المعنى الحقيقي للحسد

أحمد طاهري

Well-known member
إنضم
05/04/2021
المشاركات
328
مستوى التفاعل
49
النقاط
28
العمر
38
الإقامة
الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معنى الحسد لغةً:
الحسد مصدره حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه، حَسَدًا وحُسودًا وحَسادَةً، وحَسَّدَه: تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته، أو يسلبهما، وحَسَدَهُ الشيءَ وعليه
معنى الحسد اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (الحسد تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد)
وقال الكفوي: (الحسد: اختلاف القلب على الناس؛ لكثرة الأموال والأملاك)
وعرفه الطاهر بن عاشور فقال: (الحسد: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير، مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد)
لذلك التعريف الشائع للحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير لكن ماذا عن الحديثين المشهورين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا حَسَدَ إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسَلَّطَه على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، ورجل آتاه الله حِكْمَة، فهو يقضي بها ويُعَلِّمَها». وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار».
[صحيح] - [حديث ابن مسعود رضي الله عنه: متفق عليه. حديث ابن عمر رضي الله عنه: متفق عليه]
وهنا لا ينطبق معنى الحسد بمعنى زوال النعمة عن الغير بل يقصد به تمني نعمة مثلها . يصف بعض العلماء في شرحهم لهذا الحديث بأن الحسد نوعان مذموم وهو زوال النعمة عن الغير ومحمود وهو تمني نعمة دون تمني زوالها عن الغير وخاصة النعم الدينية ، إذا الحسد يمكن أن يكون تمني زوال النعمة أو قد يكون تمني مثلها وهذا يعني أن التعريف الشائع للحسد غير كامل أو بالأصح غير دقيق .
 
وماذا عن قصة صاحب الجنتين حيث قال الرجل الصالح لصاحبه : (( فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) )) سورة الكهف .
هنا نجد تمني زوال النعمة عن الغير ولكن ليس بسبب الحسد ، من هذه القصة نعلم أن تمني زوال النعمة عن الغير قد يكون أحد نواتج الحسد ولكنه ليس الحسد في حد ذاته .
 
نعود للحديث حيث أن تمني المال مثل ما لدى رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار فهذا من الحسد المحمود لكن ماذا عن حسد أصحاب الترف من غير الصالحين وتمني مثل ما لديهم ؟
في قصة قارون نجد من يحسده على ما لديه من مال حيث قال الله في محكم التنزيل : (( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) )) سورة القصص .
هنا قوم قارون حاسدون له على ماله حيث أنهم يتمنون أن يكون لديهم مثل ما لديه ، فالحسد هنا مذموم وليس بسبب تمني زوال النعمة عن الغير بل بسبب أن قارون لم يكن صالحاً ولم يكن يهلك ماله في ما يرضي الله وتمني حاله يجعل الحسد فاسداً بسبب تمني حاله .
 
فإذا كان معنى الحسد هو تمني مالدى الغير من نعم كما في الحديثين السابقين ، إذاً من أين أتى معنى أن الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير ؟ وماهو شر الحاسد إذا حسد كما في سورة الفلق ؟
 
قال الله تعـالى في سورة البقرة (( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) ))
لذالك هنا نجد تمني زوال النعمة عن الغير بسبب الحسد لكن مما سبق نعلم أن الحسد ليس تمني زوال النعمة عن الغير بل تمني مثلها ، إذاً ماهو التعريف المناسب للحسد وكيف ينتج عنه تمني زوال النعمة عن الغير ؟
 
المعنى الأقرب للحسد الذي يشمل جميع المعاني مما سبق هو حب التفوق على الغير أو كراهية أن يتفوق عليك غيرك في أي مجال من المجالات .
عندما يكره الرجل أن يتفوق عليه الناس تؤدي به هذه المشاعر إلى حسدهم وهنا ينقسم الحسد إلى نوعين حسب حال الحاسد :
الأول إذا كان صاحب نعمة فهو يحب أن تبقى محصورة لديه ليبقى متفوقاً على غيره وحسده للناس يجعله يتمنى زوالها عن غيره ممن لديهم نفس النعمة ويجعله حسده أيضاً يتمنى أن لا يحصل عليها غيره ممن ليس لديهم هذه النعمة .
الثاني إذا كان محروماً من هذه النعمة فحسده يجعله يتمنى أن يحصل عليها لكي لا يكون أحد متفوقاً عليه بها .
والله أعلم
 
عودة
أعلى