المعنى المفتوح ..والمعنى المنغلق

إنضم
27/04/2006
المشاركات
751
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مكة المكرمة
في كل ركن من أركان الحياة وجانب من جوانبها هناك معنى مفتوح ومعنى منغلق.
في العلم وفي السياسة وفي السيادة وفي الأدب وفي كل حاجة اجتماعية ثَمّ معنى مفتوحٌ ومعنى منغلق.
حين يشعر الإنسان أن المعنى مفتوح وأن قيمة الإنسان ما يحسنه وما يستطيع أن يقدمه للمجموع يزداد تفاؤلا وتصميما على إثبات ذاته بشرف ورضا وتحد. وحين يشعر الإنسان أن المعنى منغلق على أن كل إنسان في المجتمع بحسب ما وجد نفسه عليه وأن مكانته لا تتحقق بوسائل شريفة هي مدى نفعه للمجتمع والناس يكون للإنسان الفرد إيمان واحد وهو أن يجمع المال بأي وسيلة كانت ومن أي جهة كانت، لأن المعنى منغلق فلا يكون للمرء قيمة بغير مدى استغنائه عن الناس ولا يستغني عنهم بغير الدراهم، ولذلك قال شاعر المعنى المنغلق:
إن الدراهم في المجالس كلها * تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهي اللسان لمـــــــــن أراد تكلما * وهي السلاح لمن أراد قتالا

وفي العلم حين ينغلق المعنى على ما أرادته سلطة من نوع ما، لا يصبح اكتساب عضوية هيئة علمية بناء على تنافس شريف ومعيار دقيق بل على ما ترتضيه سلطة المجتمع المنغلق. لأن الطبقة العالمة الناشئة وإن كانت تمجد كليات الدين وعموميات رسالته فهي في الحقيقة الناطق باسم نمط الدين المُبقي للمعنى منغلقا على ما يريده الحاكم.
ولذلك كان الأنبياء هم الفاتحين للمعنى قبل أن ينفتح المعنى عقليا لأول مرة في التاريخ من تجربة الغرب حيث فتحه اختراع البارود كما قال برتراند راسل إن اختراع البارود وهو وسيلة القتل من بعيد جعلت مغلقي المعنى من الحكام يسعون إلى طلب الأمان باكتساب شرعية تمنع الهجوم لأن القلاع والحصون والصياصي لم تعد تحمي أحدا وقد تطور السلاح الفتاك.
في حضارتنا الإسلامية انفتح المعنى على مصراعية على يد مؤسس الإسلام صلى الله عليه وسلم وكان فيما أوحي إليه { إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وهي نفسها قد أوحيت إلى المسيح بصيغة مقاربة حين قال لليهود "إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السموت أبدا". ولم يكن ليختم لأي فرد في المجتمع أو يُحكم له أو عليه حتى يختم حياته بعمل مشرف كالشهادة (والجود بالنفس أقصى غاية الجود) لكن غلق المعنى عاد على يد رجل من بني عبدمناف أيضاً حيث آل إليه أمر المسلمين باجتهاد من الحسن بن علي الذي اشترط عليه أن يعود الأمر شورى بين المسلمين (أن يظل المعنى منفتحاً) لكنه لم يُبل بالشرط فولّى ابنه من بعده فأغلق المعنى من جديد. وبرغم أن حفيده معاوية الثاني رفض صنيعه وتنازل عن السلطة إلا أن عملية غلق المعنى قد زعزعت المجتمع الإسلامي فلم يستقر أمره على أسس واضحة ومعنى منفتح تحميه مؤسسات دستورية غير قابلة للانحراف إلى اليوم بل شاء الله تعالى أن تتم عملية فتح المعنى عقليا لا روحيا وعلى يد غير الأنبياء لأول مرة على يد شعوب غير مسلمة كان اهمها الإنكليز الذين امتلكوا أطْور قانون عرفته البشرية من حيث اجراءاته ومراحل تطبيقه ووضوح خطواته وصلاحيات قضاته والثورة الفرنسية ومبادئ تجمع بين كل الناس فينشأ مفهوم المواطنة، والفلسفة الألمانية التي مازت بين العقل العملي والعقل النظري.
ما يهمنا هنا في ملتقى أهل التفسير بوصفه منبرا من منابر العلم الشرعي ينقسم فيه الناس ككل الناس إلى مؤمنين بالمعنى المفتوح ومؤمنين بالمعنى المنغلق.
أتباع المعنى المنغلق هم الذين يعتقدون أن الحق ما قاله رجل او مجموعة رجال او تيار او مذهب من المذاهب يسمونه الحبر البحر المحقق المدقق وحيد عصره وفريد دهره ويظن كل من هؤلاء أن مرجع الحقيقة هو قول عزي إلى اسم من هذه الأسماء التي انغلق المعنى عليها.
أما المؤمنون بالمعنى المنفتح فهم الذين يعرفون الرجال بالحق لا الحق بالرجال وهم قلة في المجتمع العربي سياسيا ولذلك لا توجد مؤسسات سياسية تنافس العالم في شيء عند هذه الأمة. وهم قلة في المجتمع العربي علميا ولذلك لا توجد أطر ومعايير عالمية واضحة في ترقية علمائنا وأساتذتنا وطلابنا من باب أولى، وهكذا.
فبرغم أن ملتقانا أرقى بلا مقارنة من منتديات أخرى تغلق المعنى على أفق أضيق من سم الخياط بحيث لا يكتفي أعضاؤها بمجاملة بعضهم وتمجيد شعارات يمجدونها بل إلى ذم ما يذمّون وشتم ما يشتمون وتبديع ما يبدّعون، برغم أن ملتقانا أفضل من تلكم بسبب السعة النسبية لأفق القائمين عليه مقارنة بتلكم المنتديات إلا أن المعنى فيه ليس منفتحا بما فيه الكفاية ولا بالحد الأدنى المطلوب، فرب مشرف صغير السن قد جعل من رأيه وبضاعته المزجاة حَكَما على ما لا قبل له بفهمه أصلاً.
إن المؤمنين بانغلاق المعنى لا يعدُّون عِلما جديرا بالاحترام إلا ما دار في فلك معناهم المنغلق ومجَّد أسماء ورثوا تمجيدها ورجالا أضفت عليهم القرون هالة لا تطابق واقعهم.
وبرغم أن أكثر المشاركين في ملتقانا من أهل السنة ممن من الله تعالى عليهم بأن حماهم من فيروسات الفرس وخروقات اللامعقول الإمامي الذي أغلق المعنى على التنفيس عن عقدة الفرس في رفض حكم العرب، واختلاق دين جديد يختطف أسرة عربية ويؤلهها ويلعن الشعب الذي ولدها ويخونه، إلا أن أكثر أبناء أهل السنة اليوم وللأسف لا يستطيعون التحرر مما دخل على فكر الأمة بسبب رد فعلها على الشيعة والمعتزلة من بدع مقابلة.
حين أغلق معاوية المعنى سياسيا بعد أن فتحه النبي عليه السلام وزكاه أهل الحديث بناء على مزج بين الصحابة وبين أصحاب محمد أصبحت الأمة بلا مستقبل لأن غلق المعنى شَلٌّ لكل محاولة إصلاح وتأسيس واستفادة من جهود بني الإنسان في فتح المعنى وبناء دولة المؤسسات المدنية.
ليس الفرق بيننا وبين الناس بكبير لولا تشبثنا بما لم ينزل به الله من سلطان من قيود على المفاهيم والمصطلحات أن نجددها وننفخ فيها الروح من جديد، ، ما لم نستعد ونتهيأ لتخطئة أي إنسان غير معصوم مهما كان اسمه في سماء التراث ومهما نظر إليه أسلافنا أي ما لم نحترم كينونتنا البشرية التي خلقنا الله تعالى عليها فسوف يطول الطريق علينا كثيرا. سنطيل الطريق على أبنائنا بحجة أننا ندافع عن الدين وما نحن إلا موضِعون ضدّ الدين لأن الدين جاء بفتح المعنى لا بغلقه على رفع القلم عمن رأى النبي أو سمعه وأسلم ومات على الإسلام!
فهل نعي رسالتنا في الحياة، وأن المعنى منفتح على ما فتحه الله عليه، أن كل من قدم دنياه على آخرته سوف يحاسَب بذنوبه وأن واجبنا كشف أخطائه لأن مصلحة الأمة والدين أولى بالرعاية من رجل من المسلمين!
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل​
 
كلام رائع وجميل ودقيق ومنفتح المعنى لكن يبقى معاوية رضي الله عنه في مكانه الصحيح
فتحرير القضية وبيان المراد ممكن من دون التركيز على معاوية رضي الله عنه
لنعد مباشرة إلى المعنى المفتوح الذي وضع أسسه الثابتة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم
ولنتشبث بهذه الأسس ومنها نخرج من الصراعات الناشئة عن محاولة الحكم على "أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون".
حقيقة نحن في أمس الحاجة إلى ذالك المعنى المفتوح كحاجتنا إلى الهواء والماء
لقد كتمت المعاني المغلقة أنفاسنا وجثمت على صدورنا حتى ضاقت بنا الواسعة
وأصبحنا نعيش صراعا داخليا عنيفا انعكس على سلوكنا ومنطقنا
تجد الواحد منا يعيش أو يتكلم بالشيء ونقيضه في مجلس واحد
فتراه يلعن جلاده وكاتم أنفاسه ثم لا يلبث قليلا حتى يأخذ في تعداد صفاته الجميلة ومحاسنه وبره
 
استوقفني ما كتب ورأيت أن من حقي أن أسأل ما معنى (المعنى المفتوح والمعنى المنغلق)وسأعتبر بما فهمت من الكاتب أنه لا يعني قضية الجدل الفلسفي الدائر في الغرب عن النصوص المفتوحة وتعدد الدلالات والمعاني ،إذ أننا لسنا ملزمين إذا أدرج الغرب المعنى والنص داخل الجدل الفلسفي تمهيداً للقضاء على حجية النصوص والقضاء على الذاكرة الإنسانية أن ندخل معه هذا الجحر.وسأعتبر مبدئياً أن الدكتور الفاضل قصد(بالمعنى المفتوح والمعنى المنغلق):(الفكر المنفتح الذي يقبل التعددية الفكرية والفكر المنغلق الذي لا يقبل الآخر وفكره)وقصد أيضاً (القيم المادية والقيم الفكرية والإيمانية)ومن هنا انطلق وأقول :
-هل يعتبر الكاتب مما فهمت أنه منذ عهد معاوية حتى الآن لم تحصل الأمة على فكر منفتح وبقيت السلطة تمنع هذا ؟والكاتب أعلم مني أن هذا مردود بالوثائق والحقائق التاريخية وكما يقول الغزالي ما خلا قرن من شاهد صدق وما تغيب الحقيقة عن الباحثين عنها فطيلة أربعة عشر قرناً ظلت السلطة السياسية والسلطة الدينية في علاقة تفاعلية ولطالما حدت السلطة الدينية من غلواء السلطة السياسية وتطرفها ،وحتى في قمة تغول السلطة السياسية ظلت مساحة من حرية الرأي مكفولة ،والدليل على هذا التعددية في تراثنا سواء كتعددية مذهبية أو كلامية أو فكرية أو سياسية وغيرها مما حفلت بها كتبنا .
-ما معنى ان البارودقام بفتح المعنى المنغلق؟
-من أغرب ما قرأت أنه منذ ان أغلق معاوية المعنى لم يستقر المجتمع الإسلامي حتى اليوم،ولم ينفتح المعنى إلا بالثورة الفرنسية والقانون البريطاني والفلسفة الألمانية...ما استغربه هنا هو هذا التجاهل للتاريخ المشرق الذي سطره أسلافنا والتاريخ المعتم لما ذكره من المعنى الذي فتحه أساطين أوروبا...ألم يسجل التاريخ الاصطدام بين المشروع المعرفي النظري الأوروبي والمشروع الأخلاقي العملي ؟ألم تنادي الثورة الفرنسية بالإخاء والحرية والمساواة ،وقامت بالحملة الفرنسية على مصر والشام ونهبت وسلبت وذبحت الآلاف ،وكأن الحرية للشعب الفرنسي أو الألماني ؟ألم تقم الحربان العالميتان الطاحنتان على أيديولوجيات عنصرية وفاشية وألقيت القنابل الذرية على مئات الألوف ؟إن فلسفات أوروبا ما هي إلا غطاء لتبرير المجازر والمعتقلات الجماعية وتبرر العنصرية .
-بقي لي كلمة أخيرة الغرب الذي قال عنه الدكتور أنه طور مفهوم المواطنة في أرقى صورها يعيش فيه مئات الألوف يطلق الغرب عليهم التائهون في النظام (lost in the system)،وهؤلاء نتيجة للقوانين الوضعية الممتلئة بالثغرات ،هؤلاء التائهون يعيشون أسوأ ظروف حياتية ويعانون من التفرقة ويعيشون الحياة في أدنى مستوياتها،ولماذا لم يستطع قانون المواطنة في أرقى صوره أن يحمي 80 مليون مسلم في الغرب من التفرقة العنصرية والاضطهاد واعتبارهم في ألمانيا مواطنين من الدرجة الثانية بعد أن سنت ألمانيا قانون تدرج فيه الديانة في الهوية الشخصية .الأمثلة كثيرة والكلام طويل وإذا أراد الكاتب أن يعرف معنى المواطنة فلينظر إلى حال الأقليات في دولة الخلافة العثمانية وكيف تم تعيين إحدى الكاثوليك والياً على إحدى الولايات، وتطوير قانون خاص بالأقليات أطلق عليه خطة همايون لحماية حقوقهم .
 
شكر وإيضاح

شكر وإيضاح

أشكر الأخوين الفاضلين على مرورهما ومحاورتهما للموضوع وأبدأ بإبداء رأيي في مشاركة الأخ أبي سعد لوضوحها وسبقها الزمني وأرجئ مناقشة الأخت الفاضلة سهاد إلى ما بعد لأن مناقشتها تضمنت أكثر من لفتة ولا سيما قضية المصطلح وقضية أن انغلاق المعنى منذ معاوية قد لا يصحّ أن يُدّعَى استمرارُها إلى ما بعد ذلك بـ"ـدليل" تجارب حصلت على التاريخ الإسلامي سعى فيها مثقفون وعلماء إلى فتح المعنى.
وهذه كلها أمور تقتضي ملء المحبرة وبري القلم عدة مرات وهو من ورَّى عنه الشاعر بقوله:

ملازم الخمس لأوقاتها * منقطعٍ في خدمة الباري​
ونأتي على قضية من تحدث المقال عنه بأنه أغلق المعنى الذي فتحه النبي على {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وأن سعي الإنسان للفضل والنجاح والسمو عند الله والناس لا ينقطع حتى يفارق الحياة، أغلقه هذا الرجل على ما أغلقه عليه، وبرغم أن إغلاقه للمعنى على تنميط المجتمع القرشي مشمول بقول النبي صلى الله عليه وسلم "من سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، لا يسع أحداً أن يستثنيه منه إلا بنص عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أن مقاربة المسألة تحتاج تفصيلاً يليق بها.
يحتاج المسلم للحديث عن هذا الموضوع إلى ثلاثة أمور:
- أولها أخلاقي فمن الأخلاق الحميدة السكوت عن رجل أفضى إلى ما قدم والالتزام بقوله تعالى {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ا كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون}، ومن الأخلاق الحميدة أيضا الدفاع عن عرضه إزاء انتهاكات التيارات التي استقلت عن الأمة كالروافض وغيرهم ولا سيما أنهم يطعنون في عرضه، وهذا ما لا نرتضيه لمسلم فإن كرامة المسلم محفوظة حيا وميتا وعرضه موفور صين حيا وميا حتى وإن أدين شرعا وقانونا كما سيمر بنا.
- وثانيها علمي وهو تصنيف هذا الرجل فهو قطعا ينتمي إلى طبقة المسلمين الزمانية التي عاصرت النبي والتي أطلق عليها اسم"الصحابة" لأنها وفقا للتعريف "من لقي (رأى أو سمع) النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ومات على الإسلام".. وهذا التعريف قديم يعود إلى القرن الثاني الهجري ولعل بواكر نشوئه حين أخذ الناس يعدون من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين.وإن كانت صياغته متأخرة فقيد الموت على الإسلام مثلا احتيج إليه لإخراج المرتد من المجموعة.
ولكن علم الدلالة الصوري (السيمية الصورية بحسب تعريب مجمع اللغة بمصر) قد أوجبت علينا أن نقارب النصوص الدينية التي تحدثت عن مجاميع الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت نصوصا قرآنية أو من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد حاول الناس حصر طبقاتهم من قبل مثلما رأيته في معرفة علوم الحديث للحاكم حيث قسم الصحابة إلى 12 طبقة.
لكننا نكتفي هاهنا بمجموعتين من الناس لأن الخلط لدى علماء الحديث ولدى أهل السنة من بعدهم قد حصل بسبب عدم التمييز بين هتين المجموعتين المتداخلتين. ولا شك أن عدم التمييز بينهما هو من الأخطاء الكبرى لدينا أهل السنة. ولكن علم الدلالة الصوري يرجعنا إلى الحق في التمييز الحتمي بينهما.
هاتان المجموعتان هما مجموعة أصحاب محمد ومجموعة الصحابة. مجموعة الصحابة تضم كل مواطني دولة النبي تقريبا ممن خضعوا لسلطته السياسية {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} وقد تمكن العلماء من حفظ أسماء قسط لا بأس به منهم وأكبر موسوعة ضمت أزيد من 13 ألف صحابيٍّ هي كتاب (الإصابة) لابن حجر.
أما مجموعة أصحاب محمد فهي مجموعة تضم نحو 2000 مسلم فقط. ولها من الميزات ما لو أنفق أهل مجموعة الصحابة من عداها وكل من جاء بعدهم مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لخالد بن الوليد حين سب عبدالرحمن بن عوف "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
وقد كتبت مقالة تبين التمييز بين المجموعتين مجموعة أصحاب محمد ومجموعة الصحابة على هذا الرابط.
وفيه بان أن معظم مجموعة الصحابة هم من الذين اتبعوا أصحاب محمد بإحسان.
وهذا واجبنا أهل التفسير أن نبين دلالة الآية فإن الذين اتبعوهم بإحسان قد تغيَّر مدلولها عن المراد بها لتشمل ما بعد طبقة الصحابة لكنها في الواقع تشمل ما بعد أصحاب محمد، وليس لعضو متأخر الإسلام الحق في أن يكون عضوا في أصحاب محمد ولكنه عضو في مجموعة الصحابة لأن عضويتها تُنال بالزمان والإسلام فقط.ومن الجدير بالذكر أن تحديد مجموعة أصحاب محمد قد تمت بآيات قرآنية وبإشارات نبوية على حين أن مجموعة الصحابة قد حددها العلماء على أساس زماني مع الإسلام، وحصل خلط لدى كثير من العلماء بينهما وهذا الخلط هو الذي جعل أحمد بن حنبل يفضل معاوية على عمر بن عبدالعزيز، ونحن لا نوافقه على ذلك إذا صح عنه، لأنا لا نجد نصا من قرآن ولا سنة يجعل من رأى النبي أفضل من سواه من المسلمين بمجرد الرؤية.
-ثالثاً: الفقه الشرعي.
ذلكم أن مزج الفقهاء كالشافعي أحمد وأهل الحديث من بعدهم بين تلكما المجموعتين قد جعلهم يعطِّلون نصوصا تدين معاوية وأعماله وإغلاقه للمعنى، فكان أن أصبحت الشريعة أي القانون الإسلامي دون مستوى أن تستطيع الفصل في أمر واضح وضوح الشمس كتولية ابنه من بعده، وكإعلانه نفسه خليفة قبل وفاة علي رضي الله عنه. وكيف نريد تحكيم الشريعة أو بناء دولة الإسلام مستقبلا أو وضع دستور يعتمد الشريعة وقد جعلناها دون مستوى أن تفصل القول في انتهاكات قانونية واضحة؟
لقد جرّ هذا المزج بين المجموعتين على الأمة كل سوء وحين أغلق المعنى على المزج استعصى على الأمة حل أبسط المشاكل.
إذن تبين أخي الكريم أننا لو طرحنا مجموعة أصحاب محمد من مجموعة الصحابة لبقي لنا أناس لا فضل لهم على سائر المسلمين إلا بقدر إحسانهم وجهادهم وأعمالهم الصالحة، ولو قمت أنت أو قمنا معا أو قامت أي كلية أو قسم بإيراد احتجاجات علماء الإسلام منذ المئة الثانية إلى اليوم على الأساس الأخلاقي الشرعي للسكوت عن معاوية أو لتمييز طبقة الصحابة الزائدة على أصحاب محمد لوجدت أنهم كانوا يستخدمون النصوص الواردة في مجموعة أصحاب محمد ليشملوا بها جميع مجموعة الصحابة.
وأنا متأكد أن من ضيوف المنتدى من يستنكر حتى أن نفتح هذا الموضوع، أو نناقشه، أو نلقي عليه الضوء لأن المعنى لديهم منغلق على ما تلقوه عن أسماء معينة وطريقة تفكير معينة.ولربما كاتب أحدهم أحد الإخوة المشرفين يستنكر عليهم السماح لمثل هذه الموضوعات في منتديات شرعية لأن الشرع الذي يؤمنون به هو الشرع الذي انغلق منذ ألف سنة على أن لا يحاكم من أغلق المعنى وخالف الشريعة.
هذا ونحن نعلن ونشهد الله تعالى أنا لا ننطلق من غض لقدر مسلم ولا من نية ضد اتجاه تفكير معين وإنما قصدنا مصلحة الإسلام والمسلمين وأن ندافع عن الشريعة الغراء لترتفع كما هي في الواقع إلى مستوى جميع افعال العباد.
إن الرد الذي يمتلك حقه في الوجود علماً هو الردُّ الذي يفنِّد الاستنباط أو يبين خطأً في فهم أو إبعاداً للنجعة بناء على نص ديني أو إجماع أهل العلم. فقط.
والله من وراء القصد​
 
استوقفني ما كتب ورأيت أن من حقي أن أسأل ما معنى (المعنى المفتوح والمعنى المنغلق)وسأعتبر بما فهمت من الكاتب أنه لا يعني قضية الجدل الفلسفي الدائر في الغرب عن النصوص المفتوحة وتعدد الدلالات والمعاني ،إذ أننا لسنا ملزمين إذا أدرج الغرب المعنى والنص داخل الجدل الفلسفي تمهيداً للقضاء على حجية النصوص والقضاء على الذاكرة الإنسانية أن ندخل معه هذا الجحر.وسأعتبر مبدئياً أن الدكتور الفاضل قصد(بالمعنى المفتوح والمعنى المنغلق):(الفكر المنفتح الذي يقبل التعددية الفكرية والفكر المنغلق الذي لا يقبل الآخر وفكره)وقصد أيضاً (القيم المادية والقيم الفكرية والإيمانية)
شكر الله للأخت الفاضلة مرورها ومناقشتها لبعض ما استوقفها من الموضوع. وما قلتموه حق ولكن لي عليه تعليقات.
نعم لا علاقة لمصطلح "المعنى المفتوح والمعنى المنغلق" بنظريات تعدد المعاني لدى البنيويين ونظرية القراءة ومن بعدهم. عنيت بالمعنى المفتوح أن أساس المعنى هو الحركة الإنسانية في التاريخ، وهذا معنى اللافتة المشهورة "نحن نصنع التاريخ لا نقرؤه" لأن حركة الإنسان هي التي تصنع المعنى. وحين يشيع لدى الناس فكرة عامة كالتي أشاعها النبي صلى الله عليه وسلم من أن أكرم الناس عند الله أتقاهم وأن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام بشرط أن يفقهوا، ... إلخ تكون فرصة صناعة الحياة أمام الفرد واضحة ناصعة فهذا المعنى المفتوح لأن إمكانية صناعة المعنى موجودة. لكن حين يوجد مجتمع ما منمطا طبقيا على أسس أسطورية غير واقعية يرهق الفرد بأنه لا فائدة من سعيه لأن كل شيء قد انغلق على ما وجد عليه، وهذا هو المعنى المنغلق، وهو قريب مما ذهبتم إليه في ما عنيته بالمصطلحين.
ومن هنا انطلق وأقول :
-هل يعتبر الكاتب مما فهمت أنه منذ عهد معاوية حتى الآن لم تحصل الأمة على فكر منفتح وبقيت السلطة تمنع هذا ؟والكاتب أعلم مني أن هذا مردود بالوثائق والحقائق التاريخية وكما يقول الغزالي ما خلا قرن من شاهد صدق وما تغيب الحقيقة عن الباحثين عنها فطيلة أربعة عشر قرناً ظلت السلطة السياسية والسلطة الدينية في علاقة تفاعلية ولطالما حدت السلطة الدينية من غلواء السلطة السياسية وتطرفها ،وحتى في قمة تغول السلطة السياسية ظلت مساحة من حرية الرأي مكفولة ،والدليل على هذا التعددية في تراثنا سواء كتعددية مذهبية أو كلامية أو فكرية أو سياسية وغيرها مما حفلت بها كتبنا .
في قاموس التحليل الاجتماعي أن أهم خصائص القرار السياسي الشمولية، فلا يوجد إنسان في المجتمع لا يمسه أثره. قرار سياسي واحد قد يحدث ازدحاما مروريا يعيق حتى الشخص الذي لا يبالي "أسار الجيش أم ركب الأميرُ"، أو قد يرفع الأسعار أو قد يحدث أي أثر، فأهم خصائص القرار السياسي هو شموليته. ولما كان عصر طبقة الصحابة هو عصر تشكُّل القيم للأمة كان القرار الشمولي في تلك الفترة ذا أثر خالد لأن له بعدين أحدهما أفقي (يشمل مواطني تلك الفترة) وثانيهما عمودي طولي (يشمل ابناء الأمة إلى قيام الساعة) لأنه قد تمّ في عصر تشكل الأمة وقيمها. وعليه يكون قرار معاوية تولية ابنه من بعده إغلاقا حقيقيا للمعنى الذي فتحه النبيّ وسار عليه الخلفاء الراشدون. وهذا الأمر معروف ضمنيا فلا يوجد مسلم حين يعد الخلفاء الراشدين يعد معاوية معهم وهذا علم ضمني لإغلاقه للمعنى ولذلك لم يعد مع الراشدين.وعليه فلا تكون مساحات مكفولة من حرية الرأي بقادحة في التعميم لأن القرار الذي أغلق المعنى كان شموليا.
-ما معنى ان البارودقام بفتح المعنى المنغلق؟
-من أغرب ما قرأت أنه منذ ان أغلق معاوية المعنى لم يستقر المجتمع الإسلامي حتى اليوم،ولم ينفتح المعنى إلا بالثورة الفرنسية والقانون البريطاني والفلسفة الألمانية...ما استغربه هنا هو هذا التجاهل للتاريخ المشرق الذي سطره أسلافنا والتاريخ المعتم لما ذكره من المعنى الذي فتحه أساطين أوروبا...ألم يسجل التاريخ الاصطدام بين المشروع المعرفي النظري الأوروبي والمشروع الأخلاقي العملي ؟ألم تنادي الثورة الفرنسية بالإخاء والحرية والمساواة ،وقامت بالحملة الفرنسية على مصر والشام ونهبت وسلبت وذبحت الآلاف ،وكأن الحرية للشعب الفرنسي أو الألماني ؟ألم تقم الحربان العالميتان الطاحنتان على أيديولوجيات عنصرية وفاشية وألقيت القنابل الذرية على مئات الألوف ؟إن فلسفات أوروبا ما هي إلا غطاء لتبرير المجازر والمعتقلات الجماعية وتبرر العنصرية .
إذا كنتم قد لاحظتم فقد ذكرتُ أن المعنى انفتح عقليا لدى الشعوب الغربية، ليمتاز عن فتح الأنبياء للمعنى فتحا روحيا وقلبيا ولذلك لا يوجد فيلسوف واحد يقارن بفتوح الأنبياء العظام. ولو اطلعنا على ما يكتبه فلاسفة الحضارة ومؤرخو الفكر كتوينبي وهـ جـ ويلز وكارل ياسبرز لوجدناهم يضعون الفلاسفة العظام هم الأنبياء العظام ، وهذا إقرار من مؤرخي الفلسفة الكبار بفتوحات المعنى روحيا لدى الأنبياء.
هذا وإن فتح المعنى بعد أن اغلقه المجتمع ليس بالأمر الهين بل هو ثورة إصلاحية تسيل معها دماء، وتزول شخصيات لأن المجتمعات تغلق المعنى لمصلحة طبقات تمتلك المال والجاه، وهذه غريزة في الإنسان أنه "يحب فتح المعنى حين لا يكون في قمة المجتمع أما حين يكون في قمة السلم الاجتماعي فيملك المال والجاه فإنه يسعى بكل قدراته إلى إغلاق المعنى على ما هو عليه، لأن انفتاحه سيحد من قدراته ويحد من صلاحياته"، ولذلك يعد الأنبياء والمجاهدون العظام والفلاسفة الإنسانيون إنسانيين بامتياز وقدوات على التاريخ.

أما فتح المعنى عقليا فهو تجربة إنسانية فريدة حصلت في أوربا واستفادت منها شعوب العالم باستثنائنا نحن المسلمين، وحين مزجنا بين تراثنا أي جهودنا الإنسانية القاصرة لفهم الدين وبين الدين نفسه صرنا ندافع باستماتة عن كل جزئيات تراثنا، ونسينا أن الإسلام هو رسالة الله إلى الإنسان وأن علينا أن نفهمه باستقلال عن جهود البشر لنقدمه للإنسانية لأنه كان وما يزال أفضل ما نستطيع أن نقدمه لبني الإنسان.
حين يشعر الناس أن لديهم نظما وأطرا قانونية وإدارة مجتمع تفوق ما لدينا فإن من الصعب عليهم أن يتقبلوا نصح من يرونه دونهم.
هذا ونحن دونهم لأننا قبلنا غلق المعنى وحططنا من قدر الشريعة بقرارات أخلاقية واستنباطات تحليلية قاصرة قام بها جماعة منا مجدوا كليات الدين فتبعناهم على أخطائهم إلى اليوم، فالمعنى لم ينغلق سياسيا فحسب بل انغلق معرفيا وعلميا أيضاً.
إن الذي تقع عيناه على هذه السطور ممن اعتاد غلق المعنى سوف يستغرب وجودها كثيرا، ولا شك أنها تلقى تعاطفا وارتياحا ممن يستشعر بشاعة غلق المعنى ويرى ضرورة فتحه.

أما ما ذكرتم من سلبيات المجتمعات الأوربية وإخفاقاتها التاريخية فهي تجربة تاريخية ولكنهم يسعون إلى تجاوزها.
إن فتح المعنى لا يجب أن يكون هدما لكل بنى المجتمع أو دعوة يسارية او شيوعية إلى الفوضى . فالمجتمع البريطاني وهو من علم الناس القانون حتى إن مؤلف كتاب تاريخ الولايات المتحدة قال "برغم أننا استقللنا عن التاج البريطاني إلا أنه لولا القانون البريطاني واللغة الإنكليزية والأدب الإنكليزي ومبادئ الاقتصاد الانكليزي لما أصبحت أمريكا على ما هي عليه"، لكن معلوم أن "بريطانيا بلد الأحكام العرفية وأن المجتمع الإنكليزي منمط على نحو منغلق لكن إدارة شؤونه تكون على نحو منفتح وهذا هو عين الحكمة التي أثبتتها التجربة التاريخية. فالدستور والقانون يحد صلاحيات أعضاء المجتمع من الملك إلى السوقة ولا يلغي التفاوت.
إن أصرخ مثال على المعنى المنفتح عقليا هو "نمط الحياة الأمريكية" ، هذا النمط الذي لخصه لنكولن بقوله "نحن قوم اتفقوا على فكرة منطقية" والدلالة على نجاحه تصدر الدولة التي يقودها للعلم والاقتصاد بين بني الإنسان، ونحن هنا نريد انفتاح المعنى على الطريقة البريطانية لا على الطريقة الأمريكية لأن لكل مجتمع خصوصيته أي أن تكون الإدارة بمعنى منفتح حتى وإن كان المجتمع منمطا بمعنى منغلق.
-بقي لي كلمة أخيرة الغرب الذي قال عنه الدكتور أنه طور مفهوم المواطنة في أرقى صورها يعيش فيه مئات الألوف يطلق الغرب عليهم التائهون في النظام (lost in the system)،وهؤلاء نتيجة للقوانين الوضعية الممتلئة بالثغرات ،هؤلاء التائهون يعيشون أسوأ ظروف حياتية ويعانون من التفرقة ويعيشون الحياة في أدنى مستوياتها،ولماذا لم يستطع قانون المواطنة في أرقى صوره أن يحمي 80 مليون مسلم في الغرب من التفرقة العنصرية والاضطهاد واعتبارهم في ألمانيا مواطنين من الدرجة الثانية بعد أن سنت ألمانيا قانون تدرج فيه الديانة في الهوية الشخصية .الأمثلة كثيرة والكلام طويل وإذا أراد الكاتب أن يعرف معنى المواطنة فلينظر إلى حال الأقليات في دولة الخلافة العثمانية وكيف تم تعيين إحدى الكاثوليك والياً على إحدى الولايات، وتطوير قانون خاص بالأقليات أطلق عليه خطة همايون لحماية حقوقهم .
ما ننكر أن الغرب في السنتين الأخيرتين قد برزت فيه ظواهر سوء ما نشك أنها ضد المسلمين على الخصوص كالقانون البريطاني بعدم منح الجنسية إلا لذوي الأصول الأوربية، وكذكر الدين في الهوية بألمانيا، ولكن السبب الرئيس من وجهة نظري المتواضعة هو سوء خلق المسلمين كالتهرب من الضرائب رغم اسستفادتهم من نتائجها في الصحة والمرور والنقل والرعاية الاجتماعية، وكتورط أبنائهم في السرقة وعدم شكر المجتمع الذي آواهم. وهذه الأمور في رأيي أشد تأثيرا سلبا من ما سمي بالإرهاب وإن كان هذا الأخير قد لفت الانتباه إلى المسلمين وجعل الشعوب الغربية تشعر أنها مهددة في أمنها.
ولا شك أنكم تتفقون معي في أن موضوعنا هو أمتنا وانتقاش الشوك من أقدامنا لا أقدام الآخرين لكن لا خيار لنا من الاستفادة من تجارب الشعوب ونحن نظهر بطءاً في الحركة بسبب انغلاق المعنى على أمور ما أنزل الله بها من سلطان.
ليس هينا أن ينفتح المعنى ولو عقليا ولكنا ننتظر تجارب الشعوب التي تبذل وسعها في شق طريق جديد في الحياة وإدارة أمورها على نحو يمكنها من صناعة الحياة ومنافسة شعوب الأرض. ولا شك أن صلاح أمور المسلمين فيه خير للإسلام وللدعوة إليه بين الناس، وماذلك على الله بعزيز.
ودمتم بودّ
 
أشكرك دكتور عبد الرحمن على شكرك وعلى توضيحك
ولكني أراك تريد أن تتوقف عند نقطة معينة ولا تريد أن تتقدم خطوات إلى الإمام نحو كيف نعيد المعنى المفتوح في حياة الأمة بأقل الخسائر الممكنة.
إذا سلمنا أن المعنى قد أغلق من زمن معاوية رضي الله عنه ـ وأنا أوافقك عليه ـ فمناقشة ما قبل معاوية رضي الله عنه من حيث التقسيم الذي تتحدث عنه لا أرى أنه يخدم الموضوع كثيرا ، بل ربما وكزه فقضى عليه.
وعلى فكرة أعتقد أن الأوربيين يحملون جينات المعنى المفتوح في عروقهم وإن كانت لم تظهر في واقع حياتهم كممارسة شاملة إلا في العصر الحاضر.
والعجيب أن الذي نقل لنا هذه الحقيقة ربما ، بل من المؤكد أنك ستضعه في عداد من ساهم في إغلاق المعنى ، وهو عمر بن العاص رضي الله عنه ، روى مسلم رحمه الله تعالى:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ"
 
أخي أبا سعد

أخي أبا سعد

لا شك أن كلمة عمرو بن العاص كلمة تاريخية في حق الروم وهو صاحب نظرة ثاقبة حتى عُدّ من دهاة العرب.
ولكن ما ذكرتموه من أن نبوغ الروم في الجينات [ ولقد كان العرب يُطلقون كلمة روم على الرومان وعلى الإغريق فورد في كتب الفارابي أبي نصر أن الناس عيال في الفلسفة على الروم اليونانيين]، ففيه نظر، وإني لأميل إلى إيلاء الطقس والمناخ في سبب تقدمهم اهتماما أكبر مما كنت أظنه من قبل.
ذلكم أن التجربة البشرية قد أثبتت أن أطول الناس أعمارا كالقوقازيين والسيبيريين هم أهل المناطق الباردة، وأن اللحم في الشمس يفسد قبل اللحم في الثلاجة والمجمدة، فتبين أن الأجواء الباردة خير لعقل الإنسان بوصفه كائناً حياً من الأجواء الحارة. وكان المستشرق غابريلي قد قال عن النبي صلى الله عليه وسلم "وتسكن أمته الحزام الحار من العالم". فيبدو والله أعلم أن العذر الوحيد لتخلفنا إن كان ثمة من عذر، تخلفنا مدنيا عن العالم هو سبب الطقس والمناخ.
ذلكم أن بلادنا أدنى درجات المعمورة ملاءمة للعيش صيفا.
وثمة مناطق من جزيرة العرب لا تكاد تُمطَر ألبتة.
وإذا تذكرنا أن كلمة "جنة" تعني لغة البستان والغابة كقصة ابتلاء أصحاب الجنة في القرآن وقصة الرجل ذي الجنتين وغيرهما أمكن أن تطلق على دول أوربا بأنها جنة، على الأقل لغةً، لأن ثم دولا كالسويد هي غابة متصلة، وإن كان عصر النهضة قد بدأ بإيطاليا.
ويبدو أن هذا هو السبب في سمو حضارة الإسلام في الأندلس على غيرها. والأمر نسبيّ كما تعلمون.
أما ما ذكرتموه من الجينات فلا شك أنكم تمزحون لأن كتاب "الدحض العلمي لأسطورة التفوق العرقي" قد أبطل نظرية ادعاء ذلك، كما أن تنقل الحضارة بين شعوب وأمم وشعوب وأمم خلال خمسة آلاف سنة فيه دلالة على إدحاض هذه المزحة،
ودمتم بودّ
 
عودة
أعلى