المعركة تحت راية البخاري 10 أو عندما تُحمل مذاهب العلماء على غير وجه حق

إنضم
28/03/2011
المشاركات
627
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
المعركة تحت راية البخاري 10 أو عندما تُحمل مذاهب العلماء على غير وجه حق وتلتمس لها المخارج البعيدة تزويرا وتدليسا ومسخا وتشويها
درجتْ أغلبُ الكتابات المعاصرة الطاعنة في الإمام المبجل والسيد النبيل المقدَّم محمد بن إسماعيل البخاري على أنها إذا اعتقدت أمرا في نفسه باطلا، وهو بعينه في ميزان العلم شيئا متهافتا فريا جَلبتْ في تأييده والاستشهاد له كل دليل، وإن كان في غير مورد استشهاد، فيصوَّر الباطل حقا، والشاهد البعيد حجة ناصعة في موضعها، وبرهانا قويا في محله، كلُّ ذلك إمعانا في التلبيس، وإيغالا في التدليس، مع أن ذلك ليس يرُوج على العالم الخبير، والناقد البصير، والمطلع القدير، وإنما يُخشى منه على الغرِّ الذي لا خبرة له، والخالي الذهن الذي لا يطوي على الضغينة، وإنما قصارى حاله سلامة الطوية، وصلاح النية.
ولقد أذْكرتْني أدلة ُالأنجري التي يسوقها في معرض التَّدليل والاستشهاد على بثِّ سمومه وهمومه كراهيةً للصحيح، وبُغضا في صاحبه الذّي لم يألُ جهدا في التوثيق والتمحيص، والتنقير والتفتيش، بما كان يسوقه المستشرقون القادحون في السنة وصاحبها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم من أدلة، إذْ كانوا يعتقدون رأيا مسبقا مبيتا حقا أو باطلا، ثم يجلبون له من كل حدب وصوب أدلةً متهافتة، وشواهد متساقطة، حتى إنهم يُراجعون كتب الخلاعة والمجون، والمنادمة والمسامرة، فيأخذون منها ما يزعمون أنه دليل ماحق، وشاهد في الموضوع واضح، بينما يكون الحالُ في مثل هذه الأدلة والشواهد أنها من الواهيات والموضوعات التي يرويها القُصَّاص والمذكِّرون، والوُعَّاظ من جهلة الرواة المغفَّلين.
كما أذْكرتني أدلةُ الأنجري التي يعتقدها شواهدَ ناصعة، وحججًا قاطعة بما فعله المستشرقون الحاقدون عندما كتبوا في علوم الإسلام، فتراهم يفرحون بالخبر المسْعِف المروِّج للباطل ويُذيعون ذلك ويُعلنون به في المحافل، ويُخفون الخبرَ الدليلَ الصحيحَ ويتسترون عليه وكأنهم قطَعوا أنْ لن يُفضحوا، وخابوا فلقد كشف تزويرَهم الكاتبون المخلصون، والباحثون المطَّلعون.
يكتب الأنجري في مقال سماه:" تنقيح صحيحي البخاري ومسلم ضرورة شرعية" دافعا ما وسمه بـــ:" عصمة الصحيحين"،مؤكدا خرافة القول الشائع بأن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول" مستدلا بأن الدارقطني قد خالف هذا القبول المحكي فضعَّف أحاديث في كتابه التتبع، وضعف ابن حزم حديث المعازف الوارد في البخاري.
وفرح الأنجري بما استدل به مطمئنا إليه، ومضى على ذلك جذلان مبتهجا وكأنه سقط على دليل مُوات صريح، وعلم مُسعف محتجٍّ به عند الخلاف؟؟!!!
فهل يمكن أن يُسلَّم للأنجري استدلاله بتضعيف ابن حزم لحديث المعازف الوارد في الصحيح؟
أمْ أن َّذلك من تلبيس الرجل وتدليسه وتصويره للباطل في صورة الحق؟؟
وهل يُفهم من صنيع ابن حزم إنْ ثبتَ أنه جارٍ مع الأنجري في إهانة الصحيحين، والتنقيص من قيمتهما؟
وفي الحقِّ فإنَّ ابن حزم – الذي استنجد به الأنجريُّ- أوَّلُ من يتبرأ من تلبيساته وتدليساته، ولو قُدِّر له أن يقف على بعض ما جرى على لسانه من الازدراء بالصحيح وصاحبِه لوقع فيه- ولسانه وسيف الحجاج شقيقان كما هو معلوم- شرَّ وقيعة!!!
وأما أن يكون المنقول عن ابن حزم مما قد ذُكر ثابتٌ، فهو كذلك قاله ريحانةُ الأندلس وفقيهها الظاهريُّ في المحلى9/55 لمناسبة ذكر أحكام بيع المزامير والعيدان والمعازف، ورأى ابن حزم أن بيع ذلك حلال كله وذكر بعدُ مذهبَ المخالفين الذين استدلوا بأحاديث منها حديث المعازف الذي قدم له العالم القرطبيُّ بقوله:"...ومن طريق البخاري قال هشام بن عمار نا صدقة بن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جبر نا عطية بن قبس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عمار أو أبو مالك الأشعري:" والله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ليكونن من أمتي قوم يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف"، ثم قال ابن حزم:" وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد" انظر المحلى9 / 59.
والمتأمل في قول ابن حزم هذا لا يجده نقدا لما في الصحيح على ما أوْهمتْه عبارة الأنجري، ولو تنزَّلنا فعددناه كذلك- ولا إِخَالكُ أيها القارئ الكريم إلا معي في أنه ليس نقدا بل هو حكْم على بعض ما قد ورد في الصحيح- فإن بينه وبين صنيع الأنجري مع البخاري لَبوناً شاسعا كما بين الأرض والسماء:
فأولا: ابن حزم يهابُ أن يقول في البخاري قولا فريا، فهو متأدب مع إمام المحدثين، وسيد المسندين، وطبيب علل حديث النبي الأمين، بخلاف الحط الفظيع، والتشنيع الكثير الذي جرح به الأنجريُّ البخاريَّ.
ثانيا: لقد عرف ابن حزم للصحيحين قدرهما، فنوه بهما لما قيل له:" أجلُّ المصنفات الموطأ، فقال:" بل أوْلى الكتب بالتعظيم الصحيحان". انظر تذكرة الحفاظ 3/1153.
واعتنى ابن حزم بالتأليف في الجامع الصحيح للبخاري فوضع على الكتاب رسالة في مواضع مشكلة، نوهنا بها في دراسة لم نسبق إليها بحمد الله تعالى نشرت سنة 1422هـ.
ثالثا: أوهمت عبارة الأنجري أن أهل العلم وافقوا ابنَ حزم على نقده لحديث المعازف، وكلا فإن أغلب من وقفتُ على كلامهم في ذلك، دفعوا في صدر ابن حزم، وانتصروا للبخاري ورجحوا مذهبه في تخريج الحديث هكذا معلقا، وهذه عبارات من يعتد به منهم شاهدة على ذلك، فلْيُزوِّرها من شاء وليْؤوِّلها من أراد، فلن يغير من الحقيقة شيئا، ثم ليُخْفها منْ أحب فلن نعدم حيلة في كشفها وإظهارها لمن يكون سريع الانخداع لمثل هؤلاء الطاعنين الملبِّسين الحق بالباطل.
قال ابن الصلاح عقب حكاية قول ابن حزم:" ولا التفاتَ إليه في ردِّه ذلك..وأخطأ في ذلك من وجوه..والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح...والبخاري قد يفعل ذلك لكون لحديث معروفا من جهة الثقات عن الشخص الذي علقه عنه، أو لكونه ذكره في موضع آخر من كتابه متصلا أو لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع".
وقال العراقي في شرح الألفية1/80:" والحديث متصل من طرق من طريق هشام وغيره، قال الإسماعيلي في المستخرج ثنا الحسن وهو ابن سفيان النسوي الإمام قال ثنا هشام بن عمار فذكره".
وقال العراقي في نكته ص42:"...وقد ادَّعى بن حزم في أحاديث من الصحيحين أنها موضوعة ورُد َّعليه ذلك كما بينته في التصنيف المذكور" يشير العراقي إلى التصنيف الذي ألفه في الجواب عن المواضع اليسيرة المتكلم فيها في الصحيح.
وكذلك قال الشمس السخاوي في فتح المغيث1/71 عند شرح قول العراقي في الألفية:
عنعنة كخبر المعازف لا تُصغ لابن حزم المخالف
وعزى السخاوي غلط ابن حزم في الانتقاد إلى جموده على الظاهر.
فهذه هي عباراتُ أهل العلم في ردِّ انتقاد ابن حزم، وبيان حال الأنجريِّ الذِّي يريد أن يشايعه على جرْحه للبخاري وصحيحه مَن اشتهر من أهل الحديث، ووالله لن يجد في أقوالهم مُتمسَّكا، وقد يبادر إلى التعليق على هذه العبارات بأنَّ أصحابَها عاطفيون، وخرافيون، وسذجٌ غيرُ عقلانيين، ومقدِّسون للبخاري هيَّابون وهلَّم جراًّ من هذه القوادح والمطاعن التي جرت على لسانه وأظهرها قلمُه في سلسلة مقالات أخرجها صارت معروفةً من تراثه الذي نخشى أن يُسأل عنه غدا يوم القيامة، وإنَّ غدا لناظره لقريب.
 
المعركة تحت راية البخاري 10 أو عندما تُحمل مذاهب العلماء على غير وجه حق

الأستاذ محمد بارك الله فيك وشفاك مما تجد وجزى مساعديك خيرا. استوقفني موضوعكم فأثار فيّ أمورا كنت أرجأتها لمناسبة أخرى لكن بدا لي أنْ أبتدئ بإبرازها في هامش مقالكم لعلنا نساهم معاً في إثراء هذا النوع من العلم الذي كان مقتصرا غير متبلور في كتب مشكل الآثار وتوجيه مختلف الحديث والحواشي الفقهية. فالصحيحان كتابان عظيمان وصاحباهما عالمان جليلان غنيان عن التعريف ونقد الكتابين نقدا علميا لا حكر عليه ما داما تصنيفا بشريا وقد قال نجم المحدثين الإمام مالك ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُرَدّ إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبره صلى الله عليه وسلم. وفي رأيي المتواضع أن كتب الحديث والقراءات وهي الكتب التي لم يكن يؤلف فيها إلا من لهم شيوخ ورحلة واستماع وتحديث وفي القراءات إلا من لهم رواية وعرض وأسانيد. كان ذلك إلى عصور متأخرة جدا ولم يكن يكتب في نقد هذه المصنفات إلا رجل من داخل الدائرة لا من خارجها. كان ذلك احتراما ضمنيا من الناس لطبيعة العلم والتخصص فيه. وفي هذا النوع من النقد يندرج صنيع الدارقطني الذي لخصه الإمام ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري". وفي عصرنا الحالي بعد أن تطور علم التاريخ والنقد والتحليل عند غيرنا كان النقد الممكن المحتاج إليه إزاء الصحيحين وغيرهما هو النقد العلمي الكُلِّي لا الجزئي الذي كفانا مؤونته المحدثون كالدارقطني وغيره. وأعني بالنقد الكلي نقد الخطوط العامة للعلم التي سار عليها العلم الشرعي على طريقة المحدثين. وسأكتفي هنا بطرح الأسئلة العامة التي يقدمها النقد العلمي الَّذِي أسميتُه بالكلّي للصحيحين وغيرهما من دواوين السنن والآثار والأخبار. أوردها لعلكم تجدون من الوقت ما تنيرون به جنباتها كلها أو بعضها. فالسؤال الأول هو ما كان شيوخنا يدرّسوننا إياه من أن الفرق بين منهجي الشيخين الجليلين هو أن البخاري كان يشترط تحقق اللقاء في حين اكتفى مسلم بالمعاصرة وإمكانية تحقق اللقاء. ولذلك جاءت أحاديث مسلم ضعف أحاديث البخاري عددا. والنقد العلمي الموجه لهذا القول هو أن أحاديث البخاري كما قال ابن حجر لا تتجاوز ٢٤٠٠ حديثا وأحاديث مسلم زهاء أربعة آلاف. إلى هنا والفرضية تشتغل بصورة صحيحة لكن النقد لها يبرز إذا علمنا أن ما اتفق عليه الشيخان لا يجاوز نصف كتاب البخاري فقط. فَلَو صحت الفرضية لكان الأمر أن يضم صحيح مسلم أحاديث البخاري ويضيف عليها الضعف لا أن يترك اكثر من نصف أحاديث البخاري؟ هذا ما تقتضيه رياضيات المجموعات فبرزت الحاجة إلى تعليل أشمل وفرضية أصوب. السؤال الثاني متعلّق بالأول وهو أن مسلم رحمه الله انتقد نقدا شديدا لكيلا نقول لاذعا من اشترط تحقق اللقاء فقال عنه وزعم وقال عنه شذّ فهل كان يعني البخاري نفسه بهذا النقد؟ تجاهل النووي رحمه الله في شرح مسلم تعيين هذا الرجل لكن يغلب على الظنّ أنه يعني البخاري نفسه وإن كان هذا النقد يخالف ما عُرف تاريخيا أن مسلما كان يُجلّ البخاري كثيرا وأنه قال له يا طبيب الحديث في علله وأنه تمنى أن يغسل عن قدميه. وقول الدارقطني مشهور أن لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء . لكن يقويه أنه ينتقد رجلا رأيُه منسوبٌ إلى البخاري حتى اشتهر به. التساؤل الثالث وهو أهم من سابقيه هو أن أصحاب الصحاح والسنن قد قسموا موضوعات كتبهم اتباعا لتقسيمات كتب الفقه التي سبقتهم بالظهور وتقسيمات الكتب التي مزجت بين الحديث والفقه كموطأ مالك الذي وصف ابن حجر منهجه بقوله ( وتوخى فيه القويّ من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين). فالسؤال المهم المندرج ضمن النقد الكلي لمنهج المحدثين هو أن سنة النبي عليه السلام هي سيرته في الحياة والعبادة والدين والدعوة كما قالت كتب اللغة (والسنّة السيرة) فكان الأنفع للعلم والدين أن ينتهج المحدثون كالبخاري ومسلم نهج ابن إسحق بتهذيب ابن هشام لا نهج الكتب الفقهية فإن تقسيم موضوعات السنن هو فعل عقلي اجتهادي ليس من السنّة نفسها وبحسب هذا المنطلق يكون كتاب سيرة النبي لابن هشام أكثر تحقيقا لمفهوم السّنّة من كل كتب الحديث لأنه حقق المعنى اللغوي لكلمة (سنّة) ومعلوم أنّ النبي كان يخاطبنا باللغة لا بالاصلاحات المتأخرة. فلا نتعجل بوصف المُحدِّثين بأنهم وقعوا في ( عيب الفهم بمفهوم متأخر) لمفهوم السنّة ولكن إذا اتفقنا أنهم قد قاموا بتجزئة سيرة النبي (سنَّته) على وفق تقسيمات الفقهاء فإنهم قد ساهموا بحسن نية في إبعاد المسلمين عن السنة التي هي السيرة ببنيتها الكاملة ورؤيتها الشاملة وأن ما نعيشه اليوم من سوء فهم للسُنَّة سببه ذلك التقسيم الذي حصل في المئة الثالثة. إذ يبدو أن المحدثين قد انطلقوا من هدف أقل من الحاجة وهو إيراد أخبار صحيحة لكل موضوع فقهي يحل محل قياسات بعض الفقهاء فيبرز بذلك تميزهم في الرواية والسماع وتفوقهم على الفقهاء من هذا الوجه. ويمكن للناقد الكُلِّي أن يتهمهم أن لم يكن يدور في خلدهم مفهوم شامل للسنة كما هي في الواقع أعني بوصفها بنية موحدة هي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام مدّة ٢٣ عاماً. وتوجد أسئلة أخرى بهذا الحجم من النقد الكلي أرجئها لحين استماع رأيكم أو جوابكم على هذه الأسئلة الثلاثة. وغرضنا التقدم في العلم لا المراوحة فيه. وأكرر دعائي لكم بالشفاء والتوفيق والله من وراء القصد
 
شكرا أيها الدكتور الفاضل وسيأتيك رأيي عندما أجد من يكتب لي...وبالمناسبة فلقد أخرج ردا هجوميا الأنجري الطاعن هذا رابطه
http://www.hespress.com/writers/266269.html

ولامني على ما قدرة لي على تلافيه وأنا المريض الذي لا يكتب بيده بل يملي................
إذ كنت قلت وأن بينهما بونا فحرفها المستملي إلى بون، فوقع فيَّ الأنجري شر وقيعة والله حسيبه.
 
اطمئن من هذه الناحية فمبدئي قول الشاعر:
ولست أبالي بعد إفهام سامعي - أكان بخفضٍ لفظُ ما قلتُ أم رفعِ
وقول الأخفش الأكبر عبدالحميد بن عبدالمجيد: أنحى الناس [أعلمُهم بالنحو] مَنْ لم يُلَحِّنْ أحداً.
فكاتبك حين كتب عزى بدل عزا كان مصيباً أيضاً وقد قال ابن مالك في منظومته للأفعال التي يجوز فيها الواو والياء (ثم الحديث عزوتُه وعزيتُه) غير أن هذا مما لا يسوغ التوقف عنده ليستمر الحوار.
 
وقرأت الرد كرة أخرى فألفيت فيه بالمراجعة ما يلي:
ثابتٌ فحقها ثابتا كما لا يخفى على الصغير المبتدئ والآفة في المستملي.
 
عودة
أعلى