عمر العبد الله
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم النبي المصطفى الكريم وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد:
تفنن أهل الفسق في زماننا هذا في المعازف فأصبح فناً زعموا! فأنشؤوا لها المدارس والجامعات، وصرفوا من أجل نهوضها الدولارات. حتى أننا نعجب من جهل بعض المسلمين بحرمتها! وهذا يحتاج الى جهود عظيمة مقابل تلك الجهود ليرجع أبناء المسلمين من رقية الشيطان الى كلام الرحيم الرحمن.
ووقع في نفسي التعليق على هذه المسألة متجردا ومنصفا في بيان الحق الذي يحاول تغطيته بعض المنتسبين الى العلم داعين الى سماع المعازف التي تنوعت وجلّت عن الحصر وأناقش في هذه السطور مسألة واحدة تدور على حديث المعازف الذي أخرجه البخاري (¬) في صحيحه معلقا، مبينا صحته ودافعا عنه ما قيل فيه من تضعيف وأناقش بعض الكلمات التي دارت حول ألفاظه من بعض من تكلم فيه راجيا من الله عفوه وتوفيقه إنه على ذلك قدير.
بيان حديث أبي مالك الأشعري:
أخرج البخاري (¬) في صحيحه (7/ 106) برقم (5590) قال: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ (‘) يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "
هذا الحديث علقه الإمام البخاري (¬) جازما به.
ولم يصرح البخاري بالتحديث عن هشام بن عمار في جميع النسخ من صحيحه. والسبب وراء عدم إيراد البخاري لهذا الحديث أكثر من مرة في صحيحه بسبب (قصور في سياقه وهو هنا تردد هشام في اسم الصحابي وسيأتي من كلامه ما يشير إلى ذلك حيث يقول إن المحفوظ أنه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك وساقه في التاريخ من رواية مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم كذلك وقد أشار المهلب إلى شيء من ذلك وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له لأنه لا يجزم إلا بما يصلح للقبول ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج..)([1])
بين الزركشي أن البخاري حدث به قال وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال: قال البخاري حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار قال فعلى هذا يكون الحديث صحيحا على شرط البخاري وبذلك يرد على بن حزم دعواه الانقطاع. وقد بين ابن حجر أن هذا وهم توهمه الزركشي وبين ان الذي قال حدثنا الحسين هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري([2])!
وقد أعله بعض المحدثين بعلّة الانقطاع ما بين البخاري وصدقة بن خالد وذلك أن البخاري علقه فقال: قال هشام بن عمار وهذا تعليق للسند([3]).
وأجيب عن هذه العلة: بأنه لا يوجد معلق جزم به البخاري الا ووجد متصلا سواء في الصحيح أو خارجه. قال ابن حجر: (وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه..)([4])
وقال ابن الصلاح (¬): التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي، صاحب (الجمع بين الصحيحين) وغيره من المغاربة، في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها - وقد استعمله الدارقطني من قبل -: صورته صورة الانقطاع، وليس حكمه حكمه، ولا خارجا ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف، وذلك لما عرف من شرطه وحكمه، على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول.
ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري، من حديث أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله (‘): " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف. . " الحديث. من جهة أن البخاري أورده قائلا فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف. وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح.
والبخاري (¬) قد يفعل ذلك، لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه، وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع، والله أعلم.
والحديث جاء متصلا إسناده عن الثقات في غير موضع:
أكمل القراءة: https://2u.pw/cUpX5
([1]) فتح الباري لابن حجر (10/ 53)
([2]) ينظر فتح الباري لابن حجر (10/ 52)
([3]) ينظر المحلى بالآثار (7/ 565) وقد
([4]) فتح الباري لابن حجر (10/ 53)
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم النبي المصطفى الكريم وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أما بعد:
تفنن أهل الفسق في زماننا هذا في المعازف فأصبح فناً زعموا! فأنشؤوا لها المدارس والجامعات، وصرفوا من أجل نهوضها الدولارات. حتى أننا نعجب من جهل بعض المسلمين بحرمتها! وهذا يحتاج الى جهود عظيمة مقابل تلك الجهود ليرجع أبناء المسلمين من رقية الشيطان الى كلام الرحيم الرحمن.
ووقع في نفسي التعليق على هذه المسألة متجردا ومنصفا في بيان الحق الذي يحاول تغطيته بعض المنتسبين الى العلم داعين الى سماع المعازف التي تنوعت وجلّت عن الحصر وأناقش في هذه السطور مسألة واحدة تدور على حديث المعازف الذي أخرجه البخاري (¬) في صحيحه معلقا، مبينا صحته ودافعا عنه ما قيل فيه من تضعيف وأناقش بعض الكلمات التي دارت حول ألفاظه من بعض من تكلم فيه راجيا من الله عفوه وتوفيقه إنه على ذلك قدير.
عمر العبد الله
صفر: 1440/2/4
صفر: 1440/2/4
بيان حديث أبي مالك الأشعري:
أخرج البخاري (¬) في صحيحه (7/ 106) برقم (5590) قال: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ (‘) يَقُولُ: " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ "
هذا الحديث علقه الإمام البخاري (¬) جازما به.
ولم يصرح البخاري بالتحديث عن هشام بن عمار في جميع النسخ من صحيحه. والسبب وراء عدم إيراد البخاري لهذا الحديث أكثر من مرة في صحيحه بسبب (قصور في سياقه وهو هنا تردد هشام في اسم الصحابي وسيأتي من كلامه ما يشير إلى ذلك حيث يقول إن المحفوظ أنه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك وساقه في التاريخ من رواية مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم كذلك وقد أشار المهلب إلى شيء من ذلك وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له لأنه لا يجزم إلا بما يصلح للقبول ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج..)([1])
بين الزركشي أن البخاري حدث به قال وقد أسنده أبو ذر عن شيوخه فقال: قال البخاري حدثنا الحسين بن إدريس حدثنا هشام بن عمار قال فعلى هذا يكون الحديث صحيحا على شرط البخاري وبذلك يرد على بن حزم دعواه الانقطاع. وقد بين ابن حجر أن هذا وهم توهمه الزركشي وبين ان الذي قال حدثنا الحسين هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري([2])!
وقد أعله بعض المحدثين بعلّة الانقطاع ما بين البخاري وصدقة بن خالد وذلك أن البخاري علقه فقال: قال هشام بن عمار وهذا تعليق للسند([3]).
وأجيب عن هذه العلة: بأنه لا يوجد معلق جزم به البخاري الا ووجد متصلا سواء في الصحيح أو خارجه. قال ابن حجر: (وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علق عنه ولو لم يكن من شيوخه..)([4])
وقال ابن الصلاح (¬): التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي، صاحب (الجمع بين الصحيحين) وغيره من المغاربة، في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها - وقد استعمله الدارقطني من قبل -: صورته صورة الانقطاع، وليس حكمه حكمه، ولا خارجا ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف، وذلك لما عرف من شرطه وحكمه، على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول.
ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري، من حديث أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله (‘): " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف. . " الحديث. من جهة أن البخاري أورده قائلا فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف. وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح.
والبخاري (¬) قد يفعل ذلك، لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه، وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع، والله أعلم.
والحديث جاء متصلا إسناده عن الثقات في غير موضع:
أكمل القراءة: https://2u.pw/cUpX5
([1]) فتح الباري لابن حجر (10/ 53)
([2]) ينظر فتح الباري لابن حجر (10/ 52)
([3]) ينظر المحلى بالآثار (7/ 565) وقد
([4]) فتح الباري لابن حجر (10/ 53)