب والافتراء ثم عرضت الظواهر البلاغية في المغالطات.
ثم الخاتمة، وقائمة للمصادر والمراجع.
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد، فهذا جهد لا أدعي تمامه، ولكنه بداية لعلها تفتح الباب أمام الباحثين؛ ليقفوا على أساليب المغالطة في تراثنا العربي.
الباحث
أولا: مفهوم المغالطة:
جاء في لسان العرب تعريف المغالطة حيث قال ابن منظور: "الكلام الذي يغلط فيه ويغالط به ، ما يغالط به من المسائل ..وقد غالطه مغالطة" وقد عرفها حافظ إسماعيلي بـ"أنها استدلال فاسد أو غير صحيح يبدو وكأنه صحيح ،لأنه مقنع سيكولوجيا لا منطقيا ، على الرغم مما به من غلط مقصود" وبذلك تكون المغالطة هي استخدام الحجج لأغراض غير الإقناع مثل الإفحام أو الإحراج ، فإننا قد نلاحظ في الردود المغالطة عدم التزام المعاندين بالبراهين الصادقة ، ولجوءهم إلى المغالطات الحجاجية ، والحيل والمراوغات الأسلوبية لدحض الحق ، وهو ما أشار إليه الحق تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }غافر5، وهو ما يتلاقى مع مفهوم السفسطة الذى عُرِف عند اليونانيين " وكان اسم « سوفيست » يدل فى الأصل على المعلم فى أى فرع كان من العلوم والصناعات، وبنوع خاص على معلم البيان، ثم لحقه التحقير فى عهد سقراط وأفلاطون ، لأن السفسطائيين كانوا مجادلين مغالطين وكانوا متاجرين بالعلم . أما الجدل فقد وقفوا عليه جهدهم كله ، خرجوا من مختلف المدارس الفلسفية لا يرمون لغير تخريج تلاميذ يحذقونه ، وكانوا يفاخرون بتأييد القول الواحد ونقيضه على السواء ، وبإيراد الحجج الخلابة فى مختلف المسائل والمواقف ، ومن كانت هذه غايته فهو لا يبحث عن الحقيقة ، بل عن وسائل الإقناع والتأثير الخطابي . ولم يكن ليتم لهم غرضهم بغير النظر فى الألفاظ ودلالاتها ، والقضايا وأنواعها ، والحجج وشروطها ، والمغالطة وأساليبها " فالمناظر الذى يهدف إلى إفحام خصمه وإحراجه والسفسطائي الذى يتجر بالعلم يتفقان في خروجهما عن الهدف السامي وهو الوصول إلى الحقيقة وإظهارها إلى تحقيق الأغراض والمكاسب الشخصية كما يتفقان في وسيلتهم إلى تحقيق ذلك وهى استخدام المراوغات والمغالطات الحجاجية .
"وقد كان لترجمة المحاورات اليونانية والكتب المنطقية وخاصة محاورات أفلاطون ومنطق أرسطو أثرهما الكبير في ظهور الجدل الكلامي الذي مارسه وبرع فيه علماء الكلام طوال قرنين من الزمان هما الثالث والرابع الهجري".
وقد قدم ابن وهب تعريفا للجدل والمجادلة ,وضع فيه يده علي مقصد الجدل ووقوعه في مسائل خلافية ( و أما الجدل والمجادلة ,فهما قول يقصد به إقامة الحجة فيما اختلف فيه اعتقاد المجادلين ,ويستعمل في المذاهب والديانات ,وفي الحقوق والخصومات ,.والتنصل في الاعتذارات )
فالجدل – فيما يفهم من كلام ابن وهب – خطاب تعليلي إقناعي 0فالجدل إنما يقع في العلة من بين سائر الأشياء المسئول عنها 0 وينبغي للمجيب إن سئل أن يقنع ,وأن يكون إقناعة الإقناع الذي يوجب علي السائل القبول .
ولما كانت الحجة هي أساس عملية الدفع أو الدفاع عن الرأي في مواجهة الكلام الآخر ، فإن الجرجاني ربط بين الجدل والحجة فقال:". الحجة ما دل به على صحة الدعوى ، وقيل : الحجة و الدليل واحد. "
وقد ربط ( إ.ارتشاردز ) بين البلاغة والجدل فقال: " من موضوعات البلاغة القديمة العامة موضوع واحد وثيق الصلة بدراستنا ، فمن الواضح أن البلاغة القديمة ثمرة الجدل والمناظرة ، وقد تطورت على أساس أنها بسط لمباديء الدفاع والإقناع.
وقد ربط بعض المحدثين بين الجدل والحجاج ولنقل ( الحجاج السفسطائي) بل إن هناك من يرى أن الجدل ليس مظهرا من مظاهر حرية العقل ، ويجعله مرادفا لما يسمى تحكم الأفكار السابقة قبل الدخول على الموضوع . وقد ظهر ذلك جليا في ردود منكري الرسالات على ما سنرى خلال دراستنا هذه.
وبذلك فالحجاج المغالطي هو في الحقيقة جدل خفي، وإلى هذا ذهب "إيكو" في أحد هوامش التبكتات، حيث رأى أن السفسطة ليست سوى جدل ظاهري .
ويعد أمر مغالطة الحق من الأمور التي ذاعت من المشركين على الأنبياء جميعا من نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ومعناها إنكار الحق في ظاهر الأمر رغم تيقن القلب به ،قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }النمل14، ولذلك سنقف على مواضع المغالطة في ردود منكري الرسالات ، وقد قسمناها حسب استخدامهم السياقي لها يقول الفارابي: "فينبغي الآن أن نقول في الأمكنة التي منها يغلط الناظر في الشيء، وفي الأمور التي شأنها أن تزيل الذهن عن الصواب في كل ما يطلب إدراكه ،ويخيل الباطل في صورة الحق ،وتلبس على الإنسان موضع الباطل فيما يقصد علمه فيقع فيه من حيث لا يشعر. وهذه الأمكنة بأعيانها هي التي يمكن أن يغالط الإنسان من يخاطبه حتى إن كان مطالبا أو ملزما أوهم أنه طالب وتسلم من غير أن يكون طالبا أو تسلم ...."
ثانيا:وسائل المغالطة:
قسم أرسطو الحجج التي أطلق عليها التصديقات إلى ثلاثة أنواع تختص بعناصر أخرى من عناصر الخطاب، فجعل منها ما يختص بالمرسل أو المتكلم وما يختص بالمتلقي أو السامع وما يختص بالرسالة أو الكلام نفسه " فأما التصديقات التي نحتال لها بالكلام فإنها أنواعٌ ثلاثة: فمنها ما يكون بكيفية المتكلم وسَمْتِه ، ومنها ما يكون بتهيئة للسامع واستدراجه نحو الأمر؛ ومنها ما يكون بالكلام نفسه قبل التثبيت . فأما بالكيفية والسَّمْت فأن يكون الكلام بنحوٍ يجعل المتكلم أهلاً أن يصدق ويقبل قوله . والصالحون هم المصدقون سريعًا بالأكثر فى جميع الأمور الظاهرة ..... وأما بتهيئة السامع فحين يستميله الكلام إلى شىء من الآلام المعترية ، فإنه ليس إعطاؤنا الأحكام فى حال الفرح والحزن ومع المحبة والبغْضة سواء ، وذلك هو الذى يزعم أن هؤلاء الحذاق بالكلام قصدوا له فقط بالمُشْبِه والحيلة ..... وأما ما يكون من التصديق من قِبَل الكلام نفسه فحين نثبت حقًّا أن ما نرى حقًّا من الإقناعات فى الأمور المفردة" ( ).
فقد تحقق المغالطة بناء على ما يملكه المتكلم من خصائص وصفات تجعل المستمع أقرب لتصديقه وقد تتحقق عن طريق التأثير في المتلقي أو لموافقة الحجة ميلا لديه وقد تتحقق عن طريق الصياغة اللغوية والاعتماد على الإقناع العقلي عن طريق الأساليب المنطقية من القياس والاستدلال فقد تتحقق المغالطة عن طريق الوسائل اللغوية أو الوسائل غير اللغوية التي ترجع إلى المتكلم أو المتلقي وبذلك يرتبط الحجاج بالعناصر الخارجية المحيطة بالخطاب.
الحجج المغالطية غير اللغوية:
إلى جانب الملفوظات توجد إشارات غير لفظية كحركات اليد ، ونظرات العين ، وغيرها من الإشارات الجسدية ، ويكون السياق هو المفسِّر للمعنى المراد . ويعبر المتخاطبون عن طريق هذه الإشارات غير اللفظية عن أفكارهم ويحملونها معانيهم ويستطيع الطرف الآخر تفسيرها والوصول إلى قصد المرسل مستندا إلى بعض الأمور المتوافق عليها عرفا فى الإطار الثقافى أو الاجتماعى الذى يجمعهم.
فتأتى الإيماءة أو الإشارة الجسدية دالة محملة بمقاصد المخاطِب ، كما يستطيع المخاطب فهمها وتفسيرها، وقد سمّى تشاندلر هذه الإشارات الجسدية بالشيفرات الجسدية وصنفها ضمن ما سمّاه بالشيفرات الاجتماعية ومثل لها ببعض الأمور يقول " الشيفرات الجسديّة ( التَماس الجسدي ، التَّجاور ، التوجّه الجسماني، المَظهَر، التعبير بالوجه، إيماءات الرأس ، الإيماءات ، الوضْعة ) " ( ) ووفقا لتشاندلر يختلف استخدام الأفراد لهذه الشيفرات من ثقافة لأخرى حيث تنظم كل ثقافة استخدام أفرادها والمنتمين إليها لتلك الشيفرات على النحو المقبول اجتماعيا ويعد خرقها بشكل متعمد ذا مغزى ( ) .
فمن خلال الهيئة والمظهر يتضح الموقف ، ولذا يقول تعالى :{وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }محمد30
وقد صف القرآن الكريم بعض المغالطات الفعلية التي تكون حركة أو تغييرا في شكل الوجه ، أو إشارة باليد ، وهذه المغالطات يكون لها تأثير على سير الحوار ، ومن هذه المواضع في القرآن الكريم:
- التولي والهروب من المواجهة:
ويكون ذلك بالإعراض عن سماع الذكرى والتذكرة، وقد ورد ذلك كثيرا في القرآن الكريم، ومن ذلك:
- قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }لقمان7
- قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ }المدثر49:51
- الإعراض بوضع الأنامل في الأذنين ، واستغشاء الثياب .
قال الله تعالى: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً } نوح7 الضحك الذي ليس له مبرر سوى الاستهزاء:
- {فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ }الزخرف47
- {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ }المطففين29
- {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ }المؤمنون110
- { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ }النجم60،59
- {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }لقمان6
- الغمز واللمز والعبوس:
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }الحج72
- {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ }المطففين30
- {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون }التوبة127
- {ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ }المدثر 30-31
- الإشارة باليد أو الرأس :
من ذلك الإشارة باليد لأفواه الرسل لإهانتهم والاستهزاء بهم:قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }إبراهيم9 ومن ذلك أيضا الإشارة بالرأس للإعلان عن الرفض والإعراض ، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }المنافقون5
المغالطات القولية (اللغوية):
لا شك في أن للكلام سحرا ، يستطيع المتكلم من خلاله تغيير مواقف المتلقين ،وقد يُستغل ذلك استغلالا مخادعا ، وإلى هذا الاستخدام نبه القرآن الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }محمد30 ويقول أيضا: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ }البقرة204ويقول أيضا: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المنافقون4 فالبلاغة قد تكون وسيلة خداع ، فينخدع المتلقي بما يُقدمه القائل ، فتكون سببا لافتتانه واتخاذه موقفا مبنيا على غير أساس ،ولذلك قال الجاحظ: "اللهم إننا نعوذ بك من فتنة القول، كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، كما نعوذ بك من العجب بما نحسن" .
وقد التفت ابن الأثير في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر تحت باب الاستدراج إلى الاستخدام المغالطي المخادع للبلاغة حيث يقول: "وهذا الباب أنا استخرجته من كتاب الله تعالى وهو مخادعات الأقوال التي تقوم مقام مخادعات الأفعال والكلام فيه وإن تضمن بلاغة فليس الغرض ها هنا ذكر بلاغته فقط بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت الدقيقة في استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم وإذا حقق النظر فيه علم أن مدار البلاغة كلها عليه لأنه انتفاع بإيراد الألفاظ المليحة الرائقة ولا المعاني اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها والكلام في مثل هذا ينبغي أن يكون قصيرا في خلابه لا قصيرا في خطابه فإذا لم يتصرف الكاتب في استدراج الخصم إلى إلقاء يده وإلا فليس بكاتب ولا شبيه له إلا صاحب الجدل فكما أن ذاك يتصرف في المغالطات القياسية فكذلك هذا يتصرف في المغالطات الخطابية ".
فنجد ابن الأثير يبين أن مخادعات الأقوال تساوي مخادعات الأفعال ، وتهدف إلى الوصول إلى الإذعان والتسليم ، وهي عند الأديب تشبه وسائل الاستدراج عند المجادل .
وقد أشار ابن سينا إلى أن الاستعارة ينتفع بها على أنها وسيلة خادعة للتأثير على المتلقي الذي يسهل خداعه ، بل إنه استعمل لفظة"غش" حيث يقول :".....وليعلم أن الاستعارة في الخطابة ليست على أنها أصل ، بل إنها غش ينتفع به في ترويج الشيء على من ينخدع وينغش ، ويؤكد عليه الإقناع بالتخييل ، كما تغش الأطعمة والأشربة بأن يخلط معها شيء غيرها لتطيب به، أو لتعلمل عملها فيروج أنها طيبة في أنفسها.. "
وقد ناقش أمبرتو إكو الغاية المخادعة للبلاغة ، فى عرضه لنظرية إنتاج العلامة ، مشيراً إلى استعمال الصور البلاغية التحسينية بغرض المخادعة ومنافاة الحقيقة ، إذ ينتج استعمال الصور البلاغية خطاباً أيديولوجيـاً مخادعاً تُصنف فيه أشكال الدعاية المخادعة التى تستهدف إقناع العامة ، ومن ثم وصمت البلاغة بسمعة سيئة فى القرنين الماضيين بسبب الطـريقتيـن اللتين كان يُنظر بهما إلى فكرة الصور البلاغية "
ويذكر الجاحظ أنّ البلاغة هي تصوير الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق . وهذا مؤدّاه مغالطة المتلقي ومخادعته واستدراجه في غيبة من رويته إلى ما يخالف عقله وعلمه.
فالاستخدام المخادع للحجج والبراهين ، يغير الحقائق ، فيؤثر على رؤية المتلقي ، فلو لم ينجح في تغيير موقفه كلية ، فسينجح في تغييم رؤيته.
وقد وجدنا هذا الاستخدام المغالطي للحجج والأساليب في ردود منكري الرسالات ، وسنقف فيما يلي على هذه المغالطات في القرآن الكريم.
1- المغالطة بالسخرية والاستهزاء:
تقوم هذه المغالطة على تحقير الخصم، والحط من شأنه ، واتهامه بما يسيء إليه في شخصه ، ومن ثم يكون التشكيك في كلامه ، وهذا ما اعتمده منكرو الرسالات ، وسنقف على ذلك فيما يلي:
- قال تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }البقرة88
- ﭧ ﭨ {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء155
- قال تعالى: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء46
- قال تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ }الأنبياء36
- قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46
- قال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }فصلت5
2- مغالطة التشكيك في مصدر الرسالة :
وهذه المغالطة تحركها المكابرة وقد عرفها الشريف الجرجاني بقوله" وهي المنازعة في المسألة العلمية لا لإظهار الصواب بل لإلزام الخصم، وقيل هي مدافعة الحق بعد العلم به "
فالمعاندون حينما يعجزون عن رد الحجة بالحجة يحاولون أن يوجهوا الحوار نحو أي وجهة يستحيل معها الإذعان أو قبول الرأي الآخر.
ومن صور المغالطة التشكيك في مصدر الرسالة ، فحينما يعجز عن مواجهة الحجة بالحجة ، لجأ إلى المغالطة بالتشكيك في مصدر الرسالة ،وقد تعددت صور التشكيك ، فمن صورها:
أ- إدعاء البشرية:
اتجه المعاندون إلى التشكيك في الرسالة ، فزعموا أن الرسول كاذبون فيما يذهبون إليه ؛ لأنهم بشر مثلهم ، وماداموا كذلك فهم ليسوا صادقين ، فليس الرسول ربا ولا ملكا وإنما هو يأكل الطعام ، فهو بشر مثلهم لايملك ميزة تميزه عنهم.
- قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }إبراهيم10
- قوله تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }الأنبياء3
- قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }هود27
- قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }إبراهيم10
- قوله تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }الأنبياء3
- قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ }المؤمنون24
- قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ }المؤمنون33
- قوله تعالى: {مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }الشعراء154
- {وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ }الشعراء186
- {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ }يس15
فهم بهذه المغالطة يحاولون أن يثبتوا صحة موقفهم ، ليخدعوا بها المتلقي ، فالرسول لم يأتهم – في زعمهم- بحجة بينة واضحة ، لذا فهم لن يتركوا آلهتهم.
بـ- إدعاء السحر:
ومن ذلك:
- قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }المائدة110
- {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }الأنعام7
- {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }الأعراف132
- {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ }يونس76
- {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }هود7
- {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }النمل13
- {فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ }القصص36
- {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ }القصص48
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ }سبأ43
- {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ }الصافات15
- {وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ }الزخرف30
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }الأحقاف7
- {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ }القمر2
- {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }الصف6
- {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ }المدثر24
جـ-ادعاء الشاعرية أو الجنون :
ادعاء الشاعرية والجنون مغالطتان كثر استخدامهما من قبل المكذبين ، فنسبة الجنون إلى الرسل ،تطعن في أهليتهم لتحمل الرسالة ، ومن ذلك قوله تعالى:
- {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ }الأنبياء5
- {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }الصافات36
- {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ }الطور30
- {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }الحجر6
- {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }الشعراء27
- {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ }الدخان14
- {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }الذاريات39
- {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }الذاريات52
- {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ }القمر9
- {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ }القلم51
د_ ادعاء الكذب والأخذ من أساطير السابقين :
- {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }ص4
- {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }غافر24
- {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ }القمر25
- {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }الأنعام25
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ }الأنفال31
- {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }النحل24
- {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }المؤمنون83
- {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الفرقان5
- {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }النمل68
- {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }الأحقاف17
- {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }القلم15
- {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }المطففين13
3- المغالطة الاستغلاقية:
وتكون بغاية الوصول إلى إغلاق باب الحوار، بحيث لا يترك طريقا لمحاولة الاقتناع، وقد كانت هذه وسيلة يتخذها المنكرون ويتواصون بها قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26، فتوجيه الخطاب نحو اللامعقول أو غير المحتمل أمر يحرص عليه المعاندون إذا لم يجدوا أنفسهم قادرين على الإقناع بفكرهم ،ومن ذلك قول بني إسرائيل لموسى عليه السلام {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة55
وقد طلب اليهود من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء كالتوراة التي جاءهم بها موسى ، فكان الرد من الله تعالى تنبيها إلى كون هذه مغالطة استغلاقية ، المقصود منها استحالة التحقق الذي يترتب عليه استحالة الإيمان، قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153
فهم برغم الآيات الواضحة والدلائل المتتابعة ، يتركون الرسالة ويحاجون الرسول ، فيطلبون منه مالا يمكن حدوثه ؛ لكون الرسول بشرا ، أو لكون ما يطلبونه يخالف سمت صاحب الرسالة ، قال تعالى: (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا( الإسراء: ٩٠ - ٩٣ وقد جاء تنبيه القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم من نوعية هذه الحجج ، فقال تعالى {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153 ومن نماذج ذلك أيضا قوله تعالى:
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }يونس15
- {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً }الفرقان21
- {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }البقرة118
- {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ }الأنعام8
- {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }هود12
- {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً }الفرقان7
- {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً }الفرقان21
- {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ }العنكبوت50
- {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }الرعد27
- {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنعام37
- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان32
- {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31
- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ }محمد20
- {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ }القصص48
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ }المجادلة8
- {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }الأنفال32
- {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }الأعراف77
- {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }الأعراف132
- {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ }ص16
- المغالطة المنطقية:
تستعمل في الغالب عمدا في بناء الحجاج لتحقيق نفع للذات المنشئة للقول والإيهام بخلاف ذلك ، بحيث يصوغ المتخاطبون حججهم ويضعون المقدمات المؤدية إلى النتائج الملزمة بصحة الرأي أو خطأ الرأي الآخر . فتقوم اللغة بالوظيفة الحجاجية عن طريق البناء المنطقى للحجة فتقوم بعرض المقدمات واستنتاج النتائج فى عملية استدلالية ، فعن طريق هذه المقدمات الغائمة التي توحي بصدقها ينخدع المتلقي في النتائج فيظنها صحيحة ، وهذا نوع من التلاعب بالأذهان ، وسنقف على هذه المغالطة فيما يلي:
- يقول تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة247
أنى يكون له الملك علينا؟
هذا السؤال الذي يحمل دلالة الاستعلاء ، ثم تأتي تتمة الخطاب "ونحن أحق بالملك منه" نتيجة مغالطة ، ومقدمتها "ولم يؤت سعة من المال" وبذلك يمكن أن نقترح هذا القياس:
الملك يكون موسعا عليه في المال.
طالوت ليس ذا سعة في المال.
___________
طالوت ليس ملكا.
ومن ثم جاء هذه النتيجة الأخرى:
الملك يكون لمن لديه سعة من المال.
نحن أوسع من طالوت مالا.
__________
نحن أحق بالملك من طالوت.
- يقول تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }الأنعام148
- يقول تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }النحل35
قياس اعتمد على مقدمة مغلوطة :
كل شيء بمشيئة الله.
الله شاء أن نشرك.
__________
لو شاء الله ما أشركنا.
هذه المغالطة التي يبررون بها كفرهم وكفر آبائهم جاءت مبنية على مقدمة مغلوطة ، وقد جعلوها حجة يواجهون بها الرسل.
ومن الحجج المنطقية التي استند إليها المعاندون احتجاجهم بأن الآباء لم يعملوها، أو بعدم علمهم بها ، فيمارسون بالآباء سلطة على الغير ، كما كانوا سلطة عليهم أنفسهم . لاحتكامهم إلى الأفكار المتوارثة (Argument from antiquity) وهي بناء حجة تقوم على إنه متعارف عليه منذ القدم ، إذا لابد من أن يكون صحيحا .
- يقول تعالى: (وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ۖ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (:ص: ٤ – ٨ فالحجة قائمة على مغالطة ، وهي أنه خالف اعتقادهم ، ومادام خالف اعتقادهم ، فكلامه غير صحيح.
- يقول تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الأعراف: ٦٩ - ٧٠ فقد استندوا إلى أن آباءهم دائما مصيبون ، وهم كانوا يعبدون هذه الآلهة ، وهم تابعون لهم.
فقد استدوا إلى حجة مغلوطة ؛ليغالطوا بها، فالمعطيات غير صحيحة ، وبالتالي فالنتيجة التي جعلوها حجة غير صحيحة.
- يقول تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }آل عمران154
- يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }آل عمران156 الحجة غير سليمة لأن هناك عدم ترابط بين المعطيات والنتيجة ، وقد رد الله عليهم بعدها مباشرة ،فأثبت خطأ هذه المعطيات.
- يقول تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ }الأحقاف11فإنهم يضعون مقاييس للخير ،بانتسابهم له ، فهم من يحدد إمكانية الخير أو عدم إمكانيته.وهذه مغالطة صارفة عن الأسباب المنطقية ، ومؤدية إلى إطالة الحوار فيما لا فائدة منه.
- يقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } يس: ٤٧ - ٤٨ فما داموا على حالهم هذا من الجوع ، فهم كاذبون ، لأنهم لو كانوا صادقين لما طلبوا الطعام.
ومن ذلك كل ما جاءت العلة فيه فعلُ الآباء ، ونجد ذلك في هذه الآيات:
- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }البقرة170
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }المائدة104
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف28
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }الأعراف95
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ }يونس78
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ }الأنبياء53
{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }الشعراء74
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }لقمان21
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }الزخرف22
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }الزخرف23
فمن المغالطة المنطقية محاولتهم إيجاد حجج منطقية يسهل بها خداع المتلقي، ومن ذلك قولهم {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72 فإنهم يحاولون خداع المؤمنين وفتنتهم في دينهم ،حيث يدخلون نفاقا في الدين ثم يخرجون منه ارتدادا ، فيظن المؤمنون أنهم اكتشفوا في الدين ما دعاهم للخروج منه ، فيفتنون بذلك.
4- المغالطة السياقية:
وتكون بسوق الحوار إلى وجهة غير التي يسير فيها ، فالسياق يقتضي شيئا ، وأحد أطراف الحوار يوجهه إلى شيء بعيد عنه ؛ ليغالط ويغيم الحقائق ، ومن ذلك موقف "النمرود "في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة258 حيث بدأ النمرود بالمحاجة، وتصف الآية النمرود بالملك ، " أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ " ولهذه الصفة دلالتها فهو الذي يوجه بسلطته الحوار حيث يشاء ،فقد بدأ الحجاج قائلا لإبراهيم: من ربك؟ فقال إبراهيم عليه السلام " قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ "، إلا أن الخصم الذي حاج إبراهيم أراد أن ينقل المحاجة نقلة سفسطائية عن سياقه، وما دفعه إلى ذلك إلا اقتناع كامن بأن حجة إبراهيم دامغة غير أنه أراد المراوغة استكبارا واغترارا بما وهبه الله؛ فلما أتي إبراهيم – عليه السلام – بالحجج الكونية التي لا جدال فيها " قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ " عجز عن الاستمرار في المحاجة .
وفي حوار فرعون مع السحرة نجد هذه المغالطة السياقية واضحة جلية ، فإن السحرة جاءوا لنصرته طامعين راغبين ، وهو يعلم حرصهم على نيل مكانة لديه ، ويعلم أيضا أنهم حينما آمنوا آمنوا لاقتناعهم ، وحينما رآى الآيات الواضحات التي تدعوه إلى الإيمان حوّل مجرى الحوار ، وادعى أن ما حدث مؤامرة ، وأن موسى عليه السلام هو كبيرهم الذي علمهم السحر (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116) ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين (121( رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) الأعراف: ١١٣ - ١٢٥
فحينما عجزت سلطة الكلمة حلت كلمة السلطة ، وحينما لم يجد نفسه قادرا على السير بالحوار في مجراه الصحيح ، انحرف به ، واستخدم سلطته في قمع الرأي المخالف.
ومن ذلك أيضا توجيه الحوار نحو اتجاه غير الذي يسير فيه استشعارا لضعف الحجة ،) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19))الشعراء: ١٧ – ١٩فحينما دعاه إلى أن يترك بني إسرائيل ليعبدوا الله كان رده مخالفا للسياق ، حيث من عليه بتربيته له.
فحينما ذهب موسى وهارون عليهما السلام لفرعون وطلبا منه أن يرسل معهما بني إسرائيل، كانت إجابة فرعون خارج السياق ، إذ ذكره بتربيته له ، وبما فعله من قتل المصري، وذلك ليهرب من الموضوع الأصلي للحوار.
5- المغالطة بالدليل الفاسد:
وفي هذه المغالطة تكون المقدمات غير مناسبة للنتائج ، أو أن تكون النتائج غير مناسبة للمقدمات ، فتكون النتائج مبنية على وهم أو ظن أو تمن ، ونجد ذلك جليا في قول اليهود وقول النصارى {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111: حيث قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا . وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وهذه مغالطة مبنية على وهم فقد حكى الله قولهم فقال تعالى {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }البقرة135 وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } فقد بنوا على هذه المغالطة نتائج لعل من أخطرها أنهم شعب الله المختار، وأنهم خير الناس ، وأن من سواهم خُلقوا لخدمتهم.ومن ذلك أيضا إدعاؤهم أنهم لن يُعذبوا إلا أياما معدودة ، وبعد ذلك يكون النعيم في الجنة ، يقول تعالى: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة: ٨٠ ويقول تعالى حاكيا قولهم أيضا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }آل عمران24حيث زعموا أنهم سيلقون من العذاب قدراً مقدراً ثم يزول عنهم ويعقبه النعيم ، وجاء تعقيب الله تعالى في الموضعين مبينا خطأ هذا الزعم وبطلان تلك الحجة.
ومن الحجج الواهية التي بُنيت عليها نتائج مغالطة ،قول قوم لوط فيما حكاه الله عنهم {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }الأعراف82 {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }النمل56 فإن الحجة غيرُ منطقية ، لكنها تدل على فساد الطباع من إلف المعصية ، فالحجة"إنهم أناس يتطهرون" فهل غدت الطهارة عيبا ؟!فهم يقولون إن لوطًا ومن تبعه أناس يتنـزهون عما نفعله نحنُ من إتيان الرجال في الأدبار،فقد عابوهم بغير عَيْب، وذمُّوهم بغير ذَمّ.
ومن الأدلة الفاسدة أيضا قولهم {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } هود: ٩١ فإنهم يزعمون أنهم لايفقهون ما يقوله لهم ، وعدم فقههم له حجة لإعراضهم ، برغم أن لوطا منهم يحدثهم بلغتهم ، ويأتيهم بالحجج والبراهين ، ويدعوهم للقيم والأخلاق.
بل إنهم استندوا إلى دليل فاسد آخر فقالوا { فمَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }هود27 فمادام لم يتبعك إلا الأراذل ،فهذه حجة لنا في ترك ما تدعونا إليه.
ومن ذلك أيضا ربط المشركين بين أمنهم والبقاء على معتقدهم : قال تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }القصص57وقد رد الله عليهم زعمهم هذا بأنه هو من أمن لهم الحرم وجعله مكانا يأمن فيه الناس ، وهو قادر على تأمينهم ورزقهم.
وقد جعل المنافقون إحجامهم عن الخروج للجهاد متعقلا بحجة فاسدة مؤداها أن الحرارة مرتفعة ، وقد رد الله عليهم هذه المغالطة بأن نار جهنم أشد حرا، قال تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }التوبة81بل إن منكري الرسالات في تكذيبهم للبعث وهو في الحقيقة تكذيب للرسالة كلها يستندون إلى حجج واهية تقوم على الظن ، ومن ذلك:
قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }الجاثية24
قال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }السجدة10
قال تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }الرعد5
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }سبأ7
قال تعالى: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }الإسراء49
قال تعالى: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }الإسراء98
ومن الأدلة الفاسدة إلزام الخصم الشنعة واستغلال العامل النفسي والعاطفي، وذلك بالربط بين حالة القحط التي أصابتهم ومجيء الرسل إليهم ،ومن ذلك التشاؤم والطيرة ، قال تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } النمل: ٤٧وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }يس18
{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }النساء78
{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأعراف131
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }الروم36
مقدمة أ جئتم إلينا.
مقدمة ب أصابنا القحط
تشاءمنا منكم لأنكم سبب القحط.
وقد استند فرعون في تكذيبه لموسى إلى دليل فاسد ، حيث إنه يقنع المحيطين به بضرورة التخلص من موسى ؛لأنه يخاف أن يبدل دينهم ، وأن ينشر في الأرض الفساد، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } غافر: ٢٦ أريد قتله خوفا عليكم من أن يغير حالكم وعبادتكم إلى عبادة ربه .
6- المغالطة بالقوة والسلطة:
يكون ذلك باستخدام السلطة في توجيه الحوار ، فحجاج القوة هو حجاج يسعى صاحبه إلى حمل المخاطب إلى سلوك معين وقد جاءت الحكاية عن قوم شعيب عليه السلام في القرآن موضحة ومبينة ذلك ، حيث لم يكتف المعاندون برفض الدعوة والسخرية؛ بل قعدوا بكل طريق يخوفون من آمن بالله ويهددونهم بالقتل ليستولوا على أمولهم؛ فكان النهي {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }الأعراف86 وقد اتضحت حجة السلطة في تهديدهم شعيب – عليه السلام – ومن آمن معه تهديدا سافرا "، {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }الأعراف88
ومن هذا السبيل ما نهجه الكافرون في حث أتباعهم على عدم السماع للقرآن ، حيث حكى عنهم القرآن ذلك فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26 ،وقد وصف الله تبارك وتعالى كثيرا من المنكرين بالاستكبار وأنهم مترفون أو كبراء وأقوياء ، وقد عرض ذلك تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ 34وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ 35قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 36 وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِبِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) سبأ: ٣٤ - 6 ٣ فقد احتجوا لموقفهم بسلطتهم وغناهم ، ولذا فقد أكدوا موقفهم المنكر بـ(إن) فقالوا"إنا بما أرسلتم به كافرون" ، كما نجد ذلك جليا في قول قوم صالح عليه السلام ، حيث خاطبوا المستضعفين مستغلين سلطتهم معلنين عن موقفهم ، وقد حكى القرآن ردهم قائلا: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }الأعراف: ٧٥ – ٧٦وقد كان هذا موقف قوم نوح أيضا حيث تمسكوا استكبارا بمعتقداتهم {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }نوح23
وفي حوار فرعون مع موسى عليه السلام نلاحظ أن فرعون حينما عجز عن مواصلة الحوار مع موسى لجأ إلى التهديد والوعيد {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } الشعراء: ٢٩ عند ذلك توجه فرعون للسحرة بالكلام محاولة منه أن يثنيهم عن إيمانهم {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى }طه71 وقد حكى القرآن قول فرعون مهددا {فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ }غافر25 فلما جاءهم-موسى عليه السلام- بالبرهان القاطع الدال على أن الله عز وجل أرسله إليهم استخدم سلطته وأمر بقتل الأبناء وترك النساء أحياء .
وغالبا ما يلجأ فرعون لذلك لإحساسه بالاستعلاء عليهم ، قال تعالى على لسانه: { قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }الأعراف127
كما تتضح تلك السلطة في احتجاج عاد حيث قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }فصلت15
كما تتضح تلك السلطة في خطاب المعاندين واحتجاجهم بأولادهم وأموالهم ، يقول تعالى على لسانهم: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }سبأ.35
7- مغالطة الكذب والافتراء:
الكذب نقيض الصدق ،و يعني الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ،وذلك لإيهام المتلقي بصحته ، فيكون وسيلة لتمكين الحجة المغالطة ، أو يكون هو مغالطة .
ومن ذلك كذب اليهود على الله لتبرير قتلهم وسفكهم للدماء ، ومن ذلك: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران75فيتقولون على الله بأنه سمح لهم في التوراة بأكل أموال الأميين وخيانتهم ، بل إن القرآن الكريم فضح كذبهم وبين مغالطتهم فقال: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران78 .
ومن ذلك كذبهم على الله وادعاؤهم عليه الكذب ، وقولهم بأنه فقير {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } آل عمران: ١٨١ – ١٨٣
فقد كذبوا على الله، وأولوا كلامه تأويلا باطلا، فقد ذهبوا مذهبهم هذا بعد سماعهم قوله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245 وهكذا نجدهم يقولون إن يد الله مغلولة {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة64
كان فرعون يلجأ للكذب لتثبيت باطله وتدعيم نظامه بَعْدَ أَنْ علم الحق ،فمن كذبه ادعاؤه الألوهية والربوبية {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }القصص38 {فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } النازعات: ٢٣ - ٢٤ .
ومن الكذب ادعاؤه أن موسى ساحر: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ }الشعراء34 ثم نجده يكذب ثانية ويذهب إلى أن موسى عليه السلام جاء ليخرهم من أرضهم ، فهو بذلك يقدم حجة تدفع المتلقين على اتخاذ موقف ضد دعوة موسى عليه السلام ، فقد ربط بين دعوته وبين ما يخصهم (الأرض ) {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }الأعراف110 {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }الشعراء35 {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى }طه63لقد تكررت الحجة في ثلاثة سياقات لبيان خطورتها وأثرها في خداع المتلقي.
8- المغالطة بالأيمان الكاذبة:
القسم وسيلة تمكينية للخبر، وقد استغل منكرو الرسالات هذه الخاصية ، فلكي يوهموا بصدق دعواهم يقسمون ويشددون في القسم ،وقد قال تعالى واصفا حالتهم هذه:
{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }المجادلة16
{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }المنافقون2
فمن عادة العرب الذين أنهم كانوا يقطعون كلامهم بالقسم ، لأن (القصد بالقسم تحقيق الخبر وتوكيده) .ومن ذلك قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }المائدة53 فهذا القسم أكد موقفهم المخادع ، فأقنع بصدق موقفهم ، وأوهم بأنهم محبون صادقون وهم غير ذلك ، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام109 وكذلك نجد قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً }فاطر42فهي محاولة للخداع والمغالطة يقسمون أنهم إن جاءتهم آية فسيؤمنون بها ،فالقسم وسيلة تسويفية لتأجيل إيمانهم ، وربطه بأية ، ولكنهم إن جاءتهم آية لايؤمنون بها، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل38 كذلك وجدنا القسم هنا ممكنا لمغالطة إنكار البعث والنشور ، وذلك ليخالفوا قول الرسل ، ولينكروا الرسالة ، بإنكار جزء من أركان الرسالة ، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } النور: ٥٣ فالمنافقون يقسمون بالله على عزمهم على الخروج للجهاد في سبيل الله ليوهموا أنهم مؤمنون حقا ، فينخدع المسلمون بقسمهم هذا ولا يشكون في أمرهم ، فقد أطاعوا قولا وعصوا فعلا.
الظواهر البلاغية في المغالطات:
تعد المغالطات نوعا من أنواع الخطاب الحجاجي الذي يهدف إلى تغيير مواقف الآخرين أو تبرير موقف المُغالِط ، وهى بذلك تختلف عن أنماط الخطاب الإمتاعي، ولذا يُلاحظُ عليها غياب الظواهر البيانية والبديعية وندرتها ، حيث تصل المغالطة إلى غرضها سالف الذكر بوسائل أخرى غير الوسائل البيانية فالإقناع الزائف المخادع قد " ... يحدث عن الكلام نفسه إذا أثبتنا حقيقة أو شبه حقيقة بواسطة حجج مقنعة مناسبة للحالة المطلوبة . " ( ) غير أننا قد نلاحظ ظهور تلك الظواهر بصورة ضئيلة في بعض المواضع التي تسعى إلى استغلال الوسائل البلاغية لتحقيق هدفها .
وقد لاحظ الباحث أن الظواهر البيانية جاءت في وصف القرآن لحال المنكرين ، ولم تأت في ردودهم ، فكلامهم المحكي عنهم يكاد يكون خاليا من الصور البيانية ، وهذه خصوصية من خصوصيات خطاب الحقيقة ، وقد كان للغاية من الخطاب أثر في توجيه صياغته ، أما في حكاية الله تبارك وتعالى عنهم ،فقد تنوعت الصور البيانية ؛ وذلك لتقريب الصورة أو لتمثلها ، فيكاد المتلقي يرى بعينيه مشهدهم وهم يكابرون وينكرون ،فنجد التشبيه وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }لقمان7
ومن هنا يتضح أثر التشبيه ودلالته ، فقد أبان عن مكانه القرآن الكريم ، وما اشتمل عليه من الهداية ، ما أبان عن موف من أعرض عنه ، وما هو عليه من الضلال والتكبر والإعراض .
كما جاء التشبيه لتقريب صورة المعاندين وتبيينها ، وذلك في قوله تعالى:( فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ)المدثر: ٥٠ - ٥١ أي كأن هؤلاء القوم في إعراضهم عــن القرآن ، ونفارهم منه الحُمر حين تفر ممن يريد صيدها ، فلينظر المتلقي إلى هذه الصورة البيانية الرائعة التي صورت حال القوم ، وهم يعرضون عن الحق ، بيد أن هذا الإعراض والفرار لا يزيدهم إلا حسرةً واضطراباً ، فما أشبههم بالحمر الوحشية النافرة التي تهيم على وجهها فارّة من أسد يريد إفتراسها .
وحول الصورة القرآنية يقول د.أبوموسى:"فمن عادة القرآن في رسم صورة التشبيه أن يذكر فيها من القيود وأحوال الصياغة مما يجعلها معبرة تعبيراً دقيقاً عن الغرض، ولهذه القيود والأحوال شأن في صورة التشبيه لا ينتبه إليها إلا المعني بإبراز نواحي الجمال ، وسر البلاغة في الأسلوب " .فالمعاندون وقت سماعهم لتلك الآيات وتلاوتها عليهم ، يفرون منها في خِفَّة وطيش، كحالة الحمر وقد لفَّها الذعر ، وشملها حين رأت الأسد مقبلاً عليها ، وهذا سر من أسرار القرآن الكريم ، وخصيصة من خصائص تشبيهاته وهي تلك القيود التي يجعلها في المشبه به
وقد جاء تشبيه هؤلاء المعرضين بالحمر لتجعل القارئ يتخيل هذا المشهد الذي يحمل دلالة الكر والفر فيتمثل حال هؤلاء المعرضين.
كما أن للاستعارة دورا في بنية المغالطة ، فهي توظف دلاليا لتكثيف دلالة السخرية ،فنجد استعارة تركيب الختم على القلوب والطبع عليها، ووضع الأقفال عليها في قولهم: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }فصلت5 فهم يسخرون منه بتعبير استعاري يحمل دلالة الاستحالة ، وقد وجدنا هذه الاستعارة في وصف حال المعرضين ، حيث يقول تعالى:{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }الأنعام25، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً }الكهف57
وقد وظفت لتكثيف نفس الدلالة ولكن ردا على استخدامهم لها ، فنجد : ((فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) . إستعارة تهكمية ، ففي هذه الاستعارة تحير له ، وحط من قدره وشأنه .
كما وجدنا الاستعارة استخدمت لتكثف دلالة الخداع ؛ولتكون أكثر إحكاما للمغالطة ، وذلك في قولهم: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72فالمراد بـ(الوجه): المحيّا، وهو مستقبل كلِّ شيء، ووجوه القوم: أشرافهم، فيقال: وجوه البلد ويراد بذلك: أعيانهم وسادتهم.
وكذلك نجد للكناية حضورا في تصوير حال هؤلاء المنكرين ، ومن ذلك: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }الحج72
كناية عن شدة غيظهم وغضبهم على من يتلو عليهم القرآن، وفرط إنكارهم لهذا الحق المتلو عليهم، حتى ظهرت آثاره على وجوههم ، فهو كناية عن امتلاء قلوبهم غيظا .
ومن الظواهر البديعية نجد تجاهل العارف، وهو سوق المعلوم مساق غيره لنكتة ومثاله قوله تعالى:: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }سبأ7فقولهم رجل هكذا بالتنكير وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم هو أسلوب من أساليب البيان العربي التي تثري البيان وتمنحه حركة وحيوية .
فلعل المشركين كانوا يستقبلون الواردين على مكة بهذه المقالة لتضليلهم وصرفهم عن الاستماع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الظواهر الأسلوبية التي لوحظ استخدامها بكثرة في المغالطة في ردود منكري الرسالات التوكيد والاستفهام، وسنقف على ذلك فيما يلي:
أولا: التوكبد:
يعد التوكيد سمة أسلوبية بارزة فى المغالطات فإذا كان التوكيد يستخدم مراعاة لحال المتلقى من حيث كونه خالى الذهن أو شاكًا أو منكرًا حيث " يَحْسُنُ تأكيدُ الكلامِ إِذا كان المخاطبُ به مُنْكِرًا أو مُتَرَدِّدًا . ويتفاوَتُ التأكيدُ بحسَبِ قوةِ الإِنكارِ وضَعْفِه " ( ) ، فتكون غاية التوكيد إزالة الشك وإثبات المنكَر وتمكين المعنى فى النفس وهى المواضع التى يحسن فيها التوكيد.
فمن مهام التأكيد في المغالطات إيهام المتلقي بصدق الحجة و إزالة الشبهة ورد الإنكار .
• القصر بالنفي وإلا:
إن أسلوب القصر من الأساليب التى يمكننا ملاحظتها بوضوح فى المغالطات؛ حيث يلجأ إليها المغالطون فى إثبات آرائهم وتفنيد حجج خصومهم ، فإثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه يتناسب مع هدف المغالطين من إثبات صحة آرائهم ونفى آراء الخصوم .ومن الظواهر الأسلوبية التي تلفت الأنظار كثرة استخدام القصر بالنفي وإلا ، وعن دلالتها يقول الإمام عبد القاهر الجرجانى : " ..وأما الخَبرُ بالنَّفى والإثبات نحو : « ما هذا إلا كذا » ، و « إن هو إلاَّ كذا » ، فيكون للأمر ينكره المخاطبُ ويشُكُّ فيه . " ( )
وقد جاءت ردود المنكرين في هيكل الاستثناء الأسلوبي ، مستخدمين هيكل النفي أو الاستفهام وإلا ، أو صيغة (إنما) لما فيه من تأكيد للدلالة التي يريدون الوصول إليها ، فقد ألحوا على أن يتهموا المرسلين بما يشكك في قدرتهم على تحمل عبء الرسالة من الجنون أو السحر أو الشعر ، وجاء إلحاحهم في هذا الهيكل الأسلوبي الذي صار لازمة لكل رد.
ففي حديثهم عن المرجعية المعرفية للرسول صلى الله عليه وسلم أكدوا زعمهم باستخدام القصر بإنما فقالوا: (إنما يعلمه بشر)النحل: 103وذلك ليصلوا من خلال هذه المقدمة التي صيغت في هيكل القصر الدال تحقق الدلالة حتى يظنها المتلقي حقيقة ثابتة.
والملاحظ أن هذه الدلالة تكررت في ردود منكري الرسالات عامة ، لكونها مغالطة تبرر إعراضهم عن الدعوة ، فجاءت في سياق ادعائهم السحر والشعر والكذب، فنجده في (البقرة: ٨٠ البقرة: ١١١ آل عمران: ٢٤ آل عمران: ٧٢ - ٧٣ النساء: ٤٦ الأنعام: ٢٥ الأنعام: ٢٩ الأنعام: ١٤٨ الأعراف: ٨٢ الأنفال: ٣١ يونس: ١٥ هود: ٢٧ هود: ٥٤ إبراهيم: ٩ إبراهيم: ١٠ النحل: ٣٥ الإسراء: ٤٧....) ويلاحظ على هذه الصيغة أنها جاءت في صورة الاستثناء المفرغ الذي حُذف منه المستثنى منه، وبذلك تتحقق في الأسلوب سمة التركيز الموهمة بالجدة والصدق ، وتمنع أي احتمال غير الذي يذهبون إليه ، فما بعد إلا هو الرأي الذي ليس بعده رأي، كذلك نجد في صيغة (إنما) التي تأتي لدلالة على التأكيد إضافة لدلالة القصر أو قصر الدلالة .
ثانيا : السؤال:
السؤال في المغالطات يكون وسيلة لتمكين الغاية من المغالطة ، ولاشك أنه سيختلف عن غيرها من السياقات ، فقد مارس دوره المغالطي ، ليصرف الطرف الآخر عن متابعة الحوار أو للتشويش على الجمهور الحاضر إذا كانت المحاورة علنية لتشكيكه فى مدى بيان حجة الخصم.
فخصوصية السؤال هنا خصوصية سياقية تداولية ، فالسؤال هنا جاء في سياق المعاندة والمجادلة ، وقد تعددت أغراض السؤال التى التفتت إليها كتب البلاغة العربية فنجد عبد القاهر يشير فى بيانه للتقديم والتأخير تعليقا على السؤال فى قوله تعالى ﴿ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ ( ) إلى تعدد أغراض السؤال يقول " واعلم أن « الهمزة » فيما ذكرنا تقريرٌ بفعلٍ قد كان ، وإنكارٌ له لِمَ كان ، وتوبيخ لفاعله عليه . " ( ) فالسؤال قد يأتى تقريرا وهو " حملُك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده " ( ) وقد يأتى إنكارًا ، وقد يأتى توبيخا فتتعدد أغراضه ، وقد ذكر الزركشى الأغراض المتعددة للسؤال من الافتخار والتوبيخ والعتاب والتبكيت والتعظيم والتهويل والتفجع وغيرها ( )
ونظرًا لتعدد أغراض السؤال فقد عمد إليها منكرو الرسالات؛ لتحقيق أهدافهم في الانتصار وإفحام الخصم فجاء السؤال في كثير من الأحيان مشكِّلا ضغطاً نفسيًا على المسئول للمغالطة أو الإحراج أو الإيقاع فى التناقض ، وبذلك يتمكن السائل من قطعه وإفحامه حيث وسنقف فيما يلي على نماذج للسؤال:
يقول تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة247
أجعل الآلهة إلها واحدا؟
أأنزل عليه الذكر من بيننا؟
جاء السؤالان ليحملا دلالة السخرية من الرسالة ، والسؤال نفسه يحمل هذه الدلالة ، إضافة لما ركزته مقالتهم المؤكدة "إن هذا لشيء عُجاب" .
فسؤال الثاني جاء تكثيفا لدلالة السؤال السابق" أجعل الآلهة إلها واحدا" فهم يرون في أنفسهم صلاحية تجعلهم أهلا للرسالة ، وهنا يوجهون انتقادهم للرسول وليس الرسالة ، وهذا نوع من المغالطة السياقية.
ومن هذه النماذج أيضا :
{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ }الأنبياء36
{وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً }الفرقان41
فإن الملفوظ هنا يأتى دالا على معنى حرفى تام وصحيح ، ولكنه يكتسب خاصية الرسالة غير الملفوظة لاعتبارات سياقية خالصة تتعلق بطرفى الخطاب "
فالسؤال هنا جاء في سياق استهزائي ؛ ليمثل ضاغطا أسلوبيا في تحقيق دلالة السخرية ، فالهمزة بوصفها حرف استفهام تأتي لتقرير المستفهم عنه، فتخرج من الدلالة الحرفية على الاستفهام إلى دلالة سياقية أخرى وهي الاستهزاء من المشار إليه بعدها.
إضافة لما يشكله اسم الإشارة الدال في سياقه على التقليل من شأن المشار إليه من ممكن للحجة المغالطة التي يحاول المتكلم من تمريرها وتسويغها.
كما نجد السؤال في سياق المقارنة التي توهم بوجود اقتراب بين الطرفين ضاغطا أسلوبيا ممكنا لدلالة السخرية والاستهزاء ، فقد قال تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ 57 وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)الزخرف: ٥٧ – ٥٨ وقد جاء تعقيب الآيات على هذه المقارنة بوصفها جدلا ، كما جاء وصفهم بالخصومة"خصمون" باستخدام صيغة المبالغة لدلالة على أنهم لا يجادلون من أجل الحقيقة ، بل يجادلون من أجل الجدال.
وقد اعتمد فرعون على السؤال في بناء حجته التي أراد من خلالها أن يخدع المتلقين ، حيث قال: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى } طه: ٥٧ فقد حمل السؤال دلالة ثبوت صفة السحر ، ثم وجه الفكر إلى مغالطة أخرى وهي أنه يهدف إلى إخراجهم من أرضهم ، فربط بين الدعوة وبين الإخراج من الأرض ؛ ليثير المتلقين ويحفزهم إلى رفض دعوة موسى عليه السلام.
كما أننا وجدنا فرعون يتكئ على السؤال مرة أخرى لحض المتلقي ودفعه إلى السبيل التي يريدها ، فهاهو يلتفت إلى الجماهير مُبْدِياً حرصه عليهم، {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }الأعراف110 وقد اتخذ السؤال هنا دليلا على ديمقراطيته الكاذبة ، التي خالفها بمقدماته السابقة ،يحاول بذلك استدرار العواطف واستدراج الجماهير بفتات يسير من الحرية الموهومة حتى إذا هدأت العاصفة عاد إلى طبعه.
والملاحظ أن فرعون اتكأ كثيرا على السؤال في مغالطاته ، ومن ذلك قوله في سياق العلو والكبر : وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) الزخرف: ٥١ – 52 فهذا السؤال المنفي "أليس لي ملك مصر" الذي جيء به لتقرير المعنى ،فهو يحمل بعدا سلطويا مغالطا ، بحيث يكون كلامه مسموعا ، ورأيه هو الشرع لهم ، وهذا ما قرره في سياق آخر : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر29 فهذا السؤال يعكس مدى استكبار وعلو هذا الطاغية .
وقد أكد دلالة السؤال بسؤال آخر "أفلاتبصرون" ثم عقد مقارنة متكئة على سؤال أنتجته الدلالة السياقية ، ولكنه سؤال يحمل على الإجابة ، ولايعطي مساحة لحرية الاختيار ، سؤال في هيكل التفضيل أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فقد ربط بين الخيرية والمعطيات الجسدية والمال ، ليقنع باستحقاقه ، وليستخف بموسى عليه السلام.
وهو بهذا السؤال يخاطب قلوب متلقين انشغلت بالدنيا ، فهو من يملك هذه الدنيا ، وما دام كذلك فهو المستحق للتعظيم والطاعة.
الخاتمة
المغالطات هي نوع من خطاب الحقيقة ، وقد اعتمد عليها منكرو الرسالات لمواجهة الرسل وأتباعهم ، وقد تشابهت برغم تنوعها ، فنجدها متكررة مع أغلب المرسلين .
وقد اعتمدوا عليها لتبرير موقف أو لمواجهة دعوة، فاستخدموا المغالطة الجسدية غير اللغوية، مثل حركة الجسد، أو التولي، أو وضع الأنامل في الأذان، أو الإشارة بالأعين ...إلخ.
كما استخدموا المغالطة اللغوية ، التي تعتمد على صياغة الدليل واستخدامه استخداما مخادعا ، ليخدع المتلقي بالمقدمات عن النتيجة أو بالنتيجة عن المقدمات ، فأحيانا يعتمد على المنطق ليؤيد فكرته ، وأحيانا يعتمد على دليل فاسد ليقوي حجته.
كما اعتمدوا على مخالفة السياق ، والهروب من إتمام الحوار ، والانتقال به من سياقه إلى سياق آخر.
أو بإغلاق الحوار ، وطلب المستحيل ، وإعلان الصد والعناد والمكابرة ، بحيث لا يجعلوا مجالا للحوار الهاديء.
وأحيانا يلجؤون إلى الكذب والتأويل المغالط ، فيكذبون على الله ويدعون ما لم يأمر به ، ليكون ذلك دليلا لإفسادهم وإعراضهم.
وإذا فشلوا في ذلك كله اعتمدوا على القوة والسلطة والإرهاب وفرض العقوبات ، وذلك لإخافة الخصم ورده عن مقصده.
والملاحظ أن الاعتماد هنا جاء على اللغة الحقيقية البعيدة عن المجاز ، فلم تحتو هذه المغالطات على الصور البيانية أو المحسنات البديعية إلا نادرا ؛ وذلك لأن غايتها هي الإفحام والمخاصمة ، فهي تقصد للوصول إلى المعنى مباشرة ، كما أن هذه الصياغة تناسب صفة الاستعلاء التي يتسمون بها ، فيأنفون من تزيين الكلام ولا يعطون المتلقي اهتماما.
وقد اعتمدوا على تأكيد هذه المغالطات وصوغها في أسلوب القصر عامة ، كما اعتمدوا على الهيكل الأسلوبي للسؤال ، وذلك بغرض تمكين المغالطة وتاكيدها.
في القرآن الكريم
دكتور
أيمن خميس عبداللطيف أبومصطفى
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
فالمغالطات نمط من أنماط بلاغة الحقيقة، لا تعتمد على التخييل بقدر ما تعتمد على الإحكام والتركيز، وخطاب الحقيقة يقوم على الحجة والبرهان ويهدف إلى الإقناع أو إفحام الخصم، ومن ثم كان هدف الدراسة هو بيان كيفية صياغة الحجة المغالطية، وبيان أنماطها الدلالية، وكيفية توظيفها، بالإضافة إلى بيان أثر الظواهر التداولية على بلاغة المغالطة. ولعل الدافع الذي دفعني لاختيار مادة البحث "المغالطات في ردود منكري الرسالات في القرآن الكريم" هو خصوصية الظاهرة البلاغية الملفوظة في المغالطات، والتي تشكل ضواغط أسلوبية تعتمد على بلاغة الكذب أو الخداع، ومن ثم جاء التحذير من هذه الممارسة الخداعية في أكثر من موضع في القرآن والحديث النبوي.
ولكون المغالطات خطابا شفاهيا يعتمد على المخاطبة المباشرة إضافة لإشارات جسدية لها تأثيرها في الحوار، فالحوار له جانبان جانب ملفوظ وجانب إشاري تمثيلي، وهما لا ينفصلان بل يتداخلان ليصلا إلى هدف المغالطة.
فخطاب المغالطة يقوم على الحجة والبرهان ويهدف إلى الإقناع أو إفحام الخصم ؛ وهذا النوع من الخطاب قل من يلتفت إليه ؛ لأن الدرس البلاغي العربي انصرف في معظمه إلى بلاغة الشعر ، وما يزال خطاب الحقيقة عامة وخطاب المغالطة خاصة، بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث تتواءم مع خصوصيته وأهميته .
الدراسات السابقة:
لم أجد فيما أعلم إلا دراسة بعنوان المغالطة ومنهج القرآن في الرد عليها لكنها تهتم بالقضايا دون الحوار وبنيته، ولم تتناول الردود (ردود منكري الرسالات) كما أنها جاءت بأمثلة محدودة فقط على المغالطات.
منهج البحث:
فقد عرض القرآن الكريم نماذج لردود معاندي ومنكري الرسالات، ونقل لنا حوارات جرت بين الرسل وأقوامهم. وفي هذه المحاورات حاول المنكرون الانتصار لمعتقداتهم بالدليل الفاسد أو المغالطة المنطقية، وفي هذه الدراسة حاول الباحث الوقوف على الظاهرة برصدها وتصنيفها وتحليلها ما أمكن ذلك.
وقد جاء البحث بعد المقدمة ليناقش ثلاثة عناصر أساسية، فعرض لمفهوم المغالطة، ووسائلها، والظواهر البلاغية فيها، فجاء على النحو التالي:
أولا: مفهوم المغالطة: وتحت هذا العنصر عرض الباحث مفهوم المغالطة وعلاقته بالسفسطة والاستدراج، وبين تحذير القرآن والحديث النبوي من فتنة القول.
ثانيا: وسائل المغالطة: وخلال هذا العنصر وقف الباحث على:
الحجج المغالطية غير اللغوية: حيث عرض لما جاء في القرآن من وصف لحال المنكرين، وكيفية اعتمادهم على الإشارة أو لغة الجسد في بيان موقفهم .
- المغالطات القولية (اللغوية):وفيه تناول الباحث المغالطات اللفظية ، التي تعتمد على التقليل من شأن المخاطب ، أو تكذيبه ، ومن ذلك :المغالطة بالسخرية والاستهزاء ومغالطة التشكيك في مصدر والمغالطة الاستغلاقية و المغالطة المنطقية و المغالطة السياقية والمغالطة بالدليل الفاسدوالمغالطة بالقوة والسلطةو مغالطة الكذب والافتراء ثم عرضت الظواهر البلاغية في المغالطات.
ثم الخاتمة، وقائمة للمصادر والمراجع.
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد، فهذا جهد لا أدعي تمامه، ولكنه بداية لعلها تفتح الباب أمام الباحثين؛ ليقفوا على أساليب المغالطة في تراثنا العربي.
الباحث
أولا: مفهوم المغالطة:
جاء في لسان العرب تعريف المغالطة حيث قال ابن منظور: "الكلام الذي يغلط فيه ويغالط به ، ما يغالط به من المسائل ..وقد غالطه مغالطة" وقد عرفها حافظ إسماعيلي بـ"أنها استدلال فاسد أو غير صحيح يبدو وكأنه صحيح ،لأنه مقنع سيكولوجيا لا منطقيا ، على الرغم مما به من غلط مقصود" وبذلك تكون المغالطة هي استخدام الحجج لأغراض غير الإقناع مثل الإفحام أو الإحراج ، فإننا قد نلاحظ في الردود المغالطة عدم التزام المعاندين بالبراهين الصادقة ، ولجوءهم إلى المغالطات الحجاجية ، والحيل والمراوغات الأسلوبية لدحض الحق ، وهو ما أشار إليه الحق تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }غافر5، وهو ما يتلاقى مع مفهوم السفسطة الذى عُرِف عند اليونانيين " وكان اسم « سوفيست » يدل فى الأصل على المعلم فى أى فرع كان من العلوم والصناعات، وبنوع خاص على معلم البيان، ثم لحقه التحقير فى عهد سقراط وأفلاطون ، لأن السفسطائيين كانوا مجادلين مغالطين وكانوا متاجرين بالعلم . أما الجدل فقد وقفوا عليه جهدهم كله ، خرجوا من مختلف المدارس الفلسفية لا يرمون لغير تخريج تلاميذ يحذقونه ، وكانوا يفاخرون بتأييد القول الواحد ونقيضه على السواء ، وبإيراد الحجج الخلابة فى مختلف المسائل والمواقف ، ومن كانت هذه غايته فهو لا يبحث عن الحقيقة ، بل عن وسائل الإقناع والتأثير الخطابي . ولم يكن ليتم لهم غرضهم بغير النظر فى الألفاظ ودلالاتها ، والقضايا وأنواعها ، والحجج وشروطها ، والمغالطة وأساليبها " فالمناظر الذى يهدف إلى إفحام خصمه وإحراجه والسفسطائي الذى يتجر بالعلم يتفقان في خروجهما عن الهدف السامي وهو الوصول إلى الحقيقة وإظهارها إلى تحقيق الأغراض والمكاسب الشخصية كما يتفقان في وسيلتهم إلى تحقيق ذلك وهى استخدام المراوغات والمغالطات الحجاجية .
"وقد كان لترجمة المحاورات اليونانية والكتب المنطقية وخاصة محاورات أفلاطون ومنطق أرسطو أثرهما الكبير في ظهور الجدل الكلامي الذي مارسه وبرع فيه علماء الكلام طوال قرنين من الزمان هما الثالث والرابع الهجري".
وقد قدم ابن وهب تعريفا للجدل والمجادلة ,وضع فيه يده علي مقصد الجدل ووقوعه في مسائل خلافية ( و أما الجدل والمجادلة ,فهما قول يقصد به إقامة الحجة فيما اختلف فيه اعتقاد المجادلين ,ويستعمل في المذاهب والديانات ,وفي الحقوق والخصومات ,.والتنصل في الاعتذارات )
فالجدل – فيما يفهم من كلام ابن وهب – خطاب تعليلي إقناعي 0فالجدل إنما يقع في العلة من بين سائر الأشياء المسئول عنها 0 وينبغي للمجيب إن سئل أن يقنع ,وأن يكون إقناعة الإقناع الذي يوجب علي السائل القبول .
ولما كانت الحجة هي أساس عملية الدفع أو الدفاع عن الرأي في مواجهة الكلام الآخر ، فإن الجرجاني ربط بين الجدل والحجة فقال:". الحجة ما دل به على صحة الدعوى ، وقيل : الحجة و الدليل واحد. "
وقد ربط ( إ.ارتشاردز ) بين البلاغة والجدل فقال: " من موضوعات البلاغة القديمة العامة موضوع واحد وثيق الصلة بدراستنا ، فمن الواضح أن البلاغة القديمة ثمرة الجدل والمناظرة ، وقد تطورت على أساس أنها بسط لمباديء الدفاع والإقناع.
وقد ربط بعض المحدثين بين الجدل والحجاج ولنقل ( الحجاج السفسطائي) بل إن هناك من يرى أن الجدل ليس مظهرا من مظاهر حرية العقل ، ويجعله مرادفا لما يسمى تحكم الأفكار السابقة قبل الدخول على الموضوع . وقد ظهر ذلك جليا في ردود منكري الرسالات على ما سنرى خلال دراستنا هذه.
وبذلك فالحجاج المغالطي هو في الحقيقة جدل خفي، وإلى هذا ذهب "إيكو" في أحد هوامش التبكتات، حيث رأى أن السفسطة ليست سوى جدل ظاهري .
ويعد أمر مغالطة الحق من الأمور التي ذاعت من المشركين على الأنبياء جميعا من نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ومعناها إنكار الحق في ظاهر الأمر رغم تيقن القلب به ،قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }النمل14، ولذلك سنقف على مواضع المغالطة في ردود منكري الرسالات ، وقد قسمناها حسب استخدامهم السياقي لها يقول الفارابي: "فينبغي الآن أن نقول في الأمكنة التي منها يغلط الناظر في الشيء، وفي الأمور التي شأنها أن تزيل الذهن عن الصواب في كل ما يطلب إدراكه ،ويخيل الباطل في صورة الحق ،وتلبس على الإنسان موضع الباطل فيما يقصد علمه فيقع فيه من حيث لا يشعر. وهذه الأمكنة بأعيانها هي التي يمكن أن يغالط الإنسان من يخاطبه حتى إن كان مطالبا أو ملزما أوهم أنه طالب وتسلم من غير أن يكون طالبا أو تسلم ...."
ثانيا:وسائل المغالطة:
قسم أرسطو الحجج التي أطلق عليها التصديقات إلى ثلاثة أنواع تختص بعناصر أخرى من عناصر الخطاب، فجعل منها ما يختص بالمرسل أو المتكلم وما يختص بالمتلقي أو السامع وما يختص بالرسالة أو الكلام نفسه " فأما التصديقات التي نحتال لها بالكلام فإنها أنواعٌ ثلاثة: فمنها ما يكون بكيفية المتكلم وسَمْتِه ، ومنها ما يكون بتهيئة للسامع واستدراجه نحو الأمر؛ ومنها ما يكون بالكلام نفسه قبل التثبيت . فأما بالكيفية والسَّمْت فأن يكون الكلام بنحوٍ يجعل المتكلم أهلاً أن يصدق ويقبل قوله . والصالحون هم المصدقون سريعًا بالأكثر فى جميع الأمور الظاهرة ..... وأما بتهيئة السامع فحين يستميله الكلام إلى شىء من الآلام المعترية ، فإنه ليس إعطاؤنا الأحكام فى حال الفرح والحزن ومع المحبة والبغْضة سواء ، وذلك هو الذى يزعم أن هؤلاء الحذاق بالكلام قصدوا له فقط بالمُشْبِه والحيلة ..... وأما ما يكون من التصديق من قِبَل الكلام نفسه فحين نثبت حقًّا أن ما نرى حقًّا من الإقناعات فى الأمور المفردة" ( ).
فقد تحقق المغالطة بناء على ما يملكه المتكلم من خصائص وصفات تجعل المستمع أقرب لتصديقه وقد تتحقق عن طريق التأثير في المتلقي أو لموافقة الحجة ميلا لديه وقد تتحقق عن طريق الصياغة اللغوية والاعتماد على الإقناع العقلي عن طريق الأساليب المنطقية من القياس والاستدلال فقد تتحقق المغالطة عن طريق الوسائل اللغوية أو الوسائل غير اللغوية التي ترجع إلى المتكلم أو المتلقي وبذلك يرتبط الحجاج بالعناصر الخارجية المحيطة بالخطاب.
الحجج المغالطية غير اللغوية:
إلى جانب الملفوظات توجد إشارات غير لفظية كحركات اليد ، ونظرات العين ، وغيرها من الإشارات الجسدية ، ويكون السياق هو المفسِّر للمعنى المراد . ويعبر المتخاطبون عن طريق هذه الإشارات غير اللفظية عن أفكارهم ويحملونها معانيهم ويستطيع الطرف الآخر تفسيرها والوصول إلى قصد المرسل مستندا إلى بعض الأمور المتوافق عليها عرفا فى الإطار الثقافى أو الاجتماعى الذى يجمعهم.
فتأتى الإيماءة أو الإشارة الجسدية دالة محملة بمقاصد المخاطِب ، كما يستطيع المخاطب فهمها وتفسيرها، وقد سمّى تشاندلر هذه الإشارات الجسدية بالشيفرات الجسدية وصنفها ضمن ما سمّاه بالشيفرات الاجتماعية ومثل لها ببعض الأمور يقول " الشيفرات الجسديّة ( التَماس الجسدي ، التَّجاور ، التوجّه الجسماني، المَظهَر، التعبير بالوجه، إيماءات الرأس ، الإيماءات ، الوضْعة ) " ( ) ووفقا لتشاندلر يختلف استخدام الأفراد لهذه الشيفرات من ثقافة لأخرى حيث تنظم كل ثقافة استخدام أفرادها والمنتمين إليها لتلك الشيفرات على النحو المقبول اجتماعيا ويعد خرقها بشكل متعمد ذا مغزى ( ) .
فمن خلال الهيئة والمظهر يتضح الموقف ، ولذا يقول تعالى :{وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }محمد30
وقد صف القرآن الكريم بعض المغالطات الفعلية التي تكون حركة أو تغييرا في شكل الوجه ، أو إشارة باليد ، وهذه المغالطات يكون لها تأثير على سير الحوار ، ومن هذه المواضع في القرآن الكريم:
- التولي والهروب من المواجهة:
ويكون ذلك بالإعراض عن سماع الذكرى والتذكرة، وقد ورد ذلك كثيرا في القرآن الكريم، ومن ذلك:
- قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }لقمان7
- قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ }المدثر49:51
- الإعراض بوضع الأنامل في الأذنين ، واستغشاء الثياب .
قال الله تعالى: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً } نوح7 الضحك الذي ليس له مبرر سوى الاستهزاء:
- {فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ }الزخرف47
- {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ }المطففين29
- {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ }المؤمنون110
- { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ }النجم60،59
- {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }لقمان6
- الغمز واللمز والعبوس:
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }الحج72
- {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ }المطففين30
- {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون }التوبة127
- {ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ }المدثر 30-31
- الإشارة باليد أو الرأس :
من ذلك الإشارة باليد لأفواه الرسل لإهانتهم والاستهزاء بهم:قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }إبراهيم9 ومن ذلك أيضا الإشارة بالرأس للإعلان عن الرفض والإعراض ، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }المنافقون5
المغالطات القولية (اللغوية):
لا شك في أن للكلام سحرا ، يستطيع المتكلم من خلاله تغيير مواقف المتلقين ،وقد يُستغل ذلك استغلالا مخادعا ، وإلى هذا الاستخدام نبه القرآن الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }محمد30 ويقول أيضا: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ }البقرة204ويقول أيضا: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المنافقون4 فالبلاغة قد تكون وسيلة خداع ، فينخدع المتلقي بما يُقدمه القائل ، فتكون سببا لافتتانه واتخاذه موقفا مبنيا على غير أساس ،ولذلك قال الجاحظ: "اللهم إننا نعوذ بك من فتنة القول، كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، كما نعوذ بك من العجب بما نحسن" .
وقد التفت ابن الأثير في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر تحت باب الاستدراج إلى الاستخدام المغالطي المخادع للبلاغة حيث يقول: "وهذا الباب أنا استخرجته من كتاب الله تعالى وهو مخادعات الأقوال التي تقوم مقام مخادعات الأفعال والكلام فيه وإن تضمن بلاغة فليس الغرض ها هنا ذكر بلاغته فقط بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت الدقيقة في استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم وإذا حقق النظر فيه علم أن مدار البلاغة كلها عليه لأنه انتفاع بإيراد الألفاظ المليحة الرائقة ولا المعاني اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها والكلام في مثل هذا ينبغي أن يكون قصيرا في خلابه لا قصيرا في خطابه فإذا لم يتصرف الكاتب في استدراج الخصم إلى إلقاء يده وإلا فليس بكاتب ولا شبيه له إلا صاحب الجدل فكما أن ذاك يتصرف في المغالطات القياسية فكذلك هذا يتصرف في المغالطات الخطابية ".
فنجد ابن الأثير يبين أن مخادعات الأقوال تساوي مخادعات الأفعال ، وتهدف إلى الوصول إلى الإذعان والتسليم ، وهي عند الأديب تشبه وسائل الاستدراج عند المجادل .
وقد أشار ابن سينا إلى أن الاستعارة ينتفع بها على أنها وسيلة خادعة للتأثير على المتلقي الذي يسهل خداعه ، بل إنه استعمل لفظة"غش" حيث يقول :".....وليعلم أن الاستعارة في الخطابة ليست على أنها أصل ، بل إنها غش ينتفع به في ترويج الشيء على من ينخدع وينغش ، ويؤكد عليه الإقناع بالتخييل ، كما تغش الأطعمة والأشربة بأن يخلط معها شيء غيرها لتطيب به، أو لتعلمل عملها فيروج أنها طيبة في أنفسها.. "
وقد ناقش أمبرتو إكو الغاية المخادعة للبلاغة ، فى عرضه لنظرية إنتاج العلامة ، مشيراً إلى استعمال الصور البلاغية التحسينية بغرض المخادعة ومنافاة الحقيقة ، إذ ينتج استعمال الصور البلاغية خطاباً أيديولوجيـاً مخادعاً تُصنف فيه أشكال الدعاية المخادعة التى تستهدف إقناع العامة ، ومن ثم وصمت البلاغة بسمعة سيئة فى القرنين الماضيين بسبب الطـريقتيـن اللتين كان يُنظر بهما إلى فكرة الصور البلاغية "
ويذكر الجاحظ أنّ البلاغة هي تصوير الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق . وهذا مؤدّاه مغالطة المتلقي ومخادعته واستدراجه في غيبة من رويته إلى ما يخالف عقله وعلمه.
فالاستخدام المخادع للحجج والبراهين ، يغير الحقائق ، فيؤثر على رؤية المتلقي ، فلو لم ينجح في تغيير موقفه كلية ، فسينجح في تغييم رؤيته.
وقد وجدنا هذا الاستخدام المغالطي للحجج والأساليب في ردود منكري الرسالات ، وسنقف فيما يلي على هذه المغالطات في القرآن الكريم.
1- المغالطة بالسخرية والاستهزاء:
تقوم هذه المغالطة على تحقير الخصم، والحط من شأنه ، واتهامه بما يسيء إليه في شخصه ، ومن ثم يكون التشكيك في كلامه ، وهذا ما اعتمده منكرو الرسالات ، وسنقف على ذلك فيما يلي:
- قال تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }البقرة88
- ﭧ ﭨ {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء155
- قال تعالى: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء46
- قال تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ }الأنبياء36
- قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46
- قال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }فصلت5
2- مغالطة التشكيك في مصدر الرسالة :
وهذه المغالطة تحركها المكابرة وقد عرفها الشريف الجرجاني بقوله" وهي المنازعة في المسألة العلمية لا لإظهار الصواب بل لإلزام الخصم، وقيل هي مدافعة الحق بعد العلم به "
فالمعاندون حينما يعجزون عن رد الحجة بالحجة يحاولون أن يوجهوا الحوار نحو أي وجهة يستحيل معها الإذعان أو قبول الرأي الآخر.
ومن صور المغالطة التشكيك في مصدر الرسالة ، فحينما يعجز عن مواجهة الحجة بالحجة ، لجأ إلى المغالطة بالتشكيك في مصدر الرسالة ،وقد تعددت صور التشكيك ، فمن صورها:
أ- إدعاء البشرية:
اتجه المعاندون إلى التشكيك في الرسالة ، فزعموا أن الرسول كاذبون فيما يذهبون إليه ؛ لأنهم بشر مثلهم ، وماداموا كذلك فهم ليسوا صادقين ، فليس الرسول ربا ولا ملكا وإنما هو يأكل الطعام ، فهو بشر مثلهم لايملك ميزة تميزه عنهم.
- قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }إبراهيم10
- قوله تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }الأنبياء3
- قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }هود27
- قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }إبراهيم10
- قوله تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }الأنبياء3
- قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ }المؤمنون24
- قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ }المؤمنون33
- قوله تعالى: {مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }الشعراء154
- {وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ }الشعراء186
- {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ }يس15
فهم بهذه المغالطة يحاولون أن يثبتوا صحة موقفهم ، ليخدعوا بها المتلقي ، فالرسول لم يأتهم – في زعمهم- بحجة بينة واضحة ، لذا فهم لن يتركوا آلهتهم.
بـ- إدعاء السحر:
ومن ذلك:
- قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }المائدة110
- {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }الأنعام7
- {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }الأعراف132
- {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ }يونس76
- {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }هود7
- {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }النمل13
- {فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ }القصص36
- {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ }القصص48
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ }سبأ43
- {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ }الصافات15
- {وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ }الزخرف30
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }الأحقاف7
- {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ }القمر2
- {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }الصف6
- {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ }المدثر24
جـ-ادعاء الشاعرية أو الجنون :
ادعاء الشاعرية والجنون مغالطتان كثر استخدامهما من قبل المكذبين ، فنسبة الجنون إلى الرسل ،تطعن في أهليتهم لتحمل الرسالة ، ومن ذلك قوله تعالى:
- {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ }الأنبياء5
- {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }الصافات36
- {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ }الطور30
- {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }الحجر6
- {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }الشعراء27
- {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ }الدخان14
- {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }الذاريات39
- {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }الذاريات52
- {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ }القمر9
- {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ }القلم51
د_ ادعاء الكذب والأخذ من أساطير السابقين :
- {وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }ص4
- {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }غافر24
- {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ }القمر25
- {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }الأنعام25
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ }الأنفال31
- {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }النحل24
- {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }المؤمنون83
- {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الفرقان5
- {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }النمل68
- {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }الأحقاف17
- {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }القلم15
- {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }المطففين13
3- المغالطة الاستغلاقية:
وتكون بغاية الوصول إلى إغلاق باب الحوار، بحيث لا يترك طريقا لمحاولة الاقتناع، وقد كانت هذه وسيلة يتخذها المنكرون ويتواصون بها قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26، فتوجيه الخطاب نحو اللامعقول أو غير المحتمل أمر يحرص عليه المعاندون إذا لم يجدوا أنفسهم قادرين على الإقناع بفكرهم ،ومن ذلك قول بني إسرائيل لموسى عليه السلام {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة55
وقد طلب اليهود من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء كالتوراة التي جاءهم بها موسى ، فكان الرد من الله تعالى تنبيها إلى كون هذه مغالطة استغلاقية ، المقصود منها استحالة التحقق الذي يترتب عليه استحالة الإيمان، قال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153
فهم برغم الآيات الواضحة والدلائل المتتابعة ، يتركون الرسالة ويحاجون الرسول ، فيطلبون منه مالا يمكن حدوثه ؛ لكون الرسول بشرا ، أو لكون ما يطلبونه يخالف سمت صاحب الرسالة ، قال تعالى: (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا( الإسراء: ٩٠ - ٩٣ وقد جاء تنبيه القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم من نوعية هذه الحجج ، فقال تعالى {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153 ومن نماذج ذلك أيضا قوله تعالى:
- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }يونس15
- {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً }الفرقان21
- {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }البقرة118
- {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ }الأنعام8
- {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }هود12
- {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً }الفرقان7
- {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً }الفرقان21
- {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ }العنكبوت50
- {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }الرعد27
- {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنعام37
- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }الفرقان32
- {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31
- {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ }محمد20
- {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ }القصص48
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ }المجادلة8
- {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }الأنفال32
- {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }الأعراف77
- {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }الأعراف132
- {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ }ص16
- المغالطة المنطقية:
تستعمل في الغالب عمدا في بناء الحجاج لتحقيق نفع للذات المنشئة للقول والإيهام بخلاف ذلك ، بحيث يصوغ المتخاطبون حججهم ويضعون المقدمات المؤدية إلى النتائج الملزمة بصحة الرأي أو خطأ الرأي الآخر . فتقوم اللغة بالوظيفة الحجاجية عن طريق البناء المنطقى للحجة فتقوم بعرض المقدمات واستنتاج النتائج فى عملية استدلالية ، فعن طريق هذه المقدمات الغائمة التي توحي بصدقها ينخدع المتلقي في النتائج فيظنها صحيحة ، وهذا نوع من التلاعب بالأذهان ، وسنقف على هذه المغالطة فيما يلي:
- يقول تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة247
أنى يكون له الملك علينا؟
هذا السؤال الذي يحمل دلالة الاستعلاء ، ثم تأتي تتمة الخطاب "ونحن أحق بالملك منه" نتيجة مغالطة ، ومقدمتها "ولم يؤت سعة من المال" وبذلك يمكن أن نقترح هذا القياس:
الملك يكون موسعا عليه في المال.
طالوت ليس ذا سعة في المال.
___________
طالوت ليس ملكا.
ومن ثم جاء هذه النتيجة الأخرى:
الملك يكون لمن لديه سعة من المال.
نحن أوسع من طالوت مالا.
__________
نحن أحق بالملك من طالوت.
- يقول تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }الأنعام148
- يقول تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }النحل35
قياس اعتمد على مقدمة مغلوطة :
كل شيء بمشيئة الله.
الله شاء أن نشرك.
__________
لو شاء الله ما أشركنا.
هذه المغالطة التي يبررون بها كفرهم وكفر آبائهم جاءت مبنية على مقدمة مغلوطة ، وقد جعلوها حجة يواجهون بها الرسل.
ومن الحجج المنطقية التي استند إليها المعاندون احتجاجهم بأن الآباء لم يعملوها، أو بعدم علمهم بها ، فيمارسون بالآباء سلطة على الغير ، كما كانوا سلطة عليهم أنفسهم . لاحتكامهم إلى الأفكار المتوارثة (Argument from antiquity) وهي بناء حجة تقوم على إنه متعارف عليه منذ القدم ، إذا لابد من أن يكون صحيحا .
- يقول تعالى: (وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ۖ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (:ص: ٤ – ٨ فالحجة قائمة على مغالطة ، وهي أنه خالف اعتقادهم ، ومادام خالف اعتقادهم ، فكلامه غير صحيح.
- يقول تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الأعراف: ٦٩ - ٧٠ فقد استندوا إلى أن آباءهم دائما مصيبون ، وهم كانوا يعبدون هذه الآلهة ، وهم تابعون لهم.
فقد استدوا إلى حجة مغلوطة ؛ليغالطوا بها، فالمعطيات غير صحيحة ، وبالتالي فالنتيجة التي جعلوها حجة غير صحيحة.
- يقول تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }آل عمران154
- يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }آل عمران156 الحجة غير سليمة لأن هناك عدم ترابط بين المعطيات والنتيجة ، وقد رد الله عليهم بعدها مباشرة ،فأثبت خطأ هذه المعطيات.
- يقول تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ }الأحقاف11فإنهم يضعون مقاييس للخير ،بانتسابهم له ، فهم من يحدد إمكانية الخير أو عدم إمكانيته.وهذه مغالطة صارفة عن الأسباب المنطقية ، ومؤدية إلى إطالة الحوار فيما لا فائدة منه.
- يقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } يس: ٤٧ - ٤٨ فما داموا على حالهم هذا من الجوع ، فهم كاذبون ، لأنهم لو كانوا صادقين لما طلبوا الطعام.
ومن ذلك كل ما جاءت العلة فيه فعلُ الآباء ، ونجد ذلك في هذه الآيات:
- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }البقرة170
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }المائدة104
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }الأعراف28
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }الأعراف95
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ }يونس78
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ }الأنبياء53
{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }الشعراء74
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }لقمان21
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }الزخرف22
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }الزخرف23
فمن المغالطة المنطقية محاولتهم إيجاد حجج منطقية يسهل بها خداع المتلقي، ومن ذلك قولهم {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72 فإنهم يحاولون خداع المؤمنين وفتنتهم في دينهم ،حيث يدخلون نفاقا في الدين ثم يخرجون منه ارتدادا ، فيظن المؤمنون أنهم اكتشفوا في الدين ما دعاهم للخروج منه ، فيفتنون بذلك.
4- المغالطة السياقية:
وتكون بسوق الحوار إلى وجهة غير التي يسير فيها ، فالسياق يقتضي شيئا ، وأحد أطراف الحوار يوجهه إلى شيء بعيد عنه ؛ ليغالط ويغيم الحقائق ، ومن ذلك موقف "النمرود "في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة258 حيث بدأ النمرود بالمحاجة، وتصف الآية النمرود بالملك ، " أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ " ولهذه الصفة دلالتها فهو الذي يوجه بسلطته الحوار حيث يشاء ،فقد بدأ الحجاج قائلا لإبراهيم: من ربك؟ فقال إبراهيم عليه السلام " قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ "، إلا أن الخصم الذي حاج إبراهيم أراد أن ينقل المحاجة نقلة سفسطائية عن سياقه، وما دفعه إلى ذلك إلا اقتناع كامن بأن حجة إبراهيم دامغة غير أنه أراد المراوغة استكبارا واغترارا بما وهبه الله؛ فلما أتي إبراهيم – عليه السلام – بالحجج الكونية التي لا جدال فيها " قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ " عجز عن الاستمرار في المحاجة .
وفي حوار فرعون مع السحرة نجد هذه المغالطة السياقية واضحة جلية ، فإن السحرة جاءوا لنصرته طامعين راغبين ، وهو يعلم حرصهم على نيل مكانة لديه ، ويعلم أيضا أنهم حينما آمنوا آمنوا لاقتناعهم ، وحينما رآى الآيات الواضحات التي تدعوه إلى الإيمان حوّل مجرى الحوار ، وادعى أن ما حدث مؤامرة ، وأن موسى عليه السلام هو كبيرهم الذي علمهم السحر (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116) ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين (121( رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) الأعراف: ١١٣ - ١٢٥
فحينما عجزت سلطة الكلمة حلت كلمة السلطة ، وحينما لم يجد نفسه قادرا على السير بالحوار في مجراه الصحيح ، انحرف به ، واستخدم سلطته في قمع الرأي المخالف.
ومن ذلك أيضا توجيه الحوار نحو اتجاه غير الذي يسير فيه استشعارا لضعف الحجة ،) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19))الشعراء: ١٧ – ١٩فحينما دعاه إلى أن يترك بني إسرائيل ليعبدوا الله كان رده مخالفا للسياق ، حيث من عليه بتربيته له.
فحينما ذهب موسى وهارون عليهما السلام لفرعون وطلبا منه أن يرسل معهما بني إسرائيل، كانت إجابة فرعون خارج السياق ، إذ ذكره بتربيته له ، وبما فعله من قتل المصري، وذلك ليهرب من الموضوع الأصلي للحوار.
5- المغالطة بالدليل الفاسد:
وفي هذه المغالطة تكون المقدمات غير مناسبة للنتائج ، أو أن تكون النتائج غير مناسبة للمقدمات ، فتكون النتائج مبنية على وهم أو ظن أو تمن ، ونجد ذلك جليا في قول اليهود وقول النصارى {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111: حيث قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا . وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وهذه مغالطة مبنية على وهم فقد حكى الله قولهم فقال تعالى {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }البقرة135 وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } فقد بنوا على هذه المغالطة نتائج لعل من أخطرها أنهم شعب الله المختار، وأنهم خير الناس ، وأن من سواهم خُلقوا لخدمتهم.ومن ذلك أيضا إدعاؤهم أنهم لن يُعذبوا إلا أياما معدودة ، وبعد ذلك يكون النعيم في الجنة ، يقول تعالى: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة: ٨٠ ويقول تعالى حاكيا قولهم أيضا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }آل عمران24حيث زعموا أنهم سيلقون من العذاب قدراً مقدراً ثم يزول عنهم ويعقبه النعيم ، وجاء تعقيب الله تعالى في الموضعين مبينا خطأ هذا الزعم وبطلان تلك الحجة.
ومن الحجج الواهية التي بُنيت عليها نتائج مغالطة ،قول قوم لوط فيما حكاه الله عنهم {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }الأعراف82 {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }النمل56 فإن الحجة غيرُ منطقية ، لكنها تدل على فساد الطباع من إلف المعصية ، فالحجة"إنهم أناس يتطهرون" فهل غدت الطهارة عيبا ؟!فهم يقولون إن لوطًا ومن تبعه أناس يتنـزهون عما نفعله نحنُ من إتيان الرجال في الأدبار،فقد عابوهم بغير عَيْب، وذمُّوهم بغير ذَمّ.
ومن الأدلة الفاسدة أيضا قولهم {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } هود: ٩١ فإنهم يزعمون أنهم لايفقهون ما يقوله لهم ، وعدم فقههم له حجة لإعراضهم ، برغم أن لوطا منهم يحدثهم بلغتهم ، ويأتيهم بالحجج والبراهين ، ويدعوهم للقيم والأخلاق.
بل إنهم استندوا إلى دليل فاسد آخر فقالوا { فمَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }هود27 فمادام لم يتبعك إلا الأراذل ،فهذه حجة لنا في ترك ما تدعونا إليه.
ومن ذلك أيضا ربط المشركين بين أمنهم والبقاء على معتقدهم : قال تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }القصص57وقد رد الله عليهم زعمهم هذا بأنه هو من أمن لهم الحرم وجعله مكانا يأمن فيه الناس ، وهو قادر على تأمينهم ورزقهم.
وقد جعل المنافقون إحجامهم عن الخروج للجهاد متعقلا بحجة فاسدة مؤداها أن الحرارة مرتفعة ، وقد رد الله عليهم هذه المغالطة بأن نار جهنم أشد حرا، قال تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }التوبة81بل إن منكري الرسالات في تكذيبهم للبعث وهو في الحقيقة تكذيب للرسالة كلها يستندون إلى حجج واهية تقوم على الظن ، ومن ذلك:
قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }الجاثية24
قال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }السجدة10
قال تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }الرعد5
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }سبأ7
قال تعالى: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }الإسراء49
قال تعالى: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }الإسراء98
ومن الأدلة الفاسدة إلزام الخصم الشنعة واستغلال العامل النفسي والعاطفي، وذلك بالربط بين حالة القحط التي أصابتهم ومجيء الرسل إليهم ،ومن ذلك التشاؤم والطيرة ، قال تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } النمل: ٤٧وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }يس18
{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }النساء78
{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأعراف131
{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }الروم36
مقدمة أ جئتم إلينا.
مقدمة ب أصابنا القحط
تشاءمنا منكم لأنكم سبب القحط.
وقد استند فرعون في تكذيبه لموسى إلى دليل فاسد ، حيث إنه يقنع المحيطين به بضرورة التخلص من موسى ؛لأنه يخاف أن يبدل دينهم ، وأن ينشر في الأرض الفساد، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } غافر: ٢٦ أريد قتله خوفا عليكم من أن يغير حالكم وعبادتكم إلى عبادة ربه .
6- المغالطة بالقوة والسلطة:
يكون ذلك باستخدام السلطة في توجيه الحوار ، فحجاج القوة هو حجاج يسعى صاحبه إلى حمل المخاطب إلى سلوك معين وقد جاءت الحكاية عن قوم شعيب عليه السلام في القرآن موضحة ومبينة ذلك ، حيث لم يكتف المعاندون برفض الدعوة والسخرية؛ بل قعدوا بكل طريق يخوفون من آمن بالله ويهددونهم بالقتل ليستولوا على أمولهم؛ فكان النهي {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }الأعراف86 وقد اتضحت حجة السلطة في تهديدهم شعيب – عليه السلام – ومن آمن معه تهديدا سافرا "، {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }الأعراف88
ومن هذا السبيل ما نهجه الكافرون في حث أتباعهم على عدم السماع للقرآن ، حيث حكى عنهم القرآن ذلك فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26 ،وقد وصف الله تبارك وتعالى كثيرا من المنكرين بالاستكبار وأنهم مترفون أو كبراء وأقوياء ، وقد عرض ذلك تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ 34وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ 35قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 36 وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِبِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) سبأ: ٣٤ - 6 ٣ فقد احتجوا لموقفهم بسلطتهم وغناهم ، ولذا فقد أكدوا موقفهم المنكر بـ(إن) فقالوا"إنا بما أرسلتم به كافرون" ، كما نجد ذلك جليا في قول قوم صالح عليه السلام ، حيث خاطبوا المستضعفين مستغلين سلطتهم معلنين عن موقفهم ، وقد حكى القرآن ردهم قائلا: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }الأعراف: ٧٥ – ٧٦وقد كان هذا موقف قوم نوح أيضا حيث تمسكوا استكبارا بمعتقداتهم {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }نوح23
وفي حوار فرعون مع موسى عليه السلام نلاحظ أن فرعون حينما عجز عن مواصلة الحوار مع موسى لجأ إلى التهديد والوعيد {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } الشعراء: ٢٩ عند ذلك توجه فرعون للسحرة بالكلام محاولة منه أن يثنيهم عن إيمانهم {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى }طه71 وقد حكى القرآن قول فرعون مهددا {فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ }غافر25 فلما جاءهم-موسى عليه السلام- بالبرهان القاطع الدال على أن الله عز وجل أرسله إليهم استخدم سلطته وأمر بقتل الأبناء وترك النساء أحياء .
وغالبا ما يلجأ فرعون لذلك لإحساسه بالاستعلاء عليهم ، قال تعالى على لسانه: { قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }الأعراف127
كما تتضح تلك السلطة في احتجاج عاد حيث قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }فصلت15
كما تتضح تلك السلطة في خطاب المعاندين واحتجاجهم بأولادهم وأموالهم ، يقول تعالى على لسانهم: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }سبأ.35
7- مغالطة الكذب والافتراء:
الكذب نقيض الصدق ،و يعني الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ،وذلك لإيهام المتلقي بصحته ، فيكون وسيلة لتمكين الحجة المغالطة ، أو يكون هو مغالطة .
ومن ذلك كذب اليهود على الله لتبرير قتلهم وسفكهم للدماء ، ومن ذلك: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران75فيتقولون على الله بأنه سمح لهم في التوراة بأكل أموال الأميين وخيانتهم ، بل إن القرآن الكريم فضح كذبهم وبين مغالطتهم فقال: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران78 .
ومن ذلك كذبهم على الله وادعاؤهم عليه الكذب ، وقولهم بأنه فقير {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } آل عمران: ١٨١ – ١٨٣
فقد كذبوا على الله، وأولوا كلامه تأويلا باطلا، فقد ذهبوا مذهبهم هذا بعد سماعهم قوله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة245 وهكذا نجدهم يقولون إن يد الله مغلولة {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة64
كان فرعون يلجأ للكذب لتثبيت باطله وتدعيم نظامه بَعْدَ أَنْ علم الحق ،فمن كذبه ادعاؤه الألوهية والربوبية {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }القصص38 {فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } النازعات: ٢٣ - ٢٤ .
ومن الكذب ادعاؤه أن موسى ساحر: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ }الشعراء34 ثم نجده يكذب ثانية ويذهب إلى أن موسى عليه السلام جاء ليخرهم من أرضهم ، فهو بذلك يقدم حجة تدفع المتلقين على اتخاذ موقف ضد دعوة موسى عليه السلام ، فقد ربط بين دعوته وبين ما يخصهم (الأرض ) {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }الأعراف110 {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }الشعراء35 {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى }طه63لقد تكررت الحجة في ثلاثة سياقات لبيان خطورتها وأثرها في خداع المتلقي.
8- المغالطة بالأيمان الكاذبة:
القسم وسيلة تمكينية للخبر، وقد استغل منكرو الرسالات هذه الخاصية ، فلكي يوهموا بصدق دعواهم يقسمون ويشددون في القسم ،وقد قال تعالى واصفا حالتهم هذه:
{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }المجادلة16
{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }المنافقون2
فمن عادة العرب الذين أنهم كانوا يقطعون كلامهم بالقسم ، لأن (القصد بالقسم تحقيق الخبر وتوكيده) .ومن ذلك قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }المائدة53 فهذا القسم أكد موقفهم المخادع ، فأقنع بصدق موقفهم ، وأوهم بأنهم محبون صادقون وهم غير ذلك ، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام109 وكذلك نجد قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً }فاطر42فهي محاولة للخداع والمغالطة يقسمون أنهم إن جاءتهم آية فسيؤمنون بها ،فالقسم وسيلة تسويفية لتأجيل إيمانهم ، وربطه بأية ، ولكنهم إن جاءتهم آية لايؤمنون بها، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل38 كذلك وجدنا القسم هنا ممكنا لمغالطة إنكار البعث والنشور ، وذلك ليخالفوا قول الرسل ، ولينكروا الرسالة ، بإنكار جزء من أركان الرسالة ، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } النور: ٥٣ فالمنافقون يقسمون بالله على عزمهم على الخروج للجهاد في سبيل الله ليوهموا أنهم مؤمنون حقا ، فينخدع المسلمون بقسمهم هذا ولا يشكون في أمرهم ، فقد أطاعوا قولا وعصوا فعلا.
الظواهر البلاغية في المغالطات:
تعد المغالطات نوعا من أنواع الخطاب الحجاجي الذي يهدف إلى تغيير مواقف الآخرين أو تبرير موقف المُغالِط ، وهى بذلك تختلف عن أنماط الخطاب الإمتاعي، ولذا يُلاحظُ عليها غياب الظواهر البيانية والبديعية وندرتها ، حيث تصل المغالطة إلى غرضها سالف الذكر بوسائل أخرى غير الوسائل البيانية فالإقناع الزائف المخادع قد " ... يحدث عن الكلام نفسه إذا أثبتنا حقيقة أو شبه حقيقة بواسطة حجج مقنعة مناسبة للحالة المطلوبة . " ( ) غير أننا قد نلاحظ ظهور تلك الظواهر بصورة ضئيلة في بعض المواضع التي تسعى إلى استغلال الوسائل البلاغية لتحقيق هدفها .
وقد لاحظ الباحث أن الظواهر البيانية جاءت في وصف القرآن لحال المنكرين ، ولم تأت في ردودهم ، فكلامهم المحكي عنهم يكاد يكون خاليا من الصور البيانية ، وهذه خصوصية من خصوصيات خطاب الحقيقة ، وقد كان للغاية من الخطاب أثر في توجيه صياغته ، أما في حكاية الله تبارك وتعالى عنهم ،فقد تنوعت الصور البيانية ؛ وذلك لتقريب الصورة أو لتمثلها ، فيكاد المتلقي يرى بعينيه مشهدهم وهم يكابرون وينكرون ،فنجد التشبيه وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }لقمان7
ومن هنا يتضح أثر التشبيه ودلالته ، فقد أبان عن مكانه القرآن الكريم ، وما اشتمل عليه من الهداية ، ما أبان عن موف من أعرض عنه ، وما هو عليه من الضلال والتكبر والإعراض .
كما جاء التشبيه لتقريب صورة المعاندين وتبيينها ، وذلك في قوله تعالى:( فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ)المدثر: ٥٠ - ٥١ أي كأن هؤلاء القوم في إعراضهم عــن القرآن ، ونفارهم منه الحُمر حين تفر ممن يريد صيدها ، فلينظر المتلقي إلى هذه الصورة البيانية الرائعة التي صورت حال القوم ، وهم يعرضون عن الحق ، بيد أن هذا الإعراض والفرار لا يزيدهم إلا حسرةً واضطراباً ، فما أشبههم بالحمر الوحشية النافرة التي تهيم على وجهها فارّة من أسد يريد إفتراسها .
وحول الصورة القرآنية يقول د.أبوموسى:"فمن عادة القرآن في رسم صورة التشبيه أن يذكر فيها من القيود وأحوال الصياغة مما يجعلها معبرة تعبيراً دقيقاً عن الغرض، ولهذه القيود والأحوال شأن في صورة التشبيه لا ينتبه إليها إلا المعني بإبراز نواحي الجمال ، وسر البلاغة في الأسلوب " .فالمعاندون وقت سماعهم لتلك الآيات وتلاوتها عليهم ، يفرون منها في خِفَّة وطيش، كحالة الحمر وقد لفَّها الذعر ، وشملها حين رأت الأسد مقبلاً عليها ، وهذا سر من أسرار القرآن الكريم ، وخصيصة من خصائص تشبيهاته وهي تلك القيود التي يجعلها في المشبه به
وقد جاء تشبيه هؤلاء المعرضين بالحمر لتجعل القارئ يتخيل هذا المشهد الذي يحمل دلالة الكر والفر فيتمثل حال هؤلاء المعرضين.
كما أن للاستعارة دورا في بنية المغالطة ، فهي توظف دلاليا لتكثيف دلالة السخرية ،فنجد استعارة تركيب الختم على القلوب والطبع عليها، ووضع الأقفال عليها في قولهم: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }فصلت5 فهم يسخرون منه بتعبير استعاري يحمل دلالة الاستحالة ، وقد وجدنا هذه الاستعارة في وصف حال المعرضين ، حيث يقول تعالى:{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }الأنعام25، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً }الكهف57
وقد وظفت لتكثيف نفس الدلالة ولكن ردا على استخدامهم لها ، فنجد : ((فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) . إستعارة تهكمية ، ففي هذه الاستعارة تحير له ، وحط من قدره وشأنه .
كما وجدنا الاستعارة استخدمت لتكثف دلالة الخداع ؛ولتكون أكثر إحكاما للمغالطة ، وذلك في قولهم: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72فالمراد بـ(الوجه): المحيّا، وهو مستقبل كلِّ شيء، ووجوه القوم: أشرافهم، فيقال: وجوه البلد ويراد بذلك: أعيانهم وسادتهم.
وكذلك نجد للكناية حضورا في تصوير حال هؤلاء المنكرين ، ومن ذلك: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }الحج72
كناية عن شدة غيظهم وغضبهم على من يتلو عليهم القرآن، وفرط إنكارهم لهذا الحق المتلو عليهم، حتى ظهرت آثاره على وجوههم ، فهو كناية عن امتلاء قلوبهم غيظا .
ومن الظواهر البديعية نجد تجاهل العارف، وهو سوق المعلوم مساق غيره لنكتة ومثاله قوله تعالى:: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }سبأ7فقولهم رجل هكذا بالتنكير وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم هو أسلوب من أساليب البيان العربي التي تثري البيان وتمنحه حركة وحيوية .
فلعل المشركين كانوا يستقبلون الواردين على مكة بهذه المقالة لتضليلهم وصرفهم عن الاستماع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الظواهر الأسلوبية التي لوحظ استخدامها بكثرة في المغالطة في ردود منكري الرسالات التوكيد والاستفهام، وسنقف على ذلك فيما يلي:
أولا: التوكبد:
يعد التوكيد سمة أسلوبية بارزة فى المغالطات فإذا كان التوكيد يستخدم مراعاة لحال المتلقى من حيث كونه خالى الذهن أو شاكًا أو منكرًا حيث " يَحْسُنُ تأكيدُ الكلامِ إِذا كان المخاطبُ به مُنْكِرًا أو مُتَرَدِّدًا . ويتفاوَتُ التأكيدُ بحسَبِ قوةِ الإِنكارِ وضَعْفِه " ( ) ، فتكون غاية التوكيد إزالة الشك وإثبات المنكَر وتمكين المعنى فى النفس وهى المواضع التى يحسن فيها التوكيد.
فمن مهام التأكيد في المغالطات إيهام المتلقي بصدق الحجة و إزالة الشبهة ورد الإنكار .
• القصر بالنفي وإلا:
إن أسلوب القصر من الأساليب التى يمكننا ملاحظتها بوضوح فى المغالطات؛ حيث يلجأ إليها المغالطون فى إثبات آرائهم وتفنيد حجج خصومهم ، فإثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه يتناسب مع هدف المغالطين من إثبات صحة آرائهم ونفى آراء الخصوم .ومن الظواهر الأسلوبية التي تلفت الأنظار كثرة استخدام القصر بالنفي وإلا ، وعن دلالتها يقول الإمام عبد القاهر الجرجانى : " ..وأما الخَبرُ بالنَّفى والإثبات نحو : « ما هذا إلا كذا » ، و « إن هو إلاَّ كذا » ، فيكون للأمر ينكره المخاطبُ ويشُكُّ فيه . " ( )
وقد جاءت ردود المنكرين في هيكل الاستثناء الأسلوبي ، مستخدمين هيكل النفي أو الاستفهام وإلا ، أو صيغة (إنما) لما فيه من تأكيد للدلالة التي يريدون الوصول إليها ، فقد ألحوا على أن يتهموا المرسلين بما يشكك في قدرتهم على تحمل عبء الرسالة من الجنون أو السحر أو الشعر ، وجاء إلحاحهم في هذا الهيكل الأسلوبي الذي صار لازمة لكل رد.
ففي حديثهم عن المرجعية المعرفية للرسول صلى الله عليه وسلم أكدوا زعمهم باستخدام القصر بإنما فقالوا: (إنما يعلمه بشر)النحل: 103وذلك ليصلوا من خلال هذه المقدمة التي صيغت في هيكل القصر الدال تحقق الدلالة حتى يظنها المتلقي حقيقة ثابتة.
والملاحظ أن هذه الدلالة تكررت في ردود منكري الرسالات عامة ، لكونها مغالطة تبرر إعراضهم عن الدعوة ، فجاءت في سياق ادعائهم السحر والشعر والكذب، فنجده في (البقرة: ٨٠ البقرة: ١١١ آل عمران: ٢٤ آل عمران: ٧٢ - ٧٣ النساء: ٤٦ الأنعام: ٢٥ الأنعام: ٢٩ الأنعام: ١٤٨ الأعراف: ٨٢ الأنفال: ٣١ يونس: ١٥ هود: ٢٧ هود: ٥٤ إبراهيم: ٩ إبراهيم: ١٠ النحل: ٣٥ الإسراء: ٤٧....) ويلاحظ على هذه الصيغة أنها جاءت في صورة الاستثناء المفرغ الذي حُذف منه المستثنى منه، وبذلك تتحقق في الأسلوب سمة التركيز الموهمة بالجدة والصدق ، وتمنع أي احتمال غير الذي يذهبون إليه ، فما بعد إلا هو الرأي الذي ليس بعده رأي، كذلك نجد في صيغة (إنما) التي تأتي لدلالة على التأكيد إضافة لدلالة القصر أو قصر الدلالة .
ثانيا : السؤال:
السؤال في المغالطات يكون وسيلة لتمكين الغاية من المغالطة ، ولاشك أنه سيختلف عن غيرها من السياقات ، فقد مارس دوره المغالطي ، ليصرف الطرف الآخر عن متابعة الحوار أو للتشويش على الجمهور الحاضر إذا كانت المحاورة علنية لتشكيكه فى مدى بيان حجة الخصم.
فخصوصية السؤال هنا خصوصية سياقية تداولية ، فالسؤال هنا جاء في سياق المعاندة والمجادلة ، وقد تعددت أغراض السؤال التى التفتت إليها كتب البلاغة العربية فنجد عبد القاهر يشير فى بيانه للتقديم والتأخير تعليقا على السؤال فى قوله تعالى ﴿ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ ( ) إلى تعدد أغراض السؤال يقول " واعلم أن « الهمزة » فيما ذكرنا تقريرٌ بفعلٍ قد كان ، وإنكارٌ له لِمَ كان ، وتوبيخ لفاعله عليه . " ( ) فالسؤال قد يأتى تقريرا وهو " حملُك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده " ( ) وقد يأتى إنكارًا ، وقد يأتى توبيخا فتتعدد أغراضه ، وقد ذكر الزركشى الأغراض المتعددة للسؤال من الافتخار والتوبيخ والعتاب والتبكيت والتعظيم والتهويل والتفجع وغيرها ( )
ونظرًا لتعدد أغراض السؤال فقد عمد إليها منكرو الرسالات؛ لتحقيق أهدافهم في الانتصار وإفحام الخصم فجاء السؤال في كثير من الأحيان مشكِّلا ضغطاً نفسيًا على المسئول للمغالطة أو الإحراج أو الإيقاع فى التناقض ، وبذلك يتمكن السائل من قطعه وإفحامه حيث وسنقف فيما يلي على نماذج للسؤال:
يقول تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة247
أجعل الآلهة إلها واحدا؟
أأنزل عليه الذكر من بيننا؟
جاء السؤالان ليحملا دلالة السخرية من الرسالة ، والسؤال نفسه يحمل هذه الدلالة ، إضافة لما ركزته مقالتهم المؤكدة "إن هذا لشيء عُجاب" .
فسؤال الثاني جاء تكثيفا لدلالة السؤال السابق" أجعل الآلهة إلها واحدا" فهم يرون في أنفسهم صلاحية تجعلهم أهلا للرسالة ، وهنا يوجهون انتقادهم للرسول وليس الرسالة ، وهذا نوع من المغالطة السياقية.
ومن هذه النماذج أيضا :
{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ }الأنبياء36
{وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً }الفرقان41
فإن الملفوظ هنا يأتى دالا على معنى حرفى تام وصحيح ، ولكنه يكتسب خاصية الرسالة غير الملفوظة لاعتبارات سياقية خالصة تتعلق بطرفى الخطاب "
فالسؤال هنا جاء في سياق استهزائي ؛ ليمثل ضاغطا أسلوبيا في تحقيق دلالة السخرية ، فالهمزة بوصفها حرف استفهام تأتي لتقرير المستفهم عنه، فتخرج من الدلالة الحرفية على الاستفهام إلى دلالة سياقية أخرى وهي الاستهزاء من المشار إليه بعدها.
إضافة لما يشكله اسم الإشارة الدال في سياقه على التقليل من شأن المشار إليه من ممكن للحجة المغالطة التي يحاول المتكلم من تمريرها وتسويغها.
كما نجد السؤال في سياق المقارنة التي توهم بوجود اقتراب بين الطرفين ضاغطا أسلوبيا ممكنا لدلالة السخرية والاستهزاء ، فقد قال تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ 57 وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)الزخرف: ٥٧ – ٥٨ وقد جاء تعقيب الآيات على هذه المقارنة بوصفها جدلا ، كما جاء وصفهم بالخصومة"خصمون" باستخدام صيغة المبالغة لدلالة على أنهم لا يجادلون من أجل الحقيقة ، بل يجادلون من أجل الجدال.
وقد اعتمد فرعون على السؤال في بناء حجته التي أراد من خلالها أن يخدع المتلقين ، حيث قال: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى } طه: ٥٧ فقد حمل السؤال دلالة ثبوت صفة السحر ، ثم وجه الفكر إلى مغالطة أخرى وهي أنه يهدف إلى إخراجهم من أرضهم ، فربط بين الدعوة وبين الإخراج من الأرض ؛ ليثير المتلقين ويحفزهم إلى رفض دعوة موسى عليه السلام.
كما أننا وجدنا فرعون يتكئ على السؤال مرة أخرى لحض المتلقي ودفعه إلى السبيل التي يريدها ، فهاهو يلتفت إلى الجماهير مُبْدِياً حرصه عليهم، {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }الأعراف110 وقد اتخذ السؤال هنا دليلا على ديمقراطيته الكاذبة ، التي خالفها بمقدماته السابقة ،يحاول بذلك استدرار العواطف واستدراج الجماهير بفتات يسير من الحرية الموهومة حتى إذا هدأت العاصفة عاد إلى طبعه.
والملاحظ أن فرعون اتكأ كثيرا على السؤال في مغالطاته ، ومن ذلك قوله في سياق العلو والكبر : وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) الزخرف: ٥١ – 52 فهذا السؤال المنفي "أليس لي ملك مصر" الذي جيء به لتقرير المعنى ،فهو يحمل بعدا سلطويا مغالطا ، بحيث يكون كلامه مسموعا ، ورأيه هو الشرع لهم ، وهذا ما قرره في سياق آخر : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر29 فهذا السؤال يعكس مدى استكبار وعلو هذا الطاغية .
وقد أكد دلالة السؤال بسؤال آخر "أفلاتبصرون" ثم عقد مقارنة متكئة على سؤال أنتجته الدلالة السياقية ، ولكنه سؤال يحمل على الإجابة ، ولايعطي مساحة لحرية الاختيار ، سؤال في هيكل التفضيل أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فقد ربط بين الخيرية والمعطيات الجسدية والمال ، ليقنع باستحقاقه ، وليستخف بموسى عليه السلام.
وهو بهذا السؤال يخاطب قلوب متلقين انشغلت بالدنيا ، فهو من يملك هذه الدنيا ، وما دام كذلك فهو المستحق للتعظيم والطاعة.
الخاتمة
المغالطات هي نوع من خطاب الحقيقة ، وقد اعتمد عليها منكرو الرسالات لمواجهة الرسل وأتباعهم ، وقد تشابهت برغم تنوعها ، فنجدها متكررة مع أغلب المرسلين .
وقد اعتمدوا عليها لتبرير موقف أو لمواجهة دعوة، فاستخدموا المغالطة الجسدية غير اللغوية، مثل حركة الجسد، أو التولي، أو وضع الأنامل في الأذان، أو الإشارة بالأعين ...إلخ.
كما استخدموا المغالطة اللغوية ، التي تعتمد على صياغة الدليل واستخدامه استخداما مخادعا ، ليخدع المتلقي بالمقدمات عن النتيجة أو بالنتيجة عن المقدمات ، فأحيانا يعتمد على المنطق ليؤيد فكرته ، وأحيانا يعتمد على دليل فاسد ليقوي حجته.
كما اعتمدوا على مخالفة السياق ، والهروب من إتمام الحوار ، والانتقال به من سياقه إلى سياق آخر.
أو بإغلاق الحوار ، وطلب المستحيل ، وإعلان الصد والعناد والمكابرة ، بحيث لا يجعلوا مجالا للحوار الهاديء.
وأحيانا يلجؤون إلى الكذب والتأويل المغالط ، فيكذبون على الله ويدعون ما لم يأمر به ، ليكون ذلك دليلا لإفسادهم وإعراضهم.
وإذا فشلوا في ذلك كله اعتمدوا على القوة والسلطة والإرهاب وفرض العقوبات ، وذلك لإخافة الخصم ورده عن مقصده.
والملاحظ أن الاعتماد هنا جاء على اللغة الحقيقية البعيدة عن المجاز ، فلم تحتو هذه المغالطات على الصور البيانية أو المحسنات البديعية إلا نادرا ؛ وذلك لأن غايتها هي الإفحام والمخاصمة ، فهي تقصد للوصول إلى المعنى مباشرة ، كما أن هذه الصياغة تناسب صفة الاستعلاء التي يتسمون بها ، فيأنفون من تزيين الكلام ولا يعطون المتلقي اهتماما.
وقد اعتمدوا على تأكيد هذه المغالطات وصوغها في أسلوب القصر عامة ، كما اعتمدوا على الهيكل الأسلوبي للسؤال ، وذلك بغرض تمكين المغالطة وتاكيدها.