أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 588
- مستوى التفاعل
- 25
- النقاط
- 28
المضاف إليه" المفترى أو لمحة عن لغة ابن عربي في التفسير.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الخاتم الأمين..
وبعد:
فإن التفسير عند ابن عربي يتخذ مسلك التحريف المعهود عند ذوي النهج الإشاري الإشراقي..ونريد هنا أن نلقي شيئا من الضوء على مؤشرات هذا النهج على الصعيد اللغوي- المحض – دون ما حاجة إلى ذكر الجذور العقدية والمنطلقات الفكرية لابن عربي وأمثاله فهي معروفة قد جلاها الباحثون الذين انشغلوا بنقد الخطاب الصوفي قديما وحديثا...وبعبارة أخرى نريد فقط أن نمكث في دائرة الدراسة الأسلوبية لاستكشاف ظاهرة تعبيرية مطردة في كتابات ابن عربي توسل بها إلى جر النص القرآني من فضائه الخاص إلى فضاءات عرفانية غريبة في الشكل والمضمون...
الآلية سهلة جدا لكن النتائج مدمرة!
فحسب ابن عربي أن يقحم كلمة أو كلمتين بجانب اسم أو اسمين في الجملة القرآنية فيتشكل نحويا مركب إضافي(المضاف من القرآن والمضاف إليه من ابن عربي) فلا يلبث هذا المضاف إليه أن يجعل الدلالة الأصلية هباء منثورا!!
ها قد نشأ التحريف كله بتكلفة أقل!
ولعل من المناسب أن نضرب أمثلة لتوضيح ذلك :
فلتكن هذه العبارة الساذجة:
أ-أشرقت الشمس على التلال...
نقدِّر أولا أن هذه العبارة خارجة عن أي سياق لا تستدعي إلافهما ظاهريا..فلا يحمل معناها- والحالة هذه- إلا على مايتبادر إلى الذهن من أن" الشمس المعهودة في السماء قد ظهرت وأنارت التلال المعهودة في الأرض" فيستفيد المتلقي منها معلومة عن العالم الخارجي في بعده المادي الملحوظ..ونحن لو شئنا إعدام كل هذه الدلالات مع آثارها كأنها لم تكن لا نحتاج إلى محو تلك الجملة كأنها لم تكن..بل حسبنا أن نقحم كلمة واحدة بعد "الشمس"لترى عجبا:ستتبخر الجملة كلها بشمسها وتلالها وشروقها وعلوها :
ب-أشرقت شمس الروح على التلال.
لنقارن( أ) و (ب)
واضح أن كلمة "الروح" ليست تقوم بوظيفة القيد الدلالي لكلمة "شمس" بل هي أشبه ما تكون بالنار التي ستسري في هشيم دلالات الجملة كلها...فإضافة "الشمس "إلى" الروح" أفرغها من كل المعاني ومن كل المواد واكتسبت بعدها معنى أخر-أو إن شئت لا معنى آخر- ،معنى لا يمكن ضبطه أو التحقق منه...هو لغو -في أسوأ الفروض- (عند أصحاب الوضعية المنطقية لا ينبغي أن يلتفت إليه...)أو هو- في أحسن أحواله- استعارة تخييلية لا يتبين معها ما تشير إليه( كما هو مذهب عبد القاهر وأتباعه...)
واعتبارا لمبدأ التشاكل الذي يجب أن يكون في كل كلام يفترض فيه أنه مقروء-أعني أنه يقبل التأويل بافتراض تجانس خفي كامن تحت الاعتباط الظاهري عكس اللغو أو الهذيان حيث يفترض القاريء غياب التجانس مطلقا ظاهرا وباطنا- ستعمد "الشمس"-إذن- بصورة إجبارية إلى "إحراق"كل دلالات سياقها غير المتشاكلة لتنهض من رمادها دلالات جديدة متشاكلة..فالشمس فاعل في الجملة فلا مناص من أن يتشاكل معه الفعل بضرب من التأويل...ولما كانت" شمس الروح" معنى ضبابيا أو تخييليا فلا بد لفعل "أشرقت" أن ينال حظه كاملا من الضبابية والتخييل ..ثم سيمتد التغير لا محالة إلى المركب الظرفي "على التلال" ليحصل التجانس..وإن كان التجانس هنا في الضبابية!!
ج- أشرقت شمس الروح على تلال النفس..
فماذا تبقى من الجملة الأصلية بعد..؟
لا شيء قطعا...
فما بين( أ) و (ب) كمثل ما بين المشرق والمغرب...
إن "أشرقت شمس الروح على التلال"...مباينة تماما ل "أشرقت الشمس على التلال" مثل ما هي مباينة ل "سال اللبن على الرصيف"..إن معيار الكم الشكلي لا دخل له هنا ..فتباين الجمل الثلاث واقع على درجة واحدة مع أن اثنتين منها تشتركان في أكثر من ثلاثة أرباع الكمية اللفظية..!!
لكن هل هذا هو المصير الحتمي لكل تعبير قيدنا فيه إحدى كلمه بالإضافة؟
ماذا لو قيل:
د-أشرقت شمس الصباح على التلال.
إن تقييد الشمس بإضافتها إلى الصباح لم يحدث أي تغيير مذكور في تأويل الجملة -بخلاف الإضافة إلى الروح-وما ذلك إلا لأن التشاكل يطبع المركب الإضافي كله فلا توتر أو تنافر بين الشقين من المضاف والمضاف إليه..فنلحظ تبعا لذلك أن الصباح بدل أن تلغي معنى الشمسية –كما فعلت الروح-زادت من تأكيدها وترسيخها..
لكن إضافات ابن عربي ليست من هذا النوع..بل من النوع المبني على التوتر وفرض علاقة مفتعلة بين عنصرين متباعدين في الوجود كأن يكون المضاف منتميا إلى العالم الحسي والمضاف إليه منتزعا من العالم الجواني...فيتشكل من التركيب عالم ثالث لا يمكن تبينه..ليس عند فاكي الترميز من القراء العاديين فقط بل حتى عند منشئي هذا الخطاب من الصوفيين أنفسهم ..فكثيرا ما يرددون أن كلامهم يؤخذ بالذوق وليس بالفهم..وأنهم هم أنفسهم لا يدركون حقيقة ما يجري على ألسنتهم إلا في حالات خاصة تعتريهم ...
لماذا مقولة الإضافة بالضبط؟
لا شك أن السبب يرجع إلى طبيعة علاقة الإضافة..فهي عند أهل اللغة من أضعف العلاقات اللغوية ومن ثم يكون في وسع الصوفي أن يضيف الكلمة إلى أي شيء شاء متذرعا بمقولة "الإضافة لأدنى مناسبة".
وأشير أخيرا إلى أن الإضافة قد تتجلى في لغة ابن عربي على شكل تقييدات وصفية أو نسبية أو ظرفية، فإضافة الشمس إلى الروح قد يعبر عنها تارة بالإضافة الصريحة:"شمس الروح" وتارة بالوصف "الشمس الروحانية " والمعنى في الحالتين واحد.
هذا نموذج من متن ابن عربي – من تفسيره لسورة الكهف- يوضح آليات التحريف بمقولة الإضافة حيث سيتحدث عن زكريا( الروح) وامرأة (النفس) وولد( القلب) وأخواتها كثيرات:
والتطبيق أن يقال: نادى زكريا الروح في مقام استعداد العقل الهيولاني نداء خفيّاً، واشتكى ضعفه، وتوسل بعنايته، واشتكى خوف موالي القوى النفسانية وعقر امرأة النفس بولد القلب { فهبْ لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب } العقل الفعّال { واجعله ربّ رضياً } موصوفاً بالكمالات المرضية { نُبَشّرك بغلام } القلب { اسمه يحيى } لحياته أبداً { ربّ اجعل لي آية } أتوصل بها إليه { آيتك ألا تُكَلم } ناس الحواس بالشواغل الحسيّة والمخالطة بالأمور الطبيعية { فأوحى إليهم أن سبّحوا } أي كونوا على عبادتكم المخصوصة بكل واحد منكم بالرياضة وترك الفضول دائماً.
{ يا يحيى } القلب { خذ } كتاب العلم، المسمى بالعقل الفرقاني { وآتيناه الحكم } أي: الحكمة { صبيّاً } قريب العهد بالولادة المعنوية { وحناناً من لدنا } أي: رحمة بكمال تجليات الصفات { وزكاة } أي: تقدّساً وطهارة بالتجرّد { وكان تقيّاً } مجتنباً صفات النفس { وبرّاً بوالديه} الروح والنفس { وسلام عليه } أي: تنزّه وتقدّس عن ملابسة المواد { يوم وُلِدَ ويوم يموت } بالفناء في الوحدة { ويوم يُبْعث } بالبقاء بعد الفناء { حيّاً } بالله.
(ملحوظة
اختار ابن عربي التفسير بآلية الإدراج (نعني بالإدراج معناها في اصطلاح الحديث ) ليكون المسخ أشد :
فالمبتدأ-مثلا- من رب العالمين والخبر من عند ابن عربي..
والمبدل من رب العالمين { وبرّاً بوالديه} والبدل من ابن عربي ( الروح والنفس)
صحيح ان هذا الإدراج طريقة معروفة عند المفسرين وشراح المتون لكن عند ابن عربي له خلفية عقدية مشتقة من مذهبه في وحدة الوجود :
وحدة المتكلم.....)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الخاتم الأمين..
وبعد:
فإن التفسير عند ابن عربي يتخذ مسلك التحريف المعهود عند ذوي النهج الإشاري الإشراقي..ونريد هنا أن نلقي شيئا من الضوء على مؤشرات هذا النهج على الصعيد اللغوي- المحض – دون ما حاجة إلى ذكر الجذور العقدية والمنطلقات الفكرية لابن عربي وأمثاله فهي معروفة قد جلاها الباحثون الذين انشغلوا بنقد الخطاب الصوفي قديما وحديثا...وبعبارة أخرى نريد فقط أن نمكث في دائرة الدراسة الأسلوبية لاستكشاف ظاهرة تعبيرية مطردة في كتابات ابن عربي توسل بها إلى جر النص القرآني من فضائه الخاص إلى فضاءات عرفانية غريبة في الشكل والمضمون...
الآلية سهلة جدا لكن النتائج مدمرة!
فحسب ابن عربي أن يقحم كلمة أو كلمتين بجانب اسم أو اسمين في الجملة القرآنية فيتشكل نحويا مركب إضافي(المضاف من القرآن والمضاف إليه من ابن عربي) فلا يلبث هذا المضاف إليه أن يجعل الدلالة الأصلية هباء منثورا!!
ها قد نشأ التحريف كله بتكلفة أقل!
ولعل من المناسب أن نضرب أمثلة لتوضيح ذلك :
فلتكن هذه العبارة الساذجة:
أ-أشرقت الشمس على التلال...
نقدِّر أولا أن هذه العبارة خارجة عن أي سياق لا تستدعي إلافهما ظاهريا..فلا يحمل معناها- والحالة هذه- إلا على مايتبادر إلى الذهن من أن" الشمس المعهودة في السماء قد ظهرت وأنارت التلال المعهودة في الأرض" فيستفيد المتلقي منها معلومة عن العالم الخارجي في بعده المادي الملحوظ..ونحن لو شئنا إعدام كل هذه الدلالات مع آثارها كأنها لم تكن لا نحتاج إلى محو تلك الجملة كأنها لم تكن..بل حسبنا أن نقحم كلمة واحدة بعد "الشمس"لترى عجبا:ستتبخر الجملة كلها بشمسها وتلالها وشروقها وعلوها :
ب-أشرقت شمس الروح على التلال.
لنقارن( أ) و (ب)
واضح أن كلمة "الروح" ليست تقوم بوظيفة القيد الدلالي لكلمة "شمس" بل هي أشبه ما تكون بالنار التي ستسري في هشيم دلالات الجملة كلها...فإضافة "الشمس "إلى" الروح" أفرغها من كل المعاني ومن كل المواد واكتسبت بعدها معنى أخر-أو إن شئت لا معنى آخر- ،معنى لا يمكن ضبطه أو التحقق منه...هو لغو -في أسوأ الفروض- (عند أصحاب الوضعية المنطقية لا ينبغي أن يلتفت إليه...)أو هو- في أحسن أحواله- استعارة تخييلية لا يتبين معها ما تشير إليه( كما هو مذهب عبد القاهر وأتباعه...)
واعتبارا لمبدأ التشاكل الذي يجب أن يكون في كل كلام يفترض فيه أنه مقروء-أعني أنه يقبل التأويل بافتراض تجانس خفي كامن تحت الاعتباط الظاهري عكس اللغو أو الهذيان حيث يفترض القاريء غياب التجانس مطلقا ظاهرا وباطنا- ستعمد "الشمس"-إذن- بصورة إجبارية إلى "إحراق"كل دلالات سياقها غير المتشاكلة لتنهض من رمادها دلالات جديدة متشاكلة..فالشمس فاعل في الجملة فلا مناص من أن يتشاكل معه الفعل بضرب من التأويل...ولما كانت" شمس الروح" معنى ضبابيا أو تخييليا فلا بد لفعل "أشرقت" أن ينال حظه كاملا من الضبابية والتخييل ..ثم سيمتد التغير لا محالة إلى المركب الظرفي "على التلال" ليحصل التجانس..وإن كان التجانس هنا في الضبابية!!
ج- أشرقت شمس الروح على تلال النفس..
فماذا تبقى من الجملة الأصلية بعد..؟
لا شيء قطعا...
فما بين( أ) و (ب) كمثل ما بين المشرق والمغرب...
إن "أشرقت شمس الروح على التلال"...مباينة تماما ل "أشرقت الشمس على التلال" مثل ما هي مباينة ل "سال اللبن على الرصيف"..إن معيار الكم الشكلي لا دخل له هنا ..فتباين الجمل الثلاث واقع على درجة واحدة مع أن اثنتين منها تشتركان في أكثر من ثلاثة أرباع الكمية اللفظية..!!
لكن هل هذا هو المصير الحتمي لكل تعبير قيدنا فيه إحدى كلمه بالإضافة؟
ماذا لو قيل:
د-أشرقت شمس الصباح على التلال.
إن تقييد الشمس بإضافتها إلى الصباح لم يحدث أي تغيير مذكور في تأويل الجملة -بخلاف الإضافة إلى الروح-وما ذلك إلا لأن التشاكل يطبع المركب الإضافي كله فلا توتر أو تنافر بين الشقين من المضاف والمضاف إليه..فنلحظ تبعا لذلك أن الصباح بدل أن تلغي معنى الشمسية –كما فعلت الروح-زادت من تأكيدها وترسيخها..
لكن إضافات ابن عربي ليست من هذا النوع..بل من النوع المبني على التوتر وفرض علاقة مفتعلة بين عنصرين متباعدين في الوجود كأن يكون المضاف منتميا إلى العالم الحسي والمضاف إليه منتزعا من العالم الجواني...فيتشكل من التركيب عالم ثالث لا يمكن تبينه..ليس عند فاكي الترميز من القراء العاديين فقط بل حتى عند منشئي هذا الخطاب من الصوفيين أنفسهم ..فكثيرا ما يرددون أن كلامهم يؤخذ بالذوق وليس بالفهم..وأنهم هم أنفسهم لا يدركون حقيقة ما يجري على ألسنتهم إلا في حالات خاصة تعتريهم ...
لماذا مقولة الإضافة بالضبط؟
لا شك أن السبب يرجع إلى طبيعة علاقة الإضافة..فهي عند أهل اللغة من أضعف العلاقات اللغوية ومن ثم يكون في وسع الصوفي أن يضيف الكلمة إلى أي شيء شاء متذرعا بمقولة "الإضافة لأدنى مناسبة".
وأشير أخيرا إلى أن الإضافة قد تتجلى في لغة ابن عربي على شكل تقييدات وصفية أو نسبية أو ظرفية، فإضافة الشمس إلى الروح قد يعبر عنها تارة بالإضافة الصريحة:"شمس الروح" وتارة بالوصف "الشمس الروحانية " والمعنى في الحالتين واحد.
هذا نموذج من متن ابن عربي – من تفسيره لسورة الكهف- يوضح آليات التحريف بمقولة الإضافة حيث سيتحدث عن زكريا( الروح) وامرأة (النفس) وولد( القلب) وأخواتها كثيرات:
والتطبيق أن يقال: نادى زكريا الروح في مقام استعداد العقل الهيولاني نداء خفيّاً، واشتكى ضعفه، وتوسل بعنايته، واشتكى خوف موالي القوى النفسانية وعقر امرأة النفس بولد القلب { فهبْ لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب } العقل الفعّال { واجعله ربّ رضياً } موصوفاً بالكمالات المرضية { نُبَشّرك بغلام } القلب { اسمه يحيى } لحياته أبداً { ربّ اجعل لي آية } أتوصل بها إليه { آيتك ألا تُكَلم } ناس الحواس بالشواغل الحسيّة والمخالطة بالأمور الطبيعية { فأوحى إليهم أن سبّحوا } أي كونوا على عبادتكم المخصوصة بكل واحد منكم بالرياضة وترك الفضول دائماً.
{ يا يحيى } القلب { خذ } كتاب العلم، المسمى بالعقل الفرقاني { وآتيناه الحكم } أي: الحكمة { صبيّاً } قريب العهد بالولادة المعنوية { وحناناً من لدنا } أي: رحمة بكمال تجليات الصفات { وزكاة } أي: تقدّساً وطهارة بالتجرّد { وكان تقيّاً } مجتنباً صفات النفس { وبرّاً بوالديه} الروح والنفس { وسلام عليه } أي: تنزّه وتقدّس عن ملابسة المواد { يوم وُلِدَ ويوم يموت } بالفناء في الوحدة { ويوم يُبْعث } بالبقاء بعد الفناء { حيّاً } بالله.
(ملحوظة
اختار ابن عربي التفسير بآلية الإدراج (نعني بالإدراج معناها في اصطلاح الحديث ) ليكون المسخ أشد :
فالمبتدأ-مثلا- من رب العالمين والخبر من عند ابن عربي..
والمبدل من رب العالمين { وبرّاً بوالديه} والبدل من ابن عربي ( الروح والنفس)
صحيح ان هذا الإدراج طريقة معروفة عند المفسرين وشراح المتون لكن عند ابن عربي له خلفية عقدية مشتقة من مذهبه في وحدة الوجود :
وحدة المتكلم.....)