المستشرقون الجدد مقالة للأستاذ أحمد الصويان

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,318
مستوى التفاعل
127
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com

قبل عقود كانت كتابات المستشرق الألماني (هوروفيتش) والمستشرق المجري (بيرانت هيللر) وغيرهما من المستشرقين المعتنين بالدراسات القرآنية، وكتابات غولد تسهير وجوزيف شاخت وغيرهما من المستشرقين المعتنين بالدراسات الحديثية، كانت كتابات هؤلاء جميعاً تحظى باهتمام بعض أهل الأهواء من بني جلدتنا، ثم تراهم يجترون شبهات القوم للتشكيك في القرآن العظيم والسُّنة النبوية، وفي تاريخ الأمة وتراثها العلمي. وكان بعضهم يعرض ذلك الغثاء بحجة البحث العلمي، كما فعل محمد أحمد خلف الله في رسالته عن الفن القصصي في القرآن، وكما فعل أبو ريَّة في تدوين السُّنة النبوية.
وكان بعض المنتسبين للأحزاب الشيوعية والتيارات الإلحادية يتلقفون تلك الشبهات، ويثيرونها في وسائل الإعلام وفي منتدياتهم الثقافية والفكرية لإسقاط حجية الشريعة ومحاربة دين الإسلام.
وفي تلك المرحلة تصدى علماء الإسلام لتلك الحملات الاستشراقية، وكشفوا زيف وتحريف تلك المشاريع التي تدَّعي الحياد العلمي في البحث، وتزعم استخدام الأدوات المعرفية المعاصرة في النقد والتحليل.
ومع مطلع هذا العقد بدأت حملة جديدة لإحياء تلك الشبهات الاستشراقية بأسلوبٍ هجوميٍّ فجٍّ مستفزٍّ أحياناً كما فعل نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وغيرهما، وبأسلوب ماكر مخادع أحياناً كما يفعل الدكتور محمد عابد الجابري، الذي يتدثر أيضاً بالبحث العلمي، ويزعم نقد التراث الإسلامي باستخدام الأدوات المعرفية من التراث نفسه.
وأكثرُ هؤلاء لا يزيد دورهم عن اجترار تلك الشبهات وإعادة استنساخها وصياغتها... والمحصِّلة النهائية الناتجة واحدةٌ؛ فإذا كان محمد خلف الله وأركون وعزيز العظمة يزعمون أن القصص القرآني أساطير لا حقيقة لها، فإن الجابري يزعم أن سياق القصص في القرآن الكريم لم يُقصَد به التدوين التاريخي؛ وإنما هي أمثال مضروبة يراد منها العظة والعبرة، ويزعم أنه (كما يضرب القرآن المثل برجلين أو بجنتين من غير تحديد، وكما يُجرِي حواراً بين أهل الجنة وأصحاب النار والقيامةُ لم تقم بعد، فكذلك الشأن في قصص الأنبياء التي يذكرها؛ إنها للذكر (أي: للموعظة والعبرة). وهكذا فكما أننا لا نسأل عن صحة القصة التي وراء الأمثال التي تُضرَب لموقفٍ أو حالٍ؛ لأن المقصود بالمثل ليـس أشخاصه بل مغـزاه، فكذلك القصص القـرآني في نظـرنا. والصـدق في هـذا المجال - سواء تعلق الأمر بالمثل أو بالقصـة - لا يُلتَمس في مطابقة أو عدم مطابقة شخصيات القصة والمثل للواقع التاريخي، بل الصدق فيه مرجعه مخيال المستمع ومعهوده)[1].
وإذا كان المستشرقون يطعنون صراحة في جَمْع القرآن وتحريِه، فإن الجابري يثني على الجهد الكبير الذي بُذِل في جمع القرآن، ولكنه يرى (أنه ليس ثمة أدلةٌ (قاطعة)[2] على حدوث زيادةٍ أو نقصانٍ في القرآن كما هو في المصحف بين أيدي الناس منذ جَمعِه زمن عثمان. أما قبل ذلك فالقرآن كان مفرَّقاً في صُحُفٍ وفي صدور الصحابة، ومن المؤكد أن ما كان يتوفر عليه هذا الصحابي أو ذلك من القرآن (مكتوباً أو محفوظاً) كان يختلف عمَّا كان عند غيره، كمّاً وترتيباً). ثم زعم أنه (من الجائز أن تحدث أخطاء حين جَمْعِه زمن عثمان أو قبل ذلك)؛ بحجة أن (الذين تولوا مهمة جمعه لم يكونوا معصومين)[3]!
هذه الموجة الجديدة من التضليل والتحريف والخداع، دفعت كثيراً من أهل الأهواء وأدعياء الفكر والثقافة إلى التمرد على الثوابت والتطاول على الحرمات الشرعية، والنقد المتطرف والمتشنج لكل ما هو تراثي. وقد زاد من حدَّة هذه الظاهرة ذلك الفضاء الواسع الذي فتحته شبكة الإنترنت؛ حيث أصبحت بعض المنتديات الحوارية والمواقع الفكرية تقذف بشباكها ليتساقط فيها بعض البسطاء المبهورين ببريق الحرية، وبعض أرباع المثقفين الذين غرهم تعالُم بعض المتفيقهين؛ فتحولت العقلية الانهزامية الهشة بعد الاغترار بتلك الشبهات إلى عقلية متشنجة تدَّعي الشجاعة والجرأة في نقد ثوابت الأمة!
والجدير بالتأمُّل أن الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله تعالى - شهد أن أبا ريَّة كان أفحش وأسوأ أدباً من كل مِنْ تكلَّم في حق أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ من المعتزلة والرافضة والمستشرقين قديماً وحديثاً[4]، وصدق - رحمه الله تعالى - في ما ذهب إليه؛ فكثير من هؤلاء المتطاولين بلغوا من سوء الأدب والفجور الفكري ما تجاوزوا فيه أسيادهم المستشرقين، خاصة في بعض مواقع الإنترنت التي يتستر فيها بعضهم بأسماء رمزية.
وإذا كان أبرز المستشرقين (قد جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام) كما وصفهم الكاتب النمساوي المسلم محمد أسد[5]، فإن بعض مقلديهم من المستشرقين الجدد أضافوا إلى غياب تلك الموضوعية جهلاً ذريعاً في تراث الأمة وأصولها العلمية، وحقداً متجذراً على علماء الأمة وتاريخها الحضاري.
إذاً نحن أمام ظاهرة يجب الوقوف عندها؛ فعجلة التغيير الاجتماعي والفكري تتسارع بشكل مذهل في مجتمعاتنا، وخطابُنا العلمي والدعوي يتغير ويزداد نضجاً، ولكن ذلك يجري ببطئٍ واضحٍ يقصر عن متابعة الواقع في بعض الأحيان.
إننا أمام نازلة تتطلب أفقاً جديداً من العلماء والدعاة، ومن المعالم المهمة التي ينبغي مراعاتها:
أولاً: تربية الأمة على تعظيم النصوص الشرعية، والاستسلام التام لها، وعدم التقدم بين يديها برأي أو اعتراض، وأحسب أن كثيراً من الجنوح والاضطراب الفكري الذي يدفع الشباب إلى التبعية والاستلاب سببه الرئيس هجران النصوص والإعراض عنها.
ثانياً: تحصين الفتيان والفتيات بالعلم النافع الذي يبني اليقين، ويزيل غشاوة الشبهات ونزوات الأهواء. ويتطلب ذلك عناية بالخطاب الشرعي الذي يعلي من شأن العلم والمعرفة، ويرتكز على أساس الحجة والبرهان.
ثالثاً: استخدام الأدوات المعرفية والتقنية الحديثة لمخاطبة الشباب باللغة التي يفهمونها ويتفاعلون معها. ويتطلب ذلك قدرة فائقة على تفهُّم مشكلاتهم واستيعاب التحديات التي تواجههم، بشكل يتجاوز الحواجز النفسية والزمنية التي قد تفصل العلماء والدعاة عنهم.
رابعاً: هذه النازلة تتطلب فريقاً من المتخصصين الأكفياء الذين يتقنون الأدوات الفكرية والمنهجية في الحوار، ويتصدون للاحتساب العلمي على أولئك المستشرقين بعلم وعدل.
وقد يكون تقصيرنا في إعداد هذا الفريق من أسباب انتشار ذلك الباطل وكثرة من يتأثر بهم من الشباب.
خامساً: ترسـيخ قيـم التـدين والعبـادة والخوف من الله، تعالى: إن الحقيقة التي نلمس بعض مظاهرها أن ضعف التدين وقلة الخوف من الله - عز وجل - تجعل عقل الإنسان بيئة خصبة للقلق الفكري والانحراف عن جادة الصـراط المسـتقيم، وتجعـل قلمـه ولسـانه يخــوض في ما لا يُحسِن، ويتطاول بحثاً عن التصدر والأضواء، وصدق المولى - جلَّ وعلا -: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}. [الزخرف: ٦٣ - ٧٣]

ــ الحواشي ـــ
[1] مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول في التعريف بالقرآن (ص 238)، طبع دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2006م.
[2] يعني: أنه قد توجد أدلة محتمَلة على الزيادة والنقصان؛ وهذا أسلوب خطير لإثارة الشكوك وترويج الشبهات.
[3] مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول في التعريف بالقرآن، ( ص210).
[4] السُّنة ومكانتها في التشريع، (ص320).
[5] الإسلام على مفترق الطرق، (ص50).


المصدر : مجلة البيان
 
مقال رائع، فيه نقد عميق وبناء وثيق، جزاك الله خيراً يا د. عبد الرحمن على هذا المقال المتميز، وبارك الله في علم د. أحمد الصويان ونفع به.
 
عندما سئل جاك بيرك قبيل وفاته عام ١٩٩٥ هل ظلم الاستشراقُ الإسلام؟ أجاب بالتأكيد فالاستشراق بدأ منحازا شأن بقية العلوم الإنسانية ثم اتجه ببطء نحو الموضوعية. ثم أضاف أنا لا أسمي نفسي مستشرقا فأنا عالم اجتماع متخصص بالعالم الإسلامي. وكلمة مستشرق اشتُقت لتدل على رجل من الغرب متخصص بدراسة الشرق ( الشرق الأوسط الذي كان يسمى الأدنى ) على الخصوص ثم شمل الشرق كله فيما بعد. ولم تعد كلمة مستشرق سلبية على عمومها إلا في نوع خاص من الخطابات المنغلقة. ويوجد اليوم أكثر من ثلاثين ألف أستاذ متخصص بدراسة الشرق ممن لا ينتمون إليه وهم يمثلون مشارب مختلفة متفاوتة المستوى العلمي والموضوعي والمعياري. وأمتنا بحاجة إلى أدوات الفكر التحليلي والنقد العلمي لتراكمات التراث بعد حاجتها إلى المحافظة على الإيمان وقداسة الدين (ذلك ومن يُعَظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وكل خطاب يتطرف يميناً أو شمالا نحو هذين المطلبين المهمين يكون عرضة للأدلجة وظلم الجانب الآخر أو بخسه أهميته. ومع احترامي لنية الكاتب الكريم وثنائي على غيرته على الدين إلا أن مقاله قد تطرّف يميناً. وهذا النوع من الخطابات على نفعه في شحذ الغيرة على الدين فإنه يقود إلى التعصب ضد المعقول وما أنتجته التجربة العلمية للغرب حين تحول من ثقافة "الأذن العمياء" إلى ثقافة "العين المبصرة" في مسيرة استمرت أربعة قرون وغيرت وعي الناس التاريخي والعلمي ولم يعد بإمكاننا نحن المسلمين الانكفاء على ذواتنا وثني أعطافنا عن الدخول في السياق العلمي لبني الإنسان. إنّ انغلاقنا يجعلنا عاجزين عن دعوة الناس إلى الدين الذي تحتاجه البشرية بأجمعها. وكيف نخاطب العالم إذا كنّا نخاف من كل محاولة عقلية وكأنها كل وكْدها محاربة الدين لأنا جعلنا كل جهود علمائنا الفكرية والبحثية من الدين لا مجرّد اجتهاد بشري يصيب ويخطئ. كان الأستاذ الجابري رحمه الله قد قال إن أكبر عيوب الفكر العربي المعاصر هو التستّر بالأيديولوجي للتغطية على النقص في المعرفي. وهو يعني ما يقوم به الكتاب والدعاة من خلق أقنعة يمجّدون بها الكليات كالقرآن والسنة والسلف للتغطية على ضعف وسائلهم المعرفية في تقريب فهم الناس إلى القرآن والسنة أو المشكلات الفكرية والكلامية في سياقها التاريخي في الحضارة الإسلامية. لا أدخل في مراء مع الكاتب الكريم ولا سيما أن مقاله منقول هنا نقلا لا أنه نشره في الملتقى ولكن كل ما يُقوِّي التدين أو يُقوِّي القدرات التحليلية عند طلبة العلم هو أمر محبب ومندوب إليه شرعا وعقلا. ولا شك أن علماءنا لا يسدون ثغرة النقص المريع في العلوم العقلية عند أبنائنا وعليه فلا بد من خطاب أكثر اعتدالا يبين ضرورة هؤلاء الكتاب في مجالاتهم ويحثّ على النقد العلمي الجاد لأعمالهم. فدراسات الأستاذ الجابري مثلا في القرآن وعلومه دراسات ضعيفة جدا كان من الخير له وللأمة أن لا يخوض فيها لأنه غير مؤهل لها على خلاف مجاله الذي برّز فيه وهو الدراسات الفلسفية التحليلية في "نحن والتراث" وتحليل العقل العربي في مشروعه الكبير برباعيته الخالدة فلا أظنّ أن طالب علم في مرحلة الدراسات العليا وما بعدها يمكن أن يستغني عن أعماله في هذا المجال. لأننا في عصر أصبح فيه النجاح إما عالميّاً أو زائفا ولا يمكن لأستاذ ولا تلميذ أن يصل المرحلة العالمية في البحث ويخاطب الناس خطابا علميا بأدوات البحث العلمي وهو يستغني عن مثل كتابات الدكتور الجابري. لا يمكن حتى تصوّر ذلك. ولا يمكن لمتخصص في أصول الفقه يسعى إلى تقريبه وتطويره أن يتجاهل "بنية العقل العربي" والسبب أن علم الأصول علم عقلي بطبيعته والرجل ذو باع واضح في العقليات وفي كل العلوم العقلية فالشخص الذي بإمكانه الاستغناء عن مسيرة الجابري العلمية هو شخص لديه بديل باللغات الغربية العالمية أما الذي تشكّل له اللغة العربية وسيلته الوحيدة للاطلاع على التحليل الفلسفي فإن استغناءه عن كتب الجابري يجعل منه كاتبا خارج العالمية وخارج التاريخ لأنه لن يستطيع أن يقدم بحثا في مؤتمر عالمي وسوف "يشيخ بين أهله فقط". وهذا قد أصبح اليوم نوعا من الزيف العلمي الذي تعجّ به جامعات العرب التي ترى الناس من اليابان الى الغرب تبني تعليمها بمعايير كونية عالمية وهم الوحيدون الذين يبنون تعليمهم بمعايير محلية وطنية وأخوف ما أتخوف منه أن يلبّي مثل هذا الخطاب المكتوب بحُسن نية حاجة الذين يظنون أن من مصلحتهم تجهيل الناس بالانغلاق على الذات والاعتقاد أن معاييرنا في قياس وتقويم البحوث والرجال كافية مستغنية عن القواعد العالمية. رغم أن الدين شعور صادق في الاتصال بالله تعالى وبكتابه ورسوله وبالأمة وأن العلوم العقلية لا تدعم بطريق مباشر هذا الشعور فتبدو لأول وهلة خطرا عليه إلا أنها توفر كفاءة في البحث والصناعة والفهم والقدرة على التواصل والكتابة والتحليل فهي ضرورة من هذا الجانب حتى إن الدين يخسر كثيرا إذا افتقدها المسلمون وعليه فليس من الحكمة رفض كاتب ما أو باحث ما جملةً وتفصيلا بل يؤخذ منه ما نفع ويُترَك منه ما بدا ضعفه علميا. إنّ الذي يُرفض جملة ويحذّرُ منه على إطلاقه هو الذي نصب نفسه لمحاربة الدين والصدّ عن سبيله عن عمد. أما الذي له دوافع علمية ويصيب ويخطئ فلا يصح رفضه جملةً ووضعُه في خانة الأول لأننا نحن الخاسرون إذا استغنينا عن حقّ وصل إليه في مجال من المجالات. وأحسن شعار لطالب العلم هو الأثر الكريم (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها كان أحقّ بها). الزبدة أن مثل هذا الخطاب مع ما تقدم من تصوّر قد يكون ضرره أكثر من نفعه أقول ذلك على جهة الترجيح إذا كان جمهوره أكاديميا أو طلبة علم مع اعتذاري من كاتبه أن أخالفه الرأي ودعائي له بالتوفيق
 
أخي الفاضل الأستاذ الصالح؛
بعد إعادة قراءة مقالة الأستاذ الصويان، لا أظن أن خطابه مال إلى اليمين متطرفا لأنه يعترف أن الخطاب العلمي والدعوي يجري ببطئ واضح يقصر عن متابعة الواقع في بعض الأحيان، وهذا مؤشر طيب. ثم نرى أنه يدعو إلى استخدام الأدوات المعرفية والتقنية الحديثة لمخاطبة الشباب باللغة التي يفهمونها ويتفاعلون معها.
 
المستشرقون الجدد مقالة للأستاذ أحمد الصويان

الأخ الطيب شايب المحترم من مشكلات التواصل الرقمي سرعته فقد مررت بالمقال فاستوقفني دون أن أرى من نشره ولا من علق عليه قبلي وهم إخوة أعزاء وأساتذة فضلاء لا تسعني مخالفتهم ولكن حين ينشر المرء مقالا فإنه عرضة لقراءات متعددة بحسب ما يثيره في المتلقي ولا يغيب عنكم أن المعنى في نظرية التلقي هو تفاعل بين النص وثقافة القارئ فلا معنى نهائيا لأي نص ما دام لا حد لعدد القراء وانحدارهم من خلفيات ثقافية متعددة. لقد جعلنا تطبيق ملتقى أهل التفسير نعلق ونبدي آراءنا ونحن في باص أو قطار أو طائرة وهذا على نفعه في تنشيط الحوار له تبعات علينا دفع ضريبتها وإن كانت ثقتنا في القلوب الذهبية لإخوتنا الفضلاء في الملتقى هي ما نعول عليه. أطلب منك أن تعيد قراءة تعليقي فلم أتخذ موقفا معاندا لكاتبه الفاضل بل جلبت النظر إلى أن الغيرة على الدين والخوف على الأمة من الفُرقة قد تدفع المخلصين إلى التحذير من كل منتجات العقل أو من كل ما كتبه كاتبٌ ما لتقصيره في حقل من الحقول وفي رأيي أن هذا ينبغي الحذر من ارتكابه لأن ما يصلح لعوام الناس لا يصح مع جميع طلبة العلم . والله عزّ وجلّ من وراء القصد
 
كتب د. عبدالرحمن الصالح،
(( لأننا في عصر أصبح فيه النجاح إما عالميّاً أو زائفا))،
نعم اننا في عصر إما النجاح عالمي، او زائف.
((وأحسن شعار لطالب العلم هو الأثر الكريم (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها كان أحقّ بها))
 
أخي الكريم، الدكتور الصالح:
لم أر في التعليق ما يشير إلى إتخاذ أي موقف معاند للكاتب، ولم أكتب تعليقي بناء على إفتراض كهذا، بل قرأت التعليق فوجدت فيه "ومع احترامي لنية الكاتب الكريم وثنائي على غيرته على الدين إلا أن مقاله قد تطرّف يميناً" ومنه إنطلقت.

من ناحية أخرى وفيما يخص الغيرة على الدين، أظن نحن المحافظين وللأسف الشديد متأخرين كثيرا في الدفاع عن تحفّظنا مقارنة بغيرة أصحاب الإتجاهات الدنيوية على توجهاتهم التي سخروا للدفاع عنها والتبشير بها تقريبا كل الوسائل التقنية والدبلوماسية والإقتصادية والسياسية والفنية بل حتى الرياضية (وهل يمكن فصل الفيفا مثلا عن التفكير بالمنطق الثنائي ربح وخسارة مادية، وهل هي بريئة من خدمة إيديولوجية معينة؟)، أي كل الوسائل المتاحة وذلك تحت شعارات ومسميات عديدة برّاقة وخدّاعة، فأين نحن منهم؟ أتكلم هنا عن كل المحافظين في كل الثقافات، مسلمين وغيرهم. أما التطرف في المحافظة، فشيء غير مرغوب فيه بل غير صحي لأنه يؤدي إلى التشكيك في كل جديد.
 
عودة
أعلى