المطلق والمقيد عند الشوكاني

إنضم
07/03/2012
المشاركات
71
مستوى التفاعل
1
النقاط
8
الإقامة
مكة المكرمة
المطلق والمقيد عند الشوكاني
(دراسة تطبيقية في تفسير فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية)
د.ابتسام الجابري
المقدمة
الحمد لله الذي جعل كتابه المبين كافلا ببيان الأحكام ، شاملا لما شرعه لعباده من الحلال والحرام ، مرجعا للأعلام عند تفاوت الأفهام وتباين الأقدام وتخالف الكلام ، قاطعا للخصام ،شافيا للسقام، مرهما للأوهام.
فهو العروة الوثقى التي من تمسك بها فاز بدرك الحق القويم ...والصلاة والسلام على من نزل إليه الروح الأمين، بكلام رب العالمين، محمد سيد المرسلين ،وخاتم النبيين ،وعلى آله المطهرين وصحبه المكرمين.[1]
وبعد؛ لمطلق والمقيد من المسائل المشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن الكريم ؛ولا يخفى أثر هذه المسألة سواء على الأحكام الفقهية أو فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم .
و الشوكاني رحمة الله عليه جمع بين علم أصول الفقه وتفسير القرآن وجملة أخرى من العلوم كعلوم الحديث..؛ فآثرت أن أدرس منهجه الأصولي في المطلق والمقيد من خلال دراسة تطبيقية في تفسيره فتح القدير الجامع بين فني الدراية والرواية.
ومما هو معلوم عنه رحمة الله عليه عنايته بالاجتهاد ونبذه للتقليد وذمه له عموما ومن ذلك قوله(والذي أدين الله به أنه لا رخصة لمن علم من لغة العرب ما يفهم به كتاب الله بعد أن يقيم لسانه بشيء من النحو والصرف وشطر من مهمات كليات أصول الفقه في ترك العمل بما يفهمه من آيات الكتاب العزيز أو السنة المطهرة، ولا يحل التمسك بما يخالفه من الرأي سواء كان قائله واحدا أو جماعة أو الجمهور)[2].
و من أهم أسباب اختيار منهج الشوكاني هو كونه جمع بين علم الأصول والتفسير ،وجمع بين الدراية والرواية، بالإضافة لفضائله وسعة علمه وأهمية هذه المسألة وعلاقتها بالأصول والتفسير وما يترتب عليهما في الأحكام والعبادات ...
وقد قسمت البحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: المطلق والمقيد عند علماء أصول الفقه وعلوم القرآن
المطلب الأول: المطلق والمقيد عند علماء أصول الفقه
المطلب الثاني: المطلق والمقيد عند علماء علوم القرآن
المطلب الثالث: المسائل المشتركة
المطلب الرابع: إضافات علمي أصول الفقه وعلوم القرآن
المبحث الثاني: تعريف المطلق عند علماء أصول الفقه وعلوم القرآن
المطلب الأول: تعريف المطلق عند علماء أصول الفقه
المطلب الثاني : تعريف المطلق عند علماء علوم القرآن
المطلب الثالث: تعريف المطلق عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
المبحث الثالث: تعريف المقيد
المطلب الأول: تعريف المقيد عند علماء أصول الفقه
المطلب الثاني: تعريف المقيد عند علماء علوم القرآن
المطلب الثالث: تعريف المقيد عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
المبحث الرابع حمل المطلق على المقيد
المطلب الأول: حمل المطلق على المقيد عند علماء أصول الفقه
المطلب الثاني: حمل المطلق على المقيد عند علماء علوم القرآن
المطلب الثالث: حمل المطلق على المقيد عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
المبحث الخامس : شروط حمل المطلق على المقيد
المطلب الأول :شروط حمل المطلق على المقيد عند علماء أصول الفقه
المطلب الثاني: شروط حمل المطلق على المقيد عند علماء علوم القرآن
المطلب الثالث: شروط حمل المطلق على المقيد عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
الخاتمة
الفهارس
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد والبصيرة والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين
المبحث الأول المطلق والمقيد عند علماء أصول الفقه وعلوم القرآن
المطلب الأول: المطلق والمقيد عند علماء أصول الفقه :
ذكر علماء أصول الفقه هذا النوع عقيب العام والخاص، وذلك لارتباطه به قال الباجي ومما يتصل بالعام والخاص: المطلق والمقيد ونحن نبين حكمه[3] وقال الآمدي وإذا عرف معنى المطلق والمقيد فكل ما ذكرناه في مخصصات العموم من المتفق عليه والمختلف فيه والمزيف والمختار فهو بعينه جار في تقييد المطلق فعليك باعتباره ونقله إلى ها هنا[4]
قلة المسائل المذكورة في هذا النوع، بالنسبة للفصول السابقة وذلك لنفس السبب السابق وهو ارتباط هذه المسألة ومشابهتها في كثير من أحكامها بالعام والخاص ووعورة المسألة قال ابن تيمية: الْمُطْلَقِ، وَالْمُقَيَّدِ " وَهِيَ غَمْرَةٌ مِنْ غَمَرَاتِ " أُصُولِ الْفِقْهِ " وَقَدْ اشْتَبَهَتْ أَنْوَاعُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ السَّابِحِينَ فيه[5]
قَالَ الْهِنْدِيُّ : فَالْمُطْلَقُ الْحَقِيقِيُّ : مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ . وَالإضَافِيُّ مُخْتَلِفٌ ( وَهُمَا ) أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ ( كَعَامٍّ وَخَاصٍّ ) فِيمَا ذُكِرَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ مِنْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَمُخْتَارٍ مِنْ الْخِلاَفِ [6]والمتقدمون من العلماء أطلقوا العام على المطلق ولم يميزوا بينهما ولكن المتأخرين من الأصوليين وبعد استقرار الاصطلاحات أصبح الفرق واضحا بين العام والمطلق .
ومن أوضح الفروق بين العام والمطلق :أن العام عمومه استغراقي شمولي فهو شامل لجميع أفراده , وأما المطلق فعمومه بدلي أو يسميه العلماء عموم الصلاحية ( بمعنى أن كل فرد من أفراد العام يصلح أن يسد مكان البقية )[7]
3-لم يذكر بعض الأصوليين مسألة المطلق والمقيد
حيث يطلق كثير من أهل العلم على المطلق عام وعلى المقيد خاص، لما بينهما من عموم و خصوص فكل مطلق/مقيد هو عام/خاص و ليس العكس بصحيح، و من هنا تعلم علة إغفال الجويني رحمه الله ذكر المطلق و المقيد في مقدمة الورقات حين قال: وأبواب أصول الفقه: أقسام الكلام والأمر والنهي والعام والخاص والمجمل والمبين... إلخ[8]
وهذه طريقة الغزالي في المستصفى حيث جعل عنوان الباب الخامس في الاستثناء والشرط والتقييد بعد الإطلاق
وتحدث عن المطلق والمقيد في نهاية مسائل العام والخاص ثم قال: "هذا إتمام القول في العموم والخصوص ولواحقه من الاستثناء والشرط والتقييد وبه تم الكلام في الفن الأول وهو دلالة اللفظ على معناه من حيث الصيغة والوضع[9]
وذكره البزدوي في باب تفصيل المنسوخ..[10]وذكره الرازي في المحصول في القسم الرابع من باب العموم والخصوص باب حمل المطلق على المقيد[11]
المطلب الثاني:المطلق والمقيد عند علماء علوم القرآن :
1- خصص البلقيني والسيوطي وابن عقيلة المكي نوعاً للحديث عن المطلق والمقيد[12]
2-ذكره الزركشي دون تخصيصه بنوع معين بل ضمن النوع اثنين وثلاثين وست وأربعين وسبع وأربعين[13]
3-ذكر السيوطي عدة أمور وتنبيهات تتعلق بالمطلق والمقيد في النوع التاسع والأربعين[14]
4- كما ذكر السعدي (المطلق والمقيَّد) وأن ّ(حمل المطلق على المقيَّد مقدَّمٌ على إجراء العموم) 0[15]
المطلب الثالث:المسائل المشتركة
المسألة الأولى: تعريف المطلق والمقيد
اهتم الأصوليون بتعريف المطلق بينما أهمل أغلبهم تعريف المقيد فلم يعرفه سوى ابن النجار[16] وأما علماء علوم القرآن فلم يعرف المطلق منهم سوى السيوطي ونقل عنه ابن عقيلة[17]
المسألة الثانية : حمل المطلق على المقيد[18]
المطلب الرابع: المسائل التي أضافها علماء علوم القرآن وأصول الفقه
1-علماء علوم القرآن
َأثَّرت قلُة مسائل هذا الفصل ،على زيادات علماء علوم القرآن، فلا نكاد نجد إضافات تذْكَر لعلماء علوم القرآن ،وذلك بسبب قلة المسائل، واعتماد علماء علوم القرآن على كتب الأصوليين فيه.
ومن المسائل التي قد تدرج هنا مسألة: الفرق بين العام والمطلق[19]
وكذا أمور وقواعد مهمة في المطلق والمقيد
أمور تنبغي مراعاتها:
يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غير ذلك[20]
إذا ثبت الدليل المقيد وجب أن يحمل عليه المطلق عند توافر الشروط[21]
القواعد :
1. الأصل بقاء المطلق على إطلاقه حتى يرد ما يقيده
2. المطلق يحمل على الكامل (من المسميات)
3. إذا ورد على المطلق قيدان مختلفان وأمكن ترجيح أحدهما على الآخر، وجب حمل المطلق على أرجحهما
4. الإطلاق يقتضي المساواة[22]
2-علماء أصول الفقه
المسألة الأولى:شروط حمل المطلق على المقيد
المسألة الثانية: مراتب المقيد[23] تتفاوت مراتب المقيد في تقييده باعتبار قلة القيود وكثرتها، فما كثرت قيوده أعلى رتبة مما قلت.
ومثال ما كثرت قيوده: في سورة التحريم (مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات..)5 التحريم
وعلى كلٍّ فالإطلاق والتقييد أمران نسبيان
المسألة الثالثة: اجتماع الإطلاق والتقييد في نص واحد: وبيانها: أن اللفظ الواحد قد يكون مطلقاً من وجه، ومقيدًا من وجه آخر
هذه أغلب المسائل التي يذكرها العلماء في هذا الباب، وهو في غالبه متصل بمسائل العام والخاص، فلذلك قَلَّت مسائله في كتب أهل العلم، وأهم مسائل هذا الباب حالات حمل المطلق على المقيد لتأثيرها على التفسير واستنباط الأحكام[24]
المبحث الثاني تعريف المطلق
المطلق في اللغة: اسم مفعول، مأخوذ من مادة يدور معناها في وجوه تصاريفها المختلفة على معنى الانفكاك والتخلية[25]
المطلب الأول: تعريف المطلق عند علماء أصول الفقه
المطلق اصطلاحا: هو اللفظ المتناول لواحد غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه[26].
وقال ابن النجار: فَالْمُطْلَقُ : هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ وَصْفٍ زَائِدٍ [27].
وقال الشيخ ابن عثيمين: ما دل على الحقيقة بلا قيد؛ كقوله تعالى: {تحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة 3]
فخرج بقولنا: "ما دل على الحقيقة" ؛ العام لأنه يدل على العموم لا على مطلق الحقيقة فقط.
وخرج بقولنا: "بلا قيد" ؛ المقيد[28].
ومعنى ذلك أن العام والمطلق بينهما وجه شبه من حيث إن كلا منهما له عموم في الجملة. ولذا كان بعض المتقدمين لا يفرقون بينهما. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية « لفظ المجمل والمطلق والعام كان في اصطلاح الأئمة كالشافعي وأحمد وأبي عبيد وإسحاق سواء »[29]
وإطلاق لفظ العام على المطلق وبالعكس قد جاء في كلام بعض الأصوليين على الرغم من تفريقهم بين المصطلحين، فالقاضي أبو يعلى الحنبلي ذكر احتجاج الحنفية على عدم التفريق بين الماء وغيره من المائعات بقوله تعالى : وثيابك فطهر، ثم قال في الجواب « إن الآية عامة »[30] ، ومعلوم أن الأمر بالتطهير ليس عاماً فيما يطهر به بل هو مطلق.
وكذلك فعل الغزالي في مواضع من المستصفى[31]
والمتخصص في أصول الفقه لا ينبغي له أن يخلط بين المصطلحات، ولذا فإن بين العام والمطلق فروقاً أجملها فيها يلي :
1ـ…من حيث التعريف فتعريف المطلق هو : « اللفظ الدال على الحقيقة من حيث هي من غير قيد » أو يقال هو : « اللفظ الدال على مدلول شائع في جنسه » (4)، مثل لفظ رقبة في قوله تعالى: { } [النساء92].
2ـ…من حيث الحكم، فإن المطلق إذا ورد الأمر به لا يتناول جميع الأفراد التي تصلح للدخول تحت اللفظ، بل تحصل براءة الذمة بواحد منها.
أما العام فيشمل جميع الأفراد التي تصلح للدخول تحته، ولا تبرأ الذمة إلا بفعل الجميع[32].
المطلب الثاني : تعريف المطلق عند علماء علوم القرآن
قال السيوطي: المطلق الدال على الماهية بلا قيد وهو مع المقيد كالعام مع الخاص[33] ونقل عنه ابن عقيلة المكي[34]
وأضاف ابن عقيلة فرقا بين العام والمطلق[35] وبين أن العام هو اللفظ المتناول لأفراد كثيرة وذكر أن المطلق على نوعين: الأول: أن يكون عاماً: ومثاله (فتحرير رقبة) المجادلة 3
والثاني: أن يكون غير عام ومثاله فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) المائدة فالأيدي مطلقة وقيدت بالمرافق
المطلب الثالث: تعريف المطلق عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
قال الشوكاني :المطلق: فقيل في حده: ما دل على شائع في جنسه. ومعنى هذا: أن يكون حصة محتملة لحصص كثيرة مما "يندرج"* تحت أمر. فيخرج من قيد الدلالة المهملات، ويخرج من قيد الشيوع العارف كلها، لما فيها من التعيين، إما شخصا، نحو: زيد وهذا، أو حقيقة، نحو: الرجل وأسامة، أو حصة، نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} 1، أو استغراقا نحو: الرجال، وكذا كل عام ولو نكرة، نحو: كل رجل ولا رجل.
وقيل في حده: هو ما دل على الماهية بلا قيد من حيث هي هي.
"قال في "المحصول" في حده: هو ما دل على الماهية من حيث هي هي"** من غير أن تكون له دلالة على شيء من قيوده، والمراد بها عوارض الماهية اللاحقة لها في الوجود.
وقد اعترض عليه بأنه جعل المطلق والنكرة سواء، وبأنه يرد عليه أعلام الأجناس، كأسامة وثعالة، فإنها تدل على الحقيقة من حيث هي هي.
وأجاب عن ذلك الأصفهاني في "شرحة المحصول": بأنه لم يجعل المطلق والنكرة سواء، بل غاير بينهما، فإن المطلق الدال على الماهية من حيث هي هي، والنكرة الدالة على الماهية بقيد الوحدة الشائعة.
قال: وإما إلزامه بعلم الجنس فمردود، بأنه وضع للماهية الذهنية بقيد التشخص الذهني، بخلاف اسم الجنس، وإنما يرد الاعتراض بالنكرة على الحد الذي أورده الآمدي للمطلق، فإنه قال: هو الدال على الماهية بقيد الوحدة. وكذا يرد الاعتراض بها على ابن الحاجب، فإنه قال في حده: هو ما دل على شائع في جنسه. وقيل: المطلق هو ما دل على الذات دون الصفات.
وقال الصفي الهندي: المطلق الحقيقي: ما دل على الماهية فقط، والإضافي مختلف، نحو: رجل، ورقبة، فإنه مطلق بالإضافة إلى رجل عالم، ورقبة مؤمنة، ومقيد بالإضافة إلى الحقيقي؛ لأنه يدل على واحد شائع، وهما قيدان زائدان على الماهية[36].
"الفرق بين العام والمطلق"
اعلم: أن العام عمومه شمولي، وعموم المطلق بدلي، وبهذا يصح الفرق بينهما، فمن أطلق على المطلق اسم العموم، فهو باعتبار أن موارده غير منحصرة، فصح إطلاق اسم العموم عليه "من هذه"* الحيثية.
والفرق بين عموم الشمول وعموم البدل، أن عموم الشمول كلي يحكم فيه على كل فرد، وعموم البدل كلي من حيث إنه لا يمنع تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه، ولكن لا يحكم فيه على كل فرد فرد، بل على فرد شائع في أفراده يتناولها على سبيل البدل، ولا يتناول أكثر من واحد منها دفعة.
قال في "المحصول": اللفظ الدال على الحقيقة من حيث هي هي من غير أن يكون فيها دلالة على شيء من قيود تلك الحقيقة، سلبًا كان ذلك القيد أو إيجابًا فهو المطلق، وأما اللفظ الدال على تلك الحقيقة مع قيد الكثرة فإن كانت الكثرة كثرة معينة بحيث لا تتناول ما يدل عليها فهو اسم العدد، وإن لم تكن الكثرة كثرة معينة فهو العام، وبهذا ظهر خطأ من قال المطلق هو الدال على واحد لا بعينه فإن كونه واحدًا وغير معين قيدان زائدان على الماهية. انتهى. فيجعل في كلامه هذا معنى المطلق عن التقييد، فلا يصدق إلا على الحقيقة من حيث هي هي، وهو غير ما عليه الاصطلاح عند أهل هذا الفن وغيرهم كما عرفت مما قدمنا.[37]
التطبيق :مثاله في فتح القدير: { عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } قد ذكرنا في مواضع أن { عسى } من الكريم إطماع واجب الوقوع ، وانتصاب { مقاماً } على الظرفية بإضمار فعل ، أو بتضمين البعث معنى الإقامة ، ويجوز أن يكون انتصابه على الحال أي : يبعثك ذا مقام محمود؛ ومعنى كون المقام محموداً : أنه يحمده كل من علم به . وقد اختلف في تعيين هذا المقام على أقوال : الأول أنه المقام الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس ليريحهم ربهم سبحانه مما هو فيه ، وهذا القول هو الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة في تفسير الآية ، وحكاه ابن جرير عن أكثر أهل التأويل ، قال الواحدي : وإجماع المفسرين على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة . القول الثاني : أن المقام المحمود إعطاء النبيّ لواء الحمد يوم القيامة . ويمكن أن يقال : إن هذا لا ينافي القول الأوّل ، إذ لا منافاة بين كونه قائماً مقام الشفاعة وبيده لواء الحمد . القول الثالث : أن المقام المحمود : هو أن الله سبحانه يجلس محمداً صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه ، حكاه ابن جرير عن فرقة منهم مجاهد ، وقد ورد في ذلك حديث . وحكى النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال : من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم ، ما زال أهل العلم يتحدّثون بهذا الحديث . قال ابن عبد البرّ : مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل ، فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم : أحدهما هذا ، والثاني في تأويل { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 23 ] . قال : معناه تنتظر الثواب ، وليس من النظر . انتهى . وعلى كل حال فهذا القول غير منافٍ للقول الأوّل لإمكان أن يقعده الله سبحانه هذا المقعد ويشفع تلك الشفاعة . القول الرابع : أنه مطلق في كل مقام يجلب الحمد من أنواع الكرامات ، ذكره صاحب الكشاف والمقتدون به في التفسير ، ويجاب عنه بأن الأحاديث الصحيحة الواردة في تعيين هذا المقام المحمود متواترة ، فالمصير إليها متعين ، وليس في الآية عموم في اللفظ حتى يقال : الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ومعنى قوله : « وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد » أنه عام في كل ما هو كذلك ، ولكنه يعبر عن العام بلفظ المطلق ، كما ذكره في ذبح البقرة ، ولهذا قال هنا . وقيل : المراد : الشفاعة ، وهي نوع واحد مما يتناوله ، يعني : لفظ المقام ، والفرق بين العموم البدليّ والعموم الشموليّ معروف ، فلا نطيل بذكره )[38].
وجه الدلالة: بين هنا الفرق بين العام والمطلق
لمبحث الثالث: تعريف المقيد
المقيد لغة : [ قيد ] ق ي د : القَيْدُ واحد القُيُودِ و قَيَّدَ الدابة تقييدا و قَيَّدَ الكتاب أيضا شكله وبينهما قِيدُ رمح بالكسر و قادُ رمح أي قدر رمح[39]
وقِيدَ قَيْداً بالكسر مبنياً للمجهول قُيِّدَ تَقييداً وقد قَيَّدَه وقَيَّدْت الدَّابَّةَ . يقال : فَرَسٌ عَبْلُ المُقَيَّدِ طَوِيل المُقَلَّد المُقَيَّد كمُعَظَّم : مَوْضِع القَيْدِ مِن رِجْلِ الفَرَسِ المُقَيَّدُ : مَوْضعُ الخَلْخَالِ مِن المرأَةِ . المُقَيَّدُ : ما قُيِّدَ مِن بعيرٍ ونَحْوِه مَقَايِيدُ وهؤلاءِ أَجْمَالٌ مَقَايِيدُ أَي مُقَيَّدَاتٌ[40]
وفي لسان العرب : المُقَيَّدُ موضع القَيْدِ من رِجْل الفرس والخلخال من المرأَة[41]
المطلب الأول: تعريف المقيد عند علماء أصول الفقه
يُقَابِلُ الْمُطْلَقَ "الْمُقَيَّدُ" وَهُوَ المتناول لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه...) هذا تعريف المقيد اصطلاحاً، ومعناه: أن اللفظ المقيد يدل على فرد من أفراد الحقيقة، ولكن اقترن به أمر زائد يدل على تقييده، وتقليل شيوعه "[42]
تعريف آخر: مَا تَنَاوَلَ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا بِزَائِد أَيْ بِوَصْفٍ زَائِدٍ "عَلَى حَقِيقَةِ جِنْسِهِ" نَحْوُ " شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَ " رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَهَذَا الرَّجُلُ.
وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ فِي تَقْيِيدِهِ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الْقُيُودِ وَكَثْرَتِهَا، فَمَا كَثُرَتْ فِيهِ قُيُودُهُ كَقَوْله تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} الآيَةَ أَعْلَى رُتْبَةً مِمَّا قُيُودُهُ أَقَلُّ.
"وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ" أَيْ الإِطْلاقُ وَالتَّقْيِيدُ "فِي لَفْظٍ" وَاحِدٍ "بِا" عْتِبَارِ "الْجِهَتَيْنِ" فَيَكُونَ اللَّفْظُ مُقَيَّدًا مِنْ وَجْهٍ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} قُيِّدَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ وَالإِيمَانُ فَتَتَعَيَّنُ الْمُؤْمِنَةُ لِلْكَفَّارَةِ، وَأُطْلِقَتْ مِنْ حَيْثُ مَا سِوَى الإِيمَان من الأَوْصَافِ، كَكَمَالِ الْخِلْقَةِ وَالطُّولِ وَالْبَيَاضِ وَأَضْدَادِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ, فَالآيَةُ مُطْلَقَةٌ فِي كُلِّ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَفِي كُلِّ كَفَّارَةٍ مُجْزِئَةٍ, مُقَيَّدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ الرِّقَابِ وَمُطْلَقِ الْكَفَّارَاتِ[43].
المطلب الثاني: تعريف المقيد عند علماء علوم القرآن
قال السيوطي :والفرق بين المعرف بأل وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيد والمطلق لأن المعرف بها يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة لا باعتبار قيد [44]
قال الزركشي: قاعدة : في الإطلاق والتقييد
إن وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه، وإلا فلا، والمطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده؛ لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب.
والضابط أن الله تعالى إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ثم ورد حكم آخر مطلقا نظر؛ فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به، وإن كان له أصل غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر.[45]
قال ابن حزم: وأما المقيد فإنه يطلق باعتبارين: الأول ما كان من الألفاظ الدالة على مدلول معين كزيد وعمرو وهذا الرجل ونحوه الثاني ما كان من الألفاظ دالاً على وصف مدلوله المطلق بصفة زائدة عليه كقولك دينار مصري ودرهم مكي وهذا النوع من المقيد وإن كان مطلقا في جنسه من حيث هو دينار مصري ودرهم مكي غير أنه مقيد بالنسبة إلى مطلق الدينار والدرهم فهو مطلق من وجه ومقيد من وجه[46].
مطلب الثالث:تعريف المقيد عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
قال الشوكاني:(وأما المقيد: فهو ما يقابل المطلق، على اختلاف هذه الحدود المذكورة في المطلق، فيقال فيه: هو ما دل لا على شائع في جنسه، فتدخل فيه المعارف والعمومات كلها، أو يقال في حده: هو ما دل على الماهية بقيد من قيودها، أو ما كان له دلالة على شيء من القيود)[47].
مثاله: قوله : (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ )النساء12{ أَو امرأة } معطوف على رجل مقيد بما قيد به ، أي : أو امرأة تورث كلالة[48]
المبحث الرابع حمل المطلق على المقيد
حمل المطلق على المقيد :
الدليل الشرعي المطلق إذا لم يرد ما يقيده يجب حمله على إطلاقه، كما أن العام إذا لم يرد ما يخصصه يجب حمله على عمومه.
وإذا ورد ما يدل على تقييد المطلق وجب حمل المطلق على المقيد.
والمراد بهذا المصطلح (حمل المطلق على المقيد) أن المجتهد إذا نظر في الدليل فوجده من حيث وضعه اللغوي مطلقا، ولكنه وجد دليلا آخر في اللفظ أو في لفظ آخر مستقل يقيد إطلاق ذلك المطلق، وجب عليه أن يفهم المطلق على ما يقتضيه دليل التقييد.
فالحمل معناه : الفهم، وحمل المطلق على المقيد، معناه : فهم الدليل المطلق لفظا على ما يقتضيه الدليل المقيد له فيكون المعنى الشرعي المقصود من المطلق هو المعنى المقصود من المقيد[49].
المطلب الأول:حمل المطلق على المقيد عند علماء أصول الفقه
نذكر هنا محل الاختلاف
ونعني بمحل الاختلاف هنا أحوال المطلق والمقيد التي اختلف الأصوليون في حكم حمل المطلق على المقيد فيها، فيتضمن هذا المطلب الصور والحالات الآتية: إذا ورد لفظان مطلق ومقيد فهو على أربعة أقسام
فالمطلق والمقيد لهما أربع حالات :
الأولى : أن يتحد حكمها وسببهما .
الثانية : أن يتحد الحكم ويختلف السبب .
الثالثة : أن يتحد السبب ويختلف الحكم .
الرابعة : أن يختلفا معاً .
الحال الأولى :ان اتحد السبب والحكم وجب حمل المطلق على المقيد خلافاً لأبي حنيفة . ومثاله : حرمت عليكم الميتة والدم , مع قوله : أو دماً مسفوحاً .
وحجة أبي حنيفة : أن الزيادة على النص نسخ .
وان اتحد الحكم واختلف السبب كقوله في كفارة القتل : رقبة مؤمنة , مع قوله في اليمين والظهار: رقبة فقط .
فقيل : يحمل المطلق على المقيد فيشترط الإيمان في رقبة الظهار واليمين , وعزاه المؤلف للمالكية وبعض الشافعية واختيار القاضي . وقيل : لا يحمل عليه . وعزاه المؤلف لجل الحنفية , وبعض الشافعية , وأبي إسحاق بن شاقلا . ونقل عن أحمد ما يدل عليه .
الحال الثانية: الاتحاد حكماً والاختلاف سبباً:
ومن أمثلة هذه الحال قوله -تعالى- في كفارة القتل الخطأ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} سورة النساء آية: 92.
، مع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}) سورة المجادلة آية: 3.
فقد ورد لفظ الرقبة في الآية الأولى مقيداً بالإيمان، وورد في الآية الثانية مطلقاً عن ذلك القيد، والحكم فيهما واحد، وهو الأمر بتحرير رقبة، والسبب فيهما مختلف؛ إذ هو في الآية الأولى القتل الخطأ، وفي الآية الثانية الظهار مع إرادة العود لما قال.
وقد اختلف علماء الأصول في حكم حمل المطلق على المقيد في هذه الحال وأمثالها:
1- فمن يرى أن بين المطلق والمقيَّد تعارضاً لاتحاد الحكم فيهما يقول: يدفع هذا التعارض بطريق حمل المطلق على المقيد، وهذا هو مذهب جمهور الأصوليين الذين يرون أن اتحاد الحكم يكون كافياً لوجود التعارض بينهما، ومن ثم القول بحمل المطلق على المقيد فيهما.
2- ومن لا يرى أن بينهما تعارضاً، لاختلاف السبب فيهما يقول: بمنع حمل المطلق على المقيد هنا؛ لأن من شرط حمل المطلق على المقيد وجود التنافي بين المطلق والمقيد، ومع الاختلاف في السبب لا يتحقق التنافي فيعمل بكل من المطلق والمقيد في الموضع الذي ورد فيه، فالمطلق يعمل به على إطلاقه، والمقيد يعمل به مع قيده، حتى يرد الدليل الصارف عن ذلك من خارج اللفظ المطلق أو المقيد، وهذا هو مذهب الحنفية، لكن الجمهور الذين قالوا بحمل المطلق على المقيد في هذه الحال، اختلفوا في موجب الحمل ما هو؟ أهو اتحاد المطلق والمقيد في اللفظ فيكون حملاً من طريق اللغة، أم أن موجب الحمل وجود علة جامعة بين المطلق والمقيد؟ فيكون الحمل في هذه الحال وأمثالها عن طريق القياس.
وبناء على هذا التفصيل للجمهور يكون لعلماء الأصول في حكم هذه الحال ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول:
القول بمنع حمل المطلق على المقيد مطلقاً، أي: سواء أكان بطريق اللغة أم القياس، وبه قال جمهور الحنفية وحكي عن بعض علماء المالكية والحنابلة.
المذهب الثاني:
وهذا يخالف ما اختاره ابن الحاجب، فليحقق ذلك ويحرر مذهب المالكية في هذه المسألة.
المذهب الثالث:
القول بحمل المطلق على المقيد بطريق القياس المستجمع لشروطه وأركانه، وهو قول المحققين من الشافعية والمالكية والحنابلة.
أدلة المذاهب:
أولاً: أدلة القائلين بالمنع مطلقاً.
استدل القائلون بمنع حمل المطلق على المقيد في حال اتحاد الحكم واختلاف السبب بعدة أدلة منها:
1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
قال المرداوي: "وإن اختلف سببهما كالرقبة في الظهار والقتل حمل المطلق عليه قياساً بجامع بينهما عند أحمد وأصحابه"
ومن هذه الأقوال عن أئمة المذهب الحنبلي يظهر أن حمل المطلق على المقيد بجامع في مثل هذه الحال هو مذهب أكثر أصحاب أحمد والمحققين منهم، وأما رواية الحمل بطريق اللغة فليست أمراً قاطعاً، بل الظاهر أنه اجتهاد من أبي يعلى حيث يقول بعدها - والظاهر أنه بني من طريق اللغة.
وقالوا أيضاً: إن معنى هذه الآية هو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم".
وأجاب الجمهور عن ذلك بأن قالوا: لا دلالة في الآية والحديث على منع حمل المطلق على المقيد؛ لأن الآية الكريمة والحديث الشريف وردا حثاً للمسلمين على التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت السؤال، ونهياً لهم عن أن يسألوا عما ترك الرسول تفصيل حكمه، لئلا يودي سؤالهم إلى نزول تكاليف تشق عليهم وتعنتهم، ولم يكن هناك مقيد شرعه الشارع رجعوا إليه ليعرفوا منه حكم المطلق، وإنما سألوا عن تقييد الحكم ابتداء كما في قصة الرجل الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن فريضة الحج، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".
وقد ذكر ابن كثير
هذه الحادثة سبباً لنزول الآية السابقة فمثل: هذه الأسئلة هي التي ورد النهي عنها، أما الرجوع إلى المقيد ليعلم منه حكم المطلق، لما بينهما من علاقة بعد أن تم الدين وانقطع الوحي فلا يتجه إليه النهي، بل هو التفقه في الدين حسب قواعد استنباط الأحكام، وقد أمرنا الله بسؤال العلماء عما خفي علينا حُكْمُه قال -تعالى-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، فهذه الآية صريحة في وجوب السؤال عما خفي حكمه، فلا يكون منهياً عنه، كما ادعى هذا الفريق.
واستدلوا ثانياً:
وقالوا: لو حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم واختلاف السبب للزم من ذلك أمران محظوران.
أولهما:
مخالفة ما هو الأصل في المطلق والمقيد من غير حاجة، وبيان ذلك أن حمل المطلق على المقيد لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن العمل بكل منهما مستقلاً، وذلك عندما يكون بينهما تناف، ويكون العمل بكل واحد منهما على حدة مدعاة إلى التناقض، وهذه الحال بمأمن من ذلك، لأن السبب فيهما مختلف(3)، ومع اختلاف السبب لا يوجد التنافي والتضاد، بل قد يكون الداعي إلى الإطلاق والتقييد هو اختلاف السب فيهما(4)، وبناء على ذلك يكون حمل المطلق على المقيد في هذه الحال حملاً من غير حاجة، فلا يجوز لمخالفته لما هو الأصل فيهما، وهو بقاء المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده.
الأمر الثاني:
أن حمل المطلق على المقيد في هذه الحال وأمثالها يؤدي إلى التضييق والحرج وكلاهما مناف للشريعة السمحة، بيان ذلك أن المطلق فيه توسعة على المكلف حيث يقتضي خروجه عن العهدة بالإتيان بالفرد الذي توفر فيه القيد أو غيره، وفي إلزامه بالفرد المقيد الذي يتضمنه حمل المطلق على المقيد تضييق وحرج، وهذا ينافي مبدأ التسامح والتيسير في الشرع، فلا يصار إليه، لقوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}سورة الحج آية: 78.
وقد أجيب عن الأمر الأول:
بأن ما يقتضي حمل المطلق على المقيد متحقق وموجود في هذه الحال، وهو مطلق التنافي، ذلك أن المطلق والمقيد قد وردا في حكم واحد، والحكم الواحد لا يكون مطلقاً ومقيداً في آن واحد للتنافي بينهما، وهذا يستدعي جعل المقيد أصلاً يبنى عليه المطلق، ويبين بواسطته، لسكوت المطلق عن القيد، ونطق المقيد به، وهذا ما يجعل القيد ذا فائدة متوخاة.
علماً أن الجامع المقتضى للقياس الصحيح موجود في هذه المسألة، وهو في كفارة الظهار والقتل الخطأ التكفير بتحرير رقبة واجبة.
وأما الاعتراض الثاني: وهو لزوم الحمل التضييق والحرج.
فإنما يتجه على مذهب القائلين بالحمل مطلقاً أي: لمجرد وجود مطلق ومقيد لغويين في الكتاب والسنة، وهذا الاتجاه على مذهبهم لا يضر الجمهور؛ لأن مذهب القائلين بالحمل عن طريق اللغة مردود.
وأما على رأي المحققين من الجمهور الذين يقولون إن حمل المطلق على المقيد في هذه الحال موقوف على وجود الدليل؛ فلا يرد عليهم القول بأن في حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة تضييقاً بدون أمر الشارع، وذلك لما نقل الإمام الرازي عنهم: "أنهم لا يدعون وجوب الحمل في مثل هذه الحال مطلقاً، بل يقولون: إذا توفر القياس الصحيح وكانت علته ثابتة، بطريق مقطوع به -كالنص والإجماع، جاز أن يحمل المطلق على المقيد وإلاَّ فلا.
وعليه فليس هناك أي تناف بين الدليل الذي يقتضي حمل المطلق على المقيد، وقاعدة نفي الحرج عن الشرع، لأن الجمع بينهما ممكن وميسور، ذلك أن القواعد الكلية في الشريعة، غالباً ما يرد عليها التخصيص والاستثناء، فيكون دليل جواز الحمل في هذه الصورة مخصصاً لتلك القاعدة العامة
الحال الثالثة: اختلف الحكم والسبب معاً فلا خلاف في عدم حمله عليه .
والحال الرابعة: ان اختلف الحكم واتحد السبب فبعض العلماء يقول في هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد كما قبلها , ومثلوا له , بصوم الظهار وعتقه فانهما مقيدان بقوله : من قبل أن يتماسا , واطعامه مطلق عن ذلك يقيد بكونه قبل المسيس , حملا للمطلق على المقيد لاتحاد السبب , ومثل له اللخمي بالإطعام في كفارة اليمين حيث قيد في قوله من أوسط ما تطعمون أهليكم وأطلقت الكسوة عن القيد بذلك في قوله : أو كسوتهم, فيحمل المطلق على المقيد فيشترط في الكسوة أن تكون من أوسط ما تكسون أهليكم .
وحمل المطلق على المقيد , قيل من أساليب اللغة لأن العرب يثبتون ويحذفون اتكالا على المثبت ،وقيل بالقياس , وقيل بالعقل وهو أضعفها [50]".
المطلب الثاني: حمل المطلق على المقيد عند علماء علوم القرآن
قال السيوطي: تنبيهات
الأول: إذا قلنا بحمل المطلق على المقيد فهل هو من وضع اللغة أو بالقياس مذهبان
الأول أن العرب من مذهبها استحباب الإطلاق إكتفاء بالمقيد وطلبا للإيجاز والإختصار
الثاني: ما تقدم محله إذا كان الحكمان بمعنى واحد وإنما اختلفا في الإطلاق والتقييد فأما إذا حكم في شيء بأمور ثم في أخر ببعضها وسكت فيه عن بعضها فلا يقتضى الإلحاق كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة في الوضوء وذكر في التيمم عضوين فلا يقال بالحمل ومسح الرأس والرجلين بالتراب فيه أيضا وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام في كفارة الظهار واقتصر في كفارة القتل على الأولين ولم يذكر الإطعام فلا يقال بالحمل وإبدال الصيام بالطعام.
قال الزركشي اختلف الأصوليون في أن حمل المطلق على المقيد: هل هو من وضع اللغة أو بالقياس على مذهبين، والأولون يقولون: العرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالمقيد وطلبا للإيجاز والاختصار[51]
المطلب الثالث:حمل المطلق على المقيد عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
قال الشوكاني :حمل المطلق على المقيد :(اعلم: أن الخطاب إذا ورد مطلقًا لا "مقيد له"* حمل على إطلاقه، وإن ورد مقيدًا حمل على تقييده، وإن ورد مطلقًا في موضع، مقيدًا في موضع آخر، فذلك على أقسام:
الأول:
أن يختلفا في السبب والحكم، فلا يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق، كما حكاه القاضي أبوبكر الباقلاني: وإمام الحرمين الجويني، وإلكيا الهراس، وابن برهان، والآمدي وغيرهم.
القسم الثاني:
أن يتفقا في السبب والحكم فيحمل أحدهما على الآخر، كما لو قال: إن ظاهرت فأعتق رقبة؛ وقال في موضوع آخر: إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة. وقد نقل الاتفاق في هذا القسم القاضي أبو بكر الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب، وابن فورك وإلكيا الطبري وغيرهم.
وقال ابن برهان في "الأوسط" اختلف أصحاب أبي حنيفة في هذا القسم، فذهب بعضهم إلى أنه لا يجمل، والصحيح من مذهبهم أنه يحمل، ونقل أبو زيد الحنفي وأبو منصور الماتريدي في "تفسيره": أن أبا حنيفة يقول بالحمل في هذه الصورة، وحكي "الطرطوسي" الخلاف فيه
عن المالكية، وبعض الحنابلة، وفيه نظر، فإن من جملة من نقل الاتفاق القاضي عبد الوهاب، وهو من المالكية.
ثم بعد الاتفاق المذكور وقع الخلاف بين المتفقين، فرجح ابن الحاجب وغيره أن هذا الحمل هو بيان للمطلق، أي: دال على أن المراد بالمطلق هو المقيد، وقيل: إنه يكون نسخًا، أي: دالا على نسخ حكم المطلق السابق بحكم المقيد اللاحق، والأول أولى. وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق في هذا القسم بين أن يكون المطلق متقدمًا أو متأخرًا، أو جهل السابق، فإنه يتعين الحمل، كما حكاه الزركشي.
القسم الثالث:
أن يختلفا في السبب دون الحكم، كإطلاق الرقبة في كفارة الظهار وهي الواردة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا...} الآية، المجادلة 3.
،وتقييدها بالإيمان في كفارة القتل وهي الواردة في قوله تعالى: {...وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ...} الآية، النساء 92، فالحكم واحد وهو وجوب الإعتاق في الظهار والقتل، مع كون الظهار والقتل سببين مختلفين، فهذا القسم هو موضع الخلاف.
فذهب كافة الحنفية إلى عدم جواز التقييد، وحكاه القاضي عبد الوهاب عن أكثر المالكية.
وذهب جمهور الشافعية إلى التقييد.
وذهب جماعة من محققي الشافعية إلى أنه يجوز تقييد المطلق بالقياس على ذلك المقيد، ولا يُدعى وجوب هذا القياس، بل يدعى أنه إن حصل القياس الصحيح ثبت التقييد وإلا فلا.
قال الرازي في "المحصول": وهو القول المعتدل، قال: واعلم أن صحة هذا القول إنما تثبت إذا أفسدنا القولين الأولين، أما الأول -يعني مذهب جمهور الشافعية- فضعيف جدًّا؛ لأن الشارع لو قال: أوجبت في كفارة القتل رقبة مؤمنة، وأوجبت في كفارة الظهار رقبة كيف كانت لم يكن أحد الكلامين مناقضا للآخر، فعلمنا أن تقييد أحدهما لا يقتضي تقييد الآخر لفظا.
وقد احتجوا بأن القرآن كالكلمة الواحدة، وبأن الشهادة لما قيدت بالعدالة مرة واحدة، وأطلقت في سائر الصور، حملنا المطلق على المقيد فكذا ههنا.
والجواب عن الأول: بأن القرآن كالكلمة الواحدة في أنها لا تتناقض لا في كل شيء، وإلا وجب أن يتقيد كل عام ومطلق بكل خاص ومقيد.
وعن الثاني: أنَّا إنما قيدناه بالإجماع.
وأما القول الثاني -يعني مذهب الحنفية- فضعيف؛ لأن دليل القياس، وهو أن العمل به دفع
للضرر المظنون عام في كل الصور. انتهى.
قال إمام الحرمين الجويني -في دفع ما قاله من أن كلام الله في حكم الخطاب الواحد-: إن هذا الاستدلال من فنون الهذيان، فإن قضايا الألفاظ في كتاب الله مختلفة متباينة، لبعضها حكم التعلق والاختصاص، ولبعضها حكم الاستقلال والانقطاع. فمن ادعى تنزيل جهات الخطاب على حكم كلام واحد، مع العلم بأن كتاب الله فيه النفي والإثبات، والأمر والزجر، والأحكام المتغايرة؛ فقد ادعى أمرا عظيما. انتهى.
ولا يخفاك أن اتحاد الحكم بين المطلق والمقيد يقتضى حصول التناسب بينهما بجهة الحمل، ولا نحتاج في مثل ذلك إلى هذا الاستدلال البعيد. فالحق ما ذهب إليه القائلون بالحمل.
وفي المسألة مذهب رابع لبعض الشافعية، وهو أن حكم المطلق بعد المقيد من جنسه موقوف على الدليل، فإن قام الدليل على تقييده قيد، وإن لم يقم الدليل صار كالذي لم يرد فيه نص، فيعدل عنه إلى غيره من الأدلة.
قال الزركشي: وهذا أفسد المذاهب؛ لأن النصوص المحتملة يكون الاجتهاد فيها عائدا إليها، ولا يعدل إلى غيره.
وفي المسألة مذهب خامس: وهو أن يعتبر أغلظ الحكمين في "المطلق و"* المقيد، فإن كان حكم المقيد أغلظ حمل المطلق على المقيد.
ولا يحمل على إطلاقه إلا بدليل؛ لأن التغليظ إلزام، وما تضمنه الإلزام لا يسقط التزامه باحتمال.
قال الماوردي: وهذا أولى المذاهب. قلت: بل هو أبعدها من الصواب.
القسم الرابع:
أن يختلفا معا في الحكم، نحو: اكس يتيما، أطعم يتيما عالما، فلا خلاف في أنه لا يحمل أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه، سواء كانا مثبتين أو منفيين أو مختلفين، اتحد سببهما أو اختلف. "وقد حكى الإجماع جماعة من المحققين آخرهم ابن الحاجب.[52]
إذا قول الشوكاني هو مؤيد لرأي الجمهور وراد على القول بالحمل عن طريق اللغة: بدلالة قوله"ولا يخفاك أن اتحاد الحكم بين المطلق والمقيد يقتضي حصول التناسب بينهما بجهة الحمل، ولا نحتاج في مثل ذلك إلى هذا الاستدلال البعيد، فالحق ما ذهب إليه القائلون بالحمل" أي قياسا[53]ً
مثاله من فتح القدير:إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ المائدة33
وإذا عرفت ما هو الظاهر من معنى هذه الآية ، على مقتضى لغة العرب التي أمرنا بأن نفسر كتاب الله وسنة رسوله بها ، فإياك أن تغترّ بشيء من التفاصيل المروية ، والمذاهب المحكية ، إلا أن يأتيك الدليل الموجب لتخصيص هذا العموم أو تقييد هذا المعنى المفهوم من لغة العرب ، فأنت وذاك اعمل به ، وضعه في موضعه ، وأما ما عداه :
فدع عنك نهباً صيح في حجراته ... وهات حديثا ما حديث الرواحل[54]
المبحث الخامس : شروط حمل المطلق على المقيد
اشترط بعض العلماء شروطا في حمل المطلق على المقيد مع خلاف في ذلك وهو ما يتعلق بهذا المبحث.
المطلب الأول :شروط حمل المطلق على المقيد عند علماء أصول الفقه
ولو أمعنا النظر لوجدنا أن الشروط التي هي محل اتفاق لدى أكثر الأصوليين، أغلبها مأخوذ من إرشاد الفحول للشوكاني لذا سأكتفي بذكرها هناك.
وسأكتفي هنا بذكر أظهر الشروط لصحة حمل المطلق على المقيد عند الشافعية
وهي أكثر المذاهب عملا بحمل المطلق على المقيد وهي ما يلي:
1 ـ أن يكون القيد من باب الصفات، كالإيمان في الرقبة، ولا يصح أن يكون في إثبات زيادة لم ترد في المطلق، ولذلك لا يصح أن يقال: يجب أن يُيَمم الرجلين والرأس إذا أراد التيمم.
2 ـ أن لا يعارض القيد قيدٌ آخر، فإن عارضه قيد آخر لجأ المجتهد إلى الترجيح[55].
ذكر الزركشي في البحر المحيط شُرُوطُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ على الْمُقَيَّدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فقال: ( إذَا عَلِمْت ذلك فَلِحَمْلِ الْمُطْلَقِ على الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا على الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ شُرُوطٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْدُ من بَابِ الصِّفَاتِ كَالْإِيمَانِ مع ثُبُوتِ الذَّوَاتِ في الْمَوْضِعَيْنِ فَأَمَّا في إثْبَاتِ أَصْلِ الْحُكْمِ من زِيَادَةٍ خَارِجَةٍ أو عَدَدٍ فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ وَهَذَا كَالْإِطْعَامِ في كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فإن أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنْ ذَكَرَهُ اللَّهُ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ هذا إنَّمَا هو إثْبَاتُ الْحُكْمِ لَا صِفَة)[56]
المطلب الثاني: شروط حمل المطلق على المقيد عند علماء علوم القرآن
قال السيوطي: والضابط أن الله إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ثم ورد حكم آخر مطلقا نظر فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به وإن كان له أصل غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر فالأول مثل اشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والفرق والوصية في قوله وأشهدوا ذوى عدل منكم وقوله شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم وقد أطلق الشهادة في البيوع وغيرها في قوله وأشهدوا إذا تبايعتم فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم
والعدالة شرط في الجميع
- ومثل تقييده ميراث الزوجين بقوله من بعد وصية يوصي بها أو دين وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه
- وكذلك ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين
- وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرقبة المؤمنة وإطلاقها في كفارة الظهار واليمين والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة[57]
قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن:(إن وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه، وإلا فلا، والمطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده؛ لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب).
ثم ذكر لذلك ضابطا فقال :(الضابط أن الله تعالى إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ثم ورد حكم آخر مطلقا نظر؛ فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به، وإن كان له أصل غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر.
فالأول مثل اشتراط الله العدالة في الشهود على الرجعة والفراق والوصية، وإطلاقه الشهادة في البيوع وغيرها، والعدالة شرط في الجميع.
ومنه تقييد ميراث الزوجين بقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه، وكان ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين.
وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرقبة المؤمنة، وأطلقها في كفارة الظهار واليمين، والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة.
وكذلك تقييد الأيدي إلى المرافق في الوضوء، وإطلاقه في التيمم.
وكذلك: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} فأطلق الإحباط عليه وعلقه بنفس الردة، ولم يشترط الموافاة عليه.
وقال في الآية الأخرى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} وقيد الردة بالموت عليها والموافاة على الكفر، فوجب رد الآية المطلقة إليها وألا يقضي بإحباط الأعمال إلا بشرط الموافاة عليها؛ وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه، وإن كان قد تورع في هذا التقرير.
ومن هذا الإطلاق تحريم الدم وتقييده في موضع آخر بالمسفوح.
وقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} وقال في موضع آخر: {مِنْهُ}.
وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} فإنه لو قيل: نحن نرى من يطلب الدنيا طلبا حثيثا ولا يحصل له منها شيء! قلنا: قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} فعلق ما يريد بالمشيئة والإرادة.
ومثله قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، فإنه معلق).
ثم نبه على تنبيه:
فقال:(اختلف الأصوليون في أن حمل المطلق على المقيد: هل هو من وضع اللغة أو بالقياس على مذهبين، والأولون يقولون: العرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالمقيد وطلبا للإيجاز والاختصار؛ وقد قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}.
والمراد "عن اليمين قعيد" ولكن حذف لدلالة الثاني عليه.
وزعم بعضهم أن القرآن كالآية الواحدة؛ لأن كلام الله تعالى واحد فلا بعد أن يكون المطلق كالمقيد.
قال إمام الحرمين: وهذا غلط لأن الموصوف بالاتحاد الصفة القديمة المختصة بالذات، وأما هذه الألفاظ والعبارات فمحسوس تعددها، وفيها الشيء ونقيضه، كالإثبات والنفي، والأمر والنهي، إلى غير ذلك من أنواع النقائض التي لا يوصف الكلام القديم بأنه اشتمل عليها.
والثاني: كإطلاق صوم الأيام في كفارة اليمين، وقيدت بالتتابع في كفارة الظهار والقتل، وبالتفريق في صوم التمتع، فلما تجاذب الأصل تركناه على إطلاقه)[58].
المطلب الثالث: شروط حمل المطلق على المقيد عند الشوكاني مع التطبيق في ضوء فتح القدير
قال الشوكاني[59]:اشترط القائلون بالحمل شروطًا سبعة:
الأول:
أن يكون المقيد من باب الصفات، مع ثبوت الذوات في الموضعين، فأما في إثبات أصل الحكم من زيادة أو عدد فلا يحمل أحدهما على الآخر، وهذا كإيجاب غسل الأعضاء الأربعة في الوضوء، مع الاقتصار على عضوين في التيمم، فإن الإجماع منعقد على أنه لا يحمل إطلاق التيمم على تقييد الوضوء، حتى يلزم التيمم في الأربعة الأعضاء، لما فيه من إثبات حكم لم يذكر، وحمل المطلق على المقيد يختص بالصفات.
وممن ذكر هذا الشرط القفال الشاشي، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، والماوردي، والروياني، ونقله الماوردي عن الأبهري من المالكية، ونقل الماوردي أيضًا عن ابن خيران من الشافعية: أن المطلق يحمل على المقيد في الذات، وهو قول باطل.
مثاله من فتح القدير:
قوله : { فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } هذا المسح مطلق ، يتناول المسح بضربة أو ضربتين ، ويتناول المسح إلى المرفقين أو إلى الرسغين ، وقد بينته السنة بياناً شافياً ، وقد جمعنا بين ما ورد في المسح بضربة ، وبضربتين ، وما ورد في المسح إلى الرسغ وإلى المرفقين في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره [60].
وجه الدلالة :إن هذه قيود ذكرت في السنة تبين مقدار الضرب وموضع المسح وهي صفات .
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ المائدة 6 {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر } [ البقرة : 185 ] ويقول : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 87 ] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : « الدين يسر » ويقول : « يسروا ولا تعسروا » وقال : « قتلوه قتلهم الله » ويقول : « أمرت بالشريعة السمحة » فإذا قلنا : إن قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع كان وجه التنصيص على المرض هو أنه يجوز له التيمم ، والماء حاضر موجود إذا كان استعماله يضرّه ، فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله لا يضرّه ، فإن في مجرّد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون مظنة لعجزه عن الطلب ، لأنه يلحقه بالمرض نوع ضعف . وأما وجه التنصيص على المسافر ، فلا شك أن الضرب في الأرض مظنة لإعواز الماء في بعض البقاع دون بعض[61] .
وجه الدلالة :المرض هذا قيد مهم في الصفة وهو منصوص عليه في الآية
قوله : { والدم } 173البقرة قد اتفق العلماء على أن الدم حرام وفي الآية الأخرى : { أو دما مسفوحا } الأنعام 145فيحمل المطلق على المقيد لأن ما خلط باللحم غير محرم قال القرطبي : بالإجماع وقد روت عائشة أنها كانت تطبخ اللحم فتعلو الصفرة على البرمة من الدم فيأكل ذلك النبي صلى الله عليه و سلم ولا ينكره[62]
وجه الدلالة حمل المطلق في الدم بصفة مسفوح وليس أصل الدم .
الشرط الثاني :
أن لا يكون للمطلق إلا أصل واحد، كاشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والوصية، وإطلاق الشهادة في البيوع وغيرها، فهي شرط في الجميع، وكذا تقييد ميراث الزوجين بقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 12 من سورة النساء. ، وإطلاق الميراث فيما أطلق فيه، فيكون ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين، فأما إذا كان المطلق دائرًا بين قيدين متضادين نظر، فإن كان السبب مختلفا لم يحمل إطلاقه على أحدهما إلا بدليل، فيحمل على ما كان القياس عليه أولى، أو ما كان دليل الحكم عليه أقوى.
وممن ذكر هذا الشرط الأستاذ أبو منصور، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "اللمع" والماوردي، وحكى القاضي عبد الوهاب الاتفاق على اشتراطه. قال الزركشي: وليس كذلك، فقد حكى القفال الشاشي فيه خلافا لأصحابنا، ولم يرجح شيئًا.
مثاله من فتح القدير:
قال الشوكاني في شهادة الوصية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ المائدة106 وحاصل ما تضمنه هذا المقام من الكتاب العزيز ، أن من حضرته علامات الموت أشهد على وصيته عدلين من عدول المسلمين ،[63]
وقال { وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ } على الرجعة ، وقيل : على الطلاق ، وقيل : عليهما قطعاً للتنازع ، وحسماً لمادة الخصومة ، والأمر للندب ، كما في قوله : { وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } وقيل : إنه للوجوب ، وإليه ذهب الشافعي[64]
وجه الدلالة: حمل المطلق في الشهادة في البيع على المقيد في الرجعة والوصية
وقال الشوكاني في الوصية كذلك والديون : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } الكلام فيه ، كما تقدم . قوله : { غَيْرَ مُضَارّ } أي : يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار ، كأن يقرّ بشيء ليس عليه ، أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة . أو يوصي لوارث مطلقاً ، أو لغيره بزيادة على الثلث ، ولم تجزه الورثة ، وهذه الوصية مقيدة بقوله تعالى : { غَيْرَ مُضَارّ } وهذا القيد أعني قوله : { غَيْرَ مُضَارّ } راجع إلى الوصية ، والدين المذكورين ، فهو قيد لهما ، فما صدر من الإقرارات بالديون ، أو الوصايا المنهي عنها له ، أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته ، فهو باطل مردود لا ينفذ منه شيء ، لا الثلث ، ولا دونه . قال القرطبي : وأجمع العلماء على أن الوصية للوارث لا تجوز . انتهى . وهذا القيد أعني عدم الضرار هو قيد لجميع ما تقدّم من الوصية والدين . قال أبو السعود في تفسيره : وتخصيص القيد بهذا المقام لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم [65].
وجه الدلالة :إنه قيد جميع الوصايا والديون بأن تكون بعد قضاء دين أو تنفيذ وصية لا إضرار فيها
الشرط الثالث:
أن يكون في باب الأوامر والإثبات. أما في جانب النفي والنهي فلا؛ فإنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النفي والنهي، وهو غير سائغ.
وممن ذكر هذا الشرط الآمدي، وابن الحاجب، وقالا: لا خلاف في العمل بمدلولهما والجمع بينهما؛ لعدم التعذر، فإذا قال: لا تعتق مكاتبا، لا تعتق مكاتبا كافرا "لم يعتق مكاتبا كافرًا" ولا مسلمًا؛ إذ لو أ عتق واحدًا منهما لم يعمل بهما. وأما صاحب "المحصول" فسوى بين الأمر والنهي، ورد عليه القرافي بمثل ما ذكره الآمدي وابن الحاجب. وأما الأصفهاني فتبع صاحب "المحصول"، وقال: حمل المطلق على المقيد لا يختص بالأمر والنهي، بل يجري في جميع أقسام الكلام.
قال الزركشي: وقد يقال: لا يتصور توارد المطلق والمقيد في جانب النفي والنهي، وما ذكروه من المثال إنما هو من قبيل إفراد بعض مدلول العام، وفيه ما تقدم من خلاف أبي ثور، فلا وجه لذكره ههنا. انتهى.
والحق: عدم الحمل في النفي والنهي، وممن اعتبر هذا الشرط ابن دقيق العيد، وجعله أيضًا شرطًا في بناء العام على الخاص.
مثاله في فتح القدير في الأوامر(يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وجملة : { إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ } : تعليل لما قبلها من الأمر باجتناب كثير من الظنّ ، وهذا البعض هو ظنّ السوء بأهل الخير ، والإثم هو : ما يستحقه الظانّ من العقوبة . ومما يدل على تقييد هذا الظنّ المأمور باجتنابه بظنّ السوء قوله تعالى : { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } [ الفتح : 12 ] فلا يدخل في الظنّ المأمور باجتنابه شيء من الظنّ المأمور باتباعه في مسائل الدين ، فإن الله قد تعبد عباده باتباعه ، وأوجب العمل به جمهور أهل العلم ، ولم ينكر ذلك إلاّ بعض طوائف المبتدعة كياداً للدّين ، وشذوذاً عن جمهور المسلمين ، وقد جاء التعبد بالظنّ في كثير من الشريعة المطهرة بل في أكثرها[66]
وجه الدلالة: تقييد الأمر باجتناب الظن بظن السوء.
مثال آخر في الأوامر قال : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } استعفّ : طلب أن يكون عفيفاً أي : ليطلب العفة عن الزنا والحرام من لا يجد نكاحاً أي : سبب نكاح ، وهو المال . وقيل : النكاح هنا ما تنكح به المرأة من المهر والنفقة كاللحاف اسم لما يلتحف به ، واللباس اسم لما يلبس ، وقيد سبحانه بتلك الغاية ، وهي : { حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ }[67]
وجه الدلالة :تقييد أمر الاستعفاف إلى قيد الاستغناء.
مثال في الاثبات فقال : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ } أي : لا تمتنعوا من تزويج الأحرار بسبب فقر الرجل والمرأة أو أحدهما ، فإنهم إن يكونوا فقراء يغنهم الله سبحانه ويتفضل عليهم بذلك . قال الزجاج : حثّ الله على النكاح ، وأعلم أنه سبب لنفي الفقر ، ولا يلزم أن يكون هذا حاصلاً لكل فقير إذا تزوّج ، فإن ذلك مقيد بالمشيئة .
وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوّجوا . وقيل : المعنى إنه يغنيه بغنى النفس ، وقيل : المعنى إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله من فضله بالحلال ليتعففوا عن الزنا . والوجه الأوّل أولى ، ويدلّ عليه قوله سبحانه : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَاء } [ التوبة : 28 ] . فيحمل المطلق هنا على المقيد هناك[68]
وجه الدلالة :حمل المطلق من الغنى الحاصل للمتزوج على التقييد بالمشيئة.
ومثال آخر في الإثبات قال: { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم } معنى قوله : { في الدنيا والآخرة } أنه لا يبقى له حكم المسلمين في الدنيا فلا يأخذ شيئا مما يستحقه المسلمون ولا يظفر بحظ من حظوظ الإسلام ولا ينال شيئا من ثواب الآخرة الذي يوجبه الإسلام ويستحقه أهله وقد اختلف أهل العلم في الردة هل تحبط العمل بمجردها أم لا تحبط إلا بالموت على الكفر والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد[69]
وجه الدلالة: تقييد ما أطلق في آيات الردة بما في هذه الآية.
مثاله في النفي تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ قال مجاهد : لا تخافوا الموت ، ولا تحزنوا على أولادكم ، فإن الله خليفتكم عليهم . وقال عطاء : لا تخافوا ردّ ثوابكم ، فإنه مقبول ، ولا تحزنوا على ذنوبكم ، فإني أغفرها لكم والظاهر عدم تخصيص تنزل الملائكة عليهم بوقت معين ، وعدم تقييد نفي الخوف ، والحزن بحالة مخصوصة كما يشعر به حذف المتعلق في الجميع { وَأَبْشِرُواْ بالجنة التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } بها في الدنيا ، فإنكم واصلون إليها مستقرّون بها خالدون في نعيمها[70] .
وجه الدلالة :عدم تقييد عدم الخوف هنا من شيء معين بل جعله على إطلاقه.
مثال آخر:{ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ، 116 ] هو : أن كلّ ذنب كائناً ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له ، على أنه يمكن أن يقال : إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعاً يدل على أنه يشاء غفرانها جميعاً ، وذلك يستلزم : أنه يشاء المغفرة لكلّ المذنبين من المسلمين ، فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية . وأما ما يزعمه جماعة من المفسرين من تقييد هذه الآية بالتوبة ، وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين ، وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات . فهو : جمع بين الضب ، والنون ، وبين الملاح ، والحادي ، وعلى نفسها براقش تجني ، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع ، فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين ، وقد قال : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ، 116 ] ، فلو كانت التوبة قيداً في المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة[71]
وجه الدلالة :إطلاق المغفرة بدون اشتراط توبة.
ولكنه يقيد بالنفي كما في قوله تعالى: { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } هو : تقييد لقوله : { بالمعروف } أي : هذه النفقة ، والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته لا ما يشق عليه ، ويعجز عنه ، وقيل : المراد : لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة ، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف ، بل يراعي القصد [72].
وجه الدلالة :قيد النفي هنا بما تدعو إليه الحاجة، مع مخالفته لرأيه في إرشاد الفحول من عدم التقييد في النفي.
مثاله في النهي : قال الله تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الذين ظَلَمُواْ } انتهى . وقال في القاموس : ركن إليه ، كنصر وعلم ، ومنع ركوناً : مال وسكن ، انتهى . فهؤلاء الأئمة من رواة اللغة فسروا الركون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد بما قيده به صاحب الكشاف حيث قال : فإن الركون هو الميل اليسير ، وهكذا فسره المفسرون ، بمطلق الميل والسكون من غير تقييد إلا من كان من المتقيدين بما ينقله صاحب الكشاف؛ ومن المفسرين من ذكر في تفسير الركون قيوداً لم يذكرها أئمة اللغة [73].
مثال آخر في النهي: قوله { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } أي بعد تشديدها وتغليظها وتوثيقها وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالأيمان المؤكدة لا بغيرها مما لا تأكيد فيه فإن تحريم النقض يتناول الجميع ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يؤكد منها... ويخص أيضا من هذا العموم يمين اللغو لقوله سبحانه : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هنا لإخراج أيمان اللغو[74]
وجه الدلالة: إطلاق النهي عن نقض اليمين.
وقد يقيد في النهي: فقال في قوله تعالى(لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ المائدة101 ولا بد من تقييد النهي في هذه الآية بما لا تدعو إليه حاجة كما قدمنا ، لأن الأمر الذي تدعو الحاجة إليه في أمور الدين والدنيا ، قد أذن الله بالسؤال عنه فقال : { فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } الأنبياء : [75]
وجه الدلالة :قيد النهي هنا بما تدعو إليه الحاجة، مع مخالفته لرأيه في إرشاد الفحول من عدم التقييد في النهي.
الشرط الرابع :
أن لا يكون في جانب الإباحة. قال ابن دقيق العيد: إن المطلق لا يحمل على المقيد في جانب الإباحة؛ إذ لا تعارض بينهما، وفي المطلق زيادة.
ومثل عليه بلُبْسِ الْمُحْرِمِ الْخُفَّ قال الزركشي: وفيه نظر [76]
(فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه)البقرة قال (وقد اختلف أهل العلم في وقته ، فقيل من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق؛ وقيل : من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر النحر ، وبه قال أبو حنيفة ، وقيل : من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وبه قال مالك ، والشافعي ، قوله : { فَمَن تَعَجَّلَ } الآية ، اليومان هما : يوم ثاني النحر ، ويوم ثالثه . وقال ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والنخعي : من رمى في اليوم الثاني من الأيام المعدودات ، فلا حرج ، ومن تأخر إلى الثالث ، فلا حرج فمعنى الآية كل ذلك مباح وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا لأن من العرب من كان يذم التعجل ومنهم من كان يذم التأخر فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك وقال عليّ ، وابن مسعود : معنى الآية : من تعجل ، فقد غفر له ، ومن تأخر ، فقد غفر له . والآية قد دلّت على أن التعجل ، والتأخر مباحان)[77]
وجه الدلالة: لم يقيد المباح هنا وهو التعجل بل تركه على إطلاقه.
الخامس:
أن لا يمكن الجمع بينهما إلا بالحمل، فإن أمكن بغير أعمالهما فإنه أولى من تعطيل ما دل عليه أحدهما، ذكره ابن الرفعة1 في "المطلب"2.
مثاله من فتح القدير: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)النور قال: { إلا الذين تابوا } وهذه الجملة في محل نصب على الاستثناء لأنه من موجب وقيل يجوز أن يكون في موضع خفض على البدل ومعنى التوبة قد تقدم تحقيقه ومعنى { من بعد ذلك } من بعد اقترافهم لذنب القذف ومعنى { وأصلحوا } إصلاح أعمالهم التي من جملتها ذنب القذف ومداركة ذلك بالتوبة والانقياد للحد
وقد اختلف أهل العلم في هذا الاستثناء هل يرجع إلى الجملتين قبله ؟ هي جملة عدم قبول الشهادة وجملة الحكم عليها بالفسق أم إلى الجملة الأخيرة ؟ وهذا الاختلاف بعد اتفاقهم على أنه لا يعود إلى جملة الجلد بل يجلد التائب كالمصر وبعد إجماعهم أيضا على أن هذا الاستثناء يرجع إلى جملة الحكم بالفسق فمحل الخلاف هل يرجع إلى جملة عدم قبول الشهادة أم لا ؟ فقال الجمهور: إن هذا الاستثناء يرجع إلى الجملتين فإذا تاب القاذف قبلت شهادته وزال عنه الفسق لأن سبب ردها هو ما كان متصفا به من الفسق بسبب القذف فإذا زال بالتوبة بالإجماع كانت الشهادة مقبولة ..وقال أبو حنيفة : إن هذا الاستثناء يعود إلى جملة الحكم بالفسق لا إلى جملة عدم قبول الشهادة فيرتفع بالتوبة عن القاذف وصف الفسق ولا تقبل شهادته أبدا وذهب الشعبي والضحاك إلى التفصيل فقالا : لا تقبل شهادته وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان فحينئذ تقبل شهادته وقول الجمهور هو الحق لأن تخصيص التقييد بالجملة الأخيرة دون ما قبلها مع كون الكلام واحدا في واقعة شرعية من متكلم واحد خلاف ما تقتضيه لغة العرب وأولوية الجملة الأخيرة المتصلة بالقيد بكونه قيدا لما قبلها غاية الأمر أن تقييد الأخيرة بالقيد المتصل بها أظهر من تقييد ما قبلها به ولهذا كان مجمعا عليه وكونه أظهر لا ينافي قوله فيما قبلها ظاهرا وقد أطال أهل الأصول الكلام في القيد الواقع بعد جمل بما هو معروف عند من يعرف ذلك الفن والحق هو هذا والاحتجاج بما وقع تارة من القيود عائدا إلى جميع الجمل التي قبله وتارة إلى بعضها لا تقوم به حجة ولا يصلح للاستدلال فإنه قد يكون ذلك لدليل كما وقع هنا من الإجماع على عدم رجوع هذا الاستثناء إلى جملة الجلد ومما يؤيد ما قررناه ويقويه أن المانع من قبول الشهادة وهو الفسق المتسبب عن القذف قد زال فلم يبق ما يوجب الرد للشهادة[78]
وجه الدلالة: إنه قيد بهذا الاستثناء جملتين سابقتين له وبناء عليه فإذا تاب القاذف قبلت شهادته وزال عنه الفسق لأن سبب ردها هو ما كان متصفا به من الفسق بسبب القذف فإذا زال بالتوبة بالإجماع كانت الشهادة مقبولة.
مثال آخر يخالف المثل السابق:{ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ، 116 ] هو : أن كلّ ذنب كائناً ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له ، على أنه يمكن أن يقال : إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعاً يدل على أنه يشاء غفرانها جميعاً ، وذلك يستلزم : أنه يشاء المغفرة لكلّ المذنبين من المسلمين ، فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية . وأما ما يزعمه جماعة من المفسرين من تقييد هذه الآية بالتوبة ، وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين ، وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات . فهو : جمع بين الضب ، والنون ، وبين الملاح ، والحادي ، وعلى نفسها براقش تجني ، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع ، فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين ، وقد قال : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ، 116 ] ، فلو كانت التوبة قيداً في المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة ، وقد قال سبحانه : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ } [ الرعد : 6 ] قال الواحدي : المفسرون كلهم قالوا : إن هذه الآية في قوم خافوا إن أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام ، كالشرك ، وقتل النفس ، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت : هب أنها في هؤلاء القوم ، فكان ماذا؟ ، فإن الاعتبار بما اشتملت عليه من العموم لا بخصوص السبب كما هو متفق عليه بين أهل العلم ، ولو كانت الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها غير متجاوزة لها لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة إن لم ترتفع كلها ، واللازم باطل بالإجماع ، فالملزوم مثله .
وفي السنة المطهرة من الأحاديث الثابتة في الصحيحين ، وغيرهما في هذا الباب ما إن عرفه المطلع عليه حقّ معرفته ، وقدره حقّ قدره علم صحة ما ذكرناه ، وعرف حقية ما حررناه .
.. { وَأَنِيبُواْ إلى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } أي : ارجعوا إليه بالطاعة لما بشرهم سبحانه بأنه يغفر الذنوب جميعاً ، أمرهم بالرجوع إليه بفعل الطاعات ، واجتناب المعاصي ، وليس في هذا ما يدلّ على تقييد الآية الأولى بالتوبة لا بمطابقة ، ولا تضمن ، ولا التزام ، بل غاية ما فيها : أنه بشّرهم بتلك البشارة العظمى ، ثم دعاهم إلى الخير ، وخوّفهم من الشرّ).[79]
وجه الدلالة: منع الحمل لعدم الحاجة إليه ولإمكانية الجمع
مثال آخر يمنع من الحمل:{ والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة } والمراد بالفوقية هنا : العلو في الدرجة لأنهم في الجنة والكفار في النار - ويحتمل أن يراد بالفوق المكان لأن الجنة في السماء والنار في أسفل سافلين أو أن المؤمنين هم الغالبون في الدنيا كما وقع ذلك من ظهور الإسلام وسقوط الكفر وقتل أهله وأسرهم وتشريدهم وضرب الجزية عليهم ولا مانع من حمل الآية على جميع ذلك لولا التقييد بكونه في يوم القيامة[80]
وجه الدلالة :منع الحمل بسبب قيد الآية(يوم القيامة)
مثال آخر على عدم الحمل:(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : شديد فظيع . قال الفرّاء : عامة ما في القرآن من الرجم المراد به القتل . وقال قتادة : هو على بابه من الرجم بالحجارة . قيل : ومعنى العذاب الأليم : القتل ، وقيل : الشتم ، وقيل : هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص ، وهذا هو الظاهر[81]
وجه الدلالة: عدم حمل المطلق هنا على المقيد في الجملة قبله.
الشرط السادس:
أن لا يكون المقيد ذكر معه قدر زائد يمكن أن يكون القيد لأجل ذلك القدر الزائد، فلا يحمل المطلق على المقيد ههنا قطعًا.
، لأنه يلزم من حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة أن يكون القدر الزائد مع المقيد لغواً، وهو لا يليق بكلام العقلاء فضلاً عن كلام أحكم الحاكمين.
مثاله قال الزركشي:( إنْ قَتَلْتَ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً مع إنْ قَتَلْتَ مُؤْمِنًا فَأَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ هُنَاكَ على الْمُقَيَّدِ هُنَا في الْمُؤْمِنَةِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ هُنَا إنَّمَا جاء لِلْقَدْرِ الزَّائِدِ وهو كَوْنُ الْمَقْتُولِ مُؤْمِنًا)[82]
مثاله من فتح القدير: { أو تحرير رقبة } في كفارة اليمين ولأهل العلم أبحاث في الرقبة التي تجزئ في الكفارة وظاهر هذه الآية أنها تجزئ كل رقبة على أي صفة كانت وذهب جماعة منهم الشافعي إلى اشتراط الإيمان فيها قياسا على كفارة القتل[83]
وجه الدلالة: لم يذكر مع المقيد هنا قدر زائد فبقي على إطلاقه
مثال آخر:(ادخلوا الباب سجدا )البقرة (..وقيل : هو هنا الانحناء وقيل : التواضع والخضوع واستدلوا على ذلك بأنه لو كان المراد بالسجود الحقيقي الذي هو وضع الجبهة على الأرض لامتنع الدخول المأمور به لأنه لا يمكن الدخول حال السجود الحقيقي وقال في الكشاف : إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا واعترضه أبو حيان في النهر الماد فقال : لم يؤمروا بالسجود بل هو قيد في وقوع المأمور به وهو الدخول والأحوال نسب تقييدية والأوامر نسب إسنادية انتهى ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد فمن قال اخرج مسرعا فهو آمر بالخروج على هذه الهيئة فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفا للأمر ولا ينافي هذا كون الأحوال نسبا تقييدية فإن اتصافها بكونها قيودا مأمورا بها هو شيء زائد على مجرد التقييد)[84]
وجه الدلالة :ومعنى ذلك السجود قيد زائد على مجرد التقييد بالدخول فلزم.
الشرط السابع:
أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد، فإن قام دليل يمنع منه لم يجز
قال الشوكاني: في قوله تعالى { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } البقرة234فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها [85]
وقال في موضع آخر: واعلم أن المطلقات أربع : مطلقة مدخول بها مفروض لها ، وهي التي تقدّم ذكرها قبل هذه الآية ، وفيها نهى الأزواج عن أن يأخذوا مما آتوهنّ شيئاً ، وأن عدّتهنّ ثلاثة قروء . ومطلقة غير مفروض لها ، ولا مدخول بها ، وهي المذكورة هنا ، فلا مهر لها ، بل المتعة ، وبين في سورة الأحزاب49 أن غير المدخول بها إذا طلقت ، فلا عدّة عليها . ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها ، وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } ، ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها ، وهي المذكورة في قوله تعالى : { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ النساء :24[86]
وجه الدلالة: فالأولى في عدة المتوفى عنها زوجها وهي مطْلَقَة؛ لأن لفظ (أزواجا) مطلق في المدخول بها وغيرها، والثانية في عدم العدة للمطلقة غير المدخول بها، ولا يقال إن المتوفى عنها غير المدخول بها لا عدة لها، وذلك لأن المتوفى عنها تبقى لها أحكام الزوجية من ثبوت الإرث وجواز تغسيل الزوج الميت بخلاف البائن، فوجب التفريق بينهما فيمتنع التقييد
مثال آخر فقال : { رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين } أي : ولداً صالحاً من الصالحين يعينني على طاعتك ، ويؤنسني في الغربة هكذا قال المفسرون ، وعللوا ذلك بأن الهبة قد غلب معناها في الولد ، فتحمل عند الإطلاق عليه ، وإذا وردت مقيدة حملت على ما قيدت به كما في قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هارون نَبِيّاً } [ مريم : 53 ] ، وعلى فرض أنها لم تغلب في طلب الولد ، فقوله : { فبشرناه بغلام حَلِيمٍ } يدل على أنه ما أراد بقوله : { رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين } إلا الولد [87]
وجه الدلالة: أنه لم يقم دليل يمنع من التقييد
مثال آخر:{ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم } الظرف منصوب بفعل محذوف خاص بالنبي صلى الله عليه و سلم لأنه لا يقف على ذلك سواه : أي واذكر يا محمد وقت إيحاء ربك إلى الملائكة وقيل : هو بدل من { إذ يعدكم } كما تقدم ولكنه يأبى ذلك أن هذا لا يقف عليه المسلمون فلا يكون من جملة النعم التي عددها الله عليهم وقيل : العامل فيه يثبت فيكون المعنى : يثبت الأقدام وقت الوحي وليس لهذا التقييد معنى[88]
وجه الدلالة: قام دليل يمنع التقييد فلم يجز.
ثم قال (اعلم: أن ما ذكر في التخصيص للعام فهو جارٍ في تقييد المطلق، فارجع في تفاصيل ذلك إلى ما تقدم في باب التخصيص، فذلك يغنيك عن تكثير المباحث في هذا الباب.
أمثلة قال الشوكاني: وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه و سلم بمطلق الصلاة ومطلق النحر وأن يجعلهما لله عز و جل لا لغيره وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص فهو في حكم التقييد له[89]
مثاله قوله تعالى(كنتم خير أمة أخرجت للناس)المائدة 110 قال :(وفيه دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق ، وأن هذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة ، وآخرها بالنسبة إلى غيرها من الأمم) [90]
وجه الدلالة: فليس هنا دليل على تقييد الخيرية هذه بزمان أو أمة فلا تقييد فهو كقولنا العام يبقى على عمومه مالم يرد دليل على تخصيصه.
وقد نقدم في الشرط الثاني -من المبحث الذي قبل هذا المبحث- الكلام في المطلق الدائر بين قيدين متضادين، وإنما ذكرنا هذه الفائدة لزيادة الإيضاح.
فائدة: قال في "المحصول": إذا أطلق الحكم في موضع، وقيد مثله في موضعين بقيدين
متضادين، كيف يكون حكمه؟!
مثاله: قضاء رمضان الوارد مطلقًا في قوله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 184من سورة البقرة ، وصوم التمتع الوارد مقيدًا بالتفريق في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} 196من سورة البقرة ، وصوم كفارة الظهار الوارد مقيدًا بالتتابع في قوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}4 من سورة المجادلة. قال: فمن زعم أن المطلق يتقيد بالمقيد لفظًا ترك المطلق ههنا على إطلاقه؛ لأنه ليس تقييده بأحدهما أولى من تقييده بالآخر، ومن حمل المطلق على المقيد لقياس حمله ههنا على ما كان القياس عليه أولى. انتهى
قال الشوكاني في قضاء صوم رمضان (فعدة من أيام أخر)البقرة 185 وليس في الآية ما يدل على وجوب التتابع في القضاء[91]
وذكر في صوم التمتع صيام ثلاثة أيام في الحج : أي في أيام الحج وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر وقيل : يصوم قبل يوم التروية يوما ويوم التروية ويوم عرفة وقيل : ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة وقيل : يصومهن من أول عشر ذي الحجة .....وسبعة إذا رجع وطنه[92] وهذا يفيد عدم التتابع
وفي كفارة الصوم في الظهار { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } أي فمن لم يجد الرقبة في ملكه ولا تمكن من قيمتها فعليه صيام شهرين متتابعين متواليين لا يفطر فيهما فإن أفطر استأنفه إن كان الإفطار لغير عذر..[93]
وجه الدلالة :أن حمل قضاء رمضان على قيد صوم التمتع أولى من حمله على قيد صوم كفارة الظهار.
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين ؛وبعد
فإن أهم النتائج:
1-المطلق والمقيد من المسائل المشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن الكريم
2-هناك تشابه بين العام والمجمل والمطلق لا يسهل تمييزه بل تحتاج إلى فقه ودراسة.
3-أصول الفقه وعلوم الحديث وأصول التفسير واللغة والنحو علوم مرتبطة ببعضها ويحتاج إليها المفسر.
4-الشوكاني رحمه الله مفسر وأصولي ولقد جمع علوما وآدابا وورعا
5- براعة الشوكاني في أصول الفقه فهو مجتهد وفقيه
6-غالبية ما اتفق عليه الأصوليون في مسألة المطلق والمقيد هي ما ذكره الشوكاني في إرشاد الفحول
7-تطبيقاته لمسائل المطلق والمقيد في تفسيره فتح القدير تدل على قوة فهمه وقدرته على الاستنباط والاجتهاد
8-ينبغي على طلبة علم التفسير معرفة هذه المسائل الأصولية لضرورتها في القدرة على تفسير القرآن الكريم .
9-المطلق والمقيد علم له قيود وضوابط وشروط ولا يطيقه العطلة
10-لابد من التزام شروط حمل المطلق على المقيد حتى لا يقع المفسر في الخطأ والقول على الله بغير علم
المراجع:
- الإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي طباعة المجمع 1426 الاتقان في علوم القرآن للسيوطي المكتبة الشاملة
- البرهان في علوم القرآن بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى : 794هـ)المحقق : محمد أبو الفضل إبراهيم الطبعة : الأولى ، 1376 هـ - 1957 م دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه دار المعرفة، بيروت، لبنان
- إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي حققه عبد المجيد تركي دار الغرب الاسلامي ط1 ،1407
- الإحكام في أصول الأحكام علي بن محمد بن حزم دار الآفاق الجديدة بيروت ط2 1403
- الإحكام في أصول الأحكام علي بن محمد الآمدي أبو الحسن دار الكتاب العربي - بيروت
- الطبعة الأولى ، 1404تحقيق : د. سيد الجميلي 2/6
- الأصول من علم الأصول محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى : 1421هـ)دار النشر : دار ابن الجوزي الطبعة : طبعة عام 1426
- أصول البزدوي - كنز الوصول الى معرفة الأصول علي بن محمد البزدوي الحنفي مطبعة جاويد بريس – كراتشي 1/227 إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول محمد بن علي بن محمد الشوكاني (المتوفى : 1250هـ)المحقق : الشيخ أحمد عزو عناية ، دمشق - كفر بطنا الناشر : دار الكتاب العربي ،الطبعة الأولى 1419هـ2/5-6
- إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول محمد بن الشوكاني المكتبة الشاملة
- أصول الفقه الذي لا يسع الفقيهَ جهلُه أ.د. عياض بن نامي السلمي المكتبة الشاملة
- أرشيف ملتقى أهل الحديث – 3،ماالفارق بين المطلق والمقيد66/495المكتبة الشاملة
- البحر المحيط في أصول الفقه بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي 2/14 تحقيق د. محمد محمد تامر الناشر دار الكتب العلمية سنة النشر 1421هـ
- تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي موقع الوراق أصول الفقه الذي لا يسع الفقيهَ جهلُه أ.د. عياض بن نامي السلمي المكتبة الشاملة
- روضة الناظر مع شرحها 2/191 ط المطبعة السلفية 1342هـ بمصر
- الزيادة والإحسان في علوم القرآن محمد أحمد بن عقيلة المكي مجموعة رسائل جامعية قامت بتدقيقها مجموعة بحوث الكتاب والسنة مركز البحوث والدراسات بالشارقة ط1 ،1416
- الفتاوى الكبرى تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ المحقق : محمد عبدالقادر عطا - مصطفى عبدالقادر عطا دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1408هـ - 1987م4/297
- مقدمة فتح القدير الجامع بين فني الدراية والرواية1/ 69 محمد علي الشوكاني حققه د.عبد الرحمن عميرة دار الوفاء ط31426 (أحببت ذكر مقدمته لجمالها وقوة عبارتها
- فتح القدير المكتبة الشاملة
- المستصفى في علم الأصول محمد بن محمد الغزالي أبو حامد دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1413تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي 1/257-262
- المحصول في علم الأصول محمد بن عمر بن الحسين الرازي2/213 جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض الطبعة الأولى ، 1400تحقيق : طه جابر فياض العلواني
- مواقع العلوم في مواقع النجوم عبد الرحمن البلقيني تحقيق ودراسة السعيد فؤاد عبد ربه إبراهيم رسالة دكتوراة
- المطلق والمقيد وأثرهما في اختلاف الفقهاء تأليف د.حمد بن حمدي الصاعدي الطبعة الأولى1423ه 2/1-11 مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للعلامة ابن قدامة الشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي
- مقدمة معالم التفسير عند السعدي (المطلق والمقيَّد) [ص 66، 70]، (موسوعة البحوث والمقالات العلمية[7ص 106].جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود
- قواعد التفسير جمعا ودراسة خالد السبت دار ابن عفان
- المسائل المشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن د.فهد الوهبي رسالة دكتوراة-
- مختار الصحاح للشيخ محمد أبي بكر الرازي ص:396 معجم مقاييس اللغة للفيروزأبادي(
- الكوكب المنير شرح مختصر التحرير تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار 1/303
- مجموع الفتاوى ابن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم طبع بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1416
- المسودة في أصول الفقه لآل ابن تيمية ،تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد دار الكتاب العربي.
- مختار الصحاح محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي1/560 تحقيق : محمود خاطر: مكتبة لبنان ناشرون – بيروت طبعة جديدة ، 1415


[1] مقدمة فتح القدير الجامع بين فني الدراية والرواية1/ 69 محمد علي الشوكاني حققه د.عبد الرحمن عميرة دار الوفاء ط31426 (أحببت ذكر مقدمته لجمالها وقوة عبارتها)

[2] فتح القدير1/17

[3] إحكام الفصول( ٢٧٩

[4] الإحكام في أصول الأحكام علي بن محمد الآمدي أبو الحسن دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة الأولى ، 1404تحقيق : د. سيد الجميلي 2/6

[5] الفتاوى الكبرى
المؤلف : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى : 728هـ)
المحقق : محمد عبدالقادر عطا - مصطفى عبدالقادر عطا
دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1408هـ - 1987م4/297

[6] الكوكب المنير شرح مختصر التحرير:2/78 (

[7] سيأتي لاحقا في التعريفات

[8] أرشيف ملتقى أهل الحديث – 3،ماالفارق بين المطلق والمقيد66/495


[9] : المستصفى في علم الأصول محمد بن محمد الغزالي أبو حامد دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1413تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي 1/257-262

[10] أصول البزدوي - كنز الوصول الى معرفة الأصول علي بن محمد البزدوي الحنفيى مطبعة جاويد بريس – كراتشي 1/227

[11] المحصول في علم الأصول محمد بن عمر بن الحسين الرازي2/213 جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض الطبعة الأولى ، 1400تحقيق : طه جابر فياض العلواني

[12] مواقع العلوم ٤٩٩ والإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ٤ / ١٤٨٦، والزيادة والإحسان: ٥ /١٧٤

[13] البرهان في علوم القرآن بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى : 794هـ)
المحقق : محمد أبو الفضل إبراهيم الطبعة : الأولى ، 1376 هـ - 1957 م دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه دار المعرفة، بيروت، لبنان 2/22-446،4/203

[14] الاتقان 2/83

[15] مقدمة معالم التفسير عند السعدي (المطلق والمقيَّد) [ص 66، 70]، (موسوعة البحوث والمقالات العلمية[7ص 106].
جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود


[16] سيأتي بإذن الله في التعريفات

[17] سيأتي بإذن الله في التعريفات


[18] سيأتي تفصيله لا حقا

[19] سيأتي تفصيله لاحقا في التعريفات

[20] القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة عبد الرحمن السعدي 72مكتبة المعارف الرياض ط1 1406

[21] سيأتي لاحقا تفصيله

[22] قواعد التفسير جمعا ودراسة خالد السبت دار ابن عفان 2/619-625

[23] انظر هذه المسألة في: شرح الكوكب المنير3/393

[24] المسائل المشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن د.فهد الوهبي460-476

[25] مختار الصحاح للشيخ محمد أبي بكر الرازي ص:396 معجم مقاييس اللغة للفيروزأبادي( ٥٩٩

[26] روضة الناظر مع شرحها 2/191 ط المطبعة السلفية 1342هـ بمصر

[27] الكوكب المنير شرح مختصر التحرير تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار 1/303

[28] : الأصول من علم الأصول محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى : 1421هـ)دار النشر : دار ابن الجوزي الطبعة : طبعة عام 1426 1/44

[29] مجموع الفتاوى 7/391

[30] مسودة آل تيمية ص 149

[31] المستصفى 1/30، 186 .

[32] أصول الفقه الذي لا يسع الفقيهَ جهلُه أ.د. عياض بن نامي السلمي 1/201

[33] الاتقان في علوم القرآن للسيوطي2/82

[34] الزيادة والإحسان:5/174

[35] الزيادة والإحسان: ( ٥/175

[36] ارشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول محمد بن علي بن محمد الشوكاني (المتوفى : 1250هـ)المحقق : الشيخ أحمد عزو عناية ، دمشق - كفر بطنا الناشر : دار الكتاب العربي
الطبعة الأولى 1419هـ2/5-6

[37] ارشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول محمد بن علي بن محمد الشوكاني
1/290

[38] فتح القدير4/344

[39] مختار الصحاح محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي1/560 تحقيق : محمود خاطر: مكتبة لبنان ناشرون – بيروت طبعة جديدة ، 1415

[40] تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي موقع الوراق1/2227

[41] لسان العرب محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري دار صادر – بيروت الطبعة الأولى3/372


[42] تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول1/198 للإمام عبد المؤمن بن عبد الحقّ البغدادي الحنبلي (658 ـ 739هـ)عبد الله بن صالح الفوزان الطبعة الثانية «وهي الأولى لدار ابن الجوزي»


[43] شرح الكوكب المنير2/393-394


[44] الاتقان في علوم القرآن1/440

[45] البرهان2/15

[46] الإحكام في أصول القرآن ابن حزم موقع الوراق 1/242

[47] ارشاد الفحول2/6

[48] فتح القدير 2/97

[49] أصول الفقه الذي لا يسع الفقيهَ جهلُه1/252

[50] المطلق والمقيد وأثرهما في اختلاف الفقهاء تأليف د.حمد بن حمدي الصاعدي الطبعة الأولى1423ه 2/1-11 مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للعلامة ابن قدامة الشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي 1/219

[51] البرهان في علوم القرآن2/16

[52] ارشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول2/6

[53]ارشاد الفحول2/8

[54] فتح القدير2/301

[55] أصول الفقه الذي لايسع الفقيه جهله1/255وتفصيل الشروط سيكون ضمن شروط الشوكاني بإذن الله

[56] البحر المحيط في أصول الفقه بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي 2/14 تحقيق د. محمد محمد تامر الناشر دار الكتب العلميةسنة النشر 1421هـ

[57] الاتقان 2/82

[58] البرهان في علوم القرآن2/16

[59] ارشاد الفحول 2/5-11

[60] فتح القدير2/153

[61] فتح القدير2/151

[62] فتح القدير1/219

[63] فتح القدير2/375

[64] فتح القدير7/242

[65] فتح القدير2/98

[66] فتح القدير 7/16

[67] فتح القدير5/216

[68] فتح القدير5/215

[69] فتح القدير1/331

[70]فتح القدير 6/354

[71] فتح القدير6/296

[72] فتح القدير1/329

[73] فتح القدير3/491

[74] فتح القدير2/272

[75] فتح القدير2/366

[76] البحر المحيط3/20

[77] فتح القدير1/313

[78] فتح القدير4/13

[79] فتح القدير 6/296

[80] فتح القدير1/324

[81] فتح القدير6/156

[82] البحر المحيط2/21

[83] فتح القدير2/104

[84] فتح القدير1/140

[85][85][85][85] فتح القدير1/376

[86] فتح القدير1/339

[87] فتح القدير6/207

[88] فتح القدير 2/424

[89] فتح القدير5/716

[90] فتح القدير2/11

[91] فتح القدير1/277

[92] فتح القدير1/261

[93] فتح القدير5/259
 
عودة
أعلى