المصاحبة برهان

إنضم
05/07/2014
المشاركات
305
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
العمر
57
الإقامة
مصر
كان كثير من الصحابة رضوان الله عليهم يعرفون بالسورة التي يحفظونها ويصاحبونها، وقد نادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يوم حنين فقال: ((يا أصحاب سورة البقرة))، رواه العلامة أحمد شاكر في عمدة التفسير.


وهذه المصاحبة لها مظاهر منها: مداومة قراءتها وحفظها عن ظهر قلب، وحب سيرتها وعلمها، والعمل بما تحث عليه من أعمال، ومنها كذلك حب قربها وحب مناجاة الله بها.


وهذه المصاحبة قد يعقبها هجران، فمن حفظ يحسن به ألا يهجر أكثر من أسبوع، فإن كان وقته لا يسمح فيتوقف عن حفظ الجديد، بل عليه أن يتعهد حفظة القديم أولى، وأوفى، وأبرك.
ومن مظاهر الهجران أن يهجر تفسيرها فيحسن به كل سنة أن يعاود ويقرأ في تفسيرها، وهو من مدارسة العلم، فإن العلم آفته النسيان.
ومن مظاهر الهجران أن يهجر العمل ببعض ما تحث عليه السورة، بعد أن علم، وعمل.
أما التدبر ومنجاة الله بالسورة والخشوع وكون جلدك يقشعر عند قراءتها، فبعد طول المصاحبة سيأتي بإذن الله، وقد يتأخر سنوات وسنوات، فإن أحسست بشيء من ذلك فهذا برهان على صدق حبك للسورة، فالزمها تنل منازلها في الآخرة، فهو عطاء الله يعطيه من يشاء.


------------
وكنا منذ فترة بدأنا تدبر سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن، فلمن أراد أن يتابع مشكورا أو يشارك مأجورا معنا، فحبذا لو راجع هذا الرابط:http://vb.tafsir.net/tafsir41487/
 
دأب الصالحين



للأنس بالله ومناجاة الله في وقت السحر لذة وحلاوة لا تعادلها لذة إلا لذة الأنس به ومناجاته في الآخرة، ولا يوفق لهذه اللذة والمداومة عليها إلا الصالحين.

وكان الواحد منهم إذا حرم من قيام الليل في ليلة واحدة فتش في نفسه وراجع نفسه وحاسبها ولا يستريح له بال إلا إذا وفقه الله فقام الليل وعاد إلى دأب الصالحين، وتحسس اللذة التي كان قد حرم منها، وعادت له روحه التي كاد أن يخسرها.

ومن أراد أن يصل إلى هذه اللذة ويداوم عليها عليه أن يراعي أمورا عظيمة ويأخذ نفسه عليها، ومنها:
1- لكل مسلم عهد بينه وبين الله يأخذه على نفسه في لحظات الإنابة كلما تاب وأناب من ذنب اقترفه.
ومع مر الأيام فإن الإنسان يتساهل وينسى هذه العهود، لذلك يلزم كل مسلم كل يوم أن يراجع هذه العهود ويجددها وقلبه واع عازم على أن يبقى على العهد الذي أخذه على نفسه.
يلزم على كل مسلم أن يجدد هذه العهود مرتين أو ثلاث مرات على الأقل كل يوم، وخاصة وهو يقرأ سيد الاستغفار، يجدد العهود عند قوله: ((وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت))، وعند قوله: ((أعوذ بك من شر ما صنعت))، ثم يقول في النهاية: ((فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))، وكذلك وهو يقرأ آخر آيتين من البقرة عند قوله: {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا}، وغير ذلك من أذكار تجديد التوبة وطلب المغفرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((واللَّهِ إنِّي لَأستَغفرُ اللَّهَ وأتوبُ إليهِ في اليومِ أَكْثرَ مِن سَبعينَ مرَّةً)).
فتجديد التوبة من أفضل العبادات التي تعين على المداومة على قيام الليل، والأنس بالله ومناجاته في جوف الليل.

2- أن يعتني بأن يملأ قلبه رحمة وتواضعا لعباد الله ابتغاء مرضاة الله، فلا يظلم ولا يسب ولا يلعن ولا يستهزئ ولا يتعالى على عباد الله، بل يكون لين الكلام طيب العشرة وخاصة مع أهل بيته، فإن قساة القلوب إذا قاموا الليل لا يُصلِح القرآنُ قلوبَهم لأنه مُلِأ حقدا وغلا وحسدا وقسوة، فيحرمون من لذة مناجاة الله والأنس به لأن قلوبهم كالتربة المالحة الفاسدة لا ينبت فيها الخير.
فإذا تأخرت عليك لذة الأنس بالله فلا تيأس وفتش عن قلبك وأصلح ما بينك وبين الناس أجمعين، كما يحب الله ويرضى.

3- من أراد أن يداوم على هذه اللذة فعليه أن ينظم حياته كلها، عليه أن ينظم أوقاته فالعمل بمواعيد ودروس العلم بمواعيد والأكل بمواعيد وبنظام دقيق فلا يأكل إلا طاعة وبكميات ونظام دقيق، نظام وضعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والنوم بمواعيد فلا يسهر إلا طاعة فيما رخص فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فمن اختل له نظامه يصعب عليه قيام الليل في نشاط وتركيز، وإنما يقوم يوما وينام أياما، وإذا قام يكون قلبه غير مستعد لهذا اللقاء الرباني.

4- عليه أن يعط كل ذي حق حقه فإن الظالمين ليس لهم عهد عند الله ولا يهديهم الله إلى مناجاته والقرب منه، عليه أن يعط عمله حقه فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، ويعط زائره حقه، ويعط أهل بيته حقوقهم، فإذا استوفى الناس حقهم، بقي حق نفسه، فعليه بالنوم الذي يريح جسده وعقله ليقوم نشيطا، فإذا أعطيت كل ذي حق حقه، بارك الله لك في قيامك، وإن كان قليلا، فتعي ما تقول وتقبل على الله بقلب خاشع ونفس مطمئنة أدت ما عليها.

5- إذا وفقك الله لقيام الليل فلا يكن همك أن تنهي وردك، وتحافظ على الحروف، فإن الله ما وفقك لذلك إلا ليسمع منك كما تحب أن تسمع منه، فقم الليل على السنة اقرأ على مهل وأنصت لكلام رب العالمين ثم ناجي ربك وقف على رأس الآية وخاطبه بما هو أهله، وإذا ركعت عظمه بعظمة ما سمعت منه، وإذا سجدت اسأله من فضله الواسع العظيم فإنه يحب أن يسأل، اسأله رغبة فيما عنده من الخزائن التي لا تنفد، اسأله خشية من ذنوبك التي لا يعلمها إلا هو.

6- فلا تجعل ورد الليل لإقامة الحروف والمخارج والصفات والحركات وضبط الآيات، فإن لك في النهار متسع لتعهد القرآن حتى لا يتفلت، وإنما اجعل ورد الليل مناجاة وقرب، اجعله لتدبر معاني القرآن وتليين القلوب بها، وأن تعاهد الله على العمل بهذه المعاني، وانظر أين أنت من كل آية تمر بك، هل أصبحت من أهلها؟ أم أنك مقصر في حقوقها؟، فإن كنت مقصرا فعاهد الله على القيام بحقها واسأله العون والتوفيق، وإن كنت من أهلها فعاهد الله على الاستقامة والمداومة على الطاعة وأسأله الثبات.

7- كن متوازنا فإن الله يحب أن يسمع منك كما تحب أن تسمع منه وليكن كلامك مقاربا لكلام الله فإذا قرأت نصف ساعة فليكن ركوعك وسجودك وتعظيمك وسؤالك نصف ساعة تقريبا، واحرص على الاستغفار في وقت السحر ولا تشغلنك قراءتك للقرآن عن الاستغفار في السحر، والسؤال من فضله.

جعلني الله وإياكم من أهل قيام الليل ومن المستغفرين بالأسحار، إنه ولي ذلك والقادر عليه.





من كتاباتي/ أبو مالك المعتز بالله محمد جمعة
 
عودة
أعلى