المعركة تحت راية البخاري 14

إنضم
28/03/2011
المشاركات
604
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
المعركة تحت راية البخاري 14

لا ينقضي عجبي من الفصل الذي عقده الكاتب تحت مسمى : أكذوبة علم الرجال" فلقد جمع فيه المفتري كل شبهة قديمة حديثة في القدح في أهل الحديث وفي سيدهم الإمام البخاري، كما قد ألمَّ فيه بالقدح في عدالة الصحابة وطعن في حافظهم وراويتهم الراوية أبي هريرة ، ونحن هنا سننقد ما ذكره الكاتب قضية قضية ومسألة مسألة:

- التحامل على أهل الحديث- وهم أهل النبي صلى الله عليه وسلم – في حملة شعواء لا تبقي ولا تذر قديمٌ قدم هذا العلم النبوي الشريف، وما عرف لأهل الآثار فضلهم ولا لأهل تنقيد الأخبار مكانهم لولا بغض أهل الفرق والملل الأخرى لهم، وشرف هذه الطائفة معلوم معروف، لا يحتاج باحث أن يتعنت له كبير تعنت في وجدان الدليل عليه والحجة فيه، حتى ألف الخطيب البغدادي وهو سيد من سادات المحدثين وجهبذ من جهابذتهم كتابه الشهير:" شرف أصحاب الحديث" لهذا المعنى فذبَّ عن أعراضهم ودافع عن شرفهم، وبين أنهم ممن يكون انتماؤهم إلى الحبيب المصطفى والرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهم بادي الرأي أكثر طوائف العلم لهجا باسمه والذكر المتكرر لرسمه، قد خالطت أنفاسهم أنفاسهم، وامتزجت أرواحهم بروحه، كيف وهم رواة حديثه ونقلة كلامه، وحفاظ حروفه، وحراس سكناته وحركاته؟؟ وكان الذي عابه الكاتب على أهل الحديث أمر سبق إليه المشككون من المستشرقين والحداثيين وتلقفه عنهم كاتب مراكش مطمئنا إليه مستروحا وهو أنهم لم يعنوا بنقد المتن عنايتهم بنقد الإسناد، وهذه فرية قد ردها كثير ممن دافع عن مواقف المحدثين قديما كابن قتيبة في كتابه مختلف الحديث وحديثا كالعلامة المحدث مصطفى السباعي رحمه الله، وتوالت بحوث أهل العلم من المعاصرين فيها في الجامعات وغيرها...وأثبت الدليل العلمي المجرد من الهوى والعصبية أن أهل الحديث قد اشترطوا سلامة المتن من العلة والاضطراب والقلب والإدراج والشذوذ، وكل ذلك احتياط كبير منهم في أن يسلم المتن من معارضة الحس والواقع والمشاهدة والتاريخ، فقالوا من موجبات رد المتن/ سلامته من ركة اللفظ وعدم مخالفته لبداهة العقول والقواعد العامة في الأخلاق وعدم معارضته للحس والمشاهدة والسنن الكونية والحقائق التاريخية إلى آخر ما قد أورده د/ مصطفى السباعي في كتابه الجامع المانع الذي هو قرآن أهل الحديث في الذب عن الحديث في هذا العصر:" السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي"..ومراد الاتجاه الحداثي المعاصر في هذه التهمة إسقاط الثقة بقواعد أهل الحديث في نقد المتون، واستبدالها بقواعد جديدة كمثل ما اخترعه أحمد أمين في فجر الإسلام من قوله في سياق نقد نظرية نقد المتن عند أهل الحديث:" هل ينطبق الحديث على الواقع أم لا ؟ هل هناك باعث سياسي للوضع؟ هل يتمشى الحديث مع البيئة التي حكي فيها أم لا؟...."، ونحن إذا طبقنا هذه القواعد الجديدة التي يبدو أنها مستوردة من علوم إنسانية حديثة نشأت في بيئات مختلفة عن البيئة العربية الأصيلة في محتدها المميزة في أخلاقها، المفضلة بعاداتها وتقاليدها- نكون قد ظلمنا الأمة العربية في نقلها لكل شيء متعلق بنبيها كما نكون قد تجنينا على من ساهم في هذا النقل من أبناء الأمم الأخرى التي دخلت في الإسلام وحسن إسلامها وكانت إضافتها في الإسلام إضافة نوعية مميزة..على أننا إذا فتحنا هذا الباب في النقد لما صفا لنا من الحديث كبير نقلٍ ولتساقط علينا الدين كله، ولما صرنا ندين به، ولتخطفنا الناس في ملل ونحل أخرى غريبة عنا، ولاستبدلنا بالسنة المحمدية المطهرة النابعة من البيئة العربية الأصيلة- سنةً ناشئة في باريس أو لندن أو نيويوروك أو سدني؟؟؟ على أنه يقال إن من أغراض الاتجاه الحداثي في نقد النظرية الحديثية في نقد المتون إحلال موازين في النقد جديدة والتمكين لها في التعامل مع المتون، وهذه الموازين تتعدد بتعدد المنتقدين وتختلف باختلاف أسمائهم وثقافتهم وقناعاتهم وإيديولوجياتهم...ولعمرُ الله إذا دخلتِ الأسماء والثقافاتُ والقناعاتُ والإيديولوجياتُ في العلم فعلى العلْم السلام؟؟ وصرنا في كل يوم يطالعنا غرٌّ مبتدئ في العلم بقاعدة لنقد متن حديثي صحيح سندا معقول معنىً بحجة أنه لم يفهمه عقله ولا وسعه علمه؟؟؟ وهذا الذي حصل فالأحاديث التي لا تعجب كاتب مراكش ينقدها من جهة المتن ويقول ردوها ولا تقبلوها، والأحاديث التي لا تنسجم مع طاقات الجابري العقلية لأنه فيلسوف نظار- يقول ردوها ولا تقبلوها ولقد صرح بذلك فيلسوفنا الكبير في غير ما حديث وصرح بأنه ليس ينظر في إسنادها بل في متنها الذي لا يفهمه عقله، وهكذا يردد القول نفسه عدنان إبراهيم وزكريا أوزون وجمال البنا وعبد المجيد الشرفي وغيرهم كثير، وسيبقى هذا مستمرا إلى أن تقوم الساعة..
- ليس صحيحا ما قد أورده الكاتب من أن الذهبي اتهم البخاري بالتدليس، ولقد كان فهمُ الكاتب لهذه المسألة على غير وجهه لأنه لم يدرس هذا العلم ولا امتحن فيه ولا تمرس فيه، فالمقصود فيما ذكره الذهبي أن البخاري كان يُعمِّي على اسم محمد يحيى الذهلي فتارة يذكره بنحو وتارة يشير إليه على غير النحو الأول، وهو الذي يقال له تدليس الشيوخ وهو ليس قادح في الرواية ما لم يكن المعمى والمدلَّس عليه كذابا وضاعا أو ضعيفا غير ضابط، أمَا وقد كان المعمَّى هنا ثقة فليس يضر، وهو صنيع كلِّ من تخالف مع أحد واضطُرَّ للرواية عنه والأخذ فإنه – إن كان عليه في نفسه شيء ٌصنع ما قد صنعه البخاري هذا على فرض ثبوت القصة في ذلك وصحتها.

- ما أشار إليه الكاتب من قضية اتهام البخاري في مسألة اللفظ وعده ذلك دليلا على أنَّ موازين الجرح والتعديل عند المحدثين خاضعة للأهواء والعقائد- غير صحيح قطعا، فالبخاري إنما اتهم بذلك من قبل حساده وخصومه، والجرح لا يؤخذ به من حاسد أو خصم على ما قد فُصِّل في محله من كتب القوم رحمهم الله، والفيصل في هذا الباب أن من ثبتت عدالته فليس يؤثر فيه رأي أخذ به في باب العقائد، لأن مدار الرواية على الصدق وعدم الكذب فيها، فمتى وجد هذا الشرط اعتبر الراوي مقبولا...ألست تجد أن البخاري فمن دونه قد أخرج حديث هذا الضرب لقناعة البخاري وغيره أنهم ليسوا يكذبون أو أنهم ليسوا يروون ما يؤيد اعتقاداهم، لأن البخاري ومن معه من جهابذة هذا الشأن قد لاحظوا في الراوي تعظيمه للكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخشيتهم أن يشملهم الوعيد الوارد في ذلك، وخوفهم أحيانا وهو قليل نادر أن ينقل عنهم أنهم قد كذبوا وهو أمر مخالف للشهامة العربية وللأخلاق التي درج عليها العربي القح قبل الإسلام، فلما جاء الله بهذا النور تعاضدت النخوة العربية التي تأبى الدُّون مع الغيرة الدينية التي تمنع الفساد الأخلاقي.
وتستمر المعركة


 
عودة
أعلى